محافظ القطيف يلتقي مدير عام الأحوال المدنية بالمنطقة الشرقية    "السعودية نحو الفضاء" .. عام على إنجاز تاريخي    القيادة تهنئ الرئيس اليمني بيوم الوحدة    نقل مباراة الهلال والطائي إلى ملعب الشباب    3 وزارات و5 مختصين ب"أمناء مكتبة الملك فهد"    قصاص مواطن تسبب بانقلاب مركبة آخر ووفاته    مدير تعليم البكيرية يرعى حفل ختام الأنشطة الطلابية    فرص تمويل واستثمار ب"كان" من الصندوق الثقافي    ضيوف الرحمن: المملكة بقلوبنا وشكراً للملك    تعليم الشرقية يستقبل الموهوبين بعد مشاركتهم في معرض إنتل آيسف للعلوم والهندسة بأمريكا 2024    السعودية ترحب بالقرار الإيجابي الذي اتخذته النرويج وإسبانيا وأيرلندا باعترافها بدولة فلسطين    خامنئي يؤم صلاة الجنازة على الرئيس الإيراني ومرافقيه    آل هادي يزف ياسر وأحمد لعش الزوجية    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب «المركزي الأمريكي»    أمير القصيم يدشن مبنى الكلية التقنية ببريدة    أمير المدينة يرعى تخريج الدفعة الثالثة من طلاب كليات الريان    السعودية تشارك في المؤتمر الثامن للجنة المستقلة لمكافحة الفساد في هونغ كونغ    «ليوان» تطرح مفهوما جديداً في التطوير العقاري مواكباً مع نظام وافي المعزز لنشاط البيع على الخارطة    اختتام النسخة السادسة من منتدى المشاريع المستقبلية 2024    تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي لمجندات الدفعة السادسة في معهد التدريب النسوي    مناطيد العُلا تتزين ب"النمر العربي والحِجر وخيبر"    75 ملياراً حصاد اليوم الثاني ل"مستقبل الطيران"    وصول البعثة الاولى الى المدينة المنورة لأداء فريضة الحج    تعديل في تنظيم هيئة تنفيذ اتفاقيات حظر الأسلحة الكيميائية    مجلس الطيران العالمي    تسعيني ينال الثانوية قبل وفاته بأيام    الجدعان: نبحث فرص خصخصة ب«البنية التحتية»    منى زكي تجسّد دور «أم كلثوم».. وحفيدها يعترض !    «السعودية للطاقة» الأقل تكلفة لإنتاج الكهرباء من «المتجددة»    700 ألف صك صدرت عبر البورصة العقارية    بتوجيه خالد الفيصل.. نائب أمير مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    أنواع من الشاي الأشهر حول العالم    احذر.. قد يأتيك السرطان من داخل سيارتك !    تلوث الهواء يزيد خطر الإصابة بالخرف !    الأخضر تحت 17 لرفع الأثقال يشارك في بطولة العالم بالبيرو    مجلس تراحم الباحة يعقد اجتماعه الأول لعام 2024 .    فرضية في طريق الهجرة استعداداً لموسم الحج    الرائد .. تذاكر مباراتنا أمام الأهلي متاحة الآن    "تاليسكا" يتصدّر قائمة أكثر اللاعبين البرازيليين تسجيلاً للأهداف خلال هذا الموسم    عقد ضخم ينتظر حارس ليفربول والثقافة السعودية تحفز نجم ال" ميلان" للانتقال إلى روشن    دبابات الاحتلال تحاصر مستشفيات شمال غزة    ترجمة الهوية    أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-2    اطلاق برامج دعوية لخدمة ضيوف الرحمن    تويتر ينتقل نهائياً إلى«إكس دوت كوم»    «تجربة جنونية» لفرنسي يسافر إلى الفضاء لبضع دقائق    اطلع على برامج التدريب التقني.. أمير القصيم ينوه بدور«الشورى»    الدولة واهتمامها بخدمة ضيوف الرحمن    مذكرة تفاهم لتوفير مياه زمزم لحجاج الداخل    أمير المدينة يستقبل المشايخ ومديري الإدارات الحكومية المدنية والعسكرية    نائب أمير الرياض يرعى حفل التخرج بمدارس الملك فيصل    سيدات الشباب يتوجن بلقب بطولة الصالات في نسختها الثانية    هديتي تفاحة    لمرضى الروماتيزم في الحج .. مختص: تناولوا الأدوية في مواعيدها    نائب أمير المنطقة الشرقية يشهد حفل تخريج طلاب كليات الأصالة    أشيعوا بهجة الأمكنة    غرور الهلاليين وتواضع الأهلاويين    نيابةً عن وزير الخارجية.. الخريجي يقدّم واجب العزاء في وفاة رئيس إيران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتح ل"الوسط" دفاتر عهد رئاسي لبناني طويل . الياس الهراوي : التقاعد السياسي غير وارد وسأرفع الصوت عالياً إذا مست الديموقراطية 1
نشر في الحياة يوم 27 - 09 - 1999

لماذا الرئيس الياس الهراوي؟ الجواب بسيط والأسباب كثيرة. الجواب هو ان سلسلة "يتذكر" التي حاورت كبار اللاعبين على المسرح اللبناني، على اختلاف مواقعهم وأهوائهم وانتماءاتهم، تبقى ناقصة ما لم يتح لها التسلل الى ذاكرة الهراوي المثقلة بالعناوين والتفاصيل. والأسباب كثيرة. منذ خروجه من قصر الرئاسة قبل عشرة أشهر لم يدل بأي حديث صحافي. واخراج رئيس سابق عن صمته مسألة تثير شهية الصحافة والصحافيين. وهو صاحب أطول عهد في تاريخ لبنان المستقل 1989 - 1998 اذ لم تتح لأي من اسلافه مثل هذه الاقامة المديدة في القصر. وبعضهم دفع ثمن مجرد ارتكاب حلم التمديد. وهو صاحب أول عهد رئاسي بعد اتفاق الطائف وكان عليه ان يجرب قيادة البلاد بصلاحيات رئاسية مختزلة. وهو أولاً وأخيراً الياس الهراوي بجرأته وصراحته وعفويته... وسهامه اللاذعة التي يصعب ان تشق طريقها الى النشر.
كان عهده الطويل استثنائياً وصعباً ولم يتردد في اتخاذ قرارات بالغة الصعوبة. انتخب رئيساً والبلاد واجمة بفعل اغتيال الرئيس رينيه معوض الذي تطاير جسده مع الاستقلال 22 تشرين الثاني - نوفمبر 1989 بعد 17 يوماً من انتخابه. انتخب للرئاسة لكن قصرها كان في عهدة الجنرال ميشال عون رئيس حكومة العسكريين التي شُكلت إثر شغور مركز الرئاسة في 23 ايلول سبتمبر 1988 لدى انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل. وكان على الهراوي ان يسترجع القصر ففعل بعد قرار صعب ومؤلم دعمت سورية تنفيذه.
كان قدر الياس الهراوي ان يواجه أقوياء وان يشارك أقوياء وكان عليه ان يعاند مرة وان يناور مرة أخرى ليحجز للرئاسة موقعاً يليق بها، ولنفسه مقعد اللاعب البارع في لعبة شديدة التعقيد لا تفسح المجال لأكثر من انتصارات محدودة وهزائم صغيرة تمدد لتوازنات وتجاذبات تحتاج دائماً الى رعاية الراعي كي لا تتحول أزمات مستعصية.
كان قدره أن يلاعب الأقوياء. يصارعهم ويلاطفهم وحين تتراجع الروح الرياضية تسلك الأزمة طريق بيروت - دمشق فتبرد التصريحات ويروح الجميع يتدربون مجدداً على العيش في بيت الزوجية الشائك الذي نسج دستور الجمهورية الثانية صلاحيته وأراجيحه.
كان يترأس مجلساً للوزراء يضم بين أفراده وجبة من "جنرالات" الحرب بكل ما تعنيه من مدافع ومكاسب وانجازات. وحين ألقت الميليشيات سلاحها صارت الحروب تدور داخل "ترويكا" الرئاسات بالتسريبات والمناورات والاعتكافات. وحين تشتد الرياح كانت الأزمات تسلك طريق ضهر البيدر فيترمم الزواج الثلاثي على قاعدة هدنة جديدة.
لم يكن عهد الياس الهراوي عهد أزمات فقط بل كان ايضاً عهد انجازات: إعادة توحيد المؤسسات ونزع سلاح الميليشيات بعد رشوتها بحصة من السلطة واطلاق عملية اعادة الاعمار ومحاولة احتواء التدهور الاقتصادي المروع واعادة لبنان الى الخريطة الدولية ودعم المقاومة للاحتلال الاسرائيلي في جنوب لبنان والبقاع الغربي. وفي ذلك العهد وضعت اسس تلازم المسارين بين سورية ولبنان على قاعدة العلاقات المميزة الوافدة من الطائف والتي ترجمت في معاهدة وقعها الهراوي مع الرئيس حافظ الأسد.
حكى الرئيس الهراوي عن أبرز محطات عهده. روى قصة إزاحة العماد عون وكشف انه نصح الدكتور سمير جعجع قائد "القوات اللبنانية" بمغادرة البلاد فأبى ثم تحول الوزير السابق سجيناً في وزارة الدفاع. تحدث عن الحكومات واعتبر قرار المجيء برفيق الحريري رئيساً للحكومة قراراً صائباً، ونفى ان يكون أحرق رؤساء الحكومات من أجله، لكنه لاحظ ان الحريري رجل صعب. كشف ان الرئيس الأسد فاتحه بالتمديد وانهما كتما السر سبعة اشهر فأخطأ كثيرون. واكد ان الجيش التزم أوامر السلطة السياسية في عهده ونفى ان يكون سعى الى إزاحة قائده يومذاك العماد اميل لحود.
سألناه عن محطات كثيرة وحملنا اليه الاتهامات التي وُجهت الى عهده واتسع صدره فجاءت الإجابات تسلط الضوء وتغني الحوار الذي سينشر على حلقات. وهنا نص الحلقة الأولى:
فخامة الرئيس هل أنت الآن في وضع المراقب أم المتقاعد سياسياً؟
-لا، لست متقاعداً أبداً. أنا في خضم الحياة السياسية. السياسة نوع من الإدمان وأنا فيها منذ 57 عاماً. أوصلت شقيقي الأكبر الى النيابة ثم أوصلت شقيقي الآخر في 1965 في انتخابات فرعية ومنعت من قبل "الشعبة الثانية" وكنت دخلت السجن على يديها في 1968 وخسرت بفارق حوالي مئتي صوت وبفعل تدخلات صارخة ثم فزت في 1972.
ألا يغريك التقاعد السياسي؟
- أعوذ بالله. أنا مستمر في القيام بواجباتي الوطنية. لا أحب كلمة متقاعد. لن أتقاعس عن عمل وطني.
وهل يمكن ان تكون معارضاً؟
- إذا كانت هناك مسألة وطنية معرضة للمس كالديموقراطية والحرية أكيد سأعارض وبصوت مرتفع.
لقب الرئيس السابق يثير قدراً من المرارة لدى بعضهم، ما هو شعوركم بعد نحو عشرة اشهر من مغادرتكم قصر الرئاسة؟
- سؤالك في محله. أنا عكس باقي الرؤساء الذين غادروا الحكم وكانت لديهم غصة. لو استعدنا تاريخ الرؤساء منذ الاستقلال لوجدنا الآتي: ترك الشيخ بشارة الخوري الرئاسة والبلد في حال اضراب، وترك الرئيس كميل شمعون القصر وصوت الرصاص يلعلع، وعندما وصل الرئيس فؤاد شهاب وجد ان بيروت ستكون ثقيلة كمقر فاختار صربا مقراً للرئاسة، بعده بدأ الرئيس شارل حلو في صربا وانتقل الى سن الفيل. كنت بدأت قبل نهاية ولايتي في 1998 أهيئ نفسي للخروج وبعضهم لم يصدق حين قلت ان لا نية لدي في التمديد أو البقاء ولو بنسبة واحد في الألف، وانني سأرفض لو عرض علي ذلك.
لا اشعر بغصة أبداً. ما أردته في حياتي السياسية، خصوصاً في الوضع الذي كان فيه لبنان حين توليت الرئاسة، تحقق منه قدر كبير، أترك للغير ان يحكموا على ما انجزت. لقد فعلت ما لم أكن أحلم بأن نتوصل اليه، واذا كانت السنوات التسع التي أمضيتها في الرئاسة شهدت بعض الاخطاء فجّل من لا يخطئ. هذا يذكرني بما كنت أسمعه في درس التعليم الديني ونحن على مقاعد الدراسة. كان المعلم يقول لنا ان الانسان بطبيعته معرض للخطأ حتى بابا الفاتيكان يمكن ان يخطئ حين يتكلم خارج الانجيل. ليس من حق المرء ان يدعي انه لم تحدث أخطاء خلال تسع سنوات من الممارسة. لم أحقق كل ما تمنيت تحقيقه لكنني حققت الكثير. كلمة غصة غير موجودة لدي وضميري مرتاح.
بين الحكام السابقين من يخشى حكم التاريخ، فهل أنتم من هؤلاء؟
- ليس لدي أي إحباط أو شعور بالقلق والخوف. ليكتب التاريخ ما يشاء. إذا كنت على قيد الحياة لدي جواب على كل سؤال. ما أتمناه هو ان يكتب التاريخ بحياد ونزاهة وان تؤخذ في الاعتبار الظروف التي اتخذت فيها القرارات والخطوات.
في لبنان يحلم كل نائب ماروني بتولي رئاسة الجمهورية، متى راودك هذا الحلم للمرة الأولى، خصوصاً أنك من بيت سياسي؟
- لا معنى للعمل السياسي في غياب الطموح. كان طموحي أبعد من النيابة. أنا انطلقت في زحلة من "الكتلة الشعبية"، ولو بقيت فيها لما تمكنت من دخول الحكومة أو تولي الرئاسة. خلال الحرب التي شهدها لبنان كنت منضوياً في تجمع نيابي ينظر الى التطورات من غير المنظار الذي استخدمه المتحاربون أو المتخاصمون، وهذا التجمع سمي "تجمع النواب الموارنة المستقلين". انتهجنا نوعاً من السياسة أوصلت اثنين من الاعضاء الى الوزارة في عهد الرئيس سركيس وهما الشيخ بطرس حرب الذي تولى حقيبة الاشغال العامة وحقيبة التربية وخلال وجوده في الثانية صار للعلم اللبناني عيد سنوي في 20 تشرين الثاني نوفمبر. وتوليت أنا حقيبة الأشغال العامة والنقل في الحكومة التي شكلها الرئيس شفيق الوزان واستمرت من أواخر العام 1980 الى انتهاء الولاية الرئاسية في 1982. طمحت الى الوزارة وكذلك الى الرئاسة. شاركت في اجتماعات بكركي في 1988 ولم أكن بين الاسماء الخمسة التي سماها البطريرك، لكنني كنت حريصاً على دعم أي اسم من تجمعنا يسميه البطريرك وهذا ما حدث إذ ورد اسم النائب بطرس حرب.
لنعد الى عام 1988 وعشية شغور مركز الرئاسة ماذا كنت تفعل وبماذا كنت تفكر؟
- يذكر الجميع ان المبعوث الاميركي ريتشارد مورفي جاء في تلك الايام بعد محادثات أجراها في دمشق وقال ان سورية والولايات المتحدة توافقتا على ان يكون النائب مخايل الضاهر رئيساً للجمهورية، ونقلت عنه عبارة "مخايل الضاهر أو الفوضى". كانت هناك صداقة تجمعني بالضاهر، وعلى رغم ذلك رفضت ودعوت الى اجتماع في منزلي حضره 14 نائباً. شكلنا وفداً وزرنا الرئيس أمين الجميل وأبلغناه رفضنا تعيين رئيس للجمهورية.
هنا أريد أن أقول ان الشيخ أمين الجميل لم يبذل جهداً لتسهيل انتخاب خلف له، وكان يحلم بالتمديد لمدة سنتين ولا أعرف برنامجه. وفي هذا السياق ذهب قبل انتهاء ولايته بيومين الى دمشق وكان يصحبه في تلك الرحلة من صحبه. عاد الى اجتماع بكركي الموسع بالهليكوبتر.
ماذا جرى في ذلك الاجتماع؟
- وصلنا الى بكركي فرأينا غبطة البطريرك نصرالله صفير مجتمعاً بالعماد ميشال عون قائد الجيش آنذاك. غادر عون ثم وصل الشيخ أمين واختلى بالبطريرك قليلاً ثم بدأ الاجتماع. قال الجميل: "الحقيقة أنني كنت أفكر بالتمديد، ولكن لم أتمكن. معروض مخايل الضاهر اذا وافقتم". رفض الحاضرون هذا الخيار، وعندئذ لم يبق امام الجميل غير تشكيل حكومة انتقالية لتتولى الإشراف على اجراء انتخابات رئاسية في ظل شغور مركز الرئاسة. في اليوم الأخير استدعي النائب بيار حلو الى القصر لتشكيل الحكومة وطلب مني أن أذهب معه لمساعدته. فقلت له أفضل ان تطلب من غيري لأن الأجواء في القصر غير مواتية ووجودي معك لن يريحهم. اجرى حلو اتصالات فيما رئيس الجمهورية منهمك، بتحضير كلمة الوداع. ولم يوفق حلو فاعتذر. وفي تلك الليلة أعلن الجميل الحكومة العسكرية برئاسة عون ثم أذاع رسالته الوداعية. طبعاً جرت قبل ذلك محاولة لإجراء تعديل في حكومة الرئيس سليم الحص الذي تولى رئاسة الحكومة بعد اغتيال المرحوم الرئيس رشيد كرامي لكن المحاولة لم تنجح.
هنا أريد ان أشير الى نقطة. عندما تولى الرئيس الحص رئاسة الحكومة بعد اغتيال الرئيس كرامي في 1987 لم تكن الخطوة دستورية أو قانونية، بل نتيجة اتفاق ضمني بين الرئيس الجميل ورئيس مجلس النواب حسين الحسيني وقبل الحص ذلك. اعتبر رئيساً للوزراء بالوكالة أو التكليف وكانت تلك الصيغة هرطقة.
بدأت الحكومة العسكرية التي شُكلت من أعضاء المجلس العسكري عهدها كنصف حكومة، اذ رفض الاعضاء المسلمون المشاركة. في حكومة من هذا النوع يجب ان يحمل القرار توقيع كل الوزراء، لكنهم تقاسموا الحقائب وانطلق عهد الحكومتين والجيشين وسائر أشكال الانقسام.
لكنك كنت تحلم بالرئاسة قبل ذلك؟
- دعني أعود بالذاكرة الى تلك الفترة. كان تلفزيون المؤسسة اللبنانية للارسال "ال.بي.سي" يبث في تلك الفترة برنامجاً عن انتخابات الرئاسة اسمه "أيها اللبنانيون" تقدمه الآنسة مي كحالة وهو استضاف عدداً من المرشحين وغير المرشحين. اشترطت للمشاركة في البرنامج ان لا يحذف شيء من كلامي وعندما وافقوا قبلت. سئلت في المقابلة: هل أنت مرشح؟ فأجبت: وماذا ينقصني من شروط الترشيح؟ تحدثت بصراحة وأذيع البرنامج كاملاً.
عندما وصلنا الى الطائف كنت مرشحاً عملياً. وقع الخيار على غيري لكنني ترشحت في الدورة الأولى ونلت خمسة أصوات.
بن جديد والأسد
ما هي التطورات التي أدت الى انعقاد مؤتمر الطائف؟
- برزت قناعة اميركية أوروبية بعدم جواز استمرار الوضع في لبنان على ما هو عليه وحصلت ضغوط في هذا الاتجاه. وتبلورت رغبة عربية في عدم جواز ابقاء لبنان منقسماً ومتحارباً. ويجب ألا ننسى ان السلاح الذي كان يصل الى ما كان يسمى "المنطقة الشرقية" كان عراقياً علماً ان السلاح العراقي كان يصل في السبعينات الى الفريق الآخر. وفي عهد الحكومتين كانت المساعدات العراقية التي تصل تقسم بين حكومة عون و"القوات اللبنانية" برئاسة الدكتور سمير جعجع. وفي تلك المرحلة لعبت أجهزة الاستخبارات الخارجية دوراً كبيراً ولهذا كنت أقول: "ليست حرب اللبنانيين بل حرب الآخرين على لبنان". طبعاً قبل الطائف يجب ان نشير الى الجهود التي بذلتها اللجنة السداسية العربية برئاسة الكويت واللقاءات التي عقدت في الكويت وتونس لكنها لم تتكلل بالنجاح.
هنا أريد ان أشير الى نقطة. على هامش احتفالات الفاتح من سبتمبر في ليبيا حصل لقاء بين الرئيسين الشاذلي بن جديد وحافظ الأسد. تمنى الرئيس الجزائري عقد قمة عربية لمناقشة الوضع في لبنان ثم تقرر عقد القمة في الدار البيضاء وكان لبنان غائباً بسبب التشرذم الحاصل. من قمة الدار البيضاء انبثقت اللجنة الثلاثية العربية التي ضمت السعودية والمغرب والجزائر. لم تشارك سورية في اللجنة لكنها أكدت رغبتها في تسهيل مهمة اللجنة، وقد لعب الرئيس حافظ الأسد دوراً بارزاً في دعم اللجنة وتنوير طريقها.
أنا اعتقد بأن الثوابت التي نوقشت في الطائف وصارت جزءاً من دستورنا جاءت من مناقشات اللجنة الثلاثية العربية. وانعقد لقاء الطائف وأعلنت نتائجه.
أريد أن أقول انني لم أكن موافقاً على كل ما أقر في الطائف، لكن هاجس اعادة الشرعية ووقف القتال وتوحيد البلد كانت له الأولوية. لهذا السبب حاولت خلال فترة رئاستي ان أطرح بعض التعديلات التي تصوّب عدداً من المسائل.
من المهندس؟
من كان مهندس الطائف هل هو مبعوث اللجنة الثلاثية العليا الأخضر الابراهيمي أم الرئيس حسين الحسيني أم الرئيس رفيق الحريري؟
- لا أريد المساهمة في توزيع الألقاب ولا في نزعها وبعد الانجاز يمكن العثور دائماً على عدد غير قليل من المهندسين. طبعاً كان للرئيس الحسيني بحكم موقعه دور. وكان للرئيس الحريري، وكان يومذاك الشيخ رفيق، دور سابق طابعه انساني يتمثل في منح دراسية وجرافات لازالة الركام واتصالات. وربما كان لديه طموح سياسي من تلك الأيام اذ لا يولد السياسي بين ليلة وضحاها. الحقيقة ان الأخضر الابراهيمي انطلق من دعم عربي كامل واتصل بكل الفرقاء اللبنانيين، وواكب وزراء اللجنة الثلاثية هذا العمل قبل لقاء الطائف وخلاله وتحركوا لازالة العقبات من دون التدخل في التفاصيل بين النواب. اعتقد بأن الهندسة الأساسية كانت هنا بين الابراهيمي ووزراء اللجنة الثلاثية.
هل ظهر خلال انعقاد لقاء الطائف ان النائب رينيه معوض سيكون الرئيس المقبل؟
- كان المرحوم رينيه معوض يحلم بالرئاسة والأمر نفسه بالنسبة الى المرحوم جورج سعاده. وأنا شخصياً كنت مرشحاً. ظهرت اجواء بالنسبة الى معوض. الجو الذي كان موجوداً خصوصاً من قبل الرئيس الحسيني ومن يمون عليهم كان متجهاً نحو رينيه معوض. كان ينقص هذا الجو ان تأتي موافقة من آل فرنجية. وهنا يجب ألا ننسى أن سورية كانت معنية بالتطورات ولها رأي فيها. ذهب وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الى دمشق وهو بذل جهوداً كبيرة في الطائف ومعه الشيخ رفيق الحريري، وحين عاد منها ظهر ان رينيه معوض سيكون المرشح، خصوصاً أن الرئيس سليمان فرنجية أبلغ دمشق ان لا اعتراض لديه على انتخاب رينيه رئيساً. هكذا حصلت الانتخابات ولم يفز في الدورة الأولى. انا انسحبت في الدورة الثانية. ترشحت على رغم معرفتي النتائج لسببين: الأول طموحي والثاني للرد على من أشاع ان كل الذين ذهبوا الى الطائف حصلوا على ما يكفي لاسكاتهم وأردت ان اؤكد ان لا أحد يستطيع اسكاتي أو منعي من اتخاذ موقف.
طائرة الحريري
قبل توجهكم الى القليعات لانتخاب الرئيس وخلال وجودكم في باريس قيل ان الرئيس رينيه معوض ذهب سراً، في طائرة الحريري، الى دمشق والتقى الرئيس حافظ الأسد؟
- أنا كنت أقيم في فندق والرئيس معوض أقام في منزله. يومذاك لم أكن على علم. سمعت لاحقاً أنه ذهب في طائرة الشيخ رفيق الى دمشق وعاد بعد الاجتماع الى باريس.
هل كان الرئيس الحريري يعمل لرينيه معوض حينذاك؟
- أفضل ان توجه السؤال اليه.
وهل بذل جهوداً لديك لسحب ترشيحك؟
- نعم حاول وقال لي ان الأمور منتهية وأن رينيه سيكون الفائز. رفضت الانسحاب للأسباب التي أوضحتها سابقاً. في الطائرة المتجهة الى القليعات كان واضحاً ان رينيه سيكون الرئيس وكان الأستاذ ادمون رزق يكتب له خطاب القسم الذي عرض أيضاً على الأستاذ نصري المعلوف. حصلت الدورة الأولى نال رينيه 34 صوتاً وجورج سعادة 16 صوتاً وأنا 5 أصوات.
اغتيال... وانتخاب
اغتيل الرئيس معوض كيف صرت الرئيس؟
- يوم عيد الاستقلال أتيت من زحلة لأنني من النواب القلائل الذين يقيمون في الشرقية والذين لم يعتبروا أنفسهم مهجرين. كنت بين المهنئين في السرايا وطلب مني أن أبقى الى فترة بعد الظهر قائلاً انه سيفرغ من تشكيل الحكومة ويريد أن يسألني من أرشح من تجمع النواب الموارنة المستقلين. ضحكت وقلت له لماذا تحملني هذه المسؤولية أنا سأؤيد من تختاره أنت.
كنت في طريق عودتي الى زحلة ولدى وصولي الى نبع الصفا استوقفنا حاجز عليه أربعة شبان وراحوا يقولون: "لا يريدون قيام الدولة لقد قتلوا رئيس الجمهورية". فتحت الراديو واذ بي اسمع موسيقى كلاسيكية. وصلت الى زحلة وتلقيت اتصالاً من زملائي في تجمع النواب الموارنة المستقلين أبلغوني فيه انهم آتون لزيارتي وأنهم سيدعمون ترشيحي. عارضت العائلة لكنني لم اقتنع. صباحاً وصل نحو 25 من الزملاء النواب وقالوا تفضل قلت الى أين؟ فأجابوا ان السيد حسين الحسيني دعا الى اجتماع وغداء للنواب في بعلبك فقلت لهم أنني لم أبلغ بالدعوة. الحوا فذهبت على رغم أنني لم أكن مدعواً. في تلك الليلة تلقيت نصيحة بعدم العودة الى زحلة. سألت عن السبب فقيل احتياطات أمنية لأن الأنظار متجهة اليك بالنسبة الى الرئاسة وانتقلنا الى بارك اوتيل في شتورة وانتظرنا وصول النواب من باريس. لم تستطع الطائرة الهبوط في مطار رياق فهبطت في دمشق وكانت السيارات في انتظارهم. اكتمل النصاب. اذكر أن صائب بك سلام جاء من جنيف. بدأت الاجتماعات مساء ودعا الرئيس الحسيني في اليوم التالي الى اجتماع تمهيدي للبحث في مكان الانتخاب ولم أبلغ بالدعوة. اصر زملائي فنزلت الى الصالون وطلبت الكلام في الاجتماع. قلت انني لم أبلغ بالاجتماع واعلنت أنه ما دام الترشيح في هذا الظرف الصعب يعني التضحية والشهادة فليسمح لي ان أكون شهيداً بين هؤلاء الشهداء وبالتالي أنا مرشح.
لاحظت ان بعضهم امتعض من كلامي. طرحت فكرة الذهاب مجدداً الى القليعات فعارضت خوفاً من أن تفسر وكأنها نوع من التحدي اذ لم يكن الرئيس معوض قد دفن بعد. قلت اذا كنتم تريدون الانتخاب على أرض لبنانية حكومية فهناك مطار رياق. وذكرت بأن الرئيس الياس سركيس لم يتمكن من أداء اليمين الدستورية في بيروت فعقدت جلسة القسم في شتورة بارك اوتيل. اقترحت المكان نفسه وعند الضرورة في مطار رياق واتفق على بارك اوتيل. جرى الاقتراع. لم أحصل في الدورة الأولى على النسبة المطلوبة دستورياً. في الدورة الثانية عثر على ست أوراق بيضاء. لم أحاول ان أعرف من هم هؤلاء الستة وأسلوب تبييض الوجه معروف. ما أذكره هو أن النائب ميشال ساسين علم باكتمال النصاب ورفض ان ينزل من غرفته الى قاعة الانتخاب ثم غادر الى باريس ومكث ستة أشهر في الفندق ثم عاد الى لبنان.
بين اغتيال الرئيس معوض وانتخابك ألم تذهب الى دمشق؟
- لم أذهب. هنا أريد أن أقول إن المقابلة التلفزيونية كانت صريحة وواضحة بحيث انني لم أعد احتاج الى الذهاب وكأنني احتاج لنيل شهادة حسن سلوك. قلت قناعتي علانية في شأن العلاقات اللبنانية - السورية وكذلك في الشأن الداخلي.
هل تقصد أنك لم تتلق أي اشارة من دمشق؟
- الكلام الذي قيل لي عن ضرورة عدم التوجه الى زحلة حرصاً على أمني كان بإيحاء سوري وهذا يعني أنني كنت ضاحكاً المولود المنتظر لرئاسة الجمهورية. لست غبياً الى درجة عدم فهم الاشارات. انا لم اجتمع بالرئيس الأسد الا بعد اسبوع من انتخابي.
ألم يكن لديك شعور بالخوف ساعة انتخابك؟
- يشهد الله أنني اؤمن دائماً بالمقدر واعتبره كائناً لا يمحى. لم يرف لي جفن حين كنت أمر على الحواجز المسلحة خلال الحرب. وحين توليت ترتيبات اخراج "القوات اللبنانية" من زحلة في 1981 قيل لي ستقتل غداً بين زحلة وتعلبايا ولم أخف وأذكر أنني أجبت انه إذا خلّصت زحلة وقتلت من أجلها لا اعتبر ذلك كثيراً عليها.
ماذا بعد الانتخابات؟
- تركت بارك اوتيل بعد ثلاثة ايام وذهبت الى ثكنة أبلح واستضفت في بيت صغير يضم غرفتين للنوم وداراً بسيطة وهو بيت المسؤول عن "الشعبة الثانية" في الجيش اللبناني في البقاع يومذاك وهو اللواء جميل السيد مدير الامن العام حالياً. كان البيت المخصص لقائد المنطقة متروكاً ويحتاج الى تجهيز. انتقلت الى هذا البيت لاحقاً. أمضيت في البقاع 44 يوماً.
ردّ مهدداً
مَن أخذ القرار بإزاحة ميشال عون؟ من قام بالوساطات؟ هل الاخضر الابراهيمي؟
- لم يأت اليّ الاخضر الابراهيمي. انا كنت متمنياً ان اخلص القضية بنفسي مع ميشال عون وان أعيّنه وزيراً اذا أراد. وعرضت عليه ذلك بواسطة رُسل خير. الكلام تركي. كان يسبّهم. وكان لا يزال في القصر. وطلبت منه تسليم الجيش الى اميل لحود من دون ان نرتكب مجازر بعضنا مع بعض. وآن الأوان لتقف الدولة اللبنانية وعفا الله ولن نقرّب صوبك لا من قريب ولا من بعيد. واذا أردت أُعيّنك "سوبر وزير".
ولكن ليس وزيراً للدفاع؟
- لا. لا. رفض ولم يفكر دقيقة واحدة وقال لهم على ما اذكر في آخر ليلة حين شددت عليه: قولوا له لي ان شاء الله يطلع الضوء عليه حيّاً. وكان سيرسل في اليوم التالي وفداً لمفاوضة فريق من السوريين في ضهور الشوير.
ما هي العوامل التي سهّلت ازاحة عون؟
- اولاً قرار ازاحة عون أنا اتخذته. ولا أخجل في اي شكل من الاشكال. وبحثت هذه النقطة في مجلس الوزراء، ايام سليم الحص، منهم مَنْ كان موافقاً ومنهم من خاف هدر الدماء. وكنت وضعت في بالي، اذا لم أُنجز هذه القضية، الرحيل الى منزلي. هل أنا فرح بأن اكون رئيساً للجمهورية ومُهجّراً من جزء منها. اذكر كلما كنا نريد اتخاذ قرار كان بعض الوزراء وفي مقدمتهم ادمون رزق، يقدم لي محاضرة متسائلاً: "لماذا تتخذ هذا القرار والحكومة حكومتان والدولة دولتان؟".
ألم يسهّل غزو العراق للكويت ازاحة عون؟
- القرار كان في جيبي وهو بسيط. ثلاث صفحات تبرر القرار الذي سأتخذه تاريخياً. تليت في مجلس الوزراء. والقرار ثلاثة اسطر: "يكلف الجيش اللبناني بقيادة العماد اميل لحود وضع حد للتمرد. واذا كان غير جاهز على صعيدي العدد والعدّة، بموجب اتفاق الطائف، يمكنه ان يستعين بالقوات السورية المتواجدة على الارض اللبنانية". هذا هو القرار. والجلسة استغرقت اربع ساعات ونصف الساعة وكانت قبل ازالته بأسبوع او اقل. الجلسة كانت الاربعاء وأُزيح السبت في 13 تشرين الاول اكتوبر.
هل كان الرئيس الحص متردداً في استخدام القوة؟
- اولاً لا يمكنك ان تقول للرئيس الحص ان هناك مشكلاً قد تسقط فيه نقطة دم. هذه طبيعته. ولكن بعد مجادلة اربع ساعات ونصف الساعة وجد ان اكثرية الوزراء اصبحت معي، علماً انني قلت لهم: "لا اعدكم بشيء وليس لديّ خطة محكمة جاهزة، قد أُوفّق وقد لا أُوفّق". وانا كنت قد درست الوضع، بيني وبين نفسي، في المنطقة. فلا الاميركي يسمح بذلك ولا الفرنسي يسمح بذلك خصوصاً ان السفير الفرنسي رينيه آلآ كان يقول لي: اسمع انكم تريدون ازاحة عون عسكرياً. ستخسرون عشرة آلاف عسكري ولن تستطيعوا ازاحته. لا بالمروحيات ولا بالطائرات لان المنطقة كلها ملغومة. كان واضحاً ان الفرنسيين معه. الاميركيون لم يقولوا مرة استعملوا القوة. وكان الجواب: ان الامر لبناني. اذا وُفّقتم تهنؤون وان لم تُوَفقوا نسكت. اما اذا وقع ضحايا فسنحتج ونصدر بياناً ضدكم. هذا ما قالوه.
هل بحث الرئيس الاسد مع وزير الخارجية الاميركي يومذاك جيمس بيكر في هذا الموضوع؟
- لا. حين انتهينا من ميشال عون لم يكن احد في المنطقة واعياً اذا كان هناك عون ام الياس الهراوي. الجيوش كلها تزحف الى منطقة الخليج ليخلصوا من صدام وتحرير الكويت.
الجنرال يخسر القصر
كيف تدخّل سلاح الطيران السوري ولم يحتجّ الاسرائيليون؟
- طائرة واحدة حلّقت وليس اثنتين. واحدة مرّت وألقت قذيفة قرب الانطونية وليس على القصر الجمهوري فركب هو عون فوراً بالملالة ورحل الى السفارة الفرنسية وراح يفاوضني من هناك، فلم أردّ عليه على الهاتف. اتصل بي السيد ألا السفير الفرنسي وقال: "ان عون يودّ التحدث اليك". فقلت له Merci لا اريد التحدث اليه. فقال: "لا وسيلة عنده ليقول انه رضخ". فقلت له "عنده اذاعة الFM". قال: "لا يوجد اتصال". فقلت له: "كيف تتصل بي؟ ولماذا تتصل بي؟ اتصل باذاعته". واذا بهم في التاسعة يبثون كلامه: "اطلب الى جميع القوات في الجيش اللبناني ان تضع نفسها في تصرّف العماد اميل لحود". لماذا وقع ضحايا؟ لانه لم يبلّغ غرفة عملياته ان توقف. القوة المشتركة من الجيش اللبناني والسوري، الآتية ثلاث فرق من ثلاث نواح: فريق في اتجاه بيت مري، وآخر نحو القصر الجمهوري عن طريق عاليه - ضهر الوحش، وثالث من بسوس. القوة التابعة لعون لم تُبلّغ بوقف النار. دخل المهاجمون من دون اطلاق نار حاملين العلم اللبناني ويذيعون بمكبّر الصوت: "سلام يا اخوان". واذ تأتي فرقة وتحصدهم وحكي يومها عن وقوع مئات القتلى من الفريقين.
من قاد العملية عسكرياً؟
- من قبل الدولة اميل لحود.
هل كان لديكم برنامج لاعتقال ميشال عون؟
- لو بقي في القصر مؤكد انه كان اعتُقل. ولكن كنت اكيداً انه سيرحل لانه جرّب الطريق ودرسها، وعلمت قبل نحو عشرة ايام ان ملالة تقيس الطريق من القصر الى السفارة وكم تستغرق؟ ومجرد ان شعر بجدية التهديد ركب في الملالة وترك زوجته وبناته.
هل أخرج ايلي حبيقة عائلة عون الى السفارة؟
- لا. وصل الى القصر ضابط سوري. وقال لزوجة عون بالحرف الواحد: "سيدتي تربينا على احترام السيدات. خذي وقتك اذا قررتي البقاء هنا إبقي واذا قررت الرحيل ساعة تأمرين نحن في خدمتك نوصلك حيث تشائين". وضّبت اغراضها بنحو عشر ساعات في 13 حقيبة. في هذه الاثناء وصل حبيقة فقال لها: "هل تعرّض لك احد؟". قالت: "لا". فقال لها: "ساعة تأمرين انا حاضر". هذا ما علمته فيما بعد، وأوصلوها الى السفارة.
أقام في السفارة مدة طويلة، ثم أُجريت ترتيبات خروجه؟
- في السفارة ارتبكوا به وليس نحن اذ لحق به اللواء عصام ابو جمرة واللواء ادغار المعلوف والنساء. واصبحوا جميعاً هناك. اكلاً وشرباً ونوماً.
هل كان اجراء نفي؟
- لا. طلب الفرنسيون ان يأخذوه. انا لم احتم عليهم ذلك. والدليل اننا اصدرنا قانون عفو وشمله. ولكن طبعاً، لا استطيع لا انا ولا غيري، ان نعفو عن ليرة واحدة متوجبة عليه للدولة.
أهذا هو الجانب الوحيد العالق في موضوع عون؟
- نعم فقط قصة عملة. والقرار كان مُعللاً: فيما اذا تعاطى العمل السياسي خلال خمس سنوات او صرّح او كذا… فهذا العفو كأنه لم يكن. عقد بعد خروجه مؤتمرات صحافية كثيرة. لم نثر المسألة. لاحقاً جاء الفرنسيون ورتّبوا له موضوع رحيله. وانا قلت لهم اذا اراد البقاء في منزله فليبق ولن نتعرض له. لا مانع عندنا، خصوصاً بعدما امسكنا بزمام الامور. فقالوا: "الافضل ان يرحل". واحضروا جنرالاً من هناك على رأس فرقة. وطلبوا مساعدة الحرس الجمهوري والامن العام، واخذوه بحراً لا براً.
صدام سابق
أكنت تعرفه؟
- ولو. كيف لا اعرفه؟ فهو صهرنا متزوج من زحلة وبقيت علاقتي به جيدة الى تاريخ 17 آذار مارس 1989 هو تولى في 23 ايلول "سبتمبر" 1988 وبقيت علاقتي به جيدة الى 17 آذار. حين ذهبت الىه وتشارعت معه وقلت له: "لن ترى وجهي". واذكر ان الجدل كان على اطلاقه قذائف على منطقة الاونيسكو. فقلت له: "انت تقصف المرافئ والمنطقة الغربية، هل يمكنني ان اعرف على ماذا انت مسنود؟ ضحايا الباص من الاطفال 38 ضحية. واذا اردت ان تقول ان السوريين قصفوا فهذا كلام . انت قصفت والمصدر واضح. ماذا تريد من المرافئ أبقيت مفتوحة ام لا؟ اخذت مرفأ بيروت فلم يرضوا معك والدليل انهم لم يبقوا لك الوزراء الثلاثة المسلمين. وشكّلوا حكومة ثانية. طوّل بالك لنرى الى الحل الديبلوماسي، ونحن نفاوض لك في الشام مع اصدقائنا واذا اردت نوصلك الى الرئاسة أتريد اكثر من ذلك؟".
ولكن، عبثاً. لا يتكلم بمنطق. أكلمه من الشرق فيردّ عليّ من الغرب. وكان ذاهباً بالهوجة يصفقون له في الخارج.
اجتمعنا في 17 آذار وبعد ذلك لم أره الا قبل ذهابنا الى الطائف حين طلب استقبال النواب وكنّا 26 نائباً. واستقبلنا في القبو وليس في الطابق العلوي، خائفاً من ان تأتيه ضربة. وكان بيننا نحو اربعة مسلمين والبقية مسيحيون. وللاسف، البخور دارج في لبنان في اي وقت كان. فبدأوا بالاشادات. قال: "نحن اوقفنا المدفع ونحن طلبنا هذا الاجتماع الذي سعى اليه الاخضر الابراهيمي ولكن سأقول لكم: لا تذهبوا الى هناك وتفرّطوا بلبنان. وعسى ان يكون فيكم الأمل كي لا يمرغوا لكم أبوازكم، مرغ البوز بقليل من الدبس او العسل". البعض قال: أطال الله عمرك. الله يخليك يا من ردّ شرفنا. رفعت اصبعي، وكان يسجّل المحضر مدير القصرالجمهوري جوزف جريصاتي، وقلت له "Mon General كل هذا الكلام الذي تقوله نحن نربأ بك ان تتهم اناساً أوادم بكلام لا طعم له". اذكر ان رينيه معوّض شدّ عليّ وقال: "اسكت ولا تتكلم لأن العيون مفتوحة عليكم".
فقلت له بصوت عال: "فيك تسكت". وقلت له عون: "البابور يخرج، يوماً بعد يوم، ثلاثمئة راكب من جونيه، اين اصبح المسيحيون؟ ماذا نفعل للمنطقة؟ اعذرونا ايها الاخوة المسلمون". فقال: "لا اسمح بهذا الكلام". فقلت له: "لماذا جمعتنا؟ لتقول لنا امثولة ونسكت. نحن ذاهبون الى الطائف فاذا اقتنعنا وافقنا واذا لم نقتنع فلن نوافق. ولا تتهمنا لا بمرغ بوز ولا ببوسة بوز". قال: "لا اسمح بهذا الكلام". فقلت له: "تسمح به". وساندني طارق حبشي ونديم سالم. وقالوا له: "أحضرتنا لنسمع رأيك وتسمع رأينا. واذا كنت متوافقاً مع الاخضر الابراهيمي لماذا أحضرتنا؟". تجادلا معه، وانتهت، وقال لي رينيه: "هذه المرّة سيعتدون عليك". فقلت له: "يعتدون على هونيك شغلة".
رحلنا. ذهب فريق كبير عن طريق قبرص بعدما انتقلوا اليها بالمروحيات. اما انا فذهبت عن طريق المطار.
يبدو انك لا تكنّ مودة للابراهيمي؟
- لا. جاء بعد انتخابي ودعوته الى الغداء مع زوجته. لم اكن طرفاً في المفاوضات التي اجراها مع المتقاتلين.
كم مرّة التقيت الرئيس الاسد خلال وجودك في الرئاسة على مدى 9 سنوات؟
- نحو 20 مرة. في اول الامر، بعد عون، كانت اللقاءات كثيفة وفيما بعد اصبحت كل ستة اشهر. واقول لك لو لم تحصل قضية الكويت وتشغل الجميع فلم يعودوا ينظرون الى ما يحدث في لبنان لكانت صعبة عليّ.
الساعة الصفر؟
أنجزتموها من دون ترتيب ما بأن يقبل الاسرائيليون بتدخل الطيران السوري؟
- من دون ترتيب، ولم يعرف في لبنان احد سواي في اي ساعة ستحصل، ولم نراجع الاميركان.
مَنْ كان يعرف بالساعة الصفر؟
- انا. وفي سورية الرئيس الاسد. وحين أرسل نائب رئيس الاركان وأقام في عاليه اخبره. وانا اخطأت يومذاك. نحن غيّرنا الساعة اما هم فلا. الساعة السادسة خبطت على رأسي وقلت: هل عدلوا رأيهم؟ فقالوا لي: طوّل بالك لم تحن بعد، عندما تبلغ السابعة عندك تكون عندهم السادسة. ثم، في هذا الوقت، تحمّمت في هدوء وارتديت ملابسي وراحوا يخبطون على باب الحمام. سأل عنك وزير الدفاع والجنرال.
وبعد العملية جاء اليّ عمر مسيكة وأدرنا التلفزيون فرأيت الدكتور سليم الحص يقول: "ايها المواطنون" يبشّرهم بانتهاء التمرد. فعدت بالذاكرة الى ما حصل في مجلس الوزراء، ثم جاء الحص. وقال: "مبروك". فقلت له: "شكراً مبروك للبنانيين والله يقدّرنا لنقيم دولة". وسألني: "يبدو انك ذاهب". فقلت له: "لديّ كلمة، سأوجهها الى اللبنانيين وأعود اليك"
الأسبوع المقبل:
نصحت جعجع بالمغادرة فأبى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.