كانت نهاية خطف السياح الأجانب في اليمن مأساوية ودموية بالمقارنة مع كل عمليات الخطف السابقة خلال السنوات الماضية، ليس فقط بسبب عدد السياح 12 بريطانياً وأميركيان والمانيان، ولكن لأن الخاطفين بدأوا يقتلون رهائنهم. ولم يعلن المختطفون من جماعة "الجهاد" مطالب محددة ولم يعطوا فرصة للتفاوض عليها، سوى ما قيل عن انهم طالبوا باطلاق عدد من عناصرهم المحتجزين في سجن أبين. وأسفرت عملية الاقتحام عن مقتل أربعة أجانب واصابة عدد من أفراد القوة التي اقتحمت الموقع. ومن جهة أخرى، فإن تمكن قوات الأمن من الافراج عن السياح في عملية الاقتحام، جعل فترة الخطف واحدة من أقصر فترات الاختطاف التي تعرض لها الأجانب في اليمن، إذ لم تتجاوز 30 ساعة تقريباً 28 - 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وكان دافع الاسراع لتحرير الرهائن طبقاً لمصدر يمني مسؤول ما بلغ السلطات من أن الخاطفين بدأوا قتل الرهائن. وهذا السبب إن صح، يجعل الحادثة الأولى من نوعها في اليمن، إذ أن كل عمليات الخطف السابقة ندر أن تعرض فيها أجنبي للقتل أو حتى للأذى أو المعاملة السيئة، وهذا - بحد ذاته - يضفي على الحادثة طابعاً سياسياً، إذ ان عناصرها ينتمون الى جماعة اسلامية، مع الأخذ في الاعتبار بأن المعلومات التي توافرت عنها خلال ال 24 الساعة التالية لعملية الاقتحام، لا تزال شحيحة، خصوصاً ما يتعلق بكثير من التفاصيل والملابسات التي رافقتها. فالمصادر المعنية اكتفت بتصريح مقتضب لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية سبأ. اما المختطفون فلم يصدر عنهم شيء. وطبقاً لما جاء في تصريح المصدر الرسمي في وزارة الداخلية اليمنية، فان الخاطفين بدأوا بقتل ثلاثة بريطانيين مارغريت وايت وبيرت ميتسون ورون ولسون، وهذا ما دفع قوات الأمن الى الاسراع باقتحام الموقع "بعد أن سد الخاطفون الأبواب أمام أي تفاوض لاطلاق سراح المختطفين وضمان سلامتهم". وتمكنت قوات الأمن من تحرير بقية المختطفين إثر اشتباك نتجت عنه اصابة اثنتين من الرهائن سيدتان أميركية وبريطانية، ومقتل ثلاثة من أفراد المجموعة الخاطفة، منهم شخص مصري الجنسية يدعى أسامة المصري، قالت المصادر اليمنية انه "أحد العناصر المطاردة من قبل أجهزة الأمن اليمنية وهو مطلوب للعدالة لضلوعه في عدد من الأعمال التخريبية في اليمن". والآخران يمنيان كما يبدو علي الخضر الحاج وأحمد عبدالله برشا. وأوضح المصدر انه قبض على ثلاثة من "أفراد العصابة" منهم "أبو الحسن المحضار زعيم العصابة والمدبر الرئيسي لعملية الاختطاف، وأحمد محمد عاطف وعبدالله محمد عاطف" وهما يمنيان. وتوفي أحد الجرحى من المخطوفين وهو بريطاني الجنسية يدعى اندرو كولن في المستشفى متأثراً بجراحه. وأفادت التحقيقات الأولية بأن أهداف المجموعة "القيام بأعمال تخريبية واعتداءات تستهدف بالدرجة الأولى، السياح الأميركيين والبريطانيين". وأعاد ذلك الى الأذهان ما صرح به في 25 كانون الأول الماضي أسامة بن لادن من استباحة قتل الأميركيين من دون تفريق، "لأن ثلاثة أرباع الشعب الأميركي أيد الرئيس كلينتون في ضرب العراق". اضافة الى ما نشره بعض صحف المعارضة في صنعاء، منتصف الشهر الماضي، من أن مبعوثاً يمثل ابن لادن وصل الى محافظة أبين لتسوية الخلافات بين قيادات الجماعات. وذكرت الصحف أن بين تلك الجماعات واحدة باسم "جماعة ابن لادن". ولم تتأكد صحة هذه المعلومات من مصادر أخرى. إلا أن مجمل الأحاديث والأخبار التي يتناقلها الناس، في اليمن بالذات، عن هذه الجماعات ومعسكراتها وتحركاتها، يطرح كثيراً من التساؤلات والتوقعات المشوبة بالقلق لدى مختلف الفئات تقريباً، خصوصاً ان مثل هذه الأحداث وما تمثله من اختلالات أمنية لا تدفع السلطات كما هو مفترض، وكما يردده العامة الى حلول حاسمة ومعالجات شاملة. وبحسب مصادر "الوسط"، فإن ما يجب أخذه في الاعتبار في هذه الحادثة، ان خطورتها من وجهة نظر السلطات، في الدرجة الأولى، تكمن في آثارها على الصعيدين المحلي والخارجي، اذ جاءت في منطقة أبين حيث تتركز الجماعات الاسلامية ومعسكراتها منذ العام 1992، وأن حساسيتها بالتالي تجعل أي حادث قابلاً للانفجار الواسع، خصوصاً ان مفاوضات السلطات مع الجماعات منذ تشرين الثاني نوفمبر الماضي لإخلاء المعسكرات وتفريقها، لم تنجح حتى الآن، بمعنى أنها لم تحسم المشكلة، نظراً الى الخلافات بين قيادات الجماعات حول التعويضات التي ستقدمها الحكومة. كما جاءت الحادثة في ظل خلاف اشتد بين فصائل من جماعة "الجهاد" من جهة، والسلطات في محافظة أبين من الجهة الثانية، وأدت تطوراته الى اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن والجماعة في منطقة الحصن في محافظة أبين في 18 و19 كانون الأول الماضي. قاد فصائل الجماعة الشيخ صالح حيدرة العطوي، وهو شيخ آل عطية - إحدى قبائل يافع 50 كيلومتراً غرب عدن وقيادي في جماعة "الجهاد الاسلامي". ويرأس هذه الجماعة الشيخ طارق الفضلي عضو اللجنة الدائمة المركزية للمؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم، وتربطه علاقة جيدة مع قيادة هذا الحزب وكان الفضلي يعسكر بجماعته في جبال المراقشة في محافظة أبين استعداداً لمهاجمة قادة الحزب الاشتراكي منذ ما بعد الوحدة، ثم شدته قيادة حزب المؤتمر اليها، وصار عضواً في لجنته الدائمة، إلا أن جماعته ظلت موجودة وخاضعة لقيادته. وحسب مصادر فإن أسباب الخلاف والاشتباكات التي ظهر فيها الشيخ العطوي طرفاً مواجهاً لسلطات الأمن تعود الى معلومات تلقتها أجهزة الأمن بأن العطوي وعناصره يخططون لضرب المصالح الأميركية في اليمن انتقاماً لقصف القوات الاميركية للعراق. وذُكر أن الهدف الأول لهجومه المزمع فريق من العسكريين الأميركيين الذين حلوا بأحد فنادق عدن، في نطاق مهمة لمساعدة اليمن على نزع الألغام. وانتهت الاشتباكات من دون اصابات تذكر إثر تدخل الشيخ الفضلي، وأخذه الشيخ العطوي وعناصره الى أحد معسكرات "الجهاد"، ثم - طبقاً لأنباء صحافية - الى قيادة لواء مدينة زنجبار حيث طلب العطوي أن يُسلّم الى بعض القادة في صنعاء. وكانت سلطات أبين المحلية اتهمت العطوي في وقت سابق ببعض التفجيرات في المنطقة وتمت محاكمته في صنعاء، إلا أنه لم يتعرض للتوقيف. من جانب آخر، جاءت حادثة الخطف الأخيرة عقب اعلان اليمن موقفها الرافض لضرب العراق ودعوتها الى عقد قمة عربية لبحث الأزمة وهو موقف انعكس سلباً على العلاقات اليمنية - الأميركية، فضلاً عن التظاهرات والبيانات الشديدة اللهجة التي صدرت عن مجلس النواب اليمني والأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات والنقابات الأخرى وما أحدثته من رد فعل ضد العملية الأميركية - البريطانية بقصف العراق وصلت الى حد دعوة الأحزاب والنقابات اليمنية الى مقاطعة السلع الأميركية والبريطانية. كما جاءت حادثة الخطف في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية العراقي يزور صنعاء. وتظهر خطورة حادثة الخطف الأخيرة بقدر أكبر لدى مقارنتها بخطف الألمان الأربعة، ثلاث سيدات ورجل الذين تلقوا تهاني وهدايا عيد الميلاد من أسرهم وهم لا يزالون رهن الخطف في منطقة بني ضبيان جبل رعد في مديرية خولان، شرق صنعاء. حيث قضوا هنالك واحدة من أطول فترات الخطف التي تعرض لها أجانب في اليمن، على رغم الوساطات والضغط الذي تواجهه الحكومة اليمنية من قبل وزارة الخارجية الألمانية وسفارتها في صنعاء، الى الحد الذي دفع الحكومة الألمانية لأن تعمل في مسار مستقل مباشر، وتدعو الخاطفين الى الافراج عن السياح الأربعة "من دون شروط" في الوقت الذي أكد فيه المسؤولون وكبار القادة في صنعاء أنهم لم يدخروا جهداً في سبيل الافراج عن الرهائن، كما ان منطقة الخاطفين لا تزال منذ نحو اسبوعين محاصرة بقوات الأمن. إلا أن الخاطفين، طبقاً لمصادر مطلعة، نقلوا "الضيوف الألمان" قبل اطلاقهم الى مكان آخر حصين في منطقة تتبع محافظة مأرب 170 كيلومتراً شرق صنعاء، فيما أكد كبار المسؤولين، بل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح نفسه ل "الأصدقاء الألمان" ان العمل يجري لحل المسألة سلماً "نظراً الى أن استخدام القوة ممكن ولا يزال وارداً، إلا أن تجنبه قدر الامكان ينطلق من الحرص على سلامة المخطوفين" حسبما قال ل "الوسط" مصدر حكومي يمني. وأضاف ان الرئيس صالح أكد للحكومة الألمانية انه لا يمكن الإقدام على عمل يحتمل أن يتعرض الرهائن بسببه لأذى ولو بنسبة بسيطة. وبين حرص السلطات على سلامة الرهائن من جهة، وحصانة موقع احتجازهم من الجهة الثانية، وتطور مطالب الخاطفين من جهة ثالثة، طالت فترة الخطف والاحتجاز، وظلت السلطات تنتظر فرصة تلوح أو وساطة تنجح. وظل الخاطفون ينتظرون استجابة مطالبهم التعجيزية. وبقي المخطوفون ينتظرون معجزة لاطلاقهم. فيما يذهب الوسطاء ويعودون من دون جدوى. وزاد المسألة تعقيداً "كثرة الوسطاء واختلاف آرائهم ونصائحهم من ناحية، وتطور مطالب وشروط الخاطفين بصورة غير ممكنة ولا مقبولة" طبقاً للمصدر، إذ أصدر الخاطفون بياناً تضمن مطالب منها دفع 40 مليون ريال يمني الدولار يعادل 141 ريالاً، ومدارس ومستشفيات ومجمعات خدمية ومشروعات كهرباء ومياه وسدود وطرقات في المنطقة، وتجنيد عدد منهم في الجيش وتوظيف آخرين في الخدمة المدنية وغيرها. وتطورت هذه المطالب وزادت في بيان أخير أصدره الخاطفون، تضمن تخصيص منصب وزاري لأبناء المنطقة، ودفع 90 مليون ريال، وبناء 50 منزلاً "تعويضاً عما هدمه الأتراك أثناء احتلالهم لليمن في القرن الثامن عشر"! واعتماد معاشات وترقيات وسيارات ومناصب وظيفية ومناصب في الحزب الحاكم!! وأكد البيان ان هذه المطالب "تمثل الحد الأدنى من حقوق أصحابها وأن اطلاق سراح الضيوف الألمان يتوقف على تلبية تلك المطالب". وأجمع مراقبون ومسؤولون أمنيون على أن اصرار الخاطفين على التمسك بالمطالب من ناحية، وفشل الوساطات من ناحية ثانية، وما كرسته هذه الحال من تحد صارخ لسلطات الدولة، جعل استخدام القوة خياراً وحيداً للحل واطلاق الرهائن، على رغم ما تتوقعه المصادر من أن الثمن سيكون باهظاً، "لأن اصرار الخاطفين يشير الى احساسهم بالثقة في موقفهم وربما من قدرتهم على المواجهة". وقال قيادي حزبي معارض ل "الوسط" "ان هناك ما يشير الى أن الحكومة الألمانية قد تدعم قوات الأمن اليمنية بخبراء وفرقة المانية من قوات مكافحة الارهاب لمواجهة الخاطفين واقتحام مواقعهم واطلاق الرهائن بأقل ما يتوقع من الخسائر البشرية".ويعتقد بان المانيا راغبة في ذلك على رغم اطلاق رهائنها الاربعة بعد الحادثة الدموية بيومين. ويرى مراقبون في صنعاء ان حادثة السياح الستة عشر مع "جماعة الجهاد"، ستحدث تأثيرات وردود فعل واسعة، منها تغييرات في بعض المواقع القيادية المدنية والعسكرية، اضافة الى ما ستواجهه الحكومة اليمنية من ضغوط أميركية وأوروبية باتجاه معالجة المسألة الأمنية من جذورها، خصوصاً وجود الجماعات المتطرفة. وذلك الى جانب ردود الفعل المتوقعة من جانب تلك الجماعات، وهو أمر يصعب التكهن به الآن