كثير من شعوب العالم تأكل أجزاء معينة من لحوم بعض الحيوانات وهي نيئة. ففي السودان ومصر مثلاً يأكلون كبد الابل التي تباع بأثمان مرتفعة. وتوجد عادة مماثلة في أميركا الجنوبية. غير أن الاثيوبيين - مسلمين ومسيحيين - يأكلون البقرة المذبوحة بأكملها نيئة، ويقرنون ذلك ببعض عاداتهم وطقوسهم الاجتماعية كالزواج وإكرام الضيف. واللحم النيئ هو خير ما يقدم في الولائم لمناسبة رأس السنة وكل المناسبات والأعياد الدينية في كثير من أجزاء اثيوبيا، خصوصاً العاصمة اديس ابابا ومناطق الهضبة الاثيوبية. وعرف عن الاثيوبيين منذ أقدم العصور تلذذهم بأكل اللحوم النيئة، خصوصاً لحوم البقر غير المطبوخ اطلاقاً، فتقديم اللحم النيئ للضيف عندهم تعبير عن المبالغة في إكرامه. وإذا ذبحت بقرة أو ثور فيدعى الى المشاركة في أكلها الجيران والأصدقاء. وإذا كانت الوليمة في القرى فقد يجتمع المدعوون حولها في المكان الذي ذبحت فيه ليصارعوا كتل اللحم الكبيرة بالسكاكين حتى لا يبقى غير العظام المسلوخة. وفي مناسبات الزواج، يستهل العروسان قطع اجزاء من الذبيح بدلاً من قطع تورتة الفرح - وتنصب الموائد الطويلة استعداداً لهذه الوليمة ويجلس كل من المدعوين ممسكاً بسكينه ويطاف عليهم بالعجول المذبوحة ويبدون مهارة فائقة في قطع هذه اللحوم التي يعضون عليها بأسنانهم، وينهالون أحياناً على أطباق اللحوم الطازجة المترجرجة بشحمها ودمها وعظامها دونما حاجة الى سكين إلا نادراً لتقطيع الأجزاء الكبيرة، ويفضلون أكل اللحوم النيئة بعد ذبحها مباشرة، مع استعمال كميات كبيرة من التوابل الحارة والمشروبات التي تصنع محلياً خصوصاً طللا Talla الذي يستخرج من الذرة البيضاء ويحتوي نسبة ضئيلة من الكحول. وهناك أنواع عدة من المشروبات المحلية، أشهرها وتنفرد اثيوبيا بصناعة هذا النوع من مشروب العسل المخمر الذي يسمونه "طج" Teg ويكثرون تناوله مع اللحوم النيئة. عموماً فإن أكل اللحوم نيئة عادة قديمة لا يعرف على وجه التحديد متى بدأت ولا كيف نشأت، إلا أن الاثيوبيين يرجعون تاريخها الى عهد الحروب بين المسلمين والمسيحيين في اثيوبيا إبان فتوحات الإمام أحمد غران، حين ضيّق عليهم المسلمون الخناق فكانوا يعتصمون بالغابات ويأكلون اللحم نيئاً خوفاً من مغبة ايقاد النار التي قد تهدي الأعداء لمواقعهم. وفي اديس ابابا مواقع عدة ومطاعم كثيرة لتناول اللحوم النيئة. ويزعم كثيرون ان أكل اللحوم نيئة يولد الشجاعة وقوة الاحتمال لدى الانسان. وإذا كان أكل اللحوم نيئة من الأشياء المألوفة لدى الاثيوبيين فإن هنالك وجبة أخرى لا تقل غرابة عن اللحوم النيئة حيث تحلى وجبة اللحم النيئ الدسم بوجبة خفيفة مكونة من دم البقر الذي يغلى على نار هادئة حتى يتجمد ويصبح أشبه بالكبد. ويأكلونه بشهية وبتلذذ كبير، وإذا كانت عادة أكل اللحوم نيئة قد عرفت تاريخياً بأن المسيحيين هم من بدأوها اثناء الغارات الاسلامية، إلا أن أكل اللحوم نيئة لم يكن قاصراً على الأوساط المسيحية بل يشترك في تناولها المسلمون والمسيحيون على حد سواء. ويذكر أن عادة أكل اللحوم النيئة هي السبب المباشر لاصابة الاحباش بالدودة الشريطية التي تنتقل عدواها من البقر الى الانسان، وللقضاء على هذه الدودة يستعملون علاجاً نباتياً اسمه "كوسو" .