«أمانة المدينة» تعلن عن توفر عدد من الوظائف‬ للرجال والنساء    نائب وزير الخارجية ونظيره الكولومبي يستعرضان العلاقات الثنائية بين البلدين    أسرتا باهبري وباحمدين تتلقيان التعازي في فقيدتهما    رئيس "الغذاء والدواء" يلتقي شركات الأغذية السنغافورية    الوحدة يحسم لقب الدوري السعودي للدرجة الأولى للناشئين    «حرس الحدود» ينقذ مواطنًا خليجيًا فُقد في صحراء الربع الخالي    الرياض: الجهات الأمنية تباشر واقعة اعتداء شخصين على آخر داخل مركبته    اختيار هيئة المحلفين في المحاكمة التاريخية لترامب    أرمينيا تتنازل عن أراضٍ حدودية في صفقة كبيرة مع أذربيجان    سلام أحادي    تجمع مكة المكرمة الصحي يحقق انجاز سعودي عالمي في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2024    حائل.. المنطقة السعودية الأولى في تطعيمات الإنفلونزا الموسمية    المرور بالشمالية يضبط قائد مركبة ظهر في محتوى مرئي يرتكب مخالفة التفحيط    نوادر الطيور    التعريف بإكسبو الرياض ومنصات التعليم الإلكتروني السعودية في معرض تونس للكتاب    وفاة الممثل المصري صلاح السعدني    وزير المالية يعقد مؤتمراً صحفياً للحديث عن النتائج الرئيسية لاجتماعات اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية    موعد مباراة السعودية والعراق في كأس آسيا تحت 23 عامًا    «القوى السعودية» تحصد تسع ميداليات في رابع أيام الخليجية    استبعاد الحمدان إشاعة.. ونيفيز يعد بالتأهل    النصر يفقد لويس كاسترو في 4 مباريات    أمير عسير يتفقد مراكز وقرى شمال أبها ويلتقي بأهالي قرية آل الشاعر ببلحمّر    مدرب الفيحاء: ساديو ماني سر فوز النصر    المملكة ضمن أوائل دول العالم في تطوير إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وفقًا لمؤشر ستانفورد الدولي 2024    ضيوف الرحمن يخدمهم كل الوطن    الرمز اللغوي في رواية أنثى العنكبوت    بطاقة معايدة أدبية    وزارة الخارجية تعرب عن أسف المملكة لفشل مجلس الأمن الدولي    اكتشاف خندق وسور بجدة يعود تاريخهما إلى القرن 12 و13 الهجري    السديري يفتتح الجناح السعودي المشارك في معرض جنيف الدولي للاختراعات 49    إخلاص العبادة لله تشرح الصدور    أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله    "الرياض الخضراء" يصل إلى عرقة    كلوب: ليفربول يحتاج لإظهار أنه يريد الفوز أكثر من فولهام    ضبط مقيم بنجلاديشي في حائل لترويجه (الشبو)    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار غزيرة على منطقة مكة    مساعد وزير الدفاع يزور باكستان ويلتقي عددًا من المسؤولين    متحدث الأرصاد: رصد بعض الحالات الخاصة في الربيع مثل تساقط البرد بكميات كبيرة.    "أبل" تسحب واتساب وثريدز من الصين    بينالي البندقية يعزز التبادل الثقافي بين المملكة وإيطاليا    الزبادي ينظم ضغط الدم ويحمي من السكري    السينما في السعودية.. الإيرادات تتجاوز 3.7 مليار ريال.. وبيع 61 مليون تذكرة    التلفزيون الإيراني: منشآت أصفهان «آمنة تماماً».. والمنشآت النووية لم تتضرر    الشاب محمد حرب يرزق بمولوده الأول    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    النفط يقفز 3%    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    فوائد بذور البطيخ الصحية    السودان.. وخيار الشجعان    «سلمان للإغاثة»: اتفاقية لدعم برنامج علاج سوء التغذية في اليمن    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    أمير منطقة الرياض يرعى الحفل الختامي لمبادرة "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جميعهم في صف ... و"الاحباش" في صف آخر . لبنان : هل يتجنب الاسلاميون "الفتنة الكبرى"؟
نشر في الحياة يوم 21 - 04 - 1997

لم تعرف الساحة الاسلامية السنية في لبنان حالة "الانقسام والتباين" التي تشهدها اليوم، منذ نشوء الحركات الاسلامية السياسية في لبنان في اواخر الاربعينات عقب نكبة 1948.
فإثر تنفيذ حكم الاعدام شنقاً بقتلة الرئيس السابق ل "جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية" الاحباش في 24 آذار مارس الماضي، تأجج الصراع مرّة أخرى بين الاسلاميين، وسط موقف "اللاموقف" للقيادة السنية الرسمية السياسية والروحية من التطورات. واللافت في هذا الصراع، وإن لم يتعدّ حدود التصريحات والاتهامات المتبادلة، انه يقوم بين فريقين اثنين: الأول يضم الجماعات والقوى الاسلامية السنية كافة "الجماعة الاسلامية" و"حركة التوحيد الاسلامي" و"السلفيون" و"عصبة الانصار" من جهة، و"جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية" المعروفة ب "الاحباش" من جهة ثانية.
ويعود تاريخ هذا "الانقسام" الى النصف الأول من الثمانينات 1983 عندما برز "الاحباش" فجأة على الساحة عبر طرح ديني مثير، وسيطرتهم على بعض مساجد بيروت متحدّين بذلك سلطة المديرية العامة للأوقاف الاسلامية. وتطور الأمر الى سجال سياسي - عقائدي بين "الاحباش" من جهة، ودار الفتوى والجماعات الاسلامية الأخرى من جهة ثانية.
ويشبّه بعض المراقبين "الحالة" التي احدثها "الاحباش" داخل الشارع السني، بحالة الانشقاق التي احدثتها "الكنيسة البروتستانتية" داخل المجتمع المسيحي في بداية القرن السادس عشر.
لكن هذا السجال، سرعان ما تحوّل الى مواجهات دموية بين "الاحباش" وخصومهم في بعض المساجد في بيروت وطرابلس وصيدا. بل انتقل هذا الصراع الى الخارج، اذ ذكرت مجلة "بوسطن غلوب" الاميركية، ان لبنانيين اثنين ينتميان الى جمعية اسلامية في ولاية ماساتشوستس تعرّضا لاعتداء مسلّح نفذه عشرة أعضاء في "جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية" الاحباش جاؤوا من مناطق اميركية اخرى، وجلهم من أصل لبناني.
فما هي خلفية الصراع بين الحركات الاسلامية السنية في لبنان؟ وما سرّ خلافها جميعاً مع تنظيم "الاحباش"؟ وهل صحيح ان "الاحباش" يحملون مشروعاً اصلاحياً يقوم على فكرة "الاعتدال في وجه التطرف" كما يقول أتباعهم، أم أنهم مجرّد "مشروع فتنة" كما يدّعي خصومهم؟ ولماذا تلتزم دار الفتوى الصمت تجاه ما يجري على الساحة الاسلامية اللبنانية؟
"الوسط" تحاول الاجابة على هذه الاسئلة عبر تسليط الضوء على نشأة الحركات الاسلامية وأفكارها في لبنان، وحاورت أبرز أقطابها وقادتها حول رؤاهم الحاضرة والمستقبلية.
"الجماعة الاسلامية"
في أوج المدّ الناصري ولدت "الجماعة الاسلامية" العام 1964 من رحم "جماعة عباد الرحمن" التي نشأت العام 1948 في بيروت كرد فعل اسلامي على نكبة فلسطين. واتخذت "الجماعة" من طرابلس، منذ انطلاقتها ثقلها السياسي لكون اثنين من أبرز مؤسسيها ينتميان الى هذه المدينة، هما المهندس فتحي يكن والقاضي فيصل مولوي. وعلى رغم ذلك انتشرت مراكزها في المناطق اللبنانية المختلفة، لا سيّما بيروت وصيدا والبقاع.
و"الجماعة" تنظيم حركي شامل يضم الى عضويته الرجال والنساء، ويدعو الجميع الى الاسلام كمنهج حياة. ويسعى الى جمع شمل المذاهب والفرق الاسلامية بالرجوع الى أصول الاسلام. وتعمل "الجماعة" سياسياً "لتعديل الدستور اللبناني، وتحقيق العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين على أسس جديدة لا تتعارض مع مبادئ الاسلام، وتحفظ كرامة المسلمين وحقوقهم، وذلك عن طريق الغاء الطائفية السياسية. وهي تؤمن بالوحدة العربية القائمة على أساس الاسلام، وتسعى لتحقيقها مع الأخذ في الاعتبار ظروف الاقليات غير الاسلامية".
اما البروز الفعلي ل "الجماعة" فكان اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان العام 1982، حيث شارك عناصرها في عمليات المقاومة وسقط لها عدد من الشهداء.
و"الجماعة" تستبعد فكرة "الجمهورية الاسلامية اللبنانية" من مشروعها السياسي: "ان اقامة الحكم الاسلامي بحاجة الى بيئة تتوافر فيها خصائص معينة غير متوافرة في لبنان المتعدد الثقافات والطوائف والاحزاب. وبالتالي لا يصلح لبنان في تصورنا لأي لون من ألوان الحكم العقائدي الواحد".
ويتميز الخطاب السياسي ل "الجماعة" بالهدوء والمرونة. يقول الأمين العام السابق ل "الجماعة" النائب السابق في البرلمان الدكتور فتحي يكن ل "الوسط": "ان خطتنا تقوم على دخول المعترك السياسي وفق التركيبة اللبنانية القائمة عبر الاصلاح السياسي والتربوي والاقتصادي والاعلامي، ووفق منهجية دعوية نَفَسُها طويل. وبدخولنا البرلمان عبر ثلاثة نواب سابقين زهير العبيدي، أسعد هرموش، فتحي يكن ونائب حالي خالد ضاهر، نكون قد أسقطنا الادعاءات التي تتهمنا بالارهاب والتطرّف وعدم تعايشنا مع الواقع".
ويؤكد يكن ان "الجماعة" متفقة مع معظم الحركات الاسلامية في لبنان، باستثناء "الاحباش": "لم يحدث الصراع على الساحة الاسلامية إلا عندما نبت "الاحباش" داخل الشارع السني وبدأوا باثارة الفتن وإلصاق التهم بغيرهم. وروجوا اشاعات، مثل ان "الجماعة" كانت وراء محاولة اغتيال الرؤساء الثلاثة الهراوي وبري والحريري عبر تفخيخ سيارة خلال العرض العسكري الذي أقيم في عيد الاستقلال قبل أعوام".
وكشف يكن ل "الوسط" انه دعا زعيم "الاحباش" الشيخ عبدالله الحبشي ثلاث مرات، عبر قنوات خاصة، الى مناظرته امام الرأي العام بحضور بعض العلماء "لمعرفة حقيقة مشروعه السياسي والاخلاقي والديني. لكن لم يحصل أي اجتماع بيننا بحجة مرض "الحبشي" او سفره، أو ان الاوضاع الامنية لا تسمح بذلك".
وعما اذا كانت "الجماعة الاسلامية" تؤيد اللجوء الى العنف مع خصومها، يقول يكن: "نحن ضد الاغتيالات السياسية او العنف، سواء كان ذلك مع المسلمين أو غير المسلمين. فالحوار العقلاني هو الاسلوب الحضاري الأمثل الذي دعا اليه الاسلام على قاعدة: وجادلهم بالتي هي أحسن".
"حركة التوحيد الاسلامي"
تعتبر "حركة التوحيد الاسلامي" اكثر الحركات الاسلامية، وربما السياسية، في لبنان التصاقاً بزعيمها. ف "حركة التوحيد" تعني الشيخ سعيد شعبان، والعكس صحيح. ويطلق على الأخير لقب "أمير" تيمناً ب "أمير المؤمنين". نشأت الحركة في مدينة طرابلس العام 1982 إثر الاحداث الدموية التي شهدتها المدينة في تلك الفترة. وهي نتيجة اندماج ثلاثة فصائل محلية طرابلسية هي: "حركة لبنان العربي"، "المقاومة الشعبية" و"جند الله".
ومنذ بروزها على الساحة، رفعت "حركة التوحيد" لواء "الحكم الاسلامي" عالياً محاولة اقامته في طرابلس، فمنعت الخمور وأقفلت الملاهي والمسابح، وغطّت وجه المدينة ب "الحجاب" الاسلامي طوال عامي 1984 و1985، بعدما تمكنت من إجلاء كل العناصر والقوى اليسارية عنها. لكن "حكم التوحيد" سرعان ما سقط عن طرابلس في خريف 1985 عقب حرب ضروس مع القوى والاحزاب اليسارية. ومنذ ذلك الحين، اصبحت الحركة محصورة في احد مباني منطقة أبي سمراء في طرابلس. ويتمثل حضورها اليوم باذاعة محلية تدعى "اذاعة التوحيد" تبث الخطب والبرامج الدينية.
وترى الحركة ان مهمتها الرئيسية هي "تبليغ رسالة الله بالحجة والبرهان، لا بالعنف والطغيان ... مع تأكيد ان اختلاف الفكر والرأي لا يعني ان يتحوّل عنفاً دموياً او قتالاً اجرامياً". لكن كيف تنظر "حركة التوحيد" الى النظام اللبناني؟
يقول "اميرها" الشيخ سعيد شعبان ل "الوسط": "نحن ندعو الى الحفاظ على الأمن والتقيد بالنظام في أي مجتمع أو دولة نكون فيها. ومع ذلك، فاننا لا نستحي من افكارنا ومعتقداتنا. ونتطلع الى نظام يتماشى وافكارنا، على غرار ما يسعى اليه دعاة العلمانية والاشتراكية والرأسمالية وغيرهم، كلٌ بحسب معتقداته، وهذا حقنا".
ويرى شعبان ان الطائفية السياسية احد مظاهر تفتيت المجتمع "على رغم ان لها وجهاً حضارياً يتمثل في العيش مع الآخر والقبول به"، معتبراً ان "الاسلام لم ينفِ الغير منذ ظهوره، بل جمع اليهود والنصارى تحت جناحه محافظاً على حقوقهم وكرامتهم. والمشكلة تكمن في ان تُكره الناس على الاسلام ان كنت مسلماً".
ويؤكد ان الحركة لا تختلف مع الحركات الاسلامية الأخرى سوى في مسائل فرعية، كالأسلوب مثلاً. اما عن خلافها مع "الاحباش"، فيقول: "على رغم خلافاتنا الكبيرة، فإننا لم نغلق باب الحوار معهم. لكنهم يسعون الى شقّ الصف الاسلامي عبر تكفير العلماء، الاحياء منهم والأموات. بالاضافة الى معاداة وضرب وقتل من يخالفهم".
وينتقد شعبان الدولة اللبنانية في وقوفها الى جانب "الاحباش" ودعمهم معنوياً عبر "غضّ النظر" عن "تجاوزاتهم المسلكية والأمنية". ويستغرب الصمت الذي تلتزمه دار الفتوى تجاههم "على رغم العداء الكامل، سراً، بينها وبينهم".
"السلفيون"
ليس ل "السلفيين" ظهور سياسي بارز على الساحة السنية، على رغم ان قوتهم البشرية لا يستهان بها. ف "السلفية" اقرب الى النهج الديني منها الى الحزب السياسي. تأسست حركتهم في طرابلس قبل نحو 50 عاماً على يد الشيخ سالم الشهال الذي ما يزال مرشداً روحياً لها.
وتنص الدعوة السلفية على "ضرورة التزام الوحي ونصوص القرآن، وفهمها مثلما فهمها السلف الصالح من الصحابة والتابعين من غير تعصّب لأحد منهم. وتهتم ايضاً بتربية النفوس والاصلاح وتنقية الاسلام من المفاهيم الخاطئة التي نُسبت اليه".
وتعتبر "جمعية الهداية والاحسان الاسلامية" التي اسسها الشيخ داعي الاسلام الشهال وأخوه راضي الاسلام العام 1990، الاطار "الرسمي" للحركة السلفية في لبنان. وتهدف الجمعية الى "اصلاح المجتمع وبناء المساجد والمدارس ومراكز تعليم القرآن ومساعدة الفقراء واليتامى وتأمين سبل العيش لهم". غير ان الحكومة اللبنانية حلّت الجمعية في 3/1/1996 بسبب "اثارة النعرات الطائفية" في بعض الكتب التي تعتمدها الجمعية في معاهدها الشرعية. فتحوّل اتباعها الى مؤسسة "وقف الاحياء بالاسلام" التي تهتم بالشأن الصحي الاجتماعي.
و"السلفيون" على خلاف عقائدي مزمن مع "الاحباش"، ما أدى سابقاً الى مواجهات بين الطرفين. ويقول زعيمهم في لبنان الشيخ داعي الاسلام الشهال: "يعود خلافنا معهم الى اسرافهم في تكفير العلماء والناس لأتفه الأسباب ... والى فتاويهم التي تبيح الزنا بالفتاة غير المسلمة "نكاية" في دينها، وتجيز سرقة غير المسلمين والسطو على أموالهم، وغيرها من الفتاوى والتأويلات التي يحرّمها الشرع الاسلامي، ولا تخدم سوى الماسونية العالمية".
ويتهم الشهال "الاحباش" بأنهم كانوا يسعون الى تسلّم منصب الافتاء في لبنان "بالتهديد والوعيد ... كما تطاولوا على مناصب اسلامية رفيعة على المستوى العربي فكفروها وسفهوها من دون ان نسمع كلمة استنكار واحدة من دار الفتوى اللبنانية، أو حتى الدولة نفسها". ويتابع: "نريد ان تكون دار الفتوى مع الحق لا على الحياد الذي هو، في هذه الحال، نوع من أنواع الظلم".
ويرتبط "السلفيون" اللبنانيون ارتباطاً وثيقاً ببعض دول الخليج، ويقفون من النظام اللبناني موقف "النصح والاصلاح والتغيير لما فيه الخير، بعيداً عن منطق الانقلابات واغتصاب السلطة".
"عصبة الانصار الاسلامية"
كانت "عصبة الانصار الاسلامية" شبه مجهولة على الساحة اللبنانية، قبل ادانة مجموعة منها بقتل الرئيس السابق ل "الاحباش" الشيخ نزار الحلبي في 31/8/1995، واعدام ثلاثة منهم هم: اللبنانيان خالد حامد 27 عاماً وأحمد الكسم 24 عاماً والفلسطيني منير عبود 24 عاماً فيما بقي زعيم المجموعة الفلسطيني احمد عبدالكريم السعدي "ابو محجن" متوارياً عن الانظار.
ويرجع سبب عدم شهرة "العصبة" الى انعزال اعضائها عن المجتمع المدني، والعيش اختيارياً في "مجتمعات اسلامية نموذجية" شكلوها هم بأنفسهم بعيداً عن "الطواغيت والافكار المعادية للاسلام". وينشطون في المخيمات الفلسطينية، خصوصاً مخيم عين الحلوة في صيدا، وبعض احياء العاصمة.
اسس "عصبة الانصار الاسلامية" الشيخ هشام شريدي "أبو عبدالله" العام 1985. وتحالف في اواخر الثمانينات مع الفصائل الفلسطينية المعارضة لسياسة ياسر عرفات، وأنشأوا معسكرات تدريب لأنصارهم في شرق صيدا. وبعد مقتل شريدي في 15/12/1991، تسلّم "أبو محجن" قيادة العصبة، وهو "الأمير والمرشد والمثقف والموجه، وفي يده زمام الأمور". غير انه، اليوم، متوار عن الانظار منذ صدور حكم الاعدام عليه غيابياً، ويقول أنصاره إنه في أرض الله الواسعة وسيعود.
وترى "العصبة" انها على خلاف مع "كل من خرج عن نطاق أهل السنّة والجماعة". وتتخذ موقفاً عدائياً من الانظمة السياسية المعاصرة لأنها "لا تحكم بما أنزل الله وتتبع قوانين وضعية كالديموقراطية البرلمانية والاشتراكية ... وتستهزئ بالشريعة وتناقضها". لذلك تعتبر "الاحباش" من ألدّ أعدائها كونها "توالي الحكومات الباغية من جهة، وتعادي الشعب وكل من يمشي على اساس القرآن وسنة الرسول محمد".
"الاحباش"
لم تُرسم حول حركة اسلامية أو سياسية في لبنان علامات استفهام كما رُسم حول "جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية" التي يُعرف اتباعها ب "الاحباش". فهذه الجمعية تعتبر اكثر الحركات الاسلامية غموضاً وإثارة للجدل والاهتمام في لبنان.
في اواسط الستينات حلّ في بيروت "شيخ غريب" قادم من "هرر" عاصمة بلاد الحبشة التي كانت تضم اثيوبيا والصومال لذلك عُرف هذا الشيخ الأسمر ب "الهرري" أو "الحبشي". وتقول مصادر "الاحباش" ان شيخهم قدم الى لبنان بعد "رحلة دعوية" شاقة انطلاقاً من الحبشة حيث اضطهد وعُذّب وصولاً الى لبنان، مروراً ببلدان خليجية واليمن وسورية. ومنذ وصوله الى بيروت تعرّف الى الشيخ نزار الحلبي الذي كان وقتها طالباً شرعياً. فتوطدت العلاقة بينهما، الأمر الذي أهّل الأخير لتولي تنظيم اتباع الشيخ "الحبشي" ومريديه، في "جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية" التي اصبحت في ما بعد، الاطار التنظيمي العام ل "الاحباش".
"هالة ضبابية كبيرة" يرسمها هؤلاء حول مرشدهم الروحي، اذ نادراً جداً ما يظهر امام العامة او يتحدث الى غير اتباعه المقرّبين الذين يجعلونه في "مصاف الاولياء والصدّيقين"، ويطلقون عليه لقب "مجدّد العصر، وناصر السنن، ومحدّث الدنيا"، الأمر الذي اعتبره البعض "رأساً وقطباً لمذهب سنّي خامس". فيما يقول الشيخ "الحبشي" عن نفسه انه شافعي المذهب، اشعري العقيدة، رفاعي الطريقة. ويعتبر ان "جمعية المشاريع هي حصن يلجأ اليه الناس من فساد الاعتقاد".
ويجاهر "الاحباش" بطروحات دينية وسياسية جديدة وآراء فقهية "مخالفة" في كثير من جوانبها. وخاضوا، اكثر من مرّة، صراعاً مع دار الفتوى حول السماح لهم بالتدريس في أزهر لبنان، اضافة الى الخلاف على مرجعية عدد من المساجد التي سيطروا عليها بالقوة في بيروت وطرابلس. اما خطابهم السياسي اليومي فيركز على مهاجمة الحركات الاسلامية الأخرى بتهمة "التطرف والارهاب" والتستر وراء الدين لغايات سياسية وشخصية، لا سيما "الجماعة الاسلامية" و"السلفيين". بينما يعتبرون أنفسهم أنهم يمثلون "الخط الاسلامي المعتدل" في مواجهة "تطرف" خصومهم.
ويكفّر "الاحباش" رموزاً اسلامية "عريقة"، أمثال سيّد قطب. وكان مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن باز أصدر فتوى رقم 2392/1 بتاريخ 30/10/1406 هجرية جاء فيها: "ان طائفة الاحباش طائفة ضالة، ورئيسهم المدعو عبدالله الحبشي معروف بانحرافه وضلاله، فالواجب مقاطعتهم وإنكار عقيدتهم الباطلة وتحذير الناس منهم ومن الاستماع لهم أو قبول ما يقولون".
ولتنظيم "الاحباش" الذي يرأسه اليوم الشيخ حسام قراقيرة كان نائباً لسلفه الراحل، وخريج معهد الشريعة في سورية علاقة بالاجهزة الرسمية اللبنانية. اما بروزهم السياسي الاوسع فكان في انتخابات 1992 عندما دخل مرشحهم عن بيروت الدكتور عدنان طرابلسي مجلس النواب. لكن سقوط الأخير في انتخابات 1996، بالاضافة الى اغتيال رئيسهم السابق الشيخ نزار الحلبي في 31/8/1995، شكل لهم ضربتين قويتين استطاعوا استيعابهما بأقل قدر من الخسائر. وعلى رغم ذلك، فانهم يلتزمون الصمت اليوم ويتجنبون الاحاديث الصحافية بعد تأجج الصراع" مع خصومهم اثر اعدام قتلة رئيسهم الحلبي.
واللافت ان قوة "الاحباش" المادية كبيرة جداً، حيث يملكون سلسلة مدارس وثانويات في بيروت والمناطق باسم "مدارس وثانويات الثقافة الاسلامية"، بالاضافة الى مجمعات رياضية وكشفية ضخمة. ويتحدثون عن مصادر اموالهم الطائلة فيقولون ان نساءهم يتبرعن بحليّهن وزينتهن لمشاريع الجمعية.
موقف دار الفتوى
لكن، أين تقف دار الفتوى من كل ما يجري على الساحة الاسلامية السنية من سجالات وصراعات؟ ولماذا لم تتدخل لمنع حدوث فتنة مذهبية في لبنان؟
مصدر مسؤول في دار الفتوى رفض ذكر اسمه قال ل "الوسط" ان الدار تستنكر حال التشرذم التي يشهدها الشارع الاسلامي. "وعلى رغم ظهور بعض التجاوزات على الساحة من قبل "طرف معين"، فان سماحة المفتي يتجنب الدخول في السجالات المطروحة، أو اتخاذ المواقف التي قد يتم تأويلها في غير مكانها، وبالتالي تصبح الدار - شاءت أم أبت - طرفاً في الصراع". من جهته كشف مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو ل "الوسط" انه تلقى، مرات عدة، تهديدات بالقتل من قبل "الاحباش" اذا ما استمر في انتقادهم: "قالوا لي يوماً: ارحل يا جوزو، وإلا فالقبر. كما نعتوني بأني كافر وعدوّ الله".وروى ان "مجموعة من "الاحباش" دخلت قبل سنوات الى اجتماع في دار الفتوى برئاسة مفتي الجمهورية الحالي الشيخ محمد رشيد قباني، وهددت المجتمعين قائلة لهم: سنشنقكم جميعاً..."!
وطالب الشيخ الجوزو الدولة "بعدم الوقوف الى جانب طرف من دون الآخر، حتى يتجنب لبنان الفتنة الكبرى"، موضحاً ان "دار الفتوى وجميع الحركات الاسلامية تقف في صف، و"الاحباش" يقفون في صف آخر. إنهم أشبه ب "شهود يهوه" عند الطوائف المسيحية".
واستبعد الجوزو ان يتم جرّ الساحة الاسلامية في لبنان الى التجربة الجزائرية لأن المعطيات الايديولوجية والسياسية والاجتماعية، سواء عند الاسلاميين أو السلطة، تختلف تماماً عنها في الجزائر. لكنه اضاف محذراً: "ان احداً في لبنان لا يمكنه ان يضمن نتائج ما يحدث اليوم على الساحة الاسلامية، اذا استمر المسؤولون في "لا موقفهم" مما يجري..."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.