تعددت الهيئات الرقابية على الانتخابات وهو تعدد ربما ظهر غير موضوعي نظراً الى وجود حوالى سبع هيئات مراقبة. إلا ان مصدراً مسؤولاً في حزب المؤتمر الشعبي العام قال ل "الوسط" ان هذا التعدد، من وجهة نظر حزبه، "مطلوب وفي غاية الأهمية"، لأنه يُمثل انعكاساً للقلق العام على الانتخابات "سواء من حيث اجرائها في موعدها المحدد أو توقع عرقلة لعملية الاقتراع العام أو التشويش على حقائقها والطعن في صحتها". ويبدو ان القلق على الانتخابات نتيجة طبيعية للخلاف على كل ما يتعلق بها تقريباً. فحزب المؤتمر بالذات، حسب المصدر، يدرك ان على الساحة وخارجها "قوى عملت على تأخير الانتخابات وتعمل على عرقلة خطواتها وستعمل على تتبع العثرات والاخطاء لتطعن في شرعيتها ونزاهتها". في اشارة واضحة الى الاحزاب التي قاطعت الانتخابات وفي مقدمها الحزب الاشتراكي والى حرص المؤتمر على الرقابة مهما تعددت جهاتها وهيئاتها لأنها من وجهة نظره الوسيلة الكبرى لتأكيد صحة الانتخابات. وبدأ الاهتمام عملياً بالرقابة على الانتخابات، في ايلول سبتمبر الماضي، حيث اعلنت مجموعة من المستقلين، من بينهم شخصيات سياسية بارزة، عن إشهار لجنة الرقابة الشعبية على الانتخابات برئاسة السيد محمد عبدالرحمن الرباعي، وبعدما شكلت اجهزتها الداخلية تجمدت اعمالها نتيجة خلاف في قيادتها، كما قيل، على برنامجها وعلاقاتها بالاحزاب. وما لبث امينها العام الدكتور عبدالعزيز السقاف ان "انشق عنها" ومعه عدد من اعضائها وشكل لجنة اخرى، لكن اللجنة الأم عادت الى النشاط وأعلنت في منشور وزعته انها تجمدت نتيجة تعرضها للمخالفات. وعادت الى نشاطها من جديد. وهناك لجنة شعبية للرقابة على الانتخابات تأسست في 30 كانون الأول ديسمبر الماضي وتشكلت من ممثلي المنظمات والاتحادات المهنية والنقابية بقيادة اتحاد العمال وبرئاسة رئيسه المهندس يحيى محمد الكحلاني، وتحظى بدعم من حزبي الائتلاف الحاكم. وطبقاً لاتفاقات التنسيق التي ابرمها حزبا الائتلاف المؤتمر والاصلاح من جهة وفيما بينهما وبين احزاب المعارضة بكتلتيها من جهة ثانية صدر قرار رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح بتشكيل "هيئة استشارية لرئيس الجمهورية لشؤون الانتخابات" من ستة اعضاء يمثلون الكتل الثلاث، حزبي السلطة ومجلس تنسيق المعارضة والمجلس الوطني للمعارضة بعضوين لكل منها. وتعتبر هذه الهيئة نموذجاً مميزاً لتعدد صفاتها، فهي رقابية في اسبابها ونشاطها، واستشارية في ادائها، وحزبية في انتمائها، ورسمية في تشكيلها وإطار مهمتها. قرار الرئيس وجاء ان الاتفاق على تشكيل هذه الهيئة ضمن مبادرات التقريب بين مجموعة الكتل الثلاث لتحقيق الوفاق والاتفاقات على التعاون والتنسيق في الانتخابات، لكن اللجنة العليا للانتخابات تحفظت بهمس عن هذه الهيئة قبل صدور القرار، باعتبار ان تشكيلها "يسبب نوعاً من الازدواجية وتداخل الاختصاصات مع اللجنة" حسب ما قاله عضو مسؤول في اللجنة العليا، ل "الوسط" مضيفاً انه "كان لا مجال من القبول بالأمر تنفيذاً لقرار الرئيس". وهناك الرقابة الخارجية المشاركة في الرقابة على الانتخابات التي تمثل بعض الحكومات والمنظمات العربية والاجنبية والدولية وهي رقابة مطلوبة من الجانب اليمني. وغير مفروضة تأتي في كل مبادرات من الجهات التي تمثلها وفي اطار اتصالات تمت بين اليمن وهذه الجهات. ولم يتحدد حجمها بعد، إلا ان المصادر المعنية في المركز الاعلامي للأمم المتحدة في صنعاء تتوقع ان يصل عدد افرادها الى ما يناهز 100 مراقب. وفي هذا الصدد أعلن المركز عن مبادرة تبناها كل من برنامج الأممالمتحدة الانمائي ومكتب رئاسة هولندا للاتحاد الاوروبي والمعهد العربي الديموقراطي اليمن بانشاء "امانة مشتركة" لمساعدة بعثات المراقبين الدوليين والتنسيق معهم في اداء مهمتهم لمراقبة الانتخابات. واكد مركز اعلام الاممالمتحدة في صنعاء ان "الامانة" هذه لن تقوم بأي عمل رقابي او تقويمي لنتائج الانتخابات، وان هذه من مهمة المراقبين. واللافت في الانتخابات اليمنية حتى الآن، انخفاض عدد الاحزاب التي ستشارك فيها الى 12 حزباً من الاحزاب ال 15 المصرح بها بمزاولة نشاطها والتي اعلن ثلاثة منها من جناح المعارضة مقاطعة الانتخابات. ومن ثم يتوقع المراقبون مقارنة بانتخابات 1993 ان يحصل حزبا الائتلاف على أعلى نسبة من مقاعد مجلس النواب ال 301، اذ انهما حصلا على 208 مقاعد في 1993 143 للمؤتمر و65 للاصلاح على رغم اشتراك 21 حزباً في الانتخابات دخل 11 منها مجلس النواب، وفي مقدمها الاشتراكي الذي حصل على 66 مقعداً. وتبدو الفرصة اليوم سانحة اكثر لحزبي السلطة، إلا ان بعضهم يتوقع الفرصة لمصلحة المستقلين اكثر مما يتخوف سياسيون من ان تقود الاحزاب المقاطعة عبر منظماتها وقواعدها حملة مقاطعة الاقتراع بين اوساط الناخبين. وتعطي الترشيحات الملامح العامة لصورة الانتخابات، كما مثلت في مجملها مفاجأة بشكل لم يكن متوقعاً وأرقام اختلفت عن معظم التوقعات، خصوصاً مع مقارنتها بالانتخابات الماضية في العام 1993 وهي مفاجآت لا تخلو من بعض المفارقات، اذ يلاحظ مثلاً ان عدد المرشحين في 1993، 4810 مرشحاً كان اكثر منه في هذه الانتخابات إلا ان عدد المنسحبين بلغ 1629، فكان الذين خاضوا الانتخابات الأخيرة 3181، بينما بلغ عددهم في الانتخابات الحالية 3789 مرشحاً، لكن عدد المنسحبين بدا ضئيلاً لم يتجاوز العشرين حتى نهاية الأسبوع الأول من الشهر الجاري يظل باب الانسحاب مفتوحاً حتى 20 الشهر الجاري اي بزيادة حوالى 600 مرشح عن 1993. ولكن المفاجآت والمفارقات تظهر عند توزيع المرشحين اليوم على المستقلين ومرشحي الاحزاب، اذ بلغ عدد المستقلين 2933 مرشحاً بنسبة 77 في المئة في مقابل 856 من الحزبيين بنسبة 23 في المئة. بينما بلغ في الانتخابات الماضية 1213 مرشحاً حزبياً و1968 مستقلاً. ومن جهة اخرى اكثر مفاجأة ومفارقة، ان عدد المرشحات بلغ المرة الماضية 41 مرشحة، 24 مستقلة و17 حزبية نجح منهن اثنتان. 12 حزباً مشاركاً وقال رئيس اللجنة العليا للانتخابات ان ملفات المرشحين التي تلقتها اللجنة أو اقرتها كانت مستوفية للشروط باستثناء 29 ملفاً الغيت. وأشار السيد محسن العلفي ل "الوسط" الى ان بين المرشحين قياديون من الاحزاب المقاطعة للانتخابات وفي مقدمها الحزب الاشتراكي ترشحوا على اساس انهم مستقلون لا يمثلون احزابهم، وان بعضهم ترشح مستقلاً او شبه مستقل من الذين ترشحوا مستقلين على سبل المثال السيد احمد علي السلامي والسيد يحيى منصور أو أصبع عضو المكتب السياسي للاشتراكي - محافظة إب وأضاف رئيس اللجنة العليا ان الاحزاب المشاركة بمرشحيها في الانتخابات 12 حزباً، وهي حزبا الائتلاف الحاكم، والاحزاب الناصرية الثلاثة وحزبا البعث الاشتراكي والقومي والجبهتان الوطنية والتحرير واحزاب الحق والقومي الاجتماعي والرابطة. وتطرح هذه الأرقام تساؤلات عن ارتفاع عدد المرشحين المستقلين عن الحزبين وانخفاض المرشحات وترشيح قياديين من احزاب المقاطعة مستقلين. وتذهب التعليلات والتفسيرات كل مذهب، ومنها مثلاً تجاوز حزبي السلطة المؤتمر والاصلاح لاتفاق التنسيق بينهما بانزال مرشحين بصفة مستقلين في بعض الدوائر المغلقة، تضمن الاتفاق بينهما ان يكون للمؤتمر 107 دوائر وللاصلاح 80 بصفة عامة واعتبار نصف الدوائر لكل منهما دوائر مغلقة لا يدخلها مرشحو الحزب الآخر، 84 للمؤتمر و45 للاصلاح. ويعطي انخفاض عدد المرشحات مؤشراً مهماً الى حملة لمقاطعة الانتخابات تقودها في الخفاء حتى الآن احزاب المقاطعة بين اوساط المواطنين خصوصاً في المدن الرئيسية. وبالنسبة الى ترشيح القياديين من احزاب المقاطعة مستقلين اشارت مصادر في حزبي السلطة، الى ان هؤلاء يعبرون بالترشح عن مقاطعتهم لاحزابهم وان بعضهم يعتبر الترشيح خطوة أولى نحو انفصاله عن حزبه، "لأن قرار الاشتراكي مثلاً بمقاطعة الانتخابات يفرض على كل اعضائه التزام القرار، وان ترشيح اي عضو منه يعتبر بالتالي خروجاً على قرار الحزب ونظامه الاساسي ومقاطعة له". واذا كان هذا هو رأي أو منطق السياسيين من خصوم الحزب الاشتراكي الذين يرون او يريدون ان يكون ترشيح اعضاء من الحزب المقاطع مستقلين خروجاً على الحزب وعلى قراره، الا ان ما يبدو غريباً ان هؤلاء الخصوم يلتقون في طرحهم مع رأي القيادة الرسمية للحزب الاشتراكي التي تؤكد ان "الحزب غير موافق على ترشيح احد من اعضائه بأي صفة كانت"، حسب ما قال الأمين العام للاشتراكي علي صالح عباد مقبل الذي نفى ان يكون الذين ترشحوا من اعضاء حزبه وهم حوالى 10 من أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية حصلوا على موافقة قيادتهم او ابلغوها بترشيحهم "لم يأخذوا برأينا وانما سمعنا وقرأنا عنهم في ما تنشره الصحف". وتابع في تصريحه ل "الوسط" "ورأينا لا... لا نوافق لأن قرار الأحزاب بالمقاطعة نافذ وملزم لكل اعضاء الحزب ومانع من الانتخاب والترشيح والترشح". وأضاف مقبل "ونحن نطالب المترشحين بانسحابهم الفوري". وعلى رغم ان مرشحين من قادة الحزب الاشتراكي اكدوا ل "الوسط" قرارهم عدم التصريح لوسائل الاعلام، فان قيادياً بارزاً منهم اكد عزمهم على خوض الانتخابات مستقلين، مع تمسكهم بأن "قرار المقاطعة نافذ على الجميع لكننا ترشحنا مستقلين بحقنا الدستوري، لأننا نعتقد بأن هذا لمصلحة العملية الديموقراطية ولمصلحة الحوار بين الاحزاب ولمصلحة الحزب الاشتراكي". وقال القيادي الاشتراكي: "نسقنا مع قادة من الحزب ورأينا ان لا نغلق الابواب ولا نقطع حبل التواصل" نعتبرين ان قرار المقاطعة "خسارة فادحة تعزل الحزب اربع سنوات". مغالطة وازدواجية وتعتبر مصادر قيادية في المؤتمر الشعبي ان ترشيح الاشتراكيين مستقلين تم بايعاز من قيادة حزبهم لأن "هذه المغالطة والازدواجية معروفتان في تاريخ الحزب الاشتراكي" كما قال ل "الوسط" السيد عبدالملك منصور الأمين العام المساعد للمؤتمر، وعلل كثرة المرشحين المستقلين بأنها "دليل على الطموح لدى المواطن من ناحية وان الالتزام الحزبي لم يتغلغل في دمه من ناحية ثانية"، وأكد ما قيل عن كثرة المرشحين المستقلين من اعضاء حزبه لأن المؤتمر الشعبي العام ليس حزباً عقائدياً ولذا يصعب عليه السيطرة على اعضائه". وانتقد منصور الاحزاب لعدم دعمها المرأة، مشيراً الى ان حزبه طالب بتخصيص دوائر للمرأة لا ينافسها الرجل فيها "فلم يستجب لنا احد وكان حزب الاصلاح في طليعة الرافضين". وقال ان حزبه مضى في دعم المرأة وحده "ومع هذا فعندما رشحنا اثنتين في عدن نافسنا الاصلاح". وتبدو المسائل واضحة: "مواجهة بين فريقين، مشارك في الانتخابات سيدعمها ويحرص على اجرائها بكل الوسائل ويتزعم المؤتمر الشعبي العام هذا الفريق، ومقاطع مصر على مقاطعة الانتخابات يعمل على ايجاد ما يمكن وصفه ب "جبهة مقاطعة" من اعضاء الاحزاب المقاطعة والناخبين، ويتزعم الاشتراكي هذ الفريق. وبالتالي فان المواجهة السياسية الانتخابية هذه، هي بين المؤتمر والاشتراكي، وهي كما يرى المراقبون ان ظهرت في حلبة جديدة فانها امتداد للمواجهة المستمرة بين الحزبين منذ نشأة كل منهما. لكن ما يتوقعه المراقبون، هو ان الاشتراكي سيكون الخاسر في هذا المضمار، حسب ما اعطته عملية المواجهة عبر الاعداد للانتخابات حتى الآن من مؤشرات، سواء في مقاطعته للانتخابات او مواجهته لاجرائها او خلافه مع المرشحين كمستقلين من قادته، وهو خلاف يصفه السياسيون والمراقبون بالخطورة لأنه يهدد بحصول استقالات داخل الحزب في أحسن الأحوال أو انشقاقه في أسوأ الاحوال