تبدو المعارضة الاسلامية المسلحة في الجزائر اليوم مفتتة على نحو لم يسبق له مثيل. ف "الجماعة الاسلامية المسلحة"، وهي اخطر جماعات المعارضة وأكثرها شراسة، باتت اليوم جماعات عدة تتنافس وتتقاتل في ما بينها. اما "الجيش الاسلامي للانقاذ"، وهو الجناح المسلح ل "الجبهة الاسلامية للانقاذ"، فلا يبدو حتى الآن انه استطاع اختراق مناطق الوسط، الاكثر سخونة في البلاد، وظل وجوده محصوراً بمنطقتي شرق الجزائر وغربها. وفي ما يأتي خريطة للوضع الحالي للجماعات المسلحة: "الجماعة الاسلامية المسلحة" مرت هذه الجماعة بمرحلتين اساسيتين من تاريخها الحديث. الاولى حصلت في عهد اميرها السابق "ابو عبدالله احمد" الشريف قواسمي وبلغت خلالها اوج قوتها. اما الثانية فشكلت، على نقيض الاولى، قمة انحدارها حتى بات عدد من مؤيديها السابقين يطلقون عليها اسم "جماعة الذباحين"، بحسب تعبير السيد انور هدام رئيس "البعثة البرلمانية" في "الجبهة الاسلامية للانقاذ". في 13 أيار مايو 1994 بلغت "الجماعة المسلحة" من القوة ما لم يكن احد يتصوره. ففي ذلك التاريخ اعلنت في جبال منطقة الاربعاء في وسط الجزائر الوحدة المشهورة بين "الجبهة الاسلامية للانقاذ" و "حركة الدولة الاسلامية" و "الجماعة المسلحة" تحت راية الاخيرة. وتمثلت جبهة الانقاذ في لقاء الوحدة بعدد من قادتها البارزين مثل الشيوخ محمد السعيد وعبدالرزاق رجام ويوسف بوبراس، فيما تمثلت "حركة الدولة الاسلامية" بالشيخين السعيد مخلوفي ورابح قطاف لم يحضر القائد الثالث للحركة الشيخ عبدالقادر شبوطي. وتشكلت على إثر لقاء الوحدة قيادة جديدة ل "الجماعة" ضمت: ابو عبدالله احمد اميراً، ابو خليل محفوظ نائباً اول وأميراً على المنطقة الثانية، وعلي الافغاني نائباً ثانياً وأميراً على المنطقة الثالثة، ابو اسامة الحاج مسؤولاً عن الاعلام والعلاقات الخارجية، ابو صهيب ايوب امير المنطقة السابعة، وعبدالرحيم خالد امير كتائب منطقة الغرب. وأضيف الى مجلس شورى "الجماعة" كل من محمد السعيد وعبدالرزاق رجام، سعيد مخلوفي ورابح قطاف، عباسي مدني وعلي بن حاج. غير ان هذا الصعود في اهمية "الجماعة المسلحة" والذي مثل نكسة لبعض اطراف "الجبهة الاسلامية للانقاذ"، لم يدم طويلاً، اذ سقط أمير "الجماعة" قواسمي بعد اربعة اشهر فقط من "الوحدة" في معركة مع قوى الامن في ضواحي العاصمة الجزائرية 26 ايلول / سبتمبر 1994. وإثر مقتله، اختار اعضاء في مجلس شورى "الجماعة" اميراً جديداً موقتاً مكانه. لكن اختيار الامير الجديد ابو خليل محفوظ لم يمر من دون مشكلات. إذ ان المعلومات المتوافرة اليوم عما كان يحصل داخل "الجماعة" حينذاك تفيد ان عدداً من قيادة "الجماعة" الميدانيين على رأسهم جمال زيتوني ابو عبدالرحمن امين عارض ذلك الاختيار، بل ذهب الى اختيار زيتوني نفسه اميراً جديداً على "الجماعة". وبقي هذا الخلاف محل تجاذب وأخذ ورد في كواليس "الجماعة" حتى منتصف تشرين الاول اكتوبر عندما تنازل محفوظ لزيتوني عن الامارة. إمارة زيتوني لجأ زيتوني منذ توليه امارة "الجماعة" الى القيام بعمليات تجذب انتباه الاعلام العالمي خصوصاً. إذ خطف اربعة من اعضاء "الجماعة" في كانون الاول ديسمبر 1994 طائرة فرنسية من مطار هواري بومدين في الجزائر انتهت بقتل الخاطفين في مطار مرسيليا. وفي شباط فبراير فجر "انتحاري" من "الجماعة" مقر الامن الولائي في العاصمة الجزائرية، وفي آذار مارس اعلن زيتوني هدر دم نساء وامهات وبنات افراد قوى الامن تحت حجة "نساؤنا بنسائكم". واذا كانت تلك العمليات هي التي انصب اهتمام الاعلام عليها، فان ظاهر "الجماعة" كان يخفي غير ما في باطنها. فالخلافات داخلها كانت قد بدأت بالاحتدام. وتجلى ذلك في اعادة زيتوني هيكلة مجلس شورى "الجماعة" ووقفه نشرتي "الراية" و "الاعتصام" اللتين كانتا تحت اشراف الشيخ رجام، وتغييره امراء بعض المناطق، واعلانه الغاء اي تزكية سابقة قدمها محمد السعيد ورجام ومخلوفي وشبوطي، وحصره تلقي المساعدات ب "أمير الجماعة" فقط. وتواصل مسلسل الخلافات داخل "الجماعة" طوال الفترة من بداية 1995 الى ايلول من العام نفسه. وتجلى ذلك في مواقف عدة مثل عزل الشيخين مدني وبن حاج من مجلس شورى "الجماعة" واهدار دم شيوخ جبهة "الانقاذ" في داخل الجزائر وخارجها، وقتل عدد من قادة الجماعات المسلحة غير الخاضعة لامارة زيتوني او المتهمة ب "مخالفات شرعية" مثل عزالدين باعة وناصر تيطراوي. ومنذ ذلك الوقت بدا ان خلافات "الجماعة" صارت دموية. وتروي نشرة "الثبات" الاسلامية انه انشق عن "الجماعة" في ايلول سبتمبر بخالد عبدالرحيم امير كتائب الغرب والسعيد مخلوفي امير "حركة الدولة الاسلامية"، وحصل اقتتال بين كتائب "الجماعة" في مناطق المدية وجيجل بين الموالين لزيتوني وجماعة "الحبشي". وتقول ايضاً انه في تشرين الاول اكتوبر - تشرين الثاني نوفمبر من ذلك العام حصلت في "الجماعة" تصفيات عشوائية شملت العشرات من اعضاء تنظيم "الجزارة" وعلى رأس قياديه السعيد وبوبراس، كذلك شملت قتل عدد من قادة "الجماعة" مثل اميرها السابق ابو خليل محفوظ من المشتبه في تواطؤهم مع السعيد فيما يقول زيتوني انها كانت "مؤامرة" هدفها إطاحة منهج "الجماعة" السلفي واحلال منهج "بدعي" مكانه. واعترف زيتوني بمسؤوليته عن هذه الاعدامات بعد حصولها بشهرين. وكان التلفزيون الجزائري بث في تلك الفترة مقابلات مع "ناجين من المجزرة" التي نفذها انصار زيتوني وراح ضحيتها ذبحاً نحو 40 من "الجزأرة". واذا كان زيتوني عمد الى تصفية العشرات من اعضاء جماعته بهدف احباط انقلاب داخلها، كما اعضاء جماعته بهدف احباط انقلاب داخلها، كما يقول، فانه فتح باباً لم يعد في مقدوره اقفاله: موضوع نقض البيعة المعقودة له. اذ سمح تصرفه الدموي مع اعضاء جماعته بهذا الشكل للمستاءين من تصرفاته ان يجاهروا بذلك علناً بعد اتهامهم اياه بأنه يعتمد منهج الخوارج بتحليل دم المسلمين. ولم يكن في مستطاع هؤلاء اعلان مثل هذا الموقف وفك البيعة مع امير "الجماعة" لولا تصرفات مثل تلك التي قام بها زيتوني منذ تولى قيادتها. وتورد نشرة "الانفال" التي تصدر عن معارضي زيتوني اسماء جماعات عدة سحبت البيعة من أمير "الجماعة" ومنها: جماعة المدية، جماعة قصر البخاري الكتيبة الخضراء، جماعة جبل اللوح الكتيبة الربانية، كتيبة الاربعاء مصطفى كرطالي، جماعة العاصمة كتيبة الفداء، وقتلت قوى الامن مجموعة كبيرة منها الشهر قبل الماضي، جماعات منطقة الغرب أميرها بخالد عبد الرحيم، كتيبة الموت بقيادة الامير عكاشة في تيارت، كتيبة غليزان أميرها نور الدين، كتيبة السنة في عين الدفلى اميرها بوعلام. اما الجماعات التي لا تزال محتفظة بالبيعة لزيتوني فتتألف من: كتيبة الشهداء: تعمل في منطقة غرب العاصمة. ويتولى امارتها موقتاً حسين فليشة من القصبة بعد مقتل اميرها السابق "الماحي" في مكمن. كتيبة الموت: تعمل في شرق العاصمة. كتيبة الغرباء: تعمل في العاصمة ايضاً وأميرها سعيد عزازقة سعيد ويقال انه كان وراء استدراج ابو خليل محفوظ قبل قتله. كتيبة الفتح: تعمل في بوفاريك. وقتل احد قادتها اخيراً ويدعى عنتر زوابري. كتيبة خالد بن الوليد: تعمل في البليدة. كتيبة الانتقام: تعمل في المدية وهي المنطقة التي ذبح فيها الرهبان الفرنسيون السبعة قبل نحو شهر. اتصالات مع "الانقاذ" وفي معلومات "الوسط" ان اتصالات تجرى بين بعض الجماعات المنشقة عن زيتوني وقيادات في "الجيش الاسلامي للانقاذ" للبحث في امكان اعلان وحدة ما بين الطرفين. لكن المشكلة الاساسية التي تحول دون التوصل الى نتيجة هي التساؤلات التي يطرحها الاعضاء السابقون في "الجماعة المسلحة" بالنسبة الى المنهج الذي يسير عليه "جيش الانقاذ". ذلك ان "جيش الانقاذ" بالنسبة الى بعض هؤلاء يقاتل فقط للعودة الى المسار الديموقراطي الذي يعتبرونه كفراً والانتخابات التي يرفضونها والحوار مع السلطة التي يقولون ان لا مجال للحوار او الهدنة او المصالحة معها. ومن الجدير ملاحظته ان كثيراً من الاعضاء السابقين في "الجماعة"، بل حتى الحاليين منهم، يعتبرون ان لا مآخذ جوهرية عندهم على منهج بعض قيادات الانقاذ ولا سيما منها أمير منطقة الغرب الشيخ احمد بن عائشة. ويقدم بن عائشة خطابه في صيغ دينية يؤكد في غالبها ان هدف "الجهاد" الذي يقوم به جيش الانقاذ هو اقامة الدولة الاسلامية في الجزائر واستعادة الحق المسلوب من الشعب وإخضاع السلطة لمبادئ الشريعة الاسلامية. لكن خطابه يبقى معتدلاً اجمالاً اذا قورن بمنهج "الجماعة المسلحة"، على رغم بعض مواقفه المتشددة مثل تحليل القيام بعمليات تفجير "استشهادية" ضد مواقع الحكم الجزائري الذي يضعه في الكفة ذاتها مع "الاسرائيليين المحتلين فلسطين". ولا يعرف هل هناك خلافات بين سياسات بن عائشة وسياسات "الأمير الوطني" ل "جيش الانقاذ" الشيخ مدني مزراق الذي لم تصدر عنه مواقف علنية منذ اكثر من ستة اشهر. ومزراق، وهو من شرق الجزائر، ينظر اليه على انه معتدل. إذ حاول اكثر من مرة بدء حوار مع الحكم الجزائري بهدف الوصول الى حل سلمي للأزمة. كذلك هناك مشكلة اخرى بين المنشقين عن زيتوني وقيادات "جيش الانقاذ" وهي موضوع مكانة شيوخ "الجبهة الاسلامية" المعتقلين. ففيما يتمسك قادة "جيش الانقاذ" بمرجعية شيوخ الجبهة في السجن وعلى رأسهم الشيخان عباسي مدني وعلي بن حاج، يقول الاعضاء السابقون في "الجماعة" ان الشيخين اسيران وان لا ولاية لاسير. ويقولون ايضاً ان القيادة يجب ان تنتقل من القادة السياسيين الى الميدانيين. وهم يؤكدون "احترامهم" للشيخين مدني وبن حاج لكنهم يحذرون "الانقاذ" من "عبادة" الاشخاص. ويوضحون انهم لهذا السبب عارضوا الشيخين عندما رشح منهما ما يؤيد "العقد الوطني" الذي توصلت اليه احزاب المعارضة الجزائرية في روما في كانون الثاني يناير 1995. وهم يعتبرون هذا العقد بدعة، ويرفضون ان يصدقوا ان الشيخ بن حاج ايده على رغم صدور رسالة منه تؤيد الاتفاق. ويقولون ان موافقته، وان كانت صحيحة، ليست جائزة لأنه اسير وان الحكم على موقفه سلباً ام ايجاباً، يتوقف على اعلانه اياه خارج السجن. ما هي خلاصة الصورة الحالية للجماعات المسلحة الجزائرية؟ الظاهر ان الساحة المسلحة في الجزائر بحاجة الى مزيد من الوقت لتتبلور. إذ من غير الواضح حتى الآن مدى اهمية البيان الذي نقلته وكالة "فرانس برس" من الجزائر قبل ايام وأعلن فيه "مجلس شورى" الجماعة عزل زيتوني واثنين من أبرز المقربين اليه هما عنتر الزوابري وفريد عشي. لكن مشككين في صحة "الانقلاب" يشيرون الى انه تضمن الاعلان عن اطاحة مسؤول متوف في "الجماعة" هو الزوابري الذي تردد انه قتل في بوفاريك. وبغض النظر عن مدى صحة المعلومات عن اطاحة زيتوني، فان الراجح ان اي انقلاب على قيادة "الجماعة" الحالية سيفتح المجال امام احتمال عودة الفصائل المنشقة الى "الجماعة الأم". غير ان على "المنقلبين" ان يفكروا كثيراً قبل اقدامهم على مثل هذه الخطوة بعدما رأوا سكين زيتوني تجز رقاب من "اتهموا" بمحاولة الانقلاب عليه. "الجماعة المسلحة" يورد امير "الجماعة المسلحة" ابو عبد الرحمن امين في كتابه "هداية رب العالمين في تبيين اصول السلفيين وما يجب من العهد على المجاهدين" معلومات دقيقة تصدر للمرة الاولى عن "الجماعة" وتوضح طريقة نشوئها والامراء الذين مروا عليها منذ العام 1991 حتى اليوم. بداية "الجماعة المسلحة" كانت في آب اغسطس 1991 عندما توحدت جماعات مسلحة عدة تحت قيادة نور الدين سلامنة. ومن بين الجماعات المتوحدة حينذاك: جماعة نصر الدين كحيل المسؤولة عن عملية هجوم على محكمة البليدة عام 1989، جماعة عبدالرحيم غرزول القارئ وتوفيق بن طبيش وفرطاس علي مسؤولون عن عمليات تفجير عدة عام 1990، جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تعمل في القصبة وأميرها محمد خير، جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تعمل في بوفاريك وأميرها علي الزوابري، جماعة براقي. بعد مقتل سلامنة تولى محمد علال امارة الجماعة في شباط فبراير 1992. وفي موازاة هذه الجماعة كانت جماعات اخرى تعمل في مناطق جزائرية عدة منها جماعة عبدالرحمن دهان ابو سهام والطيب الافغاني نظمت عملية قمار على الحدود التونسية في تشرين الثاني / نوفمبر 1991، وجماعة منصوري الملياني نظمت عملية الهجوم على قاعدة القوات البحرية في العاصمة في شباط / فبراير 1992. وبعد مقتل محمد علال تولى امارة جماعته عبدالحق لعيايدة ابو عدلان، فيما تولى امارة مجموعة الملياني بعد اعتقاله احمد الود. وفي تشرين الاول اكتوبر 1992 عقد لقاء بين جماعة الود الملياني سابقاً وجماعة لعيايدة اسفر عن توحد الجماعتين بقيادة الاخير وأطلق على التنظيم الجديد اسم "الجماعة الاسلامية المسلحة". وفي تموز يوليو 1993 تولى عيسى بن عمار امارة "الجماعة المسلحة" بعد اعتقال لعيايدة في الجانب المغربي من الحدود مع الجزائر. وبعد مقتل بن عمار تولى امارة "الجماعة" جعفر سيف الله الافغاني في آب 1993. وكان نائب "الافغاني" السايح عطية امير ولاية المدية قتل عام 1994. وبعد مقتل جعفر الافغاني في 1994 تولى امارة "الجماعة" الشريف قواسمي ابو عبدالله احمد. وبعد مقتله في ايلول سبتمبر 1994 تولى امارة "الجماعة" موقتاً ابو خليل محفوظ الذي تنازل عن المنصب لزيتوني.