يحتلّ وجيه نحلة مكانة على حدة فوق خريطة الفنّ اللبناني والعربي، وفنّان لا تنقصه الشهرة، لا عربيّاً ولا عالميّاً. فهو أقام حتّى الآن 33 معرضاً فرديّاً، لا بدّ من أن نضيف إليها عشرات المعارض المشتركة. عرض في مدن عربيّة وأوروبيّة كثيرة، كما عرض في الولايات المتّحدة، ووصل حتّى ماليزيا. دخلت لوحته مجموعات عدّة ومتاحف، وعرفت اقبالاً خليجياً خاصاً. ولعلّ كل هذا جعله ينجرف إلى فخ الاستهلاكيّة أحياناً، فيوقّع لوحات تُجاري السائد وتهادنه وتخضع له على قاعدة العرض والطلب. ولكنّ ذلك لا ينبغي أن ينسينا أن هذا الفنّان اللبناني الذي استضافت باريس معرضه الأخير، وصل باللوحة الحروفيّة إلى أقصى امكاناتها، وأسرف في التعاطي مع هذه المدرسة التشكيليّة التي أغرت ولا تزال تغري فنّانين كثر في العالم العربي، حتّى استهلكها. لم يترك احتمالاً إلا استكشفه حتّى بات ارتياد هذا الأسلوب صعباً بعده. وكان من الطبيعي أن يخرج نحلة بالتدريج من النمطيّة التي تحاصره، ولو أنّها تعجب جمهوره ومشتري لوحاته، فارتقى إلى تجريديّة لونيّة، تختزن النزعة الحروفيّة وتستبطن انحناءات الحروف العربيّة وتماوجاتها ونغميّتها الخفيّة. من "الرسم بالكلمات" إذاً - إذا جازت الاستعارة من عنوان ديوان شهير لنزار قبّاني - إلى التلوين الذي يختزل الحروف إلى ايماءاتها الأساسيّة وأشكالها المتراقصة، ويصفّيها بنزعة "روحانيّة" تشعّ من موضوعاته وتشكيلاته: "تصوّف"، "الأمومة الهاربة"، "انعتاق الروح"، "الشفافيّة"، "الملهمة"، "رقص"، إلخ. في "المركز السياحي اللبناني" الذي احتضن معرض وجيه نحلة الباريسي الأخير، أمكن لمتابعي مسيرته الفنيّة أن يقيسوا المسافة الفاصلة بين بداياته مطلع الخمسينات وما توصّلت إليه لوحة التسعينات من اختزاليّة وأسلبة وتجريد... وربّما كان الخيط الخفي الذي يربط كلّ مراحله ومحطّاته هو هذا التوق إلى تفخير الألوان، بحثاً عن نورانيّة خفيّة.