تتويج دنيا أبو طالب بأفضل لاعبه عربية    «البيئة»: 30 يومًا على انتهاء مهلة ترقيم الإبل.. العقوبات والغرامات تنتظر غير الملتزمين    على خطى «الأمريكية».. حراك طلابي في جامعات فرنسا دعماً لغزة    مسؤولون دوليون يحذرون: اجتياح رفح «مذبحة»    «الزكاة والضريبة» تُجري تعديلات على اللائحة التنفيذية لضريبة التصرفات العقارية    رسالة من فيرمينو قبل لقاء الهلال    يايلسه غاضب بسبب موعد كلاسيكو الأهلي والهلال    موعد مباراة الاتحاد وأبها اليوم في الدوري السعودي    «الأمن العام»: بدءاً من السبت.. منع المقيمين غير حاملي التصاريح من دخول العاصمة المقدسة    الفوزان: : الحوار الزوجي يعزز التواصل الإيجابي والتقارب الأسري    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    جامعة الإمام عبدالرحمن تستضيف المؤتمر الوطني لكليات الحاسب بالجامعات السعودية.. الأربعاء    الجمعية السعودية للإعاقة السمعية تنظم "أسبوع الأصم العربي"    اختبار جاهزية الاستجابة لأسلحة التدمير الشامل.. في التمرين السعودي - الأمريكي المشترك    الصحة العالمية: الربو يتسبب في وفاة 455 ألف إنسان    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    إشعار المراسم الملكية بحالات سحب الأوسمة    تحويل حليب الإبل إلى لبن وإنتاج زبد يستوقف زوار مهرجان الألبان والأغذية بالخرج    الذهب يتجه للانخفاض للأسبوع الثاني    أمطار متوسطة إلى غزيرة على معظم مناطق المملكة    "ريمونتادا" مثيرة تمنح الرياض التعادل مع الفتح    ربط ميناء جدة ب "بورتسودان"    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    شراكة بين "البحر الأحمر" ونيوم لتسهيل حركة السياح    بدء تحقيق مكافحة الإغراق ضد واردات "ستانلس ستيل"    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    "جوجل" تدعم منتجاتها بمفاتيح المرور    تزويد "شات جي بي تي" بالذاكرة    فصول ما فيها أحد!    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    «الاحتفال الاستفزازي»    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    ب 3 خطوات تقضي على النمل في المنزل    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    شَرَف المتسترين في خطر !    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    لجنة شورية تجتمع مع عضو و رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الألماني    في دور نصف نهائي كأس وزارة الرياضة لكرة السلة .. الهلال يتفوق على النصر    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    مقتل 48 شخصاً إثر انهيار طريق سريع في جنوب الصين    تشيلسي يهزم توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لدوري الأبطال    قصة القضاء والقدر    تعددت الأوساط والرقص واحد    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية ويشهد تخريج الدفعة (103)    كيفية «حلب» الحبيب !    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    للتعريف بالمعيار الوطني للتطوع المدرسي بتعليم عسير    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نايف حواتمه يتذكر عرفت عرفات قبل 30 عاما ظله يضايقه ويفضل الرقص وحيداً 1
نشر في الحياة يوم 16 - 01 - 1995

في الطريق الى مكتب نايف حواتمه الامين العام لپ"الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" في دمشق حاولت استرجاع بعض ما جاء في تلك الخطب التي كان يلقيها في جامعة بيروت العربية، خصوصاً في النصف الثاني من السبعينات. وبدت المسافة بعيدة جداً، فبين حديث اليوم وخطب الامس عقدان من الزمن تغير خلالهما العالم. ولأننا نشهد نهاية مرحلة كاملة فلسطينياً وعربياً سعيت الى طرح الاسئلة عن الحاضر والماضي معاً. ولم يجد القيادي الفلسطيني حرجاً في الاجابة.
جاءت "الجبهة الديموقراطية" من رحم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي يتزعمها الدكتور جورج حبش ومن الجناح اليساري في حركة القوميين العرب. تبلورت في آب اغسطس 1968 اثناء انعقاد المؤتمر العام لپ"الجبهة الشعبية". وانطلقت رسمياً في 22 شباط فبراير 1969 في بيان وزع في عمان واعلن استقلال اليسار الفلسطيني الذي تبنى الماركسية. في بداية السبعينات حصلت مجموعة تراشقات سياسية بين "الشعبية" و"الديموقراطية" حول مواضيع اليسار والخصوصية الفلسطينية والبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير. والآن توجد قيادة موحدة للجبهتين وهما على طريق مرحلة توحيدية بينهما. وفي 17 كانون الثاني يناير 1990 خرج من صفوف "الجبهة الديموقراطية" فريق بزعامة امينها العام المساعد ياسر عبد ربه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. واسست هذه المجموعة التي تشارك اليوم في السلطة الوطنية في غزة وأريحا "حزب الاتحاد الديموقراطي الفلسطيني" فدا.
سألنا نايف حواتمه عن نايف حواتمه وعن المرحلة الفلسطينية الحاضرة وعن احداث 1970 في الاردن والخروج من بيروت في 1982. وسألناه ايضاً عن علاقاته العربية بالجزائر ومصر واليمن وليبيا من دون ان ننسى الانهيار السوفياتي... رحلة نايف حواتمه التي بدأت قبل اربعة عقود كانت حافلة بالمحطات. جرب سجون المشرق العربي وصدرت بحقه اربعة احكام بالاعدام في الاردن والعراق. وهنا نص الحلقة الاولى:
لو طلبنا من نايف حواتمه ان يحكي عن نفسه، اين وُلد وتعلّم وصولاً الى انضوائه في الثورة الفلسطينية؟
- وُلدت في تشرين الثاني نوفمبر 1937 في عمان. تابعت الدراسة الثانوية في كلية الحسين. وبدأت الدراسة الجامعية في القاهرة في كلية الطلب وتوقفت في منتصف الطريق لاعتبارات سياسية ووطنية. انقطعت عن الدراسة الجامعية نحو ست سنوات ثم استأنفتها ولكن في الفلسفة وعلم النفس في جامعة بيروت العربية ثم استكملتها في جامعة موسكو في الفلسفة ايضاً حتى الدكتوراه. وكانت أطروحة الدكتوراه عن التحولات في صفوف الحركة القومية، من حركة وطنية عامة الى حركة يسارية. وتناولت اوضاع الحركة الناصرية وحركة القوميين العرب وفي ضوء الحياة والممارسة والانتقال بالحركة القومية من حركة وطنية ذات شعارات عامة الى حركة يسارية تتبنى الاشتراكية العلمية.
الدراسة في موسكو اخذت طابع الانتساب وليس طابع الدوام النظامي. الاجازة الجامعية كانت بين 1963 و1967، ثم كان الانخراط الكامل في الثورة ولم يعد ممكناً أي شكل من اشكال الدراسة الذي يستلزم الحضور. قدمت الرسالة في موسكو. لم أقم في هذه المدينة إقامة متواصلة. كنت أتردد عليها لأسباب سياسية وبحكم العلاقة مع الدولة والحزب الحاكم. وبموازاة ذلك كنت اتشاور مع الاساتذة في كلية الفلسفة. وهذا النمط معروف في جامعات العالم.
أين كنت في 5 حزيران يونيو 1967؟
- كنت في بيروت. وكان ذلك بعد سلسلة من التطورات الصاخبة في بلادنا. بعد توقف الدراسة في القاهرة كان الانخراط الكامل في الحركة الوطنية والقومية في الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن. وكانت تضم آنذاك قوى تقدمية في صفوف الشعبين الفلسطيني والأردني.
وبعد نيسان ابريل 1957 والحالة الانقلابية التي حصلت على حكومة النابلسي وهيئة اركان الجيش الوطنية انصرفنا انصرافاً كاملاً إلى الحياة الوطنية بآفاقها القومية. وفجأة تحمّلت مسؤولية كل الاوضاع التنظيمية لحركة القوميين العرب من القدس حتى إربد، لأن الهياكل القيادية في ذلك الوقت انهارت تحت ضغط الحدث الانقلابي وضعف جاهزيتها لاستئناف النضال. بعد ذلك بفترة، وبالتحديد في شباط فبراير 1958 كانت هناك ضرورة كاملة للحياة السرية، وتمّ الاختفاء الكامل لفترة ليست قصيرة في عمان. ثم انتقلت سراً الى دمشق ثم الى طرابلس في شمال لبنان اواسط ثورة 1958.
وانتقلت لاحقاً، في اطار الحركة القومية، الى بغداد وتحملت هناك المسؤولية الكاملة عن أوضاع حركة القوميين العرب في العراق. وهناك تم الاعتقال الاول الطويل الى ان خرجت مع كثيرين من ابناء الحركة القومية والناصرية والبعثية من سجون عبدالكريم قاسم، وأشرفنا على إصدار الجريدة الناطقة باسم حركة القوميين العرب وهي جريدة "الوحدة" التي عاشت نحو 27 يوماً ثم أُغلقت على يد البعث. وتمّ ايضاً الاعتقال الثاني لفترة غير قصيرة ثم أُبعدت الى مصر ومنها انتقلت الى لبنان حيث استأنفت الدراسة الجامعية بسبب امكان الربط بين الدراسة والنضال في صفوف الحركة القومية.
الاعتقال الاول دام 14 شهراً وخرجت من المعتقل يوم 8 شباط 1963، اي يوم الانقلاب الأول للبعث المتحالف مع عبدالسلام عارف. والاعتقال الثاني حصل في عهد ائتلاف عارف مع حزب البعث بسبب ما كان يصدر عن الجريدة وعن حركة القوميين العرب في العراق والتي كنت مسؤولاً عن اوضاعها السياسية والتنظيمية والتحالفية، وكنت على صلة واسعة جداً بعدد من الضباط الاحرار من ذوي الاتجاهات القومية والناصرية. وخلال الاعتقال في عهد عبدالكريم قاسم كنت معروفاً في أوساط عدد واسع من القيادات المعتقلة البعثية والناصرية. ومن بين هؤلاء أحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش وعبد الكريم فرحان وصبحي عبد الحميد وعلي صالح السعدي الذي عُيّن لاحقاً نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للداخلية في اول حكومة ائتلافية بين عبدالسلام عارف والبعث.
لهذا عندما برز دور حركة القوميين العرب وجريدتها اليومية دوراً ديموقراطياً وحدوياً لم يكن هذا موضع رضا لدى الحكومة فتم الاعتقال الثاني الذي لم يطل كثيراً، وجاء بعده الإبعاد الى مصر اذ لم يكن الإبعاد ممكناً الى الأردن حيث كان قد صدر منذ عام 1958 حكم سياسي على نضالاتنا يقضي بالاعدام.
حركة القوميين العرب
حين جئت الى حركة القوميين العرب من كانت الاسماء البارزة فيها؟
- هذه المسألة معقدة نسبياً. نحن بدأنا حياتنا النضالية باكراً. وفي بدايات الانخراط كنا اطفالاً فعلاً لأن الحياة كانت ناهضة وصاخبة في بلادنا والاحداث تلاحقت ضمن نكبة 1948 إلى الثورة المصرية، الى عدوان السويس وعدوان 1967 والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة والانطلاقة المبكرة للمجموعات الفدائية انطلاقاً من قطاع غزة.
كل هذه التطورات كانت تشدّ في اتجاه الجمع بين القضية الفلسطينية والقضية العربية باعتبارها متداخلة وتطمح إلى التحرر والتقدم والديموقراطية. وبدأت الحياة المنخرطة في النضال والسياسة مبكراً جداً. ومنذ الدراسة الاعدادية اخذت الاوضاع تتبلور عندما انتقلنا الى الدراسة الجامعية وكانت النهضة للأفكار القومية واليسارية والاشتراكية. وكان المناخ الفكري الذي نعيشه يحاول الجمع بين الوطنية والقومية والاشتراكية مضموناً اقتصادياً واجتماعياً للنضال الوطني لئلا يكون نضالاً يقف عند حدود العَلَم والنشيد بل يخدم حركة شعوبنا في التقدم الى الامام.
كانت شبكة العلاقات واسعة مع اتجاهات متعددة في هذا المجرى العريض، الى ان تجمّعت شبكة من العلاقات الشخصية مع عدد من العناصر في الحركة القومية مثل جورج حبش ووديع حداد زميله في القيادة في عمان واحمد الفرمان وصلاح الدين عنبتاوي وعدد كبير من الناس. وبعد الانتقال الى دمشق ثم لاحقاً الى بيروت، كانت لي اتصالات وعلاقات واسعة مع هاني الهندي وجهاد ضاحي وحكم دروزه وآخرين كثيرين.
هذا كان في 1956 و1957، اما الزملاء في لبنان فتأخرت المعرفة بهم الى النصف الثاني من ثورة 1958 وكنت على صلة بجميع العناصر بمن فيها محمد كشلي ومحسن ابراهيم والزيات وبرهان غلاييني والمحامي رشيد كرامي، وهو غير رئيس الوزراء الراحل.
ماذا عن العلاقة مع الدكتور حبش تحديداً؟
- تعارفنا بين 1956 و1957 واخذت العلاقة بعداً أوسع بعد نيسان ابريل 1957 حين اضطر الى التخفّي في عمان لأنه كان مطلوباً. وتحمّلت المسؤولية التنظيمية والسياسية والنضالية الكاملة عن مجموع حركة القوميين العرب في الضفتين الفلسطينية والأردنية وكنت مسؤولاً عن كل وحدات التنظيم من القدس الى إربد. ولم أكن آنذاك تجاوزت العشرين عاماً.
أكاد أكون وجيلي الجيل الرابع او الخامس في الحركة القومية التي بدأت تعتمل في الاربعينات بآفاقها الجديدة، وبدأت بحزب البعث ثم الحركة الناصرية وحركة القوميين العرب، وبشخصيات مثل ميشيل عفلق وصلاح البيطار واكرم الحوراني وصديق شنشل وفائق السامرائي ومهدي كبة من الجيل الاول. بينما جورج حبش وجمال الاتاسي وهاني الهندي وحمد الفرحان ينتمون الى الجيل الثاني وهناك اجيال اخرى. هذا لا يعني وجود سنوات مديدة بين جيل وجيل، فالمقصود هو روزنامة الانخراط الواسع وما حمله جيلنا من نضال مباشر دؤوب لجهة ضرورة تطوير الحركة القومية للانتقال بها من شعارات عامة عاطفية الى مضامين اجتماعية وثقافية وسياسية وبرامج تجمع بين السياسة والقضايا الاجتماعية وقضايا الديموقراطية.
بمن كنت معجباً في تلك المرحلة؟
- في الحقيقة كنت مشدوداً الى كثير من التراث في التاريخ العربي والاسلامي والتاريخ الثوري الاوروبي بموجاته في النهضة الثقافية والتنوير والثورة الديموقراطية البورجوازية، وبخاصة الثورة الفرنسية وجناحها اليعقوبي. في منطقتنا وبالتحديد في ذلك السياق الزمني كانت ثورة 23 يوليو وزعيمها الكبير جمال عبد الناصر الألمع والأكثر فعلاً وتأثيراً في صفوف الشبيبة.
عرفات فتح الباب
كيف ترى المرحلة المقبلة بعد المعاهدة الاردنية - الاسرائيلية وفي ضوء التطورات داخل الاراضي المحتلة؟
- لو لم يكن اتفاقا اوسلو والقاهرة لما كانت المعاهدة بين الاردن واسرائيل. قال هذا بلغة واضحة رابين وكل قادة اسرائيل. الاردن لم يقدم على اي خطوة الا بعدما فتح له عرفات البوابة في اوسلو. بعد هذا جاء جدول الاعمال ثم اعلان واشنطن ثم المعاهدة. كان مرسوماً ان يتم التوصل الى المعاهدة وتوقيعها في شباط - آذار 1994، وتأخرت الى تشرين الاول اكتوبر 1994 في انتظار ان تتضح تطبيقات اتفاق اوسلو… وحتى تم التوصل الى اتفاق القاهرة، كان هذا في 4/5/1994. وبعد هذا نشطت الجهود للوصول الى توقيع المعاهدة الاردنية - الاسرائيلية.
في اتفاق اوسلو حصرت للمرة الأولى في تاريخنا المعاصر الارض والحقوق الفلسطينية في اطار الضفة والقطاع واعتبارها ارضاً متنازعاً عليها. وما عدا هذا شرعن اتفاق اوسلو اسرائيل واعتبارها وريثة فلسطين الانتدابية وممثلها الوحيد. وثانياً فان اوسلو بتطبيقاته، وفق اتفاق القاهرة، أضاف شرعنة بقاء قوات الاحتلال على 40 في المئة من قطاع غزة. وشرعن لبقاء المستوطنات على امتداد شريط غزة. وبالتالي بقي 40 في المئة من قطاع غزة بين المستوطنين وقوات الاحتلال.
كل هذا هو الذي فتح البوابة للمعاهدة الاردنية - الاسرائيلية بما احتوته، فكما جاء اوسلو - القاهرة تراجعاً مذهلاً عن القرار 242 الذي لا يجيز الاستيلاء على اراضي الغير بالقوة، وعن ضرورة تفكيك المستوطنات واعطى إسرائيل امكان التفاوض مع الاقطار العربية المجاورة باعتبارها وريثة فلسطين الانتدابية، جاءت المعاهدة لتمثّل تراجعاً عن قراري مجلس الامن 242 و338 وشرّعت لضم اراض اردنية محتلة بعد 1967 الى دولة اسرائيل. وفعلاً كل الهضبة المشرفة على وادي عربة والتي يبلغ مجموع مساحتها 30 كلم2 ضُمت إلى إسرائيل واصبحت جزءاً لا يتجزأ منها. وكذلك كل المستوطنات بقيت كما هي. لم تفكك اي مستوطنة في الارض الاردنية وضمت كلياً الى اسرائيل في مقابل ارض صحراوية جدباء قُدّمت تعويضاً عن هذه الهضبة والاراضي الخضراء. إضافة الى هذا أُجِّرت قطعة من الارض في وادي عربة هي امتداد لمستوطنة مثل الدفرسوار.
هناك منطقة الحمّة الاردنية وحوض اليرموك المائي الجوفي والتي تساوي 7 كيلومترات مربعة. واصبح نهر اليرموك نهراً مشتركاً، بموجب المعاهدة الاردنية - الاسرائيلية بعدما كان نهراً عربياً خالصاً داخلياً لأن رافده الرئيسي بانياس الذي ينبع من الجولان ومصبّه في الحمّة المثلثة الفلسطينية - السورية - الاردنية. وتحوطت اسرائيل لاحتمال انسحابها من الجولان الى ما وراء خطوط 4 حزيران 1967 تحت اصرار الموقف السوري، فوضعت يدها على الحمة الأردنية وحوض اليرموك الجوفي الأردني منذ 1968، والآن بموجب المعاهدة، تحت السيادة الاسرائيلية باعتبارها منطقة مؤجرة لپ25 عاماً قابلة للتجديد. هذا أخرج الأردن من كونه شريكاً في مصب اليرموك وجعل اسرائيل بديلاً منه. ومن هنا كانت المعاهدة في هذه الجوانب تستوحي، تحت ضغط اسرائيل، اتفاق أوسلو - القاهرة الذي اعطى اسرائيل الحق في التفاوض على حدود 1921 مع الدول العربية المجاورة، ومكّنها من استخدام الأسبقية بقبول اتفاق أوسلو بأجزاء من قطاع غزة تحت الاحتلال وبقاء جميع المستوطنات.
وهذا كله يتناقض مع القرار 242 ويتناقض مع النموذج المصري في تطبيق 242 حيث انسحبت قوات الاحتلال انسحاباً كاملاً الى حدود مصر الدولية مع فلسطين الانتداب عام 1921 وفككت كل المستوطنات في سيناء، ودُمرت مدينة ياميت على البحر المتوسط.
إضافة الى هذا نصت المعاهدة الأردنية - الاسرائيلية حرفياً على حل مشكلة اللاجئين وفقاً لما يدور في المفاوضات المتعددة وبما يؤدي الى توطينهم على الأرض الأردنية بديلاً من حقهم في العودة وفق قرار الأمم المتحدة الرقم 194. ونصت على حل مشكلة النازحين، وهم نحو 800 ألف فلسطيني، نزحوا بعد حرب 1967 أيضاً، وفقاً لما تتوصل اليه اللجنة الرباعية التي نصت عليها اتفاقات أوسلو الأردنية - المصرية - الفلسطينية - الاسرائيلية. وليس وفقاً للقرار 237 مثلاً القاضي بحق النازحين في العودة من دون قيد أو شرط.
هذا كله شكل الاسبقيات التي أعطتها اتفاقات أوسلو والمعاهدة الأردنية - الاسرائيلية التي تشكل هبوطاً وتراجعاً عن المعاهدة المصرية - الاسرائيلية. ولذا سنجد أنفسنا أمام صعوبات وعقد وصراعات أكثر عمقاً، وستكون في الضرورة أكثر سخونة مما شهدنا حتى الآن. لأن اسرائيل ستقذف الآن بوجه الشعب الفلسطيني مثلي نموذجي أوسلو والمعاهدة الأردنية - الاسرائيلية بالتنازل عن أراض وبقاء المستوطنات وتأجير أراض. وستتضح فداحة كل هذا عندما يجري البحث في الحل النهائي للمسألة الفلسطينية بعد السنوات الثلاث من الحكم الذاتي المحدود، حيث لاسرائيل أطماع توسعية ميثولوجية وسياسية وبراغماتية في شكل صارخ بالأرض الفلسطينية. وهذا ما عبر عنه رابين في مؤتمر الدار البيضاء في خطابه، رداً على خطاب عرفات، بأن فلسطين هي أرض اسرائيل والقدس هي العاصمة الأبدية الموحدة ومصير الضفة والقطاع يتقرر في المفاوضات اللاحقة عندما نأتي الى البحث في الحل النهائي.
وكذلك يقدم قادة اسرائيل من الآن هذين النموذجين الضارين للضغط على السوريين واللبنانيين من اجل حلول مشابهة على جبهة الجولان وجنوب لبنان، أي من أجل حلول على جبهة الجولان تقوم على الانسحاب الى الحدود الدولية بين سورية وفلسطين الانتدابية. وهذا شيء وحدود 4 حزيران 1967 شيء آخر تماماً. الحدود الدولية تعني بوضوح ان يبقى من الجولان المحتل 35 في المئة تشمل جبل الشيخ ونبع الحمة، ليصبح اسرائيلياً. وإضافة الى هذا، تشمل الپ35 في المئة نبع بانياس والحمة الفلسطينية وشمال شرق بحيرة طبريا وسهل عزالدين. بينما تعني حدود 4 حزيران 1967 عودة جميع الجولان المحتل في حرب حزيران 1967 أي عودة كل الجولان بما فيه جبل الشيخ الحمة ونبع بانياس وشمال شرق بحيرة طبريا.
ولذلك فان الاسرائيليين يستخدمون الآن مثل أوسلو والمعاهدة الأردنية - الاسرائيلية ويقذفون بهما في وجه سورية بعدما كانت اسرائيل محشورة في الزاوية الضيقة فعلاً. لأن السوريين كانوا دائماً يقدمون مثل مصر بانسحاب الاسرائيليين من جميع الأراضي المصرية المحتلة وتفكيك جميع المستوطنات، ويصرون على ان قرار مجلس الأمن 242 يفرض في الضرورة العودة الى حدود 4 حزيران 1967 كما ينص على عدم جواز الاستيلاء على اراضي الغير بالقوة.
ويضغط الاسرائيليون الآن ويقايضون من اجل بقاء الكثير من المستوطنات في الجولان ومحاولة استئجار أراض جولانية. وهذا ما دفع بالرئيس الأسد في المؤتمر الصحافي المشترك مع كلينتون في خطابه المكتوب إلى ان ينص بدقة على ضرورة الانسحاب الى ما وراء خطوط 4 حزيران 1967، في مقابل اقامة علاقات سلام عادية مع اسرائيل. وهذه الأطماع البراغماتية لحزب العمل مصحوبة بأطماع ميثولوجية لليكود ستخلق صعوبات كبرى جديدة في مجرى المفاوضات السورية - الاسرائيلية.
سورية واسرائيل والتعقيدات
هل تتوقع حصول سلام بين سورية واسرائيل خلال مدى زمني معين؟
- اعتقد بأن الأوضاع أصبحت أكثر تعقيداً ومداها الزمني أطول، لأن اسرائيل ستضغط وتفاوض، ومعها شيء من الرؤية والمساهمة الأميركية في اتجاه تمثل تجربة اتفاق أوسلو والمعاهدة الأردنية - الاسرائيلية. بينما كان الوضع يمكن ان يأخذ، قبل المعاهدة، مجرى أسرع لأن نموذج أوسلو غير نهائي ولا يمكن التمثل به، وبالتالي كانت في أيدي السوريين أسلحة سياسية وقانونية أقوى والاذن الأميركية كانت تسمع على نحو أسلم وأفضل. أما الآن، بعد المعاهدة الأردنية - الاسرائيلية مصحوبة باتفاق أوسلو - القاهرة، صارت في يد الادعاء الاسرائيلي أسلحة جديدة والاذن الأميركية تنصت أفضل لاسرائيل. وهذا يفسر أيضاً خطاب كلينتون في الكنيست والذي تميز بنفحة صهيونية طاغية حتى ان أعضاء قالوا قولاً يشهد بأن هذا أكثر خطاب صهيوني لرئيس أميركي عرفناه منذ عام 1948.
وسيواجه لبنان التعقيدات ذاتها بموجب هذين النموذجين الضارين، لأن لاسرائيل أطماعاً فعلية بالتراب والمياه اللبنانيين. وكلنا نعلم التحرش على خط الحدود في شأن القرى المعلقة السبع وأيضاً حوض الليطاني. كذلك سيشجع التوطين بموجب المعاهدة الاردنية - الاسرائيلية، اسرائيل في الضرورة على الضغط في اتجاه التوطين في لبنان بديلاً من قرارات الشرعية الدولية التي نصت على العودة أو التعويض.
هذا كله يعني بوضوح ان التوقعات تؤشر الى عملية مزدوجة التركيب لها وجهان: وجه يطفو على السطح يشير إلى أن العملية التفاوضية السياسية جارية وتحقق خطوة بعد خطوة، ولهذا يجري الترويج لأن الأوضاع باتت أيسر في نظر اسرائيل والأميركيين على جبهة الجولان وجنوب لبنان. والوجه الآخر هو التعقيد الجديد الذي أُضيف.
هذا كله يتبدى بوضوح على الأرض الفلسطينية المحتلة وفي الميدان. فالأكثرية الساحقة من شعب فلسطين تعترض وتعارض اتفاق أوسلو - القاهرة وتطرح داخل الأرض المحتلة استفتاء على اتفاق أوسلو - القاهرة برعاية الولايات المتحدة وروسيا واحترام نتائج الاستفتاء. لكن رابين وعرفات والادارة الأميركية يرفضون لأنهم يعرفون سلفاً ماذا ستكون النتيجة. ونحن نصر على هذا الاستفتاء وسنحترم نتائجه. وكذلك على خيار الانتفاضة والصراع ضد الاحتلال بقواته المنتشرة على 40 في المئة من قطاع غزة والمستوطنات في القطاع، جنباً الى جنب مع خيار الانتفاضة والصراع ضد المحتل ومستوطناته في الضفة الغربية... فضلاً عن التهويد المتسارع للقدس. هذا كله جعل الأمن والاستقرار في المناطق المحتلة، بما فيها مناطق الحكم الذاتي، مفقودين على يد القمع الاسرائيلي وجرائم المستوطنين، كذلك المواجهة الوطنية الفلسطينية، وجعل الأمن والاستقرار مفقودين أيضاً داخل اسرائيل بالنسبة الى الاسرائيليين.
وهذا كله دفع بأصوات اسرائيلية خصوصاً بعد الذي جرى في تل أبيب لتقول علينا ان ننتقل الى مفاوضات الحل النهائي وألا ننتظر ثلاث سنوات لأنه بات واضحاً ان أوسلو - القاهرة لم يأت بالأمن والاستقرار ولن يأتي بهما. والانتقال الى مفاوضات الحل النهائي انتصار لرأي الجبهة الديموقراطية والقوى التي وقفت الى جانبها في أن أوسلو - القاهرة ليس حلاً ولن يأتي بالأمن والاستقرار لا للشعب الفلسطيني ولا للاسرائيليين، وانتصار لدعوتنا إلى المفاوضات على الصفقة الشاملة للتوصل الى تسوية تاريخية شاملة بموجب القرارات 242 و338 و194 تؤدي الى انهاء الاحتلال والاستيطان، وإلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها حقه في اختيار دولة فلسطينية مستقلة.
الحرب الأهلية
هل تتوقع مواجهة بين "حماس" والسلطة، أو حرباً أهلية؟
- ... ولذا المتوقع ان تسخن الأوضاع أكثر فأكثر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ببرنامج مركب مزدوج ضد الاحتلال والاستيطان، وضد برنامج أوسلو في مناطق الحكم الذاتي. وفي هذا السياق إن ضغوط رابين والأميركيين على عرفات هي في اتجاه اشعال نار الاقتتال الفلسطيني - الفلسطيني تحت عنوان الاقتتال مع "حماس" والأصولية الاسلاموية المتطرفة.
لكن هذا يعني، بلغة واضحة، ان القتال سيؤدي الى حرب اهلية فلسطينية - فلسطينية بين سلطة الحكم الذاتي يدعمها الاحتلال وبين وكل القوى الديموقراطية والوطنية والاسلامية السياسية الوطنية التي تقول لا لبرنامج أوسلو - القاهرة الذي لا يلبي الحدود الدنيا من الحقوق الوطنية الفلسطينية بموجب قراري مجلس الأمن وقرار الأمم المتحدة الخاص بحق الشعب اللاجئ في العودة أو التعويض. واعتقد بأن من الصعب جداً على عرفات ان يستجيب ضغوط رابين والأميركيين بفتح النار على أي قوة معارضة حتى وإن بدأ بعنوان "حماس". وأمامنا تجربة حية في الأسابيع الأخيرة، فقد فتح النار بسلسلة من الاعتقالات الواسعة بدأت بنشطاء الجبهة الديموقراطية وشملت أكثر من 95 كادراً وقيادياً، ثم تبعتها اعتقالات واسعة في صفوف "حماس" و"الجهاد". واضطر عرفات، تحت ضغط الشعب والنضالات الجماهيرية اليومية في مناطق الحكم الذاتي وفي الأراضي المحتلة في الضفة والقدس، إلى ان يتراجع ويطلق الذين اعتقلوا وآخر الذين أطلقوا صباح 31 اكتوبر 1994. وآخر مأساة مجزرة الجمعة الدامي في 18/10 في قطاع غزة، وعلى عتبة جامع فلسطين وجامع العباس حيث سقط 14 شهيداً وأكثر من مئتي جريح برصاص شرطة عرفات بينهم شهيد الجبهة الديموقراطية عليان عادل عليان وشهداء قوى المعارضة الأخرى.
لذا من الصعب جداً على عرفات ان يستجيب نداءات الفتنة والحرب الأهلية التي يريدها رابين منه. ونحن حريصون، في الوقت نفسه، على مواصلة برنامجنا المركب بكل أشكال النضال ضد قوات الاحتلال والاستيطان والنضال الديموقراطي الجماهيري والسياسي ضد برنامج أوسلو - القاهرة وتجويع الشعب في مناطق الحكم الذاتي.
ومن أجل هذا نطرح انتخابات بلدية وقروية في قطاع غزة حيث يمكن عرفات ذلك لكنه يرفض. وأصر على تعيين بلدية لغزة وتعيين بلديات أخرى لأنه يعلم جيداً ماذا ستكون النتائج. كذلك نصر على انتخابات بلدية في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة. لأن البلديات المنتخبة ستكون مسلحة بنبض ورأي لتقف في وجه الاحتلال ومصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات وبناء مستوطنات جديدة في حدود هذه البلديات والتدخل في الشؤون الداخلية للبلدية.
مشكلة الانتخابات
هل تشاركون في الانتخابات التي يجري الحديث عنها؟
- كذلك نحن نطرح بلغة واضحة بديلنا الواقعي وهو انتخابات سياسية تشريعية لشعبنا فينتخب برلماناً وطنياً جديداً داخل الأرض المحتلة يبلور البرنامج السياسي المشترك لكل طبقات الشعب الوطنية ضد الاحتلال والاستيطان، ومن اجل مفاوضات شاملة جديدة في اطار 242 و338 و194 تفتح على انهاء الاحتلال وحق تقرير المصير.
المطروح من قبل اتفاق أوسلو ليس انتخابات سياسية تشريعية بل انتخابات لمجلس ادارة الحكم الذاتي بين 27 الى 34 شخصاً ينفذون اتفاق الحكم الذاتي ويلتزمون سلفاً اتفاق أوسلو - القاهرة والعمل على تنفيذه. ومن المحزن ان فريق أوسلو الفلسطيني وافق، في مفاوضات الجولة الرابعة في القاهرة، على هذا الشرط الاسرائيلي. وبالتالي إن هذا الشرط يعني بوضوح وضع كل قوى المعارضة الديموقراطية اليسارية والوطنية والاسلامية السياسية خارج اطار انتخابات كهذه، لأن الشرط المسبق هو تقديم تعهد من أي منظمة أو حزب أو شخص أن عليه، اذا أراد ان يترشح، ان يتعهد التزام اتفاق أوسلو - القاهرة والعمل على تنفيذه.
هذا يعني انكم لستم قادرين على المشاركة؟
- هذا التوافق بين الاحتلال وسلطة الحكم الذاتي حصر العملية الانتخابية للمجلس الاداري التنفيذي بأهل أوسلو لا غير. نحن في الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين وبجانبنا "الجبهة الشعبية" وأعداد كبيرة من "فتح" الذين بالسجون الاسرائيلية رفضنا، ورفض مناضلونا الذين يتجاوزون معاً 6 آلاف أسير التوقيع على وثيقة التعهد التي طلبها الاحتلال وتنص على تأييد اتفاق أوسلو وتعهد الامتناع عن المقاومة العنيفة واحترام القانون المعمول به في المناطق المحتلة، لأن هذا تدخل في الرأي الآخر وفي حرية الضمير، وتقييد للنضال وحق الأسير في اطلاق حريته بلا قيد ولا شرط.
كذلك علينا ان نذكر ان جميع أعضاء سلطة الحكم الذاتي قدم كل منهم تعهداً مكتوباً قبل ان توافق اسرائيل على أي واحد منهم، ينص على أنه يحترم اتفاق أوسلو وسيعمل على تنفيذه، في اطار سلطة الحكم الذاتي المحدودة. هذه سياسة لاديموقراطية تتناقض مع أبسط حقوق الانسان في احترام الرأي والرأي الآخر واحترام حرية الضمير. ولذلك رفضناها ونصر على بديلنا الواقعي: أولاً استفتاء على اتفاق أوسلو، وثانياً انتخابات بلدية وقروية، وثالثاً انتخابات سياسية تشريعية نحن جاهزون لها وللمساهمة فيها.
آخر اتصال مع عرفات
متى كان اتصالك الأخير بعرفات؟ هل أنتما في حال قطيعة حالياً؟
- حتى توقيع اتفاق أوسلو من وراء ظهر شعبنا والائتلاف الوطني في اطار منظمة التحرير، ومن وراء ظهر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، كانت الجسور مفتوحة بيننا وبين عرفات. ومنذ توقيع اتفاق اوسلو دمر عرفات هذه الجسور ولم تعد موجودة بيننا وبينه لأنه عقد اتفاقاً من وراء ظهر ليس الشعب وكل مؤسسات منظمة التحرير المشتركة فقط، بل حتى من وراء ظهر وفده الذي كان يفاوض في واشنطن برئاسة حيدر عبدالشافي. ووقع اتفاقاً يتناقض مع قرارات مجلسنا الوطني المشتركة التي كنا من روادها في ايلول سبتمبر 1991.
ولذا بذلنا كل جهودنا، في الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، لنصون ونبقي التواصل مفتوحاً بجسوره بيننا وبين عرفات في المجلس المركزي لمنظمة التحرير واللجنة التنفيذية والاتصالات الثنائية المشتركة. وبتدخلات عربية طلبها عرفات أكثر من مرة، تدخل الرؤساء علي عبدالله صالح وعلي كافي والبشير، وعقدت فعلاً لقاءات ثنائية بناء على طلب هؤلاء في صنعاء والجزائر والخرطوم. ولكن منذ توقيع اتفاق اوسلو دمر عرفات الائتلاف الوطني والقواسم المشتركة والجسور بيننا بتدميره كل مؤسسات منظمة التحرير وبرنامجها المشترك. ولذا لم يعد هناك أي جسر في العلاقة الثنائية بيننا أو في اطار مؤسسات منظمة التحرير لأنها لم تعد موجودة بعدما دمرها عرفات.
الى أين تذهبون إذا وقعت سورية معاهدة سلام مع اسرائيل؟
- حضورنا الأساسي، نحن في الجبهة الديموقراطية، هو في صفوف شعبنا داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، وداخل مخيمات اللجوء والشتات. ولذا التسهيلات اللوجستية الادارية التي بُنيت على امتداد 25 عاماً في النضال وفي شبكة العلاقات الفلسطينية - العربية، بما فيها شبكة العلاقات بين الجبهة الديموقراطية والكثير من العواصم العربية، عمان ودمشق وبيروت والقاهرة وصنعاء والجزائر وطرابلس وبغداد وقبل حرب الخليج كانت لنا مكاتب في الكويت والامارات ودول خليجية أخرى... نحن نعتبر كل هذه التسهيلات اللوجستية الادارية مسائل ثانوية سواء بقيت أم لم تبق.
أما في شأن الوجود الانساني لعدد من قيادات الجبهة الديموقراطية فحالنا حال الكثير من القيادات الفلسطينية بمن فيها قيادات فتحاوية من أمثال فاروق قدومي وماهر غنيم وهاني الحسن وآخرين، نحن جميعاً نناضل من أجل حقنا في العودة الى الأرض المحتلة. ومن المحزن ان عرفات تجاهل كل هذا في اتفاق أوسلو - القاهرة. فضلاً عن ذلك انه قفز عن عدد من القيادات الفلسطينية التي ائتلف وتجاور معها لأكثر من 25 عاماً في مجرى الثورة والانتفاضة ومنها نايف حواتمة وجورج حبش وآخرون، وعن عدد من اخوانه في اللجنة المركزية ل "فتح"، لأنه يريد أن يرقص وحده في منطقة الحكم الذاتي بديلاً من حق التعددية الديموقراطية الفلسطينية في الوجود على كل مواقع النضال بما فيها مناطق الحكم الذاتي.
العاصمة البديلة
هل تذهبون الى بغداد أو طهران أو طرابلس؟
- بلغة واضحة نحن، في الجبهة الديموقراطية، لا علاقة لنا منذ البداية حتى يومنا بالمؤسسة الحاكمة الايرانية، ولا يوجد أي شكل من أشكال العلاقات العملية والسياسية بيننا. وربما مثل هذه العلاقة موجود في صورة علاقات ثنائية لطهران مع "حماس" و"الجهاد الاسلامي" و"القيادة العامة" و"فتح الانتفاضة". وفي الوقت نفسه نحن لا نريد أن نضع العربة أمام الحصان ونستبق الأحداث. سنعود الى قلب المخيمات اذا لم ننجح في العودة الى الأرض المحتلة بما فيها الى قطاع غزة. ونحن حريصون على ان تعود كل قياداتنا وكوادرنا الى الأرض المحتلة بما فيها قطاع غزة. وعاد من بين كوادر الجبهة الديموقراطية عدد متواضع جداً في اطار المؤسسات الادارية لمنظمة التحرير التي ارتحلت من تونس وبعض البلدان العربية الى داخل مناطق الحكم الذاتي.
لم التق كارلوس
هل تعرف كارلوس؟
- مطلقاً.
لم تلتق كارلوس أبداً؟
- مطلقاً.
ألم يحاول الاتصال بالجبهة الديموقراطية؟
- ربما، لكنه بالتأكيد يعرف تماماً ان لا مكان لأي علاقات مع هذا النمط من العمل الذي سار به كارلوس، فنحن لنا طريق آخر تماماً أعلناه منذ انطلاقة الجبهة الديموقراطية...
هل التقيته في احدى المرات؟
- أعلنا منذ انطلاقة الجبهة، لعوامل ايديولوجية وسياسية وتنظيمية، أننا نؤمن بأن الشعب بطبقاته الوطنية الجماهير هو وحده القادر على مواصلة النضال العريض لانهاء الاحتلال والاستيطان وانتزاع حقه في تقرير المصير والعودة. أكرر مرة أخرى: لم ألتق معه مطلقاً، ولا أعرف شكله على الطبيعة. رأيته من خلال الصور التي نشرت له.
هل التقاه أحد الأفراد القياديين لديك أو أحد أعضاء المكتب السياسي للجبهة؟
- مطلقاً، لم يلتقه أحد من الجبهة الديموقراطية لا هو ولا غيره من أصحاب هذه المدرسة السياسية القائمة على الأعمال الفردية والانتقال بالصراع الى خارج صفوف الشعب الفلسطيني وخارج الأراضي المحتلة.
هل تستطيع الذهاب حالياً الى الأردن، أو أنك ترفض الذهاب؟
- العلاقة طبيعية.
بعد توقيع المعاهدة، هل تذهب الى الأردن؟
- المعاهدة أولاً في الأساس شأن أردني والأجوبة عليها ايجاباً أو سلباً هي في الضرورة اجوبة يجب أن يعطيها الشعب الأردني والشعب الفلسطيني المقيم على الأرض الأردنية في انتظار ان ينتزع حقه في العودة أو التعويض وفقاً لقرار الأمم المتحدة 194 وقرار مجلس الأمن 237. ونحن في "الجبهة الديموقراطية" عملنا تاريخيا على بناء العلاقات الطبيعية الفلسطينية مع كل الأقطار العربية من دون التدخل في شؤونها الداخلية وفي الوقت نفسه من دون ان يتدخل أي بلد من هذه البلدان في الشؤون الفلسطينية الداخلية.
وبرهنا على هذا مراراً وتكراراً. ومن الأمثلة على ذلك أننا كنا ضد سياسة عرفات التي تقوم على التمحور مع محور اقليمي عربي في عاصمة أو أكثر من عاصمة ضد محور اقليمي عربي آخر في عاصمة أو أكثر من عاصمة، وهذه سياسة معلومة ومعلنة. وكنا أيضاً ضد سياسة جبهة الانقاذ الفلسطينية في التمحور مع محور اقليمي عربي ضد محور آخر ورفضنا كل السياسات الانقسامية في منظمة التحرير. وناضلنا من اجل اعادة بناء الائتلاف الوطني في منظمة التحرير والوحدة الوطنية في منظمة التحرير أربع سنوات كاملة وحدنا من 1983 حتى 1987 إلى أن انتصرنا بالحوار المفتوح مع كل القوى بما فيها "فتح" عرفات. وأعدنا بناء الوحدة الوطنية في اطار منظمة التحرير في المجلس الوطني التوحيدي الشهير في نيسان ابريل 1987 في الجزائر. كذلك عندما اتخذ عرفات سياسة خاطئة في أزمة الخليج بعد دخول القوات العراقية الكويت نحن في الجبهة الديموقراطية أعلنا مباشرة اننا ضد هذا ودعونا الى انسحاب القوات العراقية الى الحدود الدولية والدخول في مفاوضات بين العراق والكويت تحت مظلة عربية قبل أن تبدأ القوات الأميركية والأوروبية بالتوافد على منطقة الخليج. ودعوت في موقف معلن شهير نشر يوم 5 آب اغسطس 1990 في جريدة "الصباح" التونسية و"الرأي" الأردنية، الى انسحاب القوات العراقية الى الحدود الدولية والدخول في مفاوضات لتسوية القضايا المتنازع عليها تحت رعاية جامعة الدول العربية. ونبهت إلى أن أميركا واسرائيل تعدان لحرب تدميرية واسعة في منطقة الخليج، معتمداً في تلك اللحظة على بدء تحرك البوارج الحربية الأميركية والبريطانية من موانئها في بريطانيا في اتجاه البحر الأبيض المتوسط.
ياسر عرفات، متى كان اللقاء الاول معه وما هو انطباعك؟
- كان اللقاء مع عرفات في بداية العام 1965. بينما كان لقاء كثير من رفاقنا معه قبل هذا التاريخ، وبخاصة شهيدنا الكبير عبدالكريم حمد عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية، حيث جرت محاولات دؤوبة للتعاون المسلح المشترك من جنوب لبنان. وكانت كل التحركات في ذلك الوقت داخل المخيمات ومنها في اتجاه المناطق المحتلة تتم في أوضاع سرية كاملة.
في المصلحة ان كل محاولات التعاون انتهت الى لا شيء. وكان الشهيد عبدالكريم حمد الشخصية المعروفة في مخيمات لبنان، يحمل دائماً عرفات المسؤولية. وله قول شهير هو انه اي عرفات "حالة زئبقية" من الصعوبة ايجاد مساحة مشتركة تعاونية معها. وبقي الرفيق الشهيد عبدالكريم حمد على موقفه هذا طوال حياته.
في اللقاء الأول برزت المسافات واسعة جداً بين المنهج البرنامجي الذي نقترحه جواباً على النكبة عام 1948 وتغييب الشخصية والهوية الفلسطينية وضرورة ربط الدور الخاص لشعبنا بالعمل المشترك في الاطار القومي، وبين منهج آخر يقوم على الممارسة التكتيكية من دون أفق استراتيجي مباشر، وعلى المدى المتوسط وعلى الشعار العام في العلاقات الفلسطينية - العربية. مع اعجاب عرفات الكبير في ذلك الوقت بحزب البعث وتجربته وعلاقاته مع سورية، فقد كان يعتبرها قاعدته الآمنة ومركز انطلاقة "فتح". وأشعار الى ان العديد من الشخصيات البعثية القيادية تعمل معه في حركة "فتح". وفي النتيجة اكتشفنا ان لكل منا منهجاً وطريقاً. وفي الوقت نفسه اصررنا على ضرورة بناء اعرض جبهة وطنية تعبر عن وحدة كل الشعب بطبقاته وتياراته الوطنية على اختلاف مناهجها الايديولوجية. فنحن شعب له، بين نكبة 1948 ونكبة التوسع الاسرائيلي، مصلحة وطنية ومباشرة في النضال لاعادة بناء الشخصية الفلسطينية ودورها الخاص في الدور النضالي العربي الاوسع نحو حق تقرير المصير والعودة.
أطرف ما حدث بينك وبين عرفات؟
- الطريف كثير جداً، لكن الاطراف ان شخصية عرفات لا تعرف روح التحالفات والصداقات الا بمقدار ما تفرضها موازين القوى على الأرض في صفوف الحركة اليومية الفلسطينية. لأن عرفات لا يبني سياسة تستجيب ضرورات الوحدة الوطنية والقواسم المشتركة النابعة من المصلحة الفلسطينية الفعلية والعريضة، بل يبنى سياسته اليومية والعامة اعتماداً على المناورة والتنقل بين المحاور والعواصم الاقليمية العربية ضارباً عاصمة بأخرى بدلاً من السياسة التي ناضلنا ونناضل على أساسها والقائمة على ضرورة التقريب بين العواصم العربية وصولاً الى أعلى درجة ممكنة من التضامن والمساحات العربية المشتركة. اما طرائف الدنيا الشخصية لعرفات فكلها تتمحور حول نمط عرفات الذي يقول هو عنه انه لا يقبل حتى ظله بجانبه، ولذا لا يقبل بالمرآة في بيته حتى لا يرى فيها عرفات آخر.
كم محاولة اغتيال تعرضتم لها، وهل يمكن تفصيل احدها؟
- كثيرة وليس هذا ميدانها، فنحن لسنا في صدد كتابة السيرة النضالية والانسانية والذاتية، أورد احداها على السريع في سياق مأساة ايلول/ 1970 كنا وعرفات في مقر السفارة المصرية في عمان للقاء مع الفريق محمود صادق رئيس أركان الجيش المصري ومبعوث الرئيس عبدالناصر لوقف النار بين اخوة السلام. ويبدو ان حركتنا كانت مرصودة جيداً بعدما انتقلنا الى جوار مخيم الوحدات في عمان، فما ان دخلنا احد البيوت في منطقة الاشرفية وجدنا قذائف المدفعية تتساقط حولنا ثم اخترقت احداها الغرفة التي كنا نجتمع فيها، انا وعرفات والشهيد أبو جهاد وآخرون، والساتر الوحيد الذي حجب عملية الاغتيال الجماعية انقلاب خزانة ضخمة علينا نحن والمجتمعين بفعل قوة ضغط القذيفة مما سمح لها لمواصلة سيرها واختراق الجدار الآخر. وصمت موجة الرصاص وقذائف المدفعية فوراً تحت تقدير الذين قاموا بهذه العملية ان كل شيء قد انتهى كما خططوا ورصدوا وأطلقوا.
الجبهة الديموقراطية نفذت سلسلة عمليات كبيرة ضد اسرائيل في السبعينات هل كنتم مخططين مباشرين لها؟ وكيف تصفونها؟
- منذ بداية عملنا هناك فاصل بين القيادات والتنظيمات السياسية والجماهيرية وبين الجناح العسكري للجبهة الديموقراطية. قيادة الجبهة الديموقراطية تبلور الخط العام في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال والاستيطان الذي يجثم على صدر شعبنا في الأرض المحتلة ويغزو مخيمات شعبنا في الشتات. ولذا القيادة تبلور الخط الرئيسي في اشكال المقاومة ومنها المسلحة وبرنامجنا ضد قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين المسلحين بعيداً عن المراكز والعناصر المدنية وبعيداً عن العمليات الفردية الخارجية التي تعتمد على جهود أفراد. فنحن في الجبهة، من قاعدة برنامجية عملية نؤمن بأن الجماهير العريضة المنظمة في الميدان ضد الاحتلال والاستيطان على طريق تقرير المصير والدولة والعودة وفي اطار تسوية شاملة، هذه الجماهير هي وحدها قادرة على انجاز المهمات القومية والوطنية الكبرى حتى يكون ثمن الاحتلال ونهب الأرض مكلفاً لقوات العدو فتنزف باستمرار مادياً ومعنوياً واخلاقياً امام اناسها والعالم. هكذا تم على أيدي الثورات الظافرة وآخرها جنوب افريقيا تحت قيادة الائتلاف الوطني الواسع في ظل المؤتمر الوطني الافريقي. وفي مجرى هذا الخط، الجناح العسكري هو المسؤول عن التنفيذ والتخطيط للعمليات الفدائية ضد جنود الاحتلال ومعسكراته والمستوطنات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.