وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية ويشهد تخريج الدفعة (103)    كيف تصبح مفكراً في سبع دقائق؟    يهود لا يعترفون بإسرائيل !    اعتصامات الطلاب الغربيين فرصة لن تعوّض    ليفركوزن يسقط روما بعقر داره ويقترب من نهائي الدوري الأوروبي    الأهلي يتغلب على ضمك برباعية في دوري روشن    بدء إصدار تصاريح دخول العاصمة المقدسة للمقيمين العاملين خلال موسم الحج    قصة القضاء والقدر    تعددت الأوساط والرقص واحد    سعودة التاريخ وحماية الوحدة الوطنية    كيفية «حلب» الحبيب !    من المريض إلى المراجع    9 غيابات في الاتحاد أمام أبها    ب10 لاعبين.. الرياض يعود من بعيد ويتعادل مع الفتح ويخطف نقطة ثمينة    «التخصصي» العلامة الصحية الأعلى قيمة في السعودية والشرق الأوسط    رحلة نجاح مستمرة    أمير الرياض يزور مسرح المهندس محمد البواردي بمحافظة شقراء    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    «مسام» يفكك كميات ضخمة من المتفجرات في قارب مفخخ قرب باب المندب    « أنت مخلوع »..!    خان يونس.. للموت رائحة    «التعليم السعودي».. الطريق إلى المستقبل    صدور بيان مشترك بشأن التعاون في مجال الطاقة بين السعودية وأوزبكستان    "تمزق العضلة" ينهي موسم طارق حامد مع ضمك    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    وزير الطاقة يشارك في جلسة حوارية في منتدى طشقند الدولي الثالث للاستثمار    وزير الخارجية يستقبل الأمين العام للمكتب الدولي للمعارض    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    القبض على فلسطيني ومواطن في جدة لترويجهما مادة الحشيش المخدر    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    الإصابة تهدد مشاركة لوكاس هيرنانديز مع فرنسا في (يورو 2024)    النفط ينتعش وسط احتمالات تجديد الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي    الذهب يستقر برغم توقعات ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية    محافظ بلقرن يرعى اختتام فعاليات مبادرة أجاويد2    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    قتل مواطنين خانا الوطن وتبنيّا الإرهاب    "شرح الوصية الصغرى لابن تيمية".. دورة علمية تنفذها إسلامية جازان في المسارحة والحُرّث وجزر فرسان    المملكة: الاستخدام المفرط ل"الفيتو" فاقم الكارثة بفلسطين    هاكاثون "هندس" يطرح حلولاً للمشي اثناء النوم وجهاز مساعد يفصل الإشارات القلبية    مبادرة «يوم لهيئة حقوق الإنسان» في فرع الاعلام بالشرقية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "التحصينات"    العدل تُعلن عن إقامة المؤتمر الدولي للتدريب القضائي بالرياض    السعودية تدعو لتوحيد الجهود العربية لمواجهة التحديات البيئية التي تمر بها المنطقة والعالم    انعقاد أعمال المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات والمؤتمر البرلماني المصاحب في أذربيجان    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    سماء غائمة بالجوف والحدود الشمالية وأمطار غزيرة على معظم المناطق    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    يجيب عن التساؤلات والملاحظات.. وزير التعليم تحت قبة «الشورى»    الهلال يواجه النصر.. والاتحاد يلاقي أحد    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    إنستغرام تشعل المنافسة ب «الورقة الصغيرة»    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاىش الأزمات العربية الكبرى طوال نصف قرن . أحمد اللوزي "غابة الأسرار" يفتح صفحات تاريخه السياسي لپ"الوسط" : وحدة الضفتين أنجح الوحدات العربية وضحايا أحداث أيلول 1970 ألفان لا عشرين ألفاً
نشر في الحياة يوم 29 - 08 - 1994

أحمد اللوزي قد يكون أكثر الشخصيات الأردنية ملازمة للملك حسين طوال 40 عاماً. فعلاقته به تعود الى ذلك اليوم الذي عاد فيه الأمير الشاب من الخارج ليتوج ملكاً على الأردن خلفاً لجده الملك عبدالله الذي اغتيل في المسجد الأقصى. واذا كان أحمد اللوزي، رئيس الوزراء سابقاً، ورئيس مجلس الأعيان حالياً، يلوم نفسه على عدم قدرته على استرجاع الذاكرة وسرد تفاصيل الأحداث لفترة طويلة عاشها ولا يزال في أروقة الديوان الملكي الأردني منذ العام 1953، فان الكثيرين ممن هم على صلة بتاريخ الأردن الحديث يؤكدون ان اللوزي اذا لم يشارك في صنع هذا التاريخ فانه الأكثر اطلاعاً عليه. فمجيئه الى رئاسة الحكومة بعد أحداث ايلول سبتمبر الشهيرة، واثر اغتيال رئيس الحكومة وصفي التل في العام 1971 كان بداية مرحلة جديدة في تاريخ الأردن فرضت العمل على رأب الصدع واعادة اللحمة بين الشعبين الأردني والفلسطيني.
في هذا الحديث الطويل مع "الوسط" يسترجع اللوزي أبرز الأحداث التي شهدها الأردن خصوصاً والعالم العربي عموماً منذ مطلع الخمسينات وحتى انطلاق مفاوضات السلام.
من هو أحمد اللوزي؟
- ابن الجبيهة، قرية قرب عمّان تسكنها عشيرة اللوزيين وهي فرع من قبيلة شمر التي نزحت من الجزيرة العربية الى العراق قبل ان تنتشر في كل من سورية ولبنان والسعودية والأردن واليمن.
ولدت في العام 1925 لوالدين كانت حياتهما أقرب الى البداوة والتنقل مع الأغنام، كنا نسكن في الصيف في الجبيهة وفي الشتاء نذهب الى الأغوار وفي الربيع نسكن البادية.
من رفاق الدراسة كان الاستاذ كمال الشاعر مدير دار الهندسة الشهيرة في العالم العربي، وآخرون ممن تقلدوا مناصب وزارية مثل عمر عبدالله قطان وأحمد فوزي وسعيد بينو ويحيى الخطيب، ومن تلامذتي أحمد عبيدات ومحمد رسول الكيلاني وطارق علاء الدين واسحق الفرحان الذين علمتهم في الفترة بين 1950 و1953.
كيف انتقلت للعمل في الديوان الملكي؟
- في ذلك الوقت شغرت وظيفة مساعد رئيس تشريفات ملكية في الديوان الملكي، ورُشّح لها عدد من الشباب الأردني، ووقع الاختيار لمحض الصدفة علي، فانتقلت من قطاع التربية والتعليم الى الديوان الملكي في مطلع شهر آذار مارس عام 1953. بدأت كمساعد للتشريفات الملكية، ثم رئيساً للتشريفات، ثم أميناً أول في الديوان الى ان أصبحت مساعداً لرئيس الديوان، واستقلت في العام 1961 لانتقل الى العمل السياسي فانتخبت نائباً عن منطقة عمان مرتين الأولى في العام 1961، والثانية في العام 1962. وفي كلا المرتين كان يحل البرلمان.
عام 1964 عينت وزيراً لشؤون مجلس رئاسة الوزراء، وعام 1965 استقالت الحكومة وعينت عضواً في مجلس الأعيان حتى العام 1967 حيث شغلت منصب وزير الشؤون البلدية والقروية، وهي السنة التي وقعت فيها حرب حزيران.
عام 1970 دخلت الوزارة مرة ثالثة وزيراً للمال وكان رئيس الوزراء حينذاك المرحوم وصفي التل.
بعد اغتيال وصفي التل في القاهرة في 28 تشرين الثاني نوفمبر 1971، كلفت بتشكيل الحكومة، فتم ذلك على مرحلتين. واستمريت على رأسها حتى شهر أيار مايو 1973.
في هذه الأثناء واصلت شغل عضوية مجلس الأعيان، لأن القانون الأردني يسمح بالجمع بين الوزارة وعضوية مجلس الأعيان.
عام 1967 حُلَّ مجلس النواب الأردني بسبب احتلال اسرائيل للضفة الغربية، واستمر الفراغ النيابي حتى العام 1978، حيث شكل الملك حسين مجلساً وطنياً استشارياً عُينت رئيساً له طوال سنتين قبل ان أعين رئيساً للديوان الملكي واستمر في هذا المنصب أكثر من 4 سنوات. بعد ذلك شُكل مجلس الأعيان وعينت رئيساً له، وأعيد مجلس النواب المنحل، وعادت الحياة البرلمانية من جديد عام 1984.
وحدة الضفتين
ما هي أهم الأحداث التي عايشتها أو شاركت في صنعها؟
- عندما كنت مدرساً، كان أهم حدث عايشته استشهاد الملك عبدالله. فقد عاش الأردنيون هذا الحدث بكل أبعاده. وفي تقديري فإن وحدة الضفتين، كانت أنجح وحدة عربية، وما كانت لتتم لولا جهود الملك عبدالله. في حين لم تعمر وحدة مصر وسورية أكثر من ثلاث سنوات، ووحدات أخرى لم تعمر سنة أو أكثر من ذلك بقليل.
وحدة الضفتين عاشت منذ العام 1950 وحتى العام 1967، وعلى رغم الاحتلال الاسرائيلي فلا تزال قوانين هذه الوحدة مطبقة وموجودة على الأرض، ولا يزال العالم ينظر الى علاقة الأردن وفلسطين على أنها علاقة جغرافية وانسانية وسياسية وقومية ولها كل الأبعاد. ولا تزال الأوقاف الاسلامية في الضفة الغربية تدار بموجب القانون الأردني.
ماذا بعد اغتيال الملك عبدالله؟
- عايشت تتويج الملك حسين والمناداة به ملكاً. عندما توّج كنت مساعداً لمدير التشريفات الملكية. فالشاب الذي استشهد جده ومرض أبوه لم يكن بلغ سن الرشد، كان عمره 17 سنة، وبقي منذ سنة 1952 الى شهر أيار مايو 1953 حتى أكمل سن الثامنة عشرة، ونودي به ملكاً.
وفي الخمسينات أقصي غلوب باشا من قيادة الجيش الأردني، وكنت أنا رئيساً للتشريفات الملكية، ثم حصل العدوان على مصر في العام 1956 وكنت أيضاً رئيساً للتشريفات الملكية، وكان الملك حسين يصل الليل بالنهار في سبيل العمل العربي المشترك.
الفترة ما بين 1952 و1953، هل شهدت أول اتصال لك بالملك حسين؟
- نعم كان أول اتصال لي مع الملك حسين في العام 1953، بعد ان أنهى دراسته في الخارج وعاد الى البلاد. كنت مساعداً لمدير التشريفات، ومن الفريق الذي استقبله الى جانب عبدالرحمن خليفة وكمال الحمود.
كانت طبيعة عملي تقتضي البقاء على اتصال بالملك، لا سيما لجهة ترتيب مواعيده وزياراته، داخل الأردن وخارجه.
وماذا كانت أول مهمة قمت بها معه؟
- بعد تتويج الحسين ملكاً، بدأ بزيارات للمناطق. كانت علاقتي معه كعلاقتي بأقرب الناس الي، فالملك قريب من الذين يعملون معه، وباعتقادي ان هذه من أهم الميزات التي جعلت الملك حسين قادراً على تجاوز أوضاع معينة.
هل تذكر حادثة طريفة وقعت خلال توليك المنصب في الديوان الملكي مع الملك حسين؟
- في احدى المرات طلب سفير هولندا مقابلة الملك حسين، وصدفة كان مدير الآثار الدكتور عبدالكريم غرايبة الذي أصبح بعد ذلك عميداً واستاذاً جامعياً كبيراً ينتظر مقابلة الملك. كان شكل الغرايبة أجنبياً للذين لا يعرفون هويته، وبعد تأخر السفير الهولندي عن موعده، أدخلت الدكتور الغرايبة الى صالة الاستقبال حيث كان الملك، وبدأ الملك حسين يتحدث الى ضيفه بالانكليزية على أساس انه السفير الهولندي، فضحك الدكتور الغرايبة وقال: "جلالة الملك أنا الدكتور عبدالكريم غرايبة، فضحك الملك واجابه فكرتك سفير هولندا". ولا يزال الملك كلما رأى الغرايبة يتذكر هذه القصة التي جرت في العام 1954.
وهناك حوادث أخرى طريفة وخصوصية، منها ان شيخ عشيرة وعضو مجلس نواب مشهوراً اسمه حمد ابن جاجي شيخ مشايخ الحويطات، غضب ذات مرة من رئيس الحكومة ووزير المال لأنها رفضا طلباً لاعفائه من احدى القضايا، وكان عمره يزيد عن الثمانين عاماً، ووصل الأمر به الى حد شتم رئيس الوزراء ووزير المال، ما دفع مجلس النواب لبدء اجراءات انهاء نيابته، ولما سمع بذلك الملك استدعاه مع رئيس الوزراء ووزير المال وصالحهم. واستجاب كل من الشيخ ورئيس الوزراء، وأراد الشيخ دعوة الملك الى حفل غداء، وقال له: "ما دمت صالحتني مع رئيس الوزراء ووزير المال، فأرى ان تشرفنا لتناول الغداء"، وبعد ان أبدى الملك استعداده للذهاب الى خارج عمان، قال له الشيخ حمد: "اذا جئتني فأتمنى ان تحضر معك الكلبين"، ويقصد بهما رئيس الوزراء ووزير المال.
والحقيقة ان الناس في الأردن يمونون على بعضهم بعضاً. وزلة اللسان لا وزن لها، فمن يخطئ يُسامَح، والملك عفا حتى عن الذين قاموا ضده، لا سيما بعد صدور أحكام اعدام بحقهم.
عبدالرحمن خليفة من مدينة السلط أحد رؤساء الديوان الملكي الذين عملوا في عهود عبدالله وطلال والحسين وتوفي قبل عام وهو تساءل مرة أمام الملك حسين قائلاً: "ربنا يعفي عن عبيده، أما انت فتخرجهم من النار وتضعهم في الجنة". وضرب مثلاً، كيف صدرت بحق بعض الناس أحكام اعدام، ثم ما لبثوا ان عيّنوا سفراء أو وزراء.
هل في ذهنك اسماء بعضهم؟
- صادق الشرع والدكتور رفعت عوده، حُكم عليهما بالاعدام، وصدر عفو عنهما بعد ان زارهما الملك حسين ووزير الداخلية وأنا في السجن وعيّن الشرع مدير جوازات وبعدها سفيراً، ثم وزيراً. وعلي أبو نوار بعد ان أعفي عنه أصبح مديراً في الديوان الملكي، ثم سفيراً في باريس وقبل وفاته عين عضواً في مجلس الأعيان.
كنت من القلائل الذين عايشوا الفترة الأولى من تربع الملك حسين على العرش، ماذا تتذكر من تلك الفترة؟
- كان للملك عبدالله ولدان، طلال ونايف، وكان الملك يعرف ان طلال مريض وان نايف غير مؤهل للحكم. كان الملك عبدالله يشعر ان حفيده أولى بالرعاية وبالفراسة وبالتأهيل من ولديه. لذلك تعهده شخصياً وكلف اساتذة لتعليمه، وكان يأخذه معه في جولاته وزياراته وعندما قتل الملك عبدالله في المسجد الأقصى كان الأمير حسين برفقته، والشظايا التي ارتدت من الصخر أصاب بعضها صدر الملك حسين.
الطربوش ليس عربياً
خلال وجودك في الديوان، هل كنت مسؤولاً عن جانب معين تجاه الملك؟
- انا لا أستطيع ان أدعي بشيء منفرد، لقد كنا نعمل كفريق، كنا ننظم مواعيد وزيارات الملك. ومن الأشياء التي عرفناها عن الملك انه كان من النوع الذي لا تعنيه صرامة "الاتيكات"، فمثلاً كنا نلبس "الطربوش" وقال لنا بعد تنصيبه بأشهر، لا يجوز ان نلبس "الطربوش" فهو لباس غير عربي ولا يجوز التمسك به، كنا نرتدي كثيراً الملابس الرسمية "الفراك" اثناء تقديم أوراق اعتماد السفراء وافتتاح البرلمان، الملك لم يؤيد تقييدنا بقواعد صارمة، وأراد ان ييسّر على المجتمع التعامل معه، فألغى اللباس المذكور لأن البعض لم يكن يتيسّر لديه ثمن ذلك اللباس.
كيف تمت عملية اقصاء غلوب باشا؟
- كنت أعمل رئيس تشريفات عام 1956، حين خطّط الملك حسين من اجل تحرير الجيش العربي، لا سيما ان غلوب باشا كان يمثل الهيمنة البريطانية على الجيش وعلى الارادة الوطنية.
ولم يكن بالأمر اليسير اقصاء غلوب في الوقت الذي كان فيه النفوذ البريطاني في أوجه في المنطقة. وكانت العملية بمثابة رسالة من الملك حسين والأردن، تعني بأنه لا مجال للتغاضي أو القبول بنفوذ مباشر، وممكن ان تحل محل هذه الهيمنة روح الصداقة والتعاون والمعاملة بالمثل. اقالة غلوب باشا شكلت حدثاً قومياً عربياً استطاع الأردن ان يصمد حياله وان يتبعه بالغاء المعاهدة الأردنية - البريطانية عام 1957، وحلت محل المعونة البريطانية معونة عربية من السعودية ومصر وسورية. وللتاريخ لم تستطع سورية ومصر يومها تنفيذ ما وعدتا به وبقيت السعودية ملتزمة، والحقيقة ان المملكة منذ ذلك التاريخ، وحتى الآن هي البلد الوحيد الذي وفى بكل ما التزمه من دعم.
هل ترك إبعاد غلوب باشا فراغاً في الأردن؟
- لا، على العكس جاء القرار متوافقاً مع تطلعات الناس. ولم يستشر الملك حسين لا رئيس الديوان ولا رئيس التشريفات في موضوع اقصاء غلوب باشا، بل كان على اتصال مع عدد من ضباط الجيش، وعندما اكتمل التخطيط لهذه القضية، فاتح رئيس ديوانه بهجت التلهوني وموظفي قصره ومجلس حكومته في لحظة واحدة.
ومن هم أبرز ضباط الجيش والمسؤولين الذين كانوا على علم بذلك؟
- المرحوم علي أبو نوار وكان كبير المرافقين، ورئيس الوزراء سمير الرفاعي، لكن الحكومة وموظفي القصر علموا بالخبر في اللحظة نفسها التي صدر فيها قرار الإقصاء.
وماذا عن أول زيارة رسمية لك الى الخارج؟
- لقد قمت بأول زيارة في العام 1954، وكانت للقاهرة برفقة الملك حسين، وهدفها بحث الاعتداءات الاسرائيلية على الحدود الأردنية - الفلسطينية، لكن الحدث الكبير كان عدوان بريطانيا وفرنسا واسرائيل ضد مصر في العام 1956 بعد تأميم السويس، وكانت صلة الملك بمصر وثيقة.
بعد العدوان الثلاثي على مصر، تمت الدعوة الى مؤتمر قمة عربي في بيروت، وذهبنا بالسيارة من عمان الى دمشق حيث زرنا الرئيس شكري القوتلي ومن هناك توجه الملك حسين والرئيس القوتلي في موكب واحد الى بيروت، وكان الرئيس كميل شمعون دعا الى ذلك المؤتمر في العام 1956 كدعم لمصر.
هل لا زلت تذكر شيئاً من لقاء الملك حسين والرئيس عبدالناصر للمرة الأولى؟
- كنت في العام 1956 مساعد رئيس التشريفات وأقمنا في قصر القاهرة. وضم الوفد رئيس الديوان الملكي بهجت التلهوني ورئيس التشريفات حافظ عبدالهادي والشريف ناصر والدكتور شوكت الساطي، وفي تلك الزيارة عقد الملك حسين قرانه على الأميرة دينا، والتقينا في منزل السفير الأردني عوني عبدالهادي، المطربة أم كلثوم ومجموعة كبيرة من الفنانين والأدباء والصحافيين.
ماذا عن فترة عملك في وزارة الخارجية؟
- انتقلت للعمل في وزارة الخارجية عام 1957 كمدير للمراسم، ولم تزد مدة عملي هناك عن أربعة أشهر، ثم عدت رئيساً للتشريفات. وكان سمير الرفاعي وزيراً للخارجية يومها.
ولماذا تركت الخارجية؟
- تمت مناقلات من الديوان الى الحكومة والعكس، ثم عدت كرئيس للتشريفات في الديوان الملكي، والغريب انه عندما عينت مديراً للمراسم في الخارجية عيّن المرحوم وصفي التل مديراً للتشريفات في الديوان. بعد عودتي الى مكاني في التشريفات ذهب وصفي التل الى ايران كقائم بالأعمال في سفارتنا في طهران.
في العام 1958، أعلن عن الاتحاد العربي بين العراق والأردن، قبل الثورة العراقية، وبعد الاعلان عن الجمهورية العربية المتحدة بقليل. وتشكلت حكومة اتحادية وحكومة لكل اقليم. ومثل الأردن في الحكومة الاتحادية ابراهيم هاشم وسليمان طوقان. وقد قتلا أثناء الثورة العراقية.
بطبيعة الحال ما تم في العراق معروف. ومع ذلك أعاد الملك حسين العلاقات من منطلق ايمانه بأن العلاقات بين الدول هي ملك الشعوب.
مفاجأة حرب 1967
خلال حرب حزيران يونيو 1967 كنت وزيراً للشؤون البلدية والقروية، كيف تلقيت نبأ الحرب؟
- كنت في رئاسة الوزراء حين دعينا الى اجتماع حضره الملك وتدارسنا الأمر. كانت عملية في منتهى الخطورة لأن الطائرات الاسرائيلية قصفت مطار عمان ووقعت أحداث خطيرة. وقبل الحرب بأيام سافر الملك حسين الى مصر حيث وقع اتفاقية مع الرئيس عبدالناصر، وعاد برفقة احمد الشقيري الى عمان، وعندما اندلعت الحرب كان الشقيري في الضفة الغربية، وتمكن من الخروج من الضفة وحضر اجتماع مجلس الوزراء المذكور قبل ان يعود الى مصر.
كيف كانت أجواء الملك يومها؟
- اسرائيل هي التي بادرت بشن الحرب، لكن مصر على الصعيد الاعلامي لم تشر الى هذه الحقيقة، وقالت انها تقصف تل أبيب، ونهاية الحرب تقررت منذ الساعات الأولى. ولم يكن مجلس الوزراء الأردني يملك معلومات واضحة عن سير الحرب أثناء اجتماعه لدرس الوضع. كان الاعلام هو الصوت المسموع. وعندما توضّحت الصورة كانت الصدمة للجميع لا سيما على مستوى ضياع الضفة الغربية والخسارة التي مني بها جيشنا. ان ما حدث في العام 1967 كان درساً للأردن كبلد، وما أعقب ذلك تميز بالاحباط وعقدة الذنب اضافة الى العزم على النهوض والوصول الى حالة من التعويض. وما فسر بمرحلة الصمود وما تعرض له الأردن من اعتداءات سواء في آذار مارس 1968 في معركة الكرامة أو محاولة احراق المسجد الأقصى عام 1969. ثم حرب الاستنزاف.
كيف استجاب الأردن لدعوة عبدالناصر لحضور القمة الأولى في القاهرة عام 1964؟
- استجابة الملك حسين لدعوة عبدالناصر لحضور القمة كانت الأولى من قبل زعيم عربي على رغم العلاقات المقطوعة بين البلدين. وزار القاهرة وفد أردني ضم وزير الخارجية انطوان عطاالله وسعدالدين جمعة سكرتير رئيس الوزراء وأنا كمساعد لرئيس الديوان الملكي بهدف اعادة العلاقات بين بلدينا قبل موعد القمة باسبوع.
الصدام مع المقاومة
خلال أحداث ايلول سبتمبر 1970، ما المنصب الذي كنت تشغله في الأردن؟
- عملت وزيراً للمال في حكومة وصفي التل، وفي شهر تشرين الثاني نوفمبر 1971 قتل وصفي التل فكلفت بتشكيل حكومة اردنية.
وكيف عايشت أحداث ايلول 1970؟
- في العامين 1969 و1970 مرّت بالأردن أحداث كثيرة، جاء العمل الفدائي الى عمان والمدن الأردنية بشكل مكثف، بداية كان توجه الملك والشعبين الأردني والفلسطيني توجهاً واحداً، وهو ان العمل الفدائي جاء للانقاذ والخلاص وتعويض الأمة ما مرّ بها. وتحول العمل الفدائي من عمل سري بعيد عن الناس والحياة اليومية الى عمل علني، وتطورت الأوضاع بشكل لا يتصوره العقل، ما أدى الى الصدام. والحمد لله ان هذا الصدام انتهى خلال فترة محدودة لم تتجاوز عشرة أيام، وبعدها بدأت الوساطة العربية وسوّيت الأمور. وهنا أؤكد ان الأرقام التي ذكرت ولا تزال أحياناً تذكر لا تمت الى الحقيقة بصلة. بعض الأرقام تحدث عن سقوط 20 ألف قتيل، والحقيقة، بكل صدقية وموضوعية ان الرقم لم يتجاوز الفي قتيل من المواطنين والجيش والمقاومة. فقد سقط من الجيش بين 400 و500 قتيل. وكنا نستغرب كيف تعطى الأرقام من دون أساس.
قلت في دردشة سابقة انك حذرت الرئيس وصفي التل من مخاطر زيارته للقاهرة؟
- نعم جرى حديث في هذا الخصوص معه، وقال لنا "أنا لا أخاف، مصر دولة فيها نظام وقانون".
من حذره تماماً؟
- كلنا أثناء اجتماع مجلس الوزراء، وكان رده لي "أخي أبو ناصر، مهما حاولنا وفي أي موقف، مصر لديها حكومة ونظام، والحذر من جانبنا لا يستدعي ان نغيب عن مؤتمر وزراء الدفاع والخارجية العرب والمعروف ان رئيس الوزراء في الأردن هو وزير الدفاع، وذهب وصفي التل الى القاهرة وكله تصميم وعزم على ان هذا المؤتمر سيبدّل العلاقات العربية.
ومتى تم تكليفك بتشكيل الحكومة؟
- على الفور، فبعد ظهر اليوم الذي اغتيل فيه رئيس الوزراء، اجتمعنا مع الملك، فأمر باحضار الجثمان، فذهبت ورئيس الديوان الملكي أحمد طوقان الى القاهرة وأحضرنا الجثمان، وبعد الدفن كلفني الملك بتشكيل الحكومة، فطلبت منه ابقاء الفريق الوزاري نفسه، ولكن عند تشكيل الحكومة سافرت الى مصر لحضور اجتماع مجلس الدفاع العربي، وأثناءها طلب الرئيس أنور السادات مقابلتي، وأثناء اجتماعنا برأ مصر، وقال انها ستضرب بيد من حديد. لكنه احتج على ممارسات بعض السياسيين الأردنيين. كانت الأجواء العربية مسمومة، وأعتقد بأن بعض الجهات كان يسمّم الأجواء. فمهما كانت مبررات الذين اغتالوا وصفي التل، وحتى اذا قالوا ان وصفي التل قتل ثأراً لأحداث ايلول، فان المتهم يجب ان يحاكم أمام القضاء. وأكثر من ذلك قام العقيد القذافي وحتى أحمد الشقيري بزيارة المتهمين في السجن وقالا ان هذا هو حكم الشعب.
وصلت العلاقة الأردنية - السورية، في مطلع السبعينات، وخصوصاً في الفترة التي كنت فيها رئيساً للحكومة الى مرحلة مميزة.
- لقد تأتى هذا بعد تجاوز اغتيال وصفي التل ومرور الفتنة الأهلية في الأردن، واحتاج ذلك الى وقت لانفراج العلاقات العربية. وعندما جاءت حكومة زيد الرفاعي تسارعت التطورات، وتحسنت العلاقات مع سورية ومصر، وجاء ذلك اثر وفاة الرئيس عبدالناصر وتسلم الرئيس حافظ الأسد.
ما هي أصعب مهمة واجهت الحكومة التي شكلتها؟
- دائماً موضوع العلاقات العربية كان في مقدمة اهتماماتنا. والعلاقات العربية تتأثر بشكل أساسي بالأشخاص وليس بفلسفة الحكم ومصالح الأمة. ولذلك كثيراً ما كانت تحل أزمات بزوال شخص هنا ومجيء شخص آخر هناك. لقد سببت هذه النظرية صعوبة لبلد مثل الأردن يعتمد في سياسته على التضامن والتعاون.
لماذا لم تزر أي دولة عربية خلال فترة رئاستك للحكومة الأردنية؟
- فترة غياب عبدالناصر ومطلع السبعينات شهدت علاقات غير طبيعية بين البلدان العربية، لكن مثل هذا لم يدم طويلاً اذ انعقدت في العام 1973 و1974 قمتان عربيتان في كل من الجزائر والمغرب، كما ان زيارة الملك حسين لبعض الدول العربية قبل ذلك لم يكن يرافقه فيها رئيس الوزراء، بل بعض الوزراء أو رئيس ديوانه.
في ما يتعلق بالرقم الذي ذكرته عن ضحايا أحداث ايلول في العام 1970، هل صدر بيان رسمي يتضمن رقم الألفي قتيل؟
- الأردن هذه أرقامه واحصاءاته، وكثيراً ما كانت تخضع التوجهات لمشاعر وعواطف تحكمها روح المبالغة والتجني.
كيف كان اليوم الأخير من عهد حكومتك؟
- كان ذلك في يوم الجيش في العام 1973، بعد احتفالنا زارني في اليوم التالي الملك حسين في منزلي، وبموجب دستورنا، الملك مسؤول عن السلطات الثلاث في الدولة، تحدثنا واتفقنا، كل رئيس وزراء عندما يلتقي الملك يقيّم الفترة التي مضت ويستقبل مرحلة جديدة. وللملك من اللطافة ما يجعل رئيس الوزراء يستشف من حديثه ان المهمة التي أوكلت اليه انتهت.
وهل هو تقليد عند الملك حسين ان يزور رئيس الوزراء المستقيل؟
- من طبيعته ان يزور رئيس الوزراء المستقيل والمكلف، ومثل هذا تقليد. ان الحكم في الأردن لا يعتمد على البلاغ الرقم واحد، ولا هو تجاوز على الشرعية.
بعد استقالتي ذهبت للمعالجة في لندن بعد اصابتي بالسكري، وكنت استلمت من الملك رسالة طلب مني فيها ان أكون الى جانبه. والملك أشعرني بأن صلتي به لم تتغير على رغم تغير موقعي. وفي العام 1978 استدعاني وكلفني برئاسة المجلس الوطني الاستشاري. وبعد عامين انتقلت الى الديوان الملكي بعد تعييني رئيساً له خلفاً للشريف عبدالحميد شرف الذي شكل الحكومة.
ما هي أبرز الأحداث والقضايا التي عايشتها وأنت في الديوان الملكي على مدى السنوات الأربع؟
- مرّت أحداث كثيرة، فقد عقد مؤتمر القمة العربي العاشر واطلق عليه اسم "القمة الاقتصادية"، وكان من أهم المؤتمرات على رغم غياب أربع دول عربية، من بينها سورية ولبنان والمنظمة والجزائر وليبيا، ومصر كانت في تلك الفترة مغيّبة بسبب المقاطعة العربية. وكانت القمة من الانسجام والتعاون، بحيث كان الملوك ينتقلون مشياً من مقر اقامتهم في فندق "ريجنسي بالاس" الى المركز الثقافي الملكي القريب من الفندق، كان الملك حسين ورئيس وزرائه وديوانه يقيمون في الفندق مع الملوك والرؤساء.
وما اقترح خلالها من صندوق للتعاون العربي الاقتصادي كان وسيبقى أهم مؤسسة يحتاجها الوطن العربي.
3 مدراء مخابرات
خرّجت ثلاثة مدراء مخابرات على يدك، ففي أي فترة قمت بتدريسهم؟
- أحمد عبيدات درّسته وكان في الصف السادس الابتدائي في العام 1950، كان شاباً جاداً وهادئاً في مدرسة من أهم المدارس في الأردن. علاقتي بتلاميذي جيدة حتى الآن وكلهم كانوا يشعرون بأنني كنت أعطيهم.
رئيس مجلس النواب الحالي عبداللطيف عربيات درسته التاريخ، واحتج ذات مرة على عدم اعطائه علامة مئة على مئة على رغم انه أجاب على سؤالي أكثر مما في الكتاب الذي يدرسه.
السيد طارق علاءالدين درسته في الصف الأول ثانوي في العام 1951، كان يحب المنطق ودرس القانون وكذلك أحمد درس القانون وعنده مكتب هو من أفضل المكاتب في العاصمة الأردنية، هؤلاء الشباب مع الأسف لم أدرسهم لأكثر من عام. واعتقد بأن التفاصيل التي يعرفها الطلاب عن استاذهم هي أكثر من معرفتي بصفاتهم.
محمد رسول الكيلاني كان من تلامذتي في العام 1950 وهو ذو ثقافة واسعة، وهو الذي وظف أحمد عبيدات وطارق علاء الدين ومضر بدران.
وهل درست مضر بدران؟
- لا، لقد درسه زميلي ذوقان الهنداوي.
وما هي طبيعة العلاقة التي ارتبط بها معه؟
- في الحقيقة أثناء وجودي على رأس الحكومة في مطلع السبعينات، كان مضر بدران يعمل كمستشار في الديوان الملكي، مسؤولاً عن الأمن القومي ومدير مكتب شؤون الأرض المحتلة. وهو من الأشخاص الذين يحفظون درسهم ويحضرونه، واذا طلب منه ان يتحدث بموضوع ما، فهو قادر. وطلبت منه ان يشترك في الوزارة التي شكلتها، لكن الملك حسين طلب ان يبقيه في الديوان، وعندما عيّن زيد الرفاعي رئيساً للحكومة، عين بدران وزيراً للتربية والتعليم. مؤسسة الديوان الملكي تساهم كثيراً في صنعپالسياسيين وتأهيلهم. لأنهم يعملون مباشرة مع الملك. مضر بدران مثلاً، عمل مستشاراً في الديوان، ثم عين رئيساً للديوان في أكثر من مرة، والشيء نفسه مع زيد الرفاعي وآخرين.
كيف كانت علاقتك بالشريف عبدالحميد شرف؟
- كنت على صلة به منذ ان كان طالباً ويتردد على الديوان الملكي كأحد الأشراف، كلما عاد من الدراسة أو العمل من هيئة الأمم المتحدة. صلتي به خاصة لدرجة انه شيد منزلاً في الجبيهة. كما كان جاري في عمان.
الى من كنت الأقرب من بين رؤساء الحكومات؟
- الشريف عبدالحميد، لأن الرجل كان كالكتاب المفتوح في آرائه. علماً بأن صلتي بجميع من تولوا المسؤولية جيدة، لقد عايشت توفيق أبو الهدى وسمير الرفاعي وسعيد المفتي وفخري الخالدي وأحمد طوقان وسليمان طوقان ومحمد علي الجعبري وكثيرين.
يلاحظ كل من يزور العاصمة الأردنية ان رؤساء الحكومات السابقين، يشكلون تكتلات، هل انت خارج هذه الدائرة؟
- أنا لا أحصر نفسي بهذه التسمية وعلاقاتي مفتوحة مع كل الرؤساء، وان كانت تتراوح بين درجة الى أخرى، لأني لا أؤمن بأن يكون لأي رجل دولة أو سياسة شلة محدودة من الذين يستطيع ان يتعاون معهم.
القذافي لا يدفع
عملت مع الملك حسين منذ اعتلائه العرش، ما هي أبرز القضايا التي تؤرقه؟
- لعلاقتنا جوانب خصوصية لا أريد ان أخوض فيها. الأردن يتحمل مسؤوليات كبيرة، فعلى الصعيد الداخلي ما تقصر وكالة الغوث في تقديمه يساعد فيه الأردن، وعندما تضيق الحال يتطلع الأردن الى اشقائه.
ليبيا لم تقدم للأردن شيئاً، على رغم قول العقيد معمر القذافي انه خليفة عبدالناصر، وأكثر من مرة قال لنا "اشتروا سلاحاً وأنا سأدفع ثمنه". وبعد ان نعقد الصفقة ينقض العهد ولا يفي ولا حتى بفلس واحد.
كثيرون يعتبرون ان ما شهده الأردن في السنوات القليلة الماضية هو حالة جديدة تعيشها البلاد، في حين قلت في وقت سابق ان الديموقراطية مؤسسة في الأردن، كيف توفق بين هذين الرأيين؟
- اذا واكبت وسجلت جميع ما تطالب به المنابر السياسية في الأردن، فبالدرجة الأولى يطالبون بالتقيد بالدستور، وتطبيقه نصاً وروحاً. هذا الدستور صدر قبل 40 عاماً، وهو أول دستور عربي ينص على ان الأردن جزء من الأمة العربية والشعب الأردني هو جزء من الشعب العربي، وان نظام الحكم في الأردن هو نظام نيابي ملكي وراثي، وان سلطات الدولة مقسمة مثل أي بلد ديموقراطي.
في الخمسينات كان يفوز في الانتخابات النيابية بعثيون وشيوعيون وحتى من التحريريين. الشيخ أحمد الداعور كان ممثلاً لپ"التحريريين"، الاستاذ عبدالله الريماوي كان من كبار قادة حزب البعث، الاستاذ عبدالله نعواس، رشاد مسوده، حكمت المصري، أنور الخطيب، أنور نسيبة، عندما تقول ان هذا الأردن في الخمسينات يكون من نتاجه هذا التوجه القومي والسياسي، واستيعابه لهذه الفئات دليل على ان الديموقراطية لم تأت من فراغ.
الهزائم والتيار الاسلامي
ما هو سر تنامي التيار الاسلامي في الأردن في السنوات الأخيرة؟
- باعتقادي ان تنامي التيارات الاسلامية في الأردن وفي الوطن العربي مصدره ما حل بالأمة من ظلم وهزائم واحباط ويأس. من هنا تجاوب الناس مع عبدالناصر، تجاوب الناس مع ايران، وتجاوبوا مع البعث، وتجاوبوا مع ثورة الجزائر وتجاوبوا مع أي شيء عندما شعرو بأن هناك خطراً يهدد منطقة عربية. لكن هذه العودة الى المنبع يجب ان تكون مبنية على قواعد سليمة.
وهل وصل تنامي التيار الاسلامي في الأردن الى الذروة؟
- نعم وصل الى الذروة، وأخذ يصطدم بمقتضيات العصر والعلم والتكنولوجيا والادارة. ان تحقيق الآمال العربية باسم الاسلام والعروبة يحتاج الى قواعد من العلم والتقدم والدور المتميز للرجال والنساء. فالعمل الناجح يجب ان يستند الى التعقل والتوكل.
ما هو الخطر الذي تشكله الحركة الاسلامية في البرلمان الأردني على النظام؟
- انها لا تشكل خطراً، لا على النظام ولا على الكيان، واذا لم تتصرف بحكمة ومسؤولية ووعي، فإنها ستشكل خطراً على الفكر الذي تحمله، فالمواطن أصبح يريد حل قضاياه، وحل هذه القضايا لا يأتي من مجرد تمثيل هذا المنبر أو ذاك. قضايا الشعوب ومسؤولياتها، أصبحت أعباء تحتاج كل يوم الى حل. وما لم يشعر المنبر الاسلامي والمنبر الديني بأن وحدة الوطن هي الأساس، فان هذا يشكل خطراً على كل الطروحات القائمة حالياً.
رافقت الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة في العام 1965 اثناء زيارته للأردن والضفة الغربية، هل تذكر ما تعرض له حينها من انتقادات؟
- بورقيبة كان يراقب، وكما قيل لي، فان الرئيس جمال عبدالناصر أيد ان يطرح بورقيبة قبول العرب قرار التقسيم، وزار الرئيس التونسي يومها القاهرة وسمع مثل هذا الكلام. وعندما وصل الى الأردن نادى بضرورة قبول العرب بالحل على مراحل، متبعين سياسة "خذ وطالب". وقال يومها ان الشعب الذي يعيش حياة بذخ ورفاه يبتعد عن الثورة والتضحيات. وأثناء جولته في مناطق القدس وشعفاط والبيرة ورام الله سألنا: "لمن هذه البيوت؟" فقلنا للمواطنين الذين خرجوا من بقية مدن فلسطين عام 1948. فقال: "من يبني هذه البيوت والقصور، لا أعتقد انه متجه للتضحية والاستشهاد".
ما أهم ما يواجه الأردن في المرحلة المقبلة؟
- انا اعتقد ان موضوع السلام من أهم ما يواجه الأردن، وعودة العلاقات العربية مسألة مهمة أيضاً.
نحن نؤمن بأن التوجه السلمي اذا نجح، سيدخل المنطقة في عصر جديد، وأنا اعتقد ان الفئة الوحيدة التي تعمل عن خبث وتخطيط لمعارضة عملية السلام هي اسرائيل، لأن استمرار حالة اللاحرب واللاسلم لمصلحتها.
ما هي مقومات نجاح الكونفيديرالية الفلسطينية - الأردنية، لا سيما ان الحل النهائي سيكون ضمن هذا الاطار؟
- أنا سأعود الى ما أؤمن به وهو ان تجربة الوحدة الوحيدة التي نجحت في الوطن العربي حتى الآن هي تجربة الأردن وفلسطين. الملك حسين طرح في العام 1972 مشروع المملكة المتحدة، على ان تضم اقليمين، اقليم فلسطين وعاصمته القدس العربية واقليم الأردن وعاصمته عمان. مثل هذا الهدف اذا تحقق سيكون بداية تحول عربي.
في ظل التكتلات الأردنية الموجودة، أين يصنف أحمد اللوزي نفسه؟
- الحقيقة انني اعتبر نفسي من المقربين للكتلتين الدستورية والوطنية، ومن يعرفهما عن قرب يلمس بأن لا حواجز بينهما. يدور في فلك هاتين الكتلتين بعض النواب المستقلين. وأتوقع في المستقبل القريب ان تسير هاتان الكتلتان في اتجاه واحد بسبب التطورات المرتقبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.