ولد في اسبانيا وترعرع بين الحقول وصار أحد أهم مصممي الأزياء في فرنسا . باكو رابان لپ"الوسط" : كارل لاغرفيلد يغتال كوكو شانيل ... في قبرها !

يعد باكو رابان احد اكبر مصممي الموضة الباريسية، وقد تألق في اواسط الستينات بفضل مبتكراته المعدنية الغريبة التي اثارت الانتباه والفضول اذ كان العالم يشهد الفساتين المصنوعة من المعدن للمرة الأولى... ولم تكن موضة باكو رابان عابرة على اساس انها لا تزال تثير مخيلة النساء في العالم كله. ولا يكتفي المبتكر بتصميم الثياب بل يكتب ويبيع مئات آلاف النسخ من كتبه. والطريف انه لا يكتب عن الموضة ولكن عن العلوم الروحانية. وآخر مؤلفاته يحمل عنوان "نهاية الازمنة"، وفي مكتبه الباريسي استقبل باكو رابان "الوسط" في حوار حول الازياء وحكمة الحياة.
يتميز باكو رابان بمظهر تشع منه صورة الرجل القوي جسمانياً رغم قصر قامته كما يتميز بذكاء حاد يتوهج في عينيه. وفي مكتبه لوحة مكتوبة بالخط الهيروغليفي اوضح لي انها ترمز الى اسمه. كانت الاسئلة التي حضّرتها في ذهني تتناول الموضة واستعانة باكو رابان بالبطلة الاولمبية ماري جوزيه بيريك كعارضة ازياء في الشتاء الفائت، وبلاعب كرة القدم ايريك كانتونا لتقديم موديلات تشكيلته الجديدة من الملابس الرجالية، لكنني لم استطع تغيير مجرى الحوار الذي استهله رابان مركزاً على مضمون كتابه "نهاية الازمنة". ولم اشأ ان افسد عليه رغبته في الحديث فتركته يسترسل يستفيض وعدت بصيد يفوق ما كنت أتوقع...
توقعات
يقول باكو رابان: "يعتقد البعض اني كتبت توقعات في كتابي الجديد. وهذا خطأ، لأن التوقعات يروجها اهل الدجل والشعوذة. اما انا فاستندت في كتابي الى الامور المدونة في كتب الدين عامة وأجريت مقارنات بينها وبين ما يقوله العلماء الآن بلغتهم العلمية وتقنيتهم المتطورة ووجدت ان التفسير العلمي الحالي للظواهر التي تعرفها الحياة يطابق تماماً ما هو متوافر في الاديان والكتب السماوية. لقد أمضيت سنوات طويلة للقيام بهذه الدراسة وهي بطبيعة الحال لم تنته بعد، لكني وصلت فيها الى مرحلة اعتقد انها تسمح لي بتدوين نتائجها في كتاب وهذا ما فعلت...".
هل لك ان تذكر لنا بعض الامثلة؟
- الامثلة لا عد لها ولا حصر. وأكتفي بنموذج عن الميل الواضح في الدول التي تعيش حياة اقتصادية صعبة، الى توحيد زي الرجال والنساء في الشعب. وهذه ظاهرة يمكن ملاحظتها عبر التاريخ وأحدث مثال على ذلك هو الصين تحت حكم ماوتسي تونغ.
ان الزي الموحد يلغي الفوارق بين الافراد من جهة وبين الرجال والنساء من جهة ثانية ما يحول دون تخفيض الرجل نسبة انتاجه المهني بسبب تركيزه الفكري على المرأة. فيما لو كانت المرأة ترتدي موضة مثيرة للانتباه. والمعروف عن المرأة منذ خلق العالم اهتمامها بنفسها حتى تلفت نظر الرجل.
بين البداية والنهاية
لماذا هذا العنوان "نهاية الازمنة" وهل تعتقد عبر مقارناتك الكتب السماوية بما يحدث فوق الأرض ان نهاية العالم وشيكة؟
- لقد سمعت هذا التفسير لعنوان كتابي مرات ومرات ولكنه لا يمثل الواقع بأي شكل من الاشكال وأنا اقصد اننا اقتربنا من نهاية فترة زمنية طويلة تمثل عصراً كاملاً وسوف ندخل في المستقبل القريب عصراً جديداً لا بد من ان يتميز بمواصفات تختلف تماماً عن تلك التي ميزت المراحل السابقة.
لماذا اللوحة بالخط الهيروغليفي؟
- لأني مولع بكل ما يتعلق بالتاريخ المصري وانا مهتم بالكتابة الهيروغليفية الى درجة اني حاولت تعلمها...
ما علاقة كل هذه الحكايات بمهنتك كمبتكر ازياء؟
- ثمة علاقة وثيقة فأنا استوحي كل ما ابتكره من المعتقدات الخاصة بي. ان تصميمي موديلات معدنية لم يكن مجرد مصادفة بل جاء عن سابق قصد وتصور، فالمعدن يشكل اساساً لكثير من المواد وهو يرمز الى الصلابة والقوة. وأنا لا اطلق الكلام جزافاً لأن ما اقوله يشكل واقعاً مدوناً في كتب علمية.
ولو انني احترفت مهنة غير التي امارس ولولا شهرتي ونجاحي لما استطعت تبليغ كلامي الى الناس بواسطة الكتب التي اؤلف فالناس لا تصدق ما يقوله شخص لا يتمتع بسمعة عالمية مرموقة. وشهرتي تمنح كلامي الجدية التي يستحق. ولولاها لقالوا عني اني مجنون او اني احاول ان ابني شهرة لنفسي على اساس من الدجل. انا معروف في مجال فني مرموق فلماذا اتعب نفسي بحكايات كهذه لولا اقتناعي المطلق بها؟
الايحاء بالقوة
لماذا وقع اختيارك على البطلة الاولمبية ماري جوزيه بيريك ولاعب الكرة ايريك كانتونا للمشاركة في تقديم موديلاتك الموسمية؟
- انا اختار ابطال الرياضة في الوقت الذي يلجأ غيري الى نجوم السينما لتقديم تشكيلاتهم. وأنا اعتقد ان في الرياضة قوة جسمانية وبالتالي روحانية تفوق في جمالها كل ما يمكن ان ينبثق من فنانة معروفة تعمل في السينما وتتحول لمدة ساعة واحدة عارضة ازياء.
الحقيقة انني اعرف ماري جوزيه بيريك شخصياً وهي ابدت رغبة شديدة في تقمص دور عارضة الازياء ولو مرة واحدة في حياتها. وجدت الفكرة جذابة ووافقت على منحها فرصة تقديم بعض موديلات تشكيلتي ورسمت احد هذه الموديلات لها بشكل خاص. اما كانتونا لاعب الكرة فهو يتميز بتكوين جسماني يناسب موديلات تشكيلتي الرجالية ويعطيها القوة اللازمة كي تعبر عن خشونة الرجل.
التركيز على الزي
لماذا لا تستعين في عروضك بنجمات عرض الازياء ككلوديا شيفر وليندا ايفانجليستا وسيندي كروفورد؟
- انا لست في حاجة الى نجمات لتقديم عروضي وأعتبر مبتكراتي في حد ذاتها بمثابة نجمات العرض. انا اختار العارضات القادرات على ابراز مميزات الزي واخفاء شخصياتهن وراء هذا الزي. وعندما تقدم كلوديا شيفر او اي عارضة اخرى مشهورة جداً، احد الموديلات يهتم المتفرج بالنجمة وينسى الزي. ومما لا شك فيه انها طريقة ممتازة بالنسبة الى المبتكرين الذين لا يعرفون ماذا يقدمون من مبتكرات جديدة. اما انا فلا افتقر من ناحيتي الى الخيال اللازم لرسم موديلات جذابة لذا اترك لسواي حيلة استخدام نجمات الموضة.
لاغرفيلد يغتال شانيل
انت تعرف ان كارل لاغرفيلد مثلاً يستخدم كلوديا شيفر وغيرها في كل عروضه. هل تعتقد ان الخيال ينقصه؟
- كارل لاغرفيلد يرسم لدار شانيل وهو بتصاميمه يغتال الراحلة كوكو شانيل صاحبة الدار في قبرها.
ما هي المدة المطلوبة لتصميم تشكيلة كاملة قبل عرضها امام الجمهور؟
- ثلاثة اشهر وربما اكثر في بعض الاحيان. انا ارسم موديلاتي كلها بنفسي ولا الجأ الى مساعدين مثلما يفعل الكثير من الزملاء. وفي الموضة الراقية يتم تصميم كل موديل بنسخة واحدة والمرأة التي تطلب احد الموديلات تعرف انها ستكون الوحيدة التي تمتلكه في العالم. انا اتميز بهذه الطريقة في العمل وهي تجلب لي زبونات من العائلات الملكية في العالم كله. والمرأة العربية من اهم زبونات داري وهي تحب امتلاك الموديل دون ان تشاركها فيه امرأة ثانية في العالم.
كيف اصبحت باكو رابان؟
- ولدت في اسبانيا في عائلة فقيرة جداً. وترعرعت في وسط الحقول والمزارع فأحببت الارض، وحالفني الحظ ذات يوم واستطعت القدوم الى باريس لتعلم الهندسة المعمارية بعدما نجحت عائلتي في ادخار المبلغ الضروري لذلك. وانطلاقاً من الهندسة اتجهت نحو رسم الثياب، وبعد فترة قصيرة من العمل لحساب غيري بدأت ارسم لحسابي الخاص وفتحت داري على مستوى صغير جداً ثم تطورت وتوسعت بفضل نجاح الموديلات التي كنت ارسمها.
الاختيار الصحيح
ما الذي جعلك تتحول من مهندس الى مبتكر؟
- شعور داخلي لا اقدر على تفسيره دفع بي الى تنفيذ هذه الخطوة، والآن استطيع التأكيد ان شعوري كان في محله فلا اتخيل اني كنت حققت النجاح نفسه كمهندس معماري.
هل تبقى باريس عاصمة الموضة العالمية حسب تقديرك؟
- لا بد من ان تبقى باريس مقر الاناقة وملتقى الثقافات والفنون، فهي المدينة التي تستقبل العدد الاكبر من الفنانين الاجانب والموضة الباريسية هي في الحقيقة مزيج من هويات مختلفة مع تفردها بطابعها المميز ولمساتها الخاصة. وهذه الميزة الرائعة لا نجدها الا في باريس واذا فقدت باريس دورها كعاصمة للموضة، عالم الازياء سيشهد كارثة... ولا اعتقد ان ذلك يمكن ان يحصل في المدى المنظور.