يمثّل اليهود الأميركيون أقل من ثلاثة في المئة من سكان الولاياتالمتحدة، وهم أربعة في المئة من مجموع الناخبين، إلا أنهم يقدمون عادة حوالي 20 في المئة من التبرعات الحزبية. والأرقام السابقة مهمة جداً على ضآلتها الظاهرة، لأن المال أساسي لنجاح أي حملة انتخابية، ولأن نتائج الانتخابات الأميركية متقاربة عادة، ونادراً ما يتجاوز الفرق بين فائز وخاسر خمسة في المئة. والأرقام في المقال هذا مستقاة كلها من جاي ليفكوفيتز، الذي عمل يوماً مدير شؤون الحكومة في إدارة جورج بوش، وهو اليوم نائب مدير "مشروع برادلي للتسعينات". والأرقام والنسب تؤكدها مصادر أخرى، غير أن الاستنتاجات من عندنا، وهي تختلف عما ذهب اليه ليفكوفيتز. اليهود الأميركيون صوتوا باستمرار منذ سنة 1932 للمرشحين الديموقراطيين باستثناء سنة 1980، بنسب تراوحت بين 65 في المئة و90 في المئة، أو حوالي 25 في المئة زيادة على المعدل العام للناخبين كلهم. ومع ذلك فلو سئل يهودي أميركي تقليدي عن انتمائه السياسي لربما قال انه ليبيرالي قبل أن يقول انه ديموقراطي، فاليهود الأميركيون نشطوا في حركة الحقوق المدنية الأميركية الى جانب السود، ثم انفصل الفريقان في الستينات، واليهود يقولون ان السود أخذوا يلجأون الى العنف، والسود يردون ان اليهود تخلوا عنهم عندما حصلوا على حقوقهم. اليوم يتهم عرب كثيرون، بينهم عرب أميركيون نشطون في القضايا العربية، اليهود الأميركيين بأنهم يمارسون ولاء مزدوجاً، وبأنهم يقدمون مصالح اسرائيل الضيقة على حساب مصالح بلادهم. واليهود الأميركيون حسّاسون جداً ازاء هذه التهمة، خصوصاً بعض المسؤولين في الادارة الذين تخرجوا اليها من جماعات اللوبي المؤيدة لاسرائيل، وهم عادة يردون على هذه التهمة باتهام كل من يوجهها بأنه "لاسامي". ونطلب من القارئ الآن ان يراجع معنا حملات انتخابات الرئاسة الأميركية منذ سنة 1968، ويقرر لنفسه. - سنة 1968 تنافس الجمهوري ريتشارد نيكسون مع الديموقراطي هيوبرت همفري، وكان هذا من حلفاء اليهود الأميركيين وأنصار اسرائيل المعروفين، فنال 80 في المئة من أصوات الناخبين اليهود الأميركيين، مع ان نيكسون فاز بالرئاسة بفارق ضئيل جداً. - سنة 1972 واجه اليهود الأميركيون، الديموقراطيون الليبراليون في غالبيتهم العظمى، خياراً بين نيكسون وجورج ماكغفرن، وكان يفترض ان يؤيدوا المرشح الديموقراطي بنسبة تفوق ما أعطوا همفري، إلا أن نيكسون اليميني حصل على 35 في المئة من أصواتهم، وكان هذا رقماً قياسياً في حينه، لأن ماكغفرن طالب باعادة الأراضي العربية المحتلة الى أهلها، ودعا الى تقليص الوجود العسكري الأميركي في شرق البحر الأبيض المتوسط. - سنة 1976 أيدت غالبية يهودية أميركية بسيطة 15 في المئة جيمي كارتر الديموقراطي، ضد جيرالد فورد الجمهوري، وكان السبب ان اليهود الأميركيين اعترفوا بفضل الادارة الجمهورية في انقاذ اسرائيل من خسارة الحرب سنة 1973. - تعتبر سنة 1980 علامة بارزة في تاريخ تصويت اليهود الأميركيين والعلاقة مع اسرائيل، فكارتر نجح في حمل مصر واسرائيل على توقيع اتفاقي كامب ديفيد، إلا أن اليهود الأميركيين لم يثقوا به كثيراً، وانفضوا عنه عندما أيد سفيره لدى الأممالمتحدة مشروع قرار شديد اللهجة ضد اسرائيل في أول آذار مارس 1980، ورفض وزير الخارجية سايروس فانس التنصل من القرار. وكانت النتيجة ان اليهود الأميركيين نسوا ولاءهم الديموقراطي وليبيراليتهم، فأيد 80 في المئة منهم، وهو رقم قياسي عجيب، رونالد ريغان الجمهوري اليميني ضد كارتر. - سنة 1984 بقيت اسرائيل العنصر المرجح، فمع وقوف ريغان بقوة مع اسرائيل، وجد اليهود الأميركيون انهم أمام خيار بين الرئيس الجمهوري ومنافسه الديموقراطي والتر مونديل الذي لا يقل عنه تأييداً صاخباً لاسرائيل. وكانت النتيجة ان 31 في المئة من اليهود الأميركيين بقوا مع ريغان، وعادت الغالبية الى قواعدها الديموقراطية. - سنة 1988، خُيّر اليهود الأميركيون بين بوش ومايكل دوكاكيس. ومع ان بوش لعب دوراً كبيراً في "عملية موسى" لنقل اليهود الاثيوبيين الى اسرائيل، فاليهود الأميركيون أعطوه 35 في المئة من أصواتهم في مقابل 64 في المئة للديموقراطي دوكاكيس المتزوج من يهودية. - سنة 1992 دفع بوش ثمن قوله انه "رجل وحيد صغير" ضد ألوف رجال اللوبي المؤيد لاسرائيل واتهام وزير خارجيته جيمس بيكر بأنه شتم اليهود، فلم يحصل إلا على 15 في المئة من أصوات الناخبين اليهود الأميركيين، في مقابل أكثر من 80 في المئة لبيل كلينتون. المراقب اليهودي الأميركي ربما أدخل عناصر كثيرة أخرى تؤثر في اختيار الناخبين اليهود الأميركيين، مثل الاجهاض الذي يرفض 99 في المئة منهم منعه. غير ان المراقب العربي، من دون ان يعترض على مثل هذه التحليلات والتفسيرات، يجد ان الأرقام تثبت بشكل عام ان حوالي نصف اليهود الأميركيين ثابت في ولائه للحزب الديموقراطي، وان النصف الآخر يتحرك بعامل الولاء الغالب لاسرائيل. وربما فسّر هذا سبب حساسية اليهود الأميركيين المفرطة إزاء التهمة بالولاء المزدوج وتقديم مصلحة اسرائيل على مصالح بلادهم. ومهما يكن من أمر فالأميركيون أنفسهم هم الذين طلعوا علينا بمبدأ ان الأرقام والنسب لا تكذب.