سياسيان ل«عكاظ»: السعودية تطوع علاقاتها السياسية لخدمة القضية الفلسطينية    رصد 54 مخالفة في منشآت التدريب الأهلية في شهر مارس    انخفاض أسعار النفط في التعاملات الآسيوية المبكرة    أمطار رعدية متوسطة إلى غزيرة على معظم مناطق المملكة    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    «مطار الملك خالد»: انحراف طائرة قادمة من الدوحة عن المدرج الرئيسي أثناء هبوطها    تعليق الدارسة وتأجيل الاختبارات في جامعة جدة    بيئي الشرقية يدشن معرض ( تعرف بيئتك ) بالخُبر    عباس يدعو إلى حل يجمع غزة والضفة والقدس في دولة فلسطينية    وزيرا الإعلام والعمل الأرميني يبحثان التعاون المشترك    ولي العهد يستعرض تطوير العلاقات مع أمير الكويت ورئيس وزراء العراق    أمير الرياض: المملكة تدعو لدعم «الإسلامي للتنمية» تلبية لتطلعات الشعوب    لتحديد الأولويات وصقل الرؤى.. انطلاق ملتقى مستقبل السياحة الصحية    بدء العمل بالدليل التنظيمي الجديد للتعليم.. الأربعاء    فيصل بن فرحان: الوضع في غزة كارثي    عبدالله خالد الحاتم.. أول من أصدر مجلة كويتية ساخرة    " ميلانو" تعتزم حظر البيتزا بعد منتصف الليل    منتدى الرياض يناقش الاستدامة.. السعودية تتفوق في الأمن المائي رغم الندرة    الفيحاء يتوّج بدوري الدرجة الأولى للشباب    الأهلي بطلاً لكأس بطولة الغطس للأندية    النصر والنهضة والعدالة أبطال الجولة الماسية للمبارزة    تتضمن ضم " باريوس" مقابل "فيجا".. صفقة تبادلية منتظرة بين الأهلي وأتلتيكو مدريد    فيصل بن بندر يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر ويستقبل مجلس جمعية كبار السن    دولة ملهمة    نائب أمير مكة يطلع على تمويلات التنمية الاجتماعية    الأرصاد تنصح بتأجيل السفر برّا لغير الضرورة    آل طيب وآل ولي يحتفلون بزفاف أحمد    اللواء الزهراني يحتفل بزفاف نجله صلاح الدين    منصور يحتفل بزواجه في الدمام    رابطة العالم الإسلامي تُعرِب عن بالغ قلقها جرّاء تصاعد التوترات العسكرية في شمال دارفور    اللجنة الوزارية العربية تبحث تنفيذ حل الدولتين    ديوانية الراجحي الثقافيه تستعرض التراث العريق للمملكة    النقد وعصبية المسؤول    مهنة مستباحة    فئران ذكية مثل البشر    إستشاري يدعو للتفاعل مع حملة «التطعيم التنفسي»    ميتروفيتش ومالكوم يشاركان في التدريبات    اكتمال جاهزية كانتي.. وبنزيما انتظار    منجزات البلدية خلال الربع الأول بحاضرة الدمام    جامعة «نورة» تفتتح منافسات الدورة الرياضية لطالبات الجامعات الخليجية    أمير المدينة المنورة يدشن مهرجان الثقافات والشعوب في دورته ال 12    شوبير: صلاح يقترب من الدوري السعودي    محمية الإمام عبدالعزيز تشارك في معرض أسبوع البيئة    المصاعد تقصر العمر والسلالم بديلا أفضل    صحن طائر بسماء نيويورك    جائزة الأميرة صيتة تُعلن أسماء الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    أول صورة للحطام الفضائي في العالم    سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    أمير الرياض يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر    ذكاء اصطناعي يتنبأ بخصائص النبات    تطبيق علمي لعبارة أنا وأنت واحد    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    المسلسل    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد أن نسيه العالم ظهر من جديد . "السل" قنبلة موقوتة يفجرها... الايدز
نشر في الحياة يوم 14 - 12 - 1997

بعد فترة من السبات العميق، عاد الاهتمام بمرض السل في الدول الغربية والدول الصناعية الغنية، بعد ان اصبح يشكل معضلة صحية وسريرية، وموضع بحث واختبار في كافة ارجاء العالم. وعلى الرغم من ان هذا المرض كان بدأ بالاستجابة لبرامج السيطرة، الا ان ظهور وباء فقدان المناعة المكتسبة الايدز وسرعة انتشاره غيّر الوضع كلياً. ففي الولايات المتحدة الاميركية نُسب ازدياد حالات الاصابة بمرض السل او التدرن الرئوي منذ عام 1985 إلى مرض الايدز.
ويعتقد الدكتور باري بلوم من كلية ألبرت آينشتاين للطب، بأن مرض السل اخذ بالازدياد بصمت في اواخر السبعينات ولكن احداً لم يعره الانتباه الذي يستحقه. بينما يؤكد الدكتور توم فريدن، رئيس قسم السيطرة على مرض السل في وزارة الصحة في نيويورك ان 40 في المئة من مرضى السل مصابون بمرض الايدز ايضاً، وهذا يعني ان مرض السل قد اصبح يلازم مرض الايدز كظله، وان هذا قد اصبح عبارة عن قنبلة موقوتة بالنسبة إلى انتشار ذاك، قد تنفجر مستقبلاً وتؤدي إلى عواقب وخيمة للجنس البشري يروح ضحيتها الملايين.
وقد حذر المسؤولون والباحثون الصحيون بأن انتشار وباء الايدز سيزيد من حالات الاصابة والوفاة بمرض السل. فقد تبين ان اكثر من ربع حالات الوفاة التي يمكن تفاديها يعود سببه للاصابة بمرض السل الذي يُعتبر من اكثر الامراض الوبائية المعدية فتكاً بالانسان. والذي يتسبب بثمانية ملايين حالة جديدة سنوياً، حسب احصاءات منظمة الصحة العالمية، منهم 95 في المئة من سكان الدول النامية. مع العلم ان هذا المرض من الامراض التي يمكن احتواؤها والسيطرة عليها اذا توافرت سبل الوقاية والحصانة.
وتجدر الاشارة إلى ان حوالى ثلث سكان العالم، خصوصاً في القارة الآسيوية، مصابون بجرثومة السل "MYCOBACTERIUM TUBERCULOSIS". وبينما ينام هذا المرض داخل هؤلاء الناس لفترة حضانة غير محدودة، فان انتشار مرض الايدز خلال العقود المقبلة سيؤدي إلى اعادة تحريكه عند الملايين، مما يساهم في ارتفاع عدد الاصابات والوفيات الذي قد يصل إلى المليون شخص في العام 2000 حسب توقعات منظمة الصحة العالمية.
الطاعون الابيض
ان مرض السل او "الطاعون الابيض" قد اصبح اكبر مسبب للموت عند المصابين بمرض الايدز في بعض مناطق الصحراء الافريقية وجزر البحر الكاريبي وأميركا الجنوبية، حسب رأي الدكتور ديفيد روجرز، من كلية الطب في جامعة كورنيل. وعلى الرغم من ان القارة الآسيوية ما زالت في بداية عهدها مع وباء الايدز، فان عليها ان تتوقع المصير الذي آلت اليه المناطق المذكورة خصوصاً ان ثلثي المصابين بوباء السل في العالم يقطنونها. ويحذر الدكتور هيو تشنغ لي، المدير العام المساعد لمنظمة الصحة العالمية، بأن علينا ان نتوقع زيادة ضخمة في عدد حالات السل المرتبطة بمرض الايدز، عندما ينتشر هذا الوباء عبر المنطقة، كما علينا ان نتوقع تدهوراً سريعاً في الوضع الصحي لهذا الوباء في السنين القليلة القادمة. ففي شمال تايلاند ارتفع عدد مرضى السل المصابين بالايدز من 5 في المئة إلى 14 في المئة ما بين 1989 و1991. الا ان أسوأ خليط لهذين المرضين موجود حالياً في الصحراء الافريقية التي تعتبر موطناً لحوالي 3.5 مليون شخص من اصل 4.4 مليون من المصابين بمرضي الايدز والسل في العالم. وهذا يعني اننا لا نستطيع ان نركّز الجهود لاحتواء احد المرضين دون التفكير باحتواء الآخر.
وفي زامبيا تضاعفت حالات الاصابة بالسل خلال السنوات الخمس الماضية بسبب انتشار الايدز. اما في اوغندا فقد اكتشف الباحثون ان 65 في المئة من حالات الاصابة الجديدة بالسل موجودة عند المصابين بالايدز ايضاً. ويعاني نصف المصابين بالسل في المناطق الشعبية في تنزانيا من الاصابة بفيروس الايدز. الا ان التشخيص السريع والعلاج الناجح لحوالى 85 في المئة من الحالات ساعد في الحد من انتشار المرض. ولقد جاءت الادلة على ذلك من خلال دراسة قامت بها وزارة الصحة التنزانية، اظهرت انه على الرغم من تضاعف حالات مرض السل خلال العشر سنوات الماضية فان عدد حالات العدوى بين الاطفال استمر في الهبوط، مما يدل على ان برامج السيطرة على مرض السل المدعومة من الاتحاد الدولي لمكافحة السل وأمراض الرئة، قد نجحت إلى حد ما في تضييق انتشاره في تلك المناطق. وقد اعترف مسؤولون صحيون في الدول الصناعية الغنية بأنهم سيستعملون الكثير من تجارب الدول النامية وخبراتها في هذا المجال. ولا بد من الاشارة إلى ان تكريس جزء كبير من المساعدة الدولية لمقاومة مرض السل في تنزانيا يجب ألا يحرم باقي المناطق الافريقية والآسيوية والدول الفقيرة الاخرى التي تعاني من ارتفاع كبير في عدد حالات السل، من الاستفادة من مساعدات مماثلة تمكنها من احتواء المرض ووقف انتشاره.
ان معظم الدول الفقيرة غير قادر على شراء الادوية للعلاج الذي يستغرق ستة اشهر، لهذا يلجأ السكان إلى الاساليب العلاجية القديمة والرخيصة التي تستغرق عاماً او اكثر. ويؤدي امتداد فترة العلاج إلى امتناع بعض المرضى عن متابعته وبالتالي إلى خلق سلالة جديدة من جرثومة السل "MYCOBACTERIUM TUBERCULOSIS" قادرة على مقاومة الادوية المستخدمة ضدها. لهذا تقوم بعض الدول بتشجيع مواطنيها ومرضاها على متابعة العلاج ضد المرض تحسباً لظهور مثل هذه السلالة من الجراثيم. فالصين تدفع لبعض المرضى المصابين بالسل مبلغاً معيناً من المال لمتابعة زيارة العيادات التي تؤمن لهم الدواء والعلاج. اما بالنسبة لبلد تمزقه الحروب كالموزامبيق فان اتباع مثل هذا الاسلوب امر مستحيل. وفي زامبيا يعود السبب الرئيسي لعدم متابعة المرضى علاجهم إلى عجزهم عن دفع تكلفة المواصلات للذهاب إلى العيادات التي تقدم لهم الدواء.
ان انهيار انظمة الرعاية الصحية نتيجة العبء الذي يفرضه مرضا السل والايدز لا يقتصر على الدول النامية والدول الفقيرة فحسب، فالولايات المتحدة الاميركية تعاني ايضاً من انتشار سلالة الجراثيم على مقاومة الادوية المستخدمة مثل "ايسونيازيد" و "ريفاميسين". وتشكل هذه الظاهرة معضلة علاجية كبيرة للأطباء، خصوصاً عند المرضى المصابين بنقص المناعة المكتسبة نتيجة اصابتهم بمرض الايدز. ولقد ارتفعت نسبة الوفيات بين هؤلاء المرضى، مما دفع الولايات المتحدة الاميركية إلى مراجعة برامج السيطرة على مرض السل من جديد بعد ان تم تجاهلها لسنين عديدة. انه لمن المدهش والمؤسف ان يضع العالم المتحضر هذا المرض في طي النسيان.
ان مجلس الصحة العالمي اعطى مرض السل اولوية عظمى عام 1948 بينما فشل المجلس في وضع هذا المرض في سلم الاولويات عام 1986 لأنه لم يكن منتشراً بكثرة في الدول الغربية، مع العلم انه كان متفشياً بدرجة كبيرة في دول افريقيا وآسيا. ويبدو ان "الطاعون الابيض" قد خلق نقطة عمياء حجبت التقييم الحقيقي الى انتشاره إلى ان عاد الاهتمام به وبأخطاره حديثاً بعد ظهور مرض الايدز. وتجدر الاشارة إلى انه على الرغم من استمرار انتشار مرض السل في الدول النامية والفقيرة بحجم كاف لأن تهتم به المنظمات الصحية الدولية، فان ذلك لم يحدث لولا ثبوت العلاقة بينه وبين مرض الايدز.
حقيقة العلاقة بين الايدز والسل
هذه العلاقة هي علاقة غير مباشرة تم التعرف عليها منذ سنوات عدة. فقد لاحظ الباحثون من اطباء وعلماء ان هنالك ازدياداً كبيراً في عدد الوفيات بين مرضى الايدز المصابين بمرض السل ايضاً. واتضح لهم ان تأثير فيروس الايدز "HIV" على مناعة جسم المريض يساعد بطريقة غير مباشرة على احياء جرثومة السل الكامنة داخل جسم المريض ويؤدي إلى اصابته بالمرض. ونظراً لعجز الجسم عن مقاومة هذين المرضين الخطيرين في آن، فان احتمال الوفاة يزداد. ومن المؤسف جداً ان بعض المرضى الحاملين جرثومة السل قد يكونون من المرضى الذين اهملوا متابعة علاجهم ضد مرض السل سابقاً. هذا يعني ان اعطاءهم الادوية المضادة لهذا المرض لن يجدي نفعاً، نظراً لقدرة جرثومة السل التي يحملونها على مقاومة هذه الادوية. من هنا تبرز اهمية متابعة العلاج ضد مرض السل في حالة الاصابة به حتى لو استغرق ذلك ستة اشهر، لأن المضاعفات التي تنتج عن عدم الالتزام بمتابعة العلاج قد يؤدي إلى الوفاة لاحقاً، خصوصاً اذا اصبت المريض بأوبئة خطيرة اخرى.
وكما يساهم السفر الجوي وسرعة الانتقال من بلد إلى آخر في انتقال مرض الايدز فانه يساهم ايضاً في انتقال مرض السل.
وتساهم عوامل اخرى مثل الفقر والتشرد وفقدان المأوى وقلة النظافة وسوء استخدام المضادات الحيوية في نقل جرثومة المرض من شخص إلى آخر. وهذه عوامل مشتركة بين المرضين ايضاً.
خبراء الصحة في واشنطن حذروا في تقرير قدموه إلى الاكاديمية الوطنية للعلوم من ان اعلان الاطباء والعلماء عن انتصارهم على الامراض المعدية قد يكون سابقاً لأوانه. وجاء في التقرير ان الولايات المتحدة الاميركية قد تكون غير مهيئة لمواجهة امراض جديدة او امراض متجددة اعتقد الاطباء انها ذهبت بلا رجعة. لهذا يوصي الخبراء بضرورة تخزين اللقاحات اللازمة كاجراء وقائي واحترازي ضد انتشار الاوبئة في المستقبل. ويقول الدكتور روبرت شوب، من جامعة ييل، وهو رئيس لجنة الخبراء التي وضعت هذا التقرير، انه يتوجب على العاملين في مجال الصحة العامة ان يجهزوا انفسهم ويستعدوا للسيطرة على الاوضاع قبل ان تواجههم الكوارث والازمات الجديدة الشبيهة بمرض الايدز ومرض السل. كما يذكر الدكتور جوشوا الدربرغ، من جامعة روكفلر في نيويورك، ثلاثة امراض تبين الخطر المتزايد من الميكروبات والفيروسات هي: الايدز، والسل المقاوم للعلاج، ونوع جديد من الاخماج العقدية "STREPTOCOCCAL INFECTIONS".
كان مرض السل، وما زال، وسيبقى لفترة من الزمن، اكبر قاتل للجنس البشري. وهذا يتطلب اهتماماً كبيراً وحرصاً شديداً على الحد من انتشاره وتوفير الحصانة والحماية للأطفال ولكل الفئات المعرضة للاصابة به، وذلك من خلال تلقيحهم بدواء بي. سي. جي. B.C.G. قبل ان يفاجئهم المرض وقبل فوات الأوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.