الجبير يؤكد التزام المملكة بالتعاون مع المجتمع الدولي لحماية المحيطات والموارد البحرية    بعدما صفع معجباً على وجهه.. هل يمثُل عمرو دياب أمام النيابة المصرية؟    قميص النصر يلفت الانتباه في ودية البرتغال وكرواتيا    رسميًا..تمبكتي خارج معسكر المنتخب السعودي    حارس الشباب رسميًا في الإتحاد    تقارير..لوكاكو يعوض بنزيمة في الإتحاد    المملكة تفوز بعضوية المجلس الاقتصادي    قرض تنموي سعودي لنيكاراغوا    الأسواق الحرة في منافذنا    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    ليس للمحتل حق «الدفاع عن النفس»..!    وزير الدفاع يؤكد دعم المملكة للحكومة اليمنية    إعلانات الشركات على واتساب ب«الذكاء»    تحتفل برحيل زوجها وتوزع الحلوى    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    محافظ الطائف يدشن الصالة الإضافية بمطار الطائف الدولي    السعودية للكهرباء تكمل استعداداتها لموسم حج 1445ه بعشرين مشروعاً جديداً    نادي الرياض يُتَوّج بكأس بطولة المملكة لسلة الكراسي    فرنسا وإنجلترا أبرز مرشحين للفوز بكأس أوروبا 2024    أزمة تنتظر لجان المسابقات بالشرقية.. القادسية والخليج دون ملعب!!    "جوتا" الاتحاد.. مطلوب في الدوري الإنجليزي    أثر التعليم في النمو الاقتصادي    الجامعات منارات التقدم    اطلاق برنامج أساسيات التطوُّع في الحج    استفزاز المشاهير !    مَنْ مثلنا يكتبه عشقه ؟    مرسم حر    "صحة المدينة" تدشن "الربوت الذكي" بالمنطقة المركزية    "أرشدني".. آليات ذكية لإرشاد حافلات الحجاج    مناقشة الأمراض والتحديات الشائعة في موسم الحج    توفير خدمة الواي فاي في المواقيت    التنظيم والإدارة يخفِّفان الضغط النفسي.. مختصون: تجنُّب التوتّر يحسِّن جودة الحياة    «إنجليزية» تتسوق عبر الإنترنت وهي نائمة    الوزاري الخليجي يناقش اليوم التطورات الإقليمية والدولية    رسائل الإسلام    عدد العاملين في القطاع الخاص يتخطى حاجز 11 مليوناً    المها الوضيحي يستظل تحت شجر الطلح في "محمية الإمام تركي"    القلعة الأثرية    رئيس وزراء باكستان يعود إلى بلاده بعد زيارة رسمية للصين    «هيئة النقل» تدشّن النظارة الافتراضية بنسختها المتطورة خلال حج 1445ه    الأردن يدين الاعتداء الإسرائيلي الوحشي الذي استهدف مخيم النصيرات وسط غزة    الدفاع المدني ينفذ فرضية حريق بالعاصمة المقدسة    الجهات الحكومية والفرق التطوعية تواصل تقديم خدماتها لضيوف الرحمن    هجوم شرس على عمرو دياب بسبب «صفعة» لمعجب    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء «تنمية الموارد المالية»    أمن الوطن والحجاج خط أحمر    فيصل بن مشعل يقف على مدينة حجاج البر.. ويشيد بجهود بلدية المذنب    ضبط 14 متورطا في إيواء ومساعدة مخالفي الأنظمة    القبض على باكستانيين في جدة لترويجهما (4.1) كيلوجرام من مادة (الشبو) المخدر    90٪؜ نسبة استيفاء "الاشتراطات الصحية" للحج    الالتزام البيئي يفتش 91% من المنشآت المحيطة بمواقع الحجاج    "البحر الأحمر": جولة ثالثة لدعم مشاريع الأفلام    الفنانة المصرية شيرين رضا تعلن اعتزال الفن    سُوء التنفس ليلاً يسبب صداع الصباح    سوء التغذية يسبب اكتئاب ما بعد الولادة    فرع هيئة الصحفيين بمكة ينظم ورشة الإعلام في الحج    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف "الوسط" عن "عاصفة التسعينات" . أربعة مستشرقين من بريطانيا ... والأصولية الحلقة الثاني

بعد جاك بيرك ومكسيم رودنسون ودومينيك شوفالييه وبيار تييه من فرنسا، تواصل "الوسط" نشر آراء عدد من أبرز المستشرقين في الظاهرة الاصولية، انطلاقاً من اعتبار مشكلة الاصولية، بمعنى ما، مشكلة احتكاك الشرق بالغرب، وما يستتبعه من علاقة معقدة بمضاعفاتها وردود الفعل عليها، طرحنا على مجموعة من المعنيين ودارسي العالم العربي وأهل الاختصاص، الاسئلة الثلاثة الآتية:
1 - كيف تفسر الظاهرة الاصولية، وما يحدث في العالم العربي اليوم؟
2 - ما هو في رأيك انعكاس هذه الظاهرة على العلاقة بالغرب، وعلى المهاجرين العرب والمسلمين؟
3 - ما الذي يميز الحركات الاصولية بين بلد عربي وآخر، وكيف ترون الى مستقبل تلك الحركات عموماً؟
يشارك في هذه الحلقة، اربعة مستشرقين من بريطانيا هم: هومي بابا استاذ الأدب في جامعة صاصيكس البريطانية، فرد هاليداي استاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، روبن اوستيل استاذ الأدب العربي في جامعة اكسفورد وديريك هوبوود مدير مركز الشرق الاوسط في جامعة اكسفورد.
هومي بابا : وعد التحديثية كان وسيلة لحرمان شعوب العالم الثالث من تاريخها المستقل
"الاصولية" كلمة ذات دلالات سلبية تلصق بالعالم العربي، مع ان الظاهرة عالمية لا تقتصر على ما كان يسمى دول "العالم الثالث"، مثل الهند ومصر، بل وجدت طريقها الى "العالم الأول" حيث الاصولية الانجيلي Evangelical على اشدها في الولايات المتحدة مثلاً.
من هنا اعتقد بأن القضية الأساسية ليست المواجهة بين الاصولية الاسلامية او العربية و"العالم الأول"، بقدر ما هي التحول الذي تشهده دول وثقافات عدة، عن الايديولوجيات العلمانية الى نماذج ومُثل اصولية دينية. ومع ان الظاهرة الاصولية تتسم بتنوعها الشديد الذي يجعل الحديث عنها كلها بصيغة المفرد تعميماً يفتقر الى الدقة، فان الحركات الاصولية تتفق في خيبة الأمل من السياسة الاجتماعية والثقافية الليبيرالية الديموقراطية ومن العقلانية الاجتماعية التي نهضت عليها هذه السياسة.
يفضي بنا هذا الى "التحديث" الذي يمثل حركة معاكسة للاصولية: تحول عن النماذج التراتبية الدينية الى الديموقراطيات الجديدة القائمة على اساس الفردية والشعور الطاغي بالسيادة القومية. ولئن صعدت الاصولية الدينية في العالمين الثالث والأول، فالارث التحديثي لم يمت بل غدا "اصولية ليبيرالية ديموقراطية" نجدها في الولايات المتحدة ومعظم الدول الاوروبية. وهذه لا تمثل حزباً سياسياً معيناً بل تنبع من الفكر الأوروبي الليبيرالي في القرنين الماضي والحالي والذي استقت منه احزاب مختلفة ليبيرالية ومحافظة ايديولوجيتها.
واذا كانت "الاصولية الليبيرالية" ديموقراطية بخلاف قرينتها الدينية الثيوقراطية، فذلك لا يجعلها عديمة الاهمية. فهي المسؤولة، تاريخياً، عن النزعة المحافظة العميقة والسعي الى فرض التجانس على المجتمع الغربي الذي يتميز في رأي الليبيراليين المتشددين بشخصية قومية ثقافية محددة ينبغي الحفاظ عليها، مع كل ما يعنيه ذلك بالنسبة الى المهاجرين الذين يعيشون في الغرب حالة حصار اقتصادي وثقافي وسياسي.
ويجب ان نذكر هنا ان وعد التحديثية، سواء اتى من صندوق النقد الدولي او البنك الدولي كان وسيلة لحرمان شعوب العالم الثالث من تاريخها المستقل. وفي هذا السياق تظهر حركات معارضة لافكار وقيم علمانية تحديثية اوروبية التمركز، وهذه المعارضة اصولية دينية لا تقوم على تصورات مادية او مستوحاة من الشيوعية التي تواطأت مع المشروع التحديثي الى درجة ما. وأنا احاول، في هذه العجالة، الاشارة الى الاسباب التاريخية لنمو الاصولية عالمياً، وهي ظاهرة اصر على عدم ربطها بالعالم العربي، ولست أبداً في صدد تبريرها او تفضيلها على العلمانية رغم اشكالية هذه الاخيرة.
اهتمام بالثروات الطبيعية والاستراتيجية
لا يتسع الحيز للحديث عن تنوع هذه الظاهرة الذي اشرت اليه سابقاً لذا سأكتفي بالتوقف قليلاً عند اثنين من الانماط الاصولية يروج الأول بين معتنقي دين الاكثرية الساحقة في بعض بلدان العالم الثالث، والثاني بين المهاجرين في الغرب. وعلى رغم ان الموقف السياسي للاصوليين، اينما كانوا، قد يبدو متشابهاً، فالمهاجرون يلجأون الى الاصولية في محاولة - ربما كانت مخطئة - لنيل الاحترام والاعتراف بوجودهم في بلدان الغرب حيث تتفشى العنصرية المؤسساتية والفردية. وبخلاف ذلك، يرفع بعض الهندوس - اتباع الدين الاكبر في الهند - راية الاصولية بقصد الهيمنة على الدولة. والحركة الهندوسية الاصولية والمسلمون المتشددون في الجزائر والسودان مثلاً، يوظفون الخطاب الاصولي الذي يضم عموماً خطاب الضحية وخطاب الارتياب المرضي بالآخر، وسيلة سياسية لاعادة بناء مجتمعات متجانسة قومية متزمتة وأحادية الشخصية الدينية، في بلدانهم.
وأعتقد ان الاصوليين الليبيراليين الديموقراطيين الذين ابتهجوا بموت الشيوعية و"انتصار القيم الرأسمالية الليبيرالية" سيواصلون الترويج للعالم العربي الاسلامي، كبديل من "امبراطورية الشر" السوفياتية البائدة، واهتمامهم بالوطن العربي يعود اساساً الى غناه بالثروات الطبيعية والاستراتيجية. كما سيتابعون مطالبة المهاجرين من مسلمين وغيرهم بالتخلي عن تاريخهم وثقافتهم والاندماج بالشعب "المضيف"، او بتحمل معاناتهم على يد العنصرية المؤسساتية والعامة.
روبن أوستل : التعددية السياسية مصدر الأمل بحل على المدى الطويل
* ازمة الهوية والثقافة وغياب العدالة الاجتماعية
تفسر بعض مظاهر التطرف
* يشعر بعض الشباب العربي بأن الاسلام قد يكون وسيلة للتحديث والحفاظ على الهوية وأداة لتحقيق مستويات اعلى من العدالة
* التركيز على النشاط الاسلاموي يؤدي الى طمس التنوع الكبير في الآراء ووجهات النظر السياسية الاخرى
* يحتاج الغرب أكثر من اي وقت مضى
الى اكتشاف الثراء والتنوع الثقافي والسياسي الذي يميز الحضارة العربية
لدي أولاً مثل كثيرين مشكلة مع عبارة "الاصولية". فهي تفتقر الى التحديد والدقة، وتستخدم على نحو سائب جداً في وصف افراد وجماعات وحركات شديدة الاختلاف في العالم الاسلامي. مثلاً، غالباً ما تستعمل لوصف واحدة او اكثر من الظواهر الآتية:
أ - الصحوة الدينية منذ 1970 في دول جميع مواطنيها او معظمهم مسلمون. وتُلاحظ هذه الصحوة في تعاظم درجات التقوى في حياة الافراد، وفي تعاظم "أسلمة" الحياة العامة لأمم بكاملها.
ب - الايديولوجيا السياسية الجبارة التي قبضت على العالم العربي خلال السنوات العشرين الاخيرة حتى صار الاسلام سمة رئيسية للخطاب السياسي، وأداة يستخدمها اصحاب النفوذ لفرض تعزيز شرعيتهم. كما يستخدمها ايضاً اولئك المعارضون كلغة نقدية يقاربون بها قضايا ثقافية واقتصادية وأخرى تتعلق بالمجتمع كله.
2 - الرغبة في وضع الشريعة من جديد موضع تطبيق. وهذا عامل مشترك يوحد الاصوليين جميعاً سواء مثلتهم الحكومة الايرانية او السودانية او جماعات المعارضة الكثيرة في البلاد المغاربية او مصر او المشرق. ويتوق معظمهم الى رؤية الشريعة وقد غدت الأساس الوحيد لتنظيم الدولة والمجتمع. الا ان الآراء في ماهية الشريعة وشكلها ودورها ووظيفتها تكثر وتتعدد بقدر تعدد اصحابها. وعلى اي حال، فالنظامان السوداني والايراني هما مثالان مختلفان جداً للحكومة الاسلامية الاصولية.
معيار العدالة الاجتماعية
وهكذا قد تكون الاصولية صفة تطلق على فرد، او حركة سياسية او نموذج حكومة قائمة او لغة للسياسة والثقافة. والآن بعد هذا كله، يمكن تلخيص اسباب بروز هذه الظاهرة العامة في السنوات العشرين الماضية، على نحو موجز وبسيط بما يأتي:
أ - الرغبة في وضع معيار للعدالة الاجتماعية بردها الى فجوات آخذة بالاتساع بين الغني والفقير في مجموعات سكانية تتصف بتمدنها المتعاظم. وحيث يسيطر الفقر والاضطهاد، او تبدو الحكومات عاجزة عن اقامة العدالة وخلق اللحمة الوطنية يتحول الناس الى الدين طلباً لهذه العدالة وهذا التضامن.
ب - أزمة الهوية: تمخضت المرحلة الكولونيالية وما تلاها عن ازمة هوية في معظم اجزاء العالم العربي، بعدما صيغت هيكلية القوانين والانظمة وفق نماذج غربية. واليوم تتم اعادة بناء التوازن، مع تعبير الناس عن رغبتهم في التحديث والتطوير من دون التخلي عما يرونه هوية ثقافية لهم.
ج - الشباب وتأثير الاسلام: لدى عدد من دول العالم العربي اعمار منخفضة غالباً ما يكون معدلها الوسطي 25 سنة او دونها.
والشرور الاجتماعية الناجمة عن الفقر وضعف الأمل بالعثور على عمل، تتجلى بأقصى حدتها بين الشباب، ما يفسر سبب رفد الشباب الحركات الاصولية في الجزائر وتونس ومصر بأكثر اعضائها. وفي ظل الغياب الواضح لأي حل آخر، يشعر كثير من الشباب بأن الاسلام قد يكون وسيلة التحديث والحفاظ على الهوية. والأهم من كل شيء، هم يجدون فيه اداة لتحقيق مستويات اعلى من العدالة الاقتصادية والاجتماعية.
البديل السياسي الوحيد؟
لسوء الحظ تكاد الحكومات ووسائل الاعلام الغربية تكون "مفتونة" بظاهرة "الاصولية"، الى درجة تبدو معها "الاصولية" بديلاً سياسياً وحيداً من حكومات قائمة حالياً. وهذا التركيز على النشاط السياسي الاسلاموي يؤدي الى طمس التنوع الكبير في الآراء ووجهات النظر السياسية الاخرى المتوافرة في المجتمعات العربية كلها، وهي آراء محرومة، على الاغلب، من التمثيل المؤسساتي اللائق. ويمنع هاجس الاصولية الغرب من رؤية انجازات مهمة في الآداب والفنون ترفد الثقافة العربية بمساهمات على درجة كبيرة من الحيوية في المغرب ومصر والمشرق والخليج العربي. وعندما يؤدي التركيز على الاصولية الى دفع بعض الاجزاء الاكثر اهمية من الحضارة العربية الحديثة الى الظل، سيكون لذلك حتماً اثر سلبي وخطير على صور العالم العربي في المجتمعات الغربية وأيضاً، وبقدر مساو، على ما لدينا من صور للمجتمعات العربية التي تعيش بين ظهرانينا.
وما يلزم الغرب الآن أكثر من أي وقت مضى هو التعرف الى ثراء التنوع الثقافي والسياسي الذي يمثل السمة المميزة للحضارة العربية. والصورة المألوفة للأصولي هي نمطية مكرسة واختزالية. وهي عاجزة حتى عن ايضاح التنوع الموجود في الاصولية ذاتها.
- 3 -
سبقت الاشارة اعلاه الى الفروق المهمة التي توجد بين نماذج مختلفة للدولة والمجتمع الاسلاميين، سواء اخذت شكل حكومة قائمة في ايران او شكل جماعات معارضة في منطقة الشرق الاوسط. وهناك مشكلة اخرى تتجلى في افتقار وسائل الاعلام الغربية الى ادنى قسط من التحليل الهادئ للبرامج السياسية للجماعات المختلفة، على رغم ان هذا الاعلام يكرس حيزاً واسعاً لتغطية الاصولية. وجذور الاصولية التي أشرنا اليها اعلاه لن تختفي في المستقبل المنظور، ما يعني ان تأثير الاسلام السياسي سيبقى قوياً بين بعض قطاعات الشعوب العربية. ويجب على الحكومات ان تستنبط وسائل للتعامل مع خصومها الاصوليين من دون اللجوء الى الاضطهاد العسكري لأن من الصعب استئصال الاصوليين، في نهاية الامر، بالقوة. والنشاط السياسي العادي لا يمكن ان يتم في ظل اوضاع متأزمة على شفير حرب اهلية، كما ان التعددية السياسية الحقيقية هي مصدر الأمل بحل على المدى الطويل.
فرد هاليداي : اليسار فقد صدقيته والبدائل الاخرى غير موجودة
- 1 -
تفسير أسباب انتشار الحركات الاصولية في العالم العربي لا يمكن ان يتم في اطار ديني، ولا بالاشارة الى شيء ما ينفرد به العالم العربي، بل يجب ان يجد مرجعيته في عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية، وينبغي ان يكون مقارناً. ولا ينحصر صعود الاصولية بالدول العربية او الاسلامية. فنحن نرى، في اجزاء عدة من العالم، حركات تناشد الشعور الديني وتجمعات جرى تحديدها على اساس ديني. نلاحظ ذلك في ايرلندا بين الكاثوليك والبروتستانت، وبين احزاب هندوسية شوفينية في الهند، كما نلمسه بين قطاعات من اليمين الصهيوني في اسرائيل، وبين مسيحيين اصوليين في الولايات المتحدة. ومع ان هذه الحركات تختلف بعضها عن بعض، الا انها تشترك في امور ثلاثة: اولاً، لا تمثل الحركة محاولة لادخال الناس في دينها بل لتعبئة هذه التجمعات الدينية بقصد بلوغ اهداف سياسية. ثانياً، فيما تستعين الحركة بالتقاليد فانها تعيد تفسير الماضي والتقاليد الدينية كي تقدم برنامجاً سياسياً معاصراً عن التنمية الاقتصادية والاستقلال وقضايا اجتماعية الخ... ثالثاً اهم ما يعني هذه الحركات، قبل كل شيء اخر، هو الوصول الى السلطة السياسية والاحتفاظ بها. وهي كلها ايضاً، بدرجات مختلفة كاذبة متعصبة ومستعدة لاستخدام العنف السياسي في سبيل الوصول الى السلطة او الاحتفاظ بها.
وفي ضوء ما تقدم، فان هذه الحركات ذات رد سياسي جماعي على مشاكل حقيقية تعيشها مجتمعاتها: ظروف ازدحام مديني، ودول فاسدة، وتأثير واهانة خارجيان وتغير ثقافي. في الماضي، كانت الحركات اليسارية، او تلك العلمانية الشعبية، مصدر الرد على هذه المشاكل. الا ان سمعة اليسار الذي يقبض حالياً على السلطة في كثير من هذه الدول لا تقل سوءاً عن سمعة بعض الانظمة اليمينية.
فجبهة التحرير في الجزائر والنظام الناصري... وشاه ايران، وأنظمة العالم الثالث الشيوعية، وحزب المؤتمر الهندي، كلها اشتركت في مشروع علماني تحديثي فقد صدقيته حالياً. وهذا هو السبب في توجه الناس الى هذه الحركات الاصولية في العالم العربي كما في خارجه. وبالطبع، لا تقدم هذه الحركات حلاً. الا ان ذلك لم يتضح بعد وهي تشوش على الناس بوعود كاذبة وتفسيرات دوغمائية. وحين وصلت هذه الحركات الى السلطة في ايران والسودان. تبين انها تقتل ايضاً، ولو تسلم الاصوليون زمام السلطة في الهند والجزائر لما اختلف الامر في هاتين الدولتين.
منذ نهاية الحرب الباردة دار الحديث عن صراع عالمي جديد بين العالمين الاسلامي والغربي. وفي بعض الدول الاسلامية هناك من يتحدث عن تحدي الرأسمالية الغربية. ويتكلم الناس في الغرب عن "تهديد اسلامي". وهذا، في غالبه هذر فارغ. فالحركة الاسلامية ليست معنية اساساً بالغرب على الاطلاق، بل بمجتمعات اسلامية: اذا كان هناك "تهديد اسلامي" فهو يستهدف المسلمين الذين قد يضطرون الى العيش في ظل انظمة كهذه.
ظروف اجتماعية متفاوتة
ومن الناحية العسكرية، لم يشكل العالم الاسلامي تهديداً جدياً لأوروبا منذ القرن السابع عشر. اما اقتصادياً، فالتهديد الاجنبي الذي يتعرض له الغرب آت من دول الشرق الاقصى المصنعة وأميركا اللاتينية، وليس من الشرق الاوسط حيث الوضع الاقتصادي، باستثناء النفط، مأسوي. والدول الغربية من جانبها ليست في حاجة الى عدو اسلامي او خلافه، بل هي في حاجة الى اقامة علاقات اقتصادية وسياسية على اسس متينة ومواتية.
لا تعود الفروق بين الحركات الاصولية الى اسباب دينية اساساً، بل الى الظروف الاجتماعية والسياسية المتفاوتة في دولها. فهي في بعض الدول حركة مدينية، بينما تغلب عليها الطبيعة الريفية في مناطق اخرى، مثل افغانستان. وفيما يكون السنة ابطالها الرئيسيين هنا يكونون من الشيعة هناك. وفي هذه الحالات كلها، ان المجموعة التي تشعر بأنها مضطهدة نسبياً في مجتمعها هي التي تشكل الحركة الاصولية. ومن هنا، شرح هذه الحركات يجب ان يبدأ من شخصية المجتمع والمشاكل التي تواجهها شتى مجموعاته، وليس من الدين.
ديريك هوبوود : لغة العداء الحاد للغرب تولد عدم الفهم في الاتجاهين
اعادة تأكيد القيم الاسلامية في العالم العربي هي رد فعل على فشل الايديولوجيات الاخرى في حل المشاكل الحاضرة. والاعتقاد بأن الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية قد اخفقت يؤدي الى طرح الاسلام بديلاً يقدم الحلول المرجوة. وهو ايضاً وسيلة لاعادة تأكيد الشخصية والهوية الأساسية وحمايتها من "الأمركة" الطاغية التي يتعرض لها نمط الحياة. والاسلام، ايضاً، قاعدة بناء مجتمع وحياة جديدين توفران حلولاً لمشاكل التنمية الاقتصادية كلها. وهذا يفضي الى الايمان بان اقامة المجتمع الاسلامي المثالي الجديد ستتيح معالجة كل شيء عن طريق الاسلام.
لسوء الحظ، تتجلى هذه الصحوة الاسلامية، بالنسبة الى الغرب، في الاصولية والمعارضة والارهاب، ما يدعوه الى اعتبارها شيئاً مخيفاً تجب مقاومته. ويبدو ان هناك قليلاً من التقدير في الغرب لرغبة المسلمين العميقة في اعادة تحديد هويتهم والحفاظ عليها في وجه هيمنة خارجية. ولكن، لسوء الحظ ايضاً، يعبر الاسلاميون غالباً عن ذلك بلغة العداء الحاد للغرب فيعززون العداء وعدم الفهم المتبادلين. وهناك في الغرب ميل الى رؤية المسلمين جميعاً كمتشددين يكاد احدهم لا يختلف عن الآخر ما يؤدي حتماً الى الحاق الضرر بالعلاقات العادية بين المسلمين والعرب الذين يعيشون في الغرب، وجيرانهم من غير المسلمين.
تسعى الحركات الاصولية كلها اساساً الى بلوغ الهدف ذاته: اقامة دولة اسلامية مستقلة عن تدخل الاجانب وتأثيرهم. وتنجم الفروق بين حركة وأخرى عن الظروف المحلية والطرق المتبعة لاقامة هذه الدولة. وتلعب الخلفية التاريخية دوراً رئيساً ايضاً في الجزائر والسودان وغزة، مثلاً. ولما كان الكثير يتوقف على التطورات المحلية، يستحيل التنبؤ بالمستقبل. مثلاً، ماذا سيكون رد فعل "حماس" على غزة فلسطينية الادارة؟ وهل ستتمكن الحكومة الجزائرية من اخضاع الجبهة الاسلامية للانقاذ؟ وهل سيتفاهم المصريون مع الاسلاميين؟ ولئن كانت قراءة المستقبل مستحيلة، فمن الأكيد ان الالتزام العميق للقيم الاسلامية راسخ لا يمكن استئصاله من العالم العربي، وعلى الحكومات المحلية وبقية العالم القبول بهذه الحقيقة والعيش معها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.