مجموعة شركات SAMI تحصد ثلاث جوائز للتميز في توطين الصناعات العسكرية    القيادة تهنئ رئيس جمهورية بولندا بذكرى إعلان الجمهورية لبلاده    ب "رؤية ما لا يُرى".. مستشفى الملك عبدالله ببيشة يُفعّل اليوم العالمي للأشعة    هجوم روسي بمسيرات يوقع قتيلا شرق أوكرانيا    لماذا دخل الشرع البيت الأبيض من الباب الجانبي؟لأنها زيارة خاصة لا رسمية    الفقد والادعاء.. حين يساء فهم معنى القوة    قصيدة اليقين    عالم مصري يبتكر ضوءا لا يخترق    سعر برميل النفط ينخفض إلى 63.93 دولار    تعليم الطائف يعقد الاجتماع الأول للجنة الشراكات والاتفاقات    غرفة مكة المكرمة تعزز دور القطاع الخاص لتحسين تجربة ضيوف الرحمن    كوشنر: تسوية ملف مقاتلي حماس في رفح مدخل للانتقال إلى المرحلة الثانية    «الضبابية» لا تخدم السوق    ضبط 21647 مخالفاً للإقامة والعمل وأمن الحدود    المدرهم يطير ببرونزية الأثقال في إسلامية الرياض 2025    استبعاد تمبكتي من معسكر الأخضر.. واستدعاء الشهراني وكادش    «التواصل الحضاري» ينظّم ملتقى التسامح    95 مليون ريال لصيانة ونظافة وتشغيل 1400 مسجد وجامع في المملكة    «الشورى» يدعو مركز المناطق الاقتصادية في الرياض لاستكمال البناء المؤسسي والخطة الإستراتيجية    شلوتربيك أولوية لبرشلونة في يناير    في ختام دور المجموعات بمونديال الناشئين 2025.. الأخضر يواجه نظيره المالي للعبور لدور ال 32    أكد أن المنظومة تشهد تحولاً نوعياً.. وزير البلديات: تشغيل ذكي وإدارة رقمية لخدمة ضيوف الرحمن    وسط ضغوط على المرحلة الثانية من اتفاق غزة.. الاحتلال يمنع خروج المحاصرين في أنفاق رفح    علامات تكشف مقاطع الفيديو المولدة بال AI    خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء الخميس    تحت رعاية ولي العهد.. تنظيم المؤتمر العدلي الدولي الثاني بالرياض    تحت رعاية سمو ولي العهد.. وزارة العدل تُنظم المؤتمر العدلي الدولي الثاني 23 نوفمبر في الرياض    أمريكي يبحر 95 كيلومتراً داخل يقطينة    الديوان الملكي: وفاة وفاء بنت بندر    تعاون سعودي- إماراتي لمكافحة جرائم الفساد    يوثق التحولات التاريخية والحضارية للمشاعر.. «الدارة» تطلق ملتقى تاريخ الحج والحرمين    وعكة صحية تدخل محمد صبحي المستشفى    1.7 مليون دولار تعويضاً على تنمر النظارات    الذكاء الصناعي سلاح ذو حدين    يتباهون بما لا يملكون    تقديراً لجهودها في إبراز خدمات المملكة لضيوف الرحمن.. نائب أمير مكة يكرم وزارة الإعلام بمؤتمر الحج    لجان الكرة وقرارات غائبة أو متأخرة    ممرض ألماني يخدر المرضى ليهنأ بليلة هادئة    موانع حمل للرجال (1)!!؟    الأخضر تحت 19 عاماً يدشن تدريباته في معسكر الأحساء استعداداً لكأس آسيا    تداول 197 مليون سهم    خديعة القيمة المعنوية    أزمة الأطباء الإداريين    القصيم: فرع الشؤون الإسلامية يُتعامل مع 1169 بلاغًا خلال الربع الثالث    "مسام" ينزع (1.044) لغمًا من الأراضي اليمنية خلال أسبوع    البنيان يرعى «التعليم المنافس» في «الملك سعود»    «الرياض الصحي»: البحث العلمي شريكٌ محوري في التحول الصحي    رئيس جامعة جازان يطلق منصة "ركز" للاستثمار المعرفي    «سعود الطبية» تعيد الحركة لمفصل كوع بعد 10 أعوام من العجز    إصابة جديدة في تدريبات المنتخب السعودي    مطالبة المناطق الاقتصادية بالرياض باستكمال البناء المؤسسي    رجال أمن الحرمين قصص نجاح تروى للتاريخ    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير فرع الهيئة العامة لتنظيم الإعلام بالمنطقة    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. منح رئيس «الأركان» الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. رئيس هيئة الأركان العامة يُقلِّد رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    فهد بن سلطان: هيئة كبار العلماء لها جهود علمية ودعوية في بيان وسطية الإسلام    أمير نجران يلتقي مدير فرع «عقارات الدولة»    أمير تبوك يستقبل عضو هيئة كبار العلماء الشيخ يوسف بن سعيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاستها السادسة تنبئها بأنها ستتزوج في الخريف . سميرة توفيق : بدأت مشواري الفني في الحادية عشرة وانطلقت عربياً من الاردن
نشر في الحياة يوم 10 - 08 - 1992

المطربة اللبنانية سميرة توفيق التي غابت اخبارها عن الساحة الفنية لمدة، عادت تضيء المسارح العربية بتألقها وفنها الخاص، وهي الآن تستعد للقيام برحلة الى اوستراليا لاحياء حفلات عدة هناك للمغتربين اللبنانيين والعرب. وقبل ان تحزم حقائبها التقتها "الوسط" مطولاً واجرت معهاحواراً خاصاً كانت نتيجته التحقيق الآتي:
في شقتها الانيقة في الحازمية في ضواحي بيروت، حيث فقدت امرأة اخيها بقذيفة، بدأت سميرة توفيق حديثها الى "الوسط" عن الايمان. اعتبرت ان المصادفة التي جمعتها بي في هذا المكان تسمح لها بالكلام من دون حواجز، وبما لم تتكلم به قبلاً الى اية صحيفة او مجلة اخرى. كانت ترتدي ثوباً بسيطاً، وقد تركت شعرها الاسود على سجيته، ووجهها بلا مساحيق، وعينيها من دون كحل. الى جانبها جلس ابن اخيها الصغير الذي فقد والدته. ولم يكن خافياً ان سميرة توفيق صارت اماً له. كان بعض افراد العائلة يحيط بها في الصالون الواسع. بدا واضحاً ان عالم سميرة الصغير، هو عائلتها الكبيرة.
كثير من الكلام عن طفولتها وعن ذكريات بدايتها الفنية المجهولة حتى الآن. وقبل كل شيء عن ايمانها منذ ان كان عمرها سبع سنوات. فهي تتذكر حادثة جعلتها تتعرف الى ان هذا العالم فيه الصالح والشرير. ودفعتها الى الصلاة والطلب من العلي القدير ان يساعدها على الاعتراف له بخطاياها مباشرة. وصلّت يومها قائلة: "يا رب سامحني واجعلني اشعر انك الى جانبي".
تعلق سميرة توفيق على ذكرياتها هذه: "طبعاً هذا التفكير هو تفكير ولد. فما قلته جاء عفوياً ولا يعكس تعقلاً ولا فهما. حكيت لوالدتي عما طلبت في صلاتي. كان طلب الغفران عن اخطائي يجعلني اشعر بأنني نظيفة ونقية".
عن سر هذا الايمان الذي تملّكها منذ صغرها، وعما اذا كان يعود الى التربية العائلية، اجابت:
"لا ادري. ما ادريه هو انني عشت في جو عائلي طبيعي جداً. وكنا نحب بعضنا كثيراً. انا من عائلة متوسطة الحال. والدي صياد سمك، وكان "ريِّساً" على منطقة الرميلة في بيروت، مسقط رأسي. وعيت على الدنيا، ثم مات ابي ولحقت به امي، دون ان اعرف بخلاف وقع بينهما او بأي حادث عكّر جو العائلة. علمتني والدتي كما علمت اخوتي، على حمد الله على ما هو موجود بين ايدينا. مرت علينا ايام سيئة كما تمر على جميع الناس، فلم نشعر بها. وذلك بسبب التربية التي تلقيناها. لم تكن المادة تعني لنا شيئاً ولا الطعام ولا حياة البهرجة. كانت حياتنا عادية. كان عمل ابي جيداً في الصيف. وكان يستدين في الشتاء حتى يكفي حاجتنا. عشنا دون ان نمد يدنا الى احد. يعني عشنا محترمين في و عائلة تحب وتعطف. كانت عائلتي مؤمنة، وكان يطلق على جدتي سليمة اسم التقية في الحي".
المحيط العائلي
كان الجميع يصغي الى سميرة بشغف. فكلامها بصوت منخفض كأنه الهمس الغنائي. ابن اخيها لا يشيح بنظره عن وجهها. كانت معتزة وهي تروي سيرة عائلتها. وتابعت "نحن ستة اولاد. ثلاث بنات وثلاثة صبيان. انا الرابعة في الترتيب. في هذا المحيط العائلي العادي، كبرنا على الايمان والقناعة. ومن العيب ان اتكلم عن نفسي، فأنا املك من القناعة ما لا تملكها اية انسانة اخرى في العالم. صدقيني انني استطيع الجلوس في هذه الغرفة سنة كاملة دون ان يعنيني الخارج في شيء. وهذه حقيقة، ولا اقول ذلك تفاخراً او تبجحاً. فما دام في البيت رغيف خبز وحبة زيتون، فأشكر الله على ذلك. انا الوحيدة في البيت التي لا يسألها احد ماذا ستأكل في الغد. آكل من الموجود".
وماذا عن مدرسة سميرة توفيق وعن بدايتها الفنية؟ تتذكر قائلة: "في طفولتي كنت في فرقة الاناشيد في المدرسة، كانت الرئيسة ماري فرح عندما انشد مع الفرقة تمسك برأسي وتشد شعري وتقول: جمدي هذا الرأس. كانت تضربني وتردد: حين تنشدين لا تهزي برأسك. ولم اكن استطيع تجميد رأسي. فكانت تكرر شد شعري وتضربني. وفي كل حفلة اناشيد كنت احصل على نصيبي من الشد والضرب".
كانت الاناشيد المدرسية هذه متنوعة وتقول سميرة توفيق انه لم يكن من تأثير لهذه الاناشيد على تألق صوتها في ما بعد. على العكس، فرئيسة المدرسة كانت تردد على سمعها في كل مرة هذه العبارة: "سأرى هذا الرأس ماذا سيطلع منه". وتعترف سميرة بأنها كانت مثل بقية زميلاتها في المدرسة في اثناء تأدية الاناشيد. وكانت هناك اصوات اجمل من صوتها في الفرقة وقادرة على الانشاد بشكل افضل منها.
كم كان عمر سميرة توفيق حين اكتشفت موهبتها الغنائية، وكيف تم ذلك؟ الحكاية شيقة: "كان عمري احد عشر عاماً حين سمعني ألبير غاوي اغني وهو يمر صدفة في الحي فلفت نظره جلوسي على غصن شجرة امام البيت وغنائي على سجيتي. كنت لا اغني الا وأنا على الشجرة. وسأل البير غاوي عني، فدله اهل الحي على البيت. كنت ذلك الحين العب بپ"الشليك"، وهي لعبة معروفة شعبياً بين اولاد الحي، تتألف من خشبة "مروّسة" في طرفيها وتشدها مطاطة من الوسط وتقذف بها حتى تبتعد الى اقصى مسافة. ومن تبتعد خشبته اكثر يكن هو الرابح.
وهرع بعض الجيران يقولون لي ان هناك من يسأل عني. ركضت الى البيت. ووجدت البير غاوي مع أبي الذي استقبله احسن استقبال، يحدثه عن المستقبل الغنائي الذي ينتظرني اذا ما شجعني على ذلك، وساعده في اقناعي بالغناء فوراً امامه. كان البير يعمل في الاذاعة، وبعد اخذ ورد، طلب مني ابي ان اغني. وعندما سألت ماذا اغني؟ قال: اريد ان اسمع اي كلام منك.
امتحان فوق الشجرة
وقبلت الغناء بعد الحاح كبير، شرط ان اصعد الى الشجرة. خرج البير ووقف تحت الشجرة وكنت صرت في اعلاها، ورحت اغني الاغنية تلو الاخرى وهو قابع يصغي. كانت البيوت في منطقة الرميلة المستلقية على البحر تقوم الى جانب بعضها بين شجرات الليمون، وكانت ثلاث منها تنهض امام منزلنا، ومن فوق احداها غنيت وبعد ذلك صرخت من اعلى قائلة: "حل عني انا نازلة ألعب". وضحك وتركني. كان ألبير يتردد على منزلنا ويجهد في حملي على الغناء دون ان اصعد الى الشجرة، وتعليمي بعض الاصول الغنائية. وصل الخبر الى المدرسة والى الرئيسة بالذات التي علمت بأن هناك استاذاً يأتي الى البيت كي يعلمني الغناء. فأرسلت بطلبي الى مكتبها. وما ان صرت امامها حتى قالت لي: "انا اعلم الآن لماذا تهزين برأسك وأنت تنشدين".
وانتظر ألبير غاوي العطلة المدرسية ليقدم سميرة توفيق الى الاذاعة اللبنانية. وتتوقف على تلك المحطة الهامة من طفولتها قائلة: "حين رآني المسؤولون في الاذاعة، وقفوا سلبياً ازاء طلب البير. فألح عليهم بوجوب سماع صوتي اولاً قبل اتخاذ اي قرار. وبعد الكثير من التجاذب الكلامي، نزلوا عند ارادته واصغوا اليّ. وجاءت الآراء متضاربة حول صوتي. البعض اعجب به والبعض الآخر قال انه قد يتغير حين اكبر، ومن الصعب الحكم عليه فنياً منذ الآن.
كان توفيق البيومي، وهو من مصر، الى جانب البير غاوي الذي حزن جداً لقرار المسؤولين في الاذاعة. كان موسيقياً معروفاً وقد قام بتعليمي اصول النغم. وقال للحاضرين: "ان مت تذكرتموني وان عشت ذكّرتكم بما اردده الآن. هذه الطفلة ستضرب المنطقة العربية كلها بصوتها، وستترجونها لتعمل معكم".
وتتابع سميرة توفيق ذكرياتها عن تلك المرحلة: "لم يهمني الامر حينئذ. ربما كنت واثقة من نفسي على رغم صغر سني. كان اهل الحي يعرفون بدفاعي عن المظلوم من الاولاد. كنت قوية. وأضرب كل من يعتدي على ولد من دون سبب. كما كنت قاضية بين رفاق الحي. كانت شخصيتي اقوى منهم، وعلى الرغم من ذلك كانوا يقولون عني انني مهضومة".
وتنتبه انها استطردت في حديثها فتعود الى القول "لم يهمني الامر، لانني كنت احمل في رأسي ما كان يقوله لي استاذي: اعرف انك انسانة قوية، وانا ساعلمك كيف تتعاملين مع شيئين: الجمهور والميكروفون. يجب ان تعتبري ان الجمهور وحش ان لم تأكليه أكلك، وكذلك الميكروفون".
في الاذاعة
منذ طفولتها الغنائية اعتبرت سميرة توفيق الميكروفون وحشاً. وتحدثت عن اول مرة تقف امامه "حين اقتنع المسؤولون في الاذاعة بما قاله كل من ألبير غاوي وتوفيق البيومي عن موهبتي الغنائية، قرروا تقديمي على الهواء فوراً. جلس اهل الحي حول الراديو وكانت فرحتهم كبيرة بأن ابنة المنطقة ستغني. حين بدأت بالغناء صرت ارجف، فنظر البيومي اليّ وصرخ: ماذا قلت لك؟ الوحش امامك الآن ويجب ان تأكليه قبل ان يأكلك. وغنيت على سجيتي. حين عدت من الاذاعة، استقبلني اهل الحي كلهم بالاهازيج والرقص.
وهكذا بدأت الغناء في الاذاعة اللبنانية. تركت المدرسة وبدأت اتلقى اصول الغناء على ايدي مدرسين خاصين. ثم سافرت الى دمشق بعد ان تلقيت الكثير من التشجيع ممن قدروا موهبتي الغنائية. كانت عائلتي الى جانبي. اعترف ان سبب نجاحي هي عائلتي. كان يقال عني انني سميرة توفيق التي يحيط بها اسطول سادس. ويعني هذا، ان عائلتي كانت تفرض الحصار عليّ. وانه كان من الممنوع ان اقول مرحباً لأحد ان لم يكن افراد العائلة موافقين على ذلك. وممنوع ان اغني ان لم يكن الجميع قربي، اي امي وأبي واخوتي. اعطاني وجود العائلة حولي قوة معنوية كبيرة وحماني من غدر الزمان. والحصار الذي فرضته عليّ جعل ايماني لا يتزعزع ومنع احداً من ان يلعب بعقلي او يغير من الاتجاه الذي رسمته لنفسي وساعدني الله عليه".
ماذا عن اول حفلة عامة ظهرت فيها سميرة توفيق امام الجمهور، وكانت لها حكاية مثيرة؟ تروي وهي منفعلة "اول حفلة غنيت فيها امام الجمهور كانت مع سعاد محمد. كنت في الحادية عشرة من عمري. يومئذ تدخّل البيومي مع سعاد وطلب منها ان تسمح لي بتأدية اغنية في حفلتها قرب ضهور الشوير. ونال الاذن بذلك. اذكر انني ارتديت ثوباً ابيض يزينه شريط نيلي، وجوارب قصيرة. كنت مجرد طفلة عادية الى جانب سعاد محمد التي كانت في عز مجدها وتتمتع بطلّة جميلة وهائلة. وغنيت اغنية واحدة فقط كانت بمثابة "تمريرة" على المسرح. حين واجهت الجمهور، راحت ركبتاي ترتجفان. وردد البيومي علي من جديد: يا سميرة، المسرح وحش. حين رآني الجمهور ارتجف راح يصفق لي تشجيعاً. بعد ذلك غنيت وكأن احداً لم يكن امامي. وأقول الآن: حين يريد الله انجاح انسان مؤمن، فهذا يتم. ربما تسألين ماذا كانت رد فعل سعاد محمد بعد التشجيع الذي نلته؟ قالت للمعنيين بشؤون الحفلة "إما أنا او هي". فهل غارت من طفلة مثلي، وهي التي كانت في قمة التألق والمجد؟ الله اعلم".
أول أجر
اول اجر نالته سميرة توفيق كان خمساً وعشرين ليرة لبنانية، فماذا فعلت به؟ تقول عن ذلك وعن الحاسة السادسة التي تتنبأ بها بما سيحدث لها. وذكرياتها جميلة حول هذين الامرين:
"كان المطربون الكبار حينئذ يتقاضون خمسين ليرة عن الحفلة الواحدة. اما اول اجر لي وهو خمس وعشرون ليرة فقد اقمت به حفلة دعوت الجيران اليها. ومرت مرحلة من حياتي بين الاذاعة والمسرح. ذهب بي البيومي الى دمشق وقدمني الى الاذاعة السورية التي رحبت. وهكذا الى ان انطلقت في حقل الاغنية العربية. كنت ولا زلت اصلي يومياً قبل ان انام. وقبل ان ابدأ بتقديم برنامجي على المسرح اهتف قائلة: يا رب كن معي وساعدني وخذ لي حقي. كان النجاح الذي وصلت اليه بسرعة هو من عون ربي. اذكر الحادثة التي صار فيها اسمي سميرة توفيق. كان لي ستة عشر عاماً وكنت نجحت في اغنية "اسمر خفيف الروح لحظة رماني" من اعداد توفيق النمري. ووجب اختيار اسم فني لي. وفي جلسة عمل عفوية مع توفيق البيومي نظر اليّ هذا الاستاذ الكريم وصرخ فجأة: "يا سميرة ان التوفيق من الله، وسوف اسميك من الآن فصاعداً سميرة توفيق". ورددت عليه صحيح يا استاذي ان التوفيق من الله، وأقبل باختيارك.
هناك شيء في حياتي لا يعرفه احد، وهو هبة من الله وموجود في العائلة، واعني به الحاسة السادسة بل اكثر منها تتملكني. وأقول عن هذه الحاسة انها وكالة انباء. احس بالذي سيحصل قبل حدوثه بزمان.
بكيت أمام الملك حسين
تكلمت سميرة توفيق عن زيارتها لعمان وعن المناسبة التي استقبلها فيها الملك حسين والتي تعتبرها بداية انطلاقتها في ميدان الاغنية البدوية. فقالت: "دُعيت الى عمان مع فرقة من الفنانين بينهم الاخوان رحباني لافتتاح الاذاعة الاردنية. وكنت احس في ذلك الحين بنوع من الحرب تُشن عليّ، كانت الدعوة موجهة من صلاح ابو زيد الذي اصبح في ما بعد وزيراً للاعلام، وكان اصر على وجودي في الفرقة. لم أكن اعرف اين تقع عمان. وسألت صبري الشريف الذي طلب حضوري الى استوديو بعلبك للتوقيع على العقد، اين تقع؟ فأجابني ببعض العجرفة: هي في الاردن. وأردف: انت مطلوبة مع الفنانين الفلانيين للذهاب اليها. كان والداي كالعادة الى جانبي. وقلت لصبري الشريف: اذا كانت عمان هي في الاردن فأنا اقبل بالذهاب. اين صورة العقد؟ وهمست في اذن والدي ببعض الكلمات فهم منها ان شرطي الوحيد للقبول هو ان استطيع زيارة القدس. وطبعاً كانت مرافقة والديّ لي في اساس القبول. ووقعت العقد على بياض وكذلك فعل ابي، واردف: "ليكن المبلغ ما يكون، على ان تزور ابنتي القدس". بعد عودتي الى البيت فتحت العقد، فوجدت ان المبلغ الذي حمله هو 1625 ليرة لبنانية.
"كان الجمهور كبيراً في الحفلة في عمان ومن مختلف المستويات. كان في المقدمة الملك حسين واعضاء السلك الديبلوماسي وكبار المسؤولين. حين جاء دوري بتأدية وصلتي الغنائية فوجئت بتغيير الفرقة الموسيقية للطبقة الموسيقية التي يفترض ان ترافق اغنيتي. فارتبكت، واحسست بشيء قد دبر لي لتفشيلي. والتفتّ لرئيس الفرقة هلعة وقلت: "دخلك يا استاذ انا لا استطيع الغناء على انغام هذه الطبقة". فرد: "لا، لا، غني". ولم اتمكن من متابعة الاغنية فأجهشت بالبكاء امام الجمهور. ثم انحنيت امام الملك وخرجت من المسرح. فاغلقت الستارة ثم فتحت من جديد على الفقرة التالية.
وركض اليّ صلاح ابو زيد وقال لي: "عمو، دموعك هذه سوف تكلف كثيراً. هذه الدموع هي بداية طريقك في هذا البلد. ولن تذهب ضياعاً. لقد عرفت ماذا جرى. انت ابنتي وستكون لك بداية اخرى هنا". كانت الحفلة تنقل مباشرة على الهواء ولم اعرف ما اذا كان الناس سمعوني ابكي بدل ان اغني. وبقيت ابكي طوال الليل. في اليوم التالي، دعا الملك حسين الفرقة كلها الى قصره. وحين وصلنا وقف، بعد ان سلّم عليّ بحرارة وقبلني وأجلسني الى قربه، وقال: بالامس سمعنا جميع الحاضرين. واليوم اريد ان اصغي ويصغي الجميع معي الى سميرة فقط. الحفلة اليوم هي من اجلها. وغنيت ما طلبه مني جلالته. كان ذلك سنة 1960. بعد شهر من الحفلة تلك وجهت اليّ دعوة اخرى لاحياء الفولكلور الاردني. وغنيت، وبعد ذلك زرت القدس. ومنذ ذلك الحين بدأ اسم سميرة توفيق يغزو العالم العربي".
تعتبر سميرة توفيق أنّ حياتها مكرسة لعائلتها. وانها وجدت لتجعل هذه العائلة تعيش براحة ورفاهية. هي ضحية للعائلة لكنها تشعر بسعادة بالغة في ذلك. وتحس بأن استسلامها لعائلتها في كل شؤونها لذة بالغة لها. لم تكن تعرف حساباتها حتى وفاة والدها سنة 1975. كان والدها يعطيها مصروفها حين تذهب الى السوق. ولم يكن يهمها ذلك.
مفاجأة عاطفية في الخريف
ماذا تقول سميرة توفيق عن الزواج؟ لماذا لم تتزوج حتى الآن؟ من هو الرجل الذي تريده زوجاً لها؟ تتكلم عن ذلك ببساطة: "ترددت في الزواج. دخل اشخاص كثيرون في حياتي، لكن حين كان الامر يصل الى التفكير بالزواج، كنت اتردد وأرفض. كنت اقول: هل اترك هذا العالم حولي واصير لشخص واحد. طيبة القلب كبيرة عندي ومن العيب ان اتكلم عن حالي هكذا. احب الخير وأحب الآخرين. حين توفيت والدتي بكى عليها الناس كثيراً. فصممت على ان احل محلها. وحين اغني وأسعد الناس اشعر كأنني اؤدي رسالة.
اما عن الزواج حالياً وعن الرجل الذي قد اتزوجه، فكلما ذكرت، هناك تردد. لكن هذا لا يمنع الحلم والتوقع. افترض المثالية في الرجل الذي يشاركني حياتي. وان يكون بعيداً عن الوسط الفني. اريده مؤمناً وأتزوجه امام الله رفيقاً يساعد ويداً تحنو وتفهماً لحياة عائلية كما عائلتي وأهلي. المال لا يهم والجاه لا يهم، انما ما يهم هو الانسان بالذات. سأسافر الى اوستراليا في منتصف شهر آب اغسطس بدعوة لاحياء بعض الحفلات الغنائية. حاستي السادسة تقول ان تغييراً في حياتي سيحصل بعد الحفلة، وان رجلاً سيعترض طريقي وسيقنعني بأن اكون رفيقة دربه. اخشى هذا الاحساس الذي اعيشه اليوم. هناك صورة رجل مثالي في عيني. لا اعرفه لكنني سأتعرف عليه بعد رحلة اوستراليا. وسيكون هناك مجال لكلام عن ذلك ان صدق توقعي كالعادة". لمعت دموع في عيني سميرة توفيق وقد وصلت الى هذه النقطة من الكلام. وتابعت:
"نعم احس برفيق سيأتي الى حياتي ويزيل الغم عن قلبي منذ وفاة امرأة اخي بقذيفة سقطت على بيتنا. كانت هذه السيدة الفاضلة رفيقتي وصديقتي. والحياة الى جانبها كانت اهم مرحلة في حياتي. كانت تقول لي: "ربنا يشيل من عمري ويزيد في عمرك". احسست ان هذه المخلوقة ستموت شابة. ومنذ موتها وأنا اشعر بأن رجلاً غير عادي سيقنعني بشراكة حياته وانني سأرضخ".
شموخ المرأة العربية
وعن السر في اختيارها الزي العربي على المسرح قالت "حين ارتدي الزي العربي اشعر بشموخ المرأة العربية، كالفارس العربي على صهوة جواده. اللباس العربي يمنحني الاعتزاز والشموخ. لا ارتدي غير الثوب المحتشم على المسرح. هناك غلطة نرتكبها، نحن الشرقيين، ولا نعلم لماذا ارتكبناها. وهي تقليد الغربيين بموديلاتهم. قد نقلدهم بالطريقة التي تلائم اجواءنا، لكن ان نعمل اكثر من الغربيين، فلا. انا ارتدي ما يناسبني. لماذا ارتدي القصير الدارج فيشوه قامتي؟
كنت اختار الزي العربي من تراث كل بلد عربي. ثم قمت بتصميم زي عربي خاص بي. ومما جعل الجميع يقول في ما بعد: هذا لباس سميرة توفيق. مثلاً ادخلت على تصاميمي العربية زي العباءة الذي حققه لي وليم خوري. وقد نال على احدى عباءاتي جائزة الاوسكار. حتى الكحل الذي اضعه على عيني صار يطلق عليه كحل سميرة توفيق. صارت السيدة العربية تطلب من البائع كحل سميرة توفيق".
وما فلسفة سميرة توفيق في الحياة؟ تلخصها هكذا "فلسفتي هي ان الغد هو الذي يهمني ولا تهمني الساعة التي أنا فيها. هذه الساعة انا واثقة منها. لكن الغد يعني لي اشياء كثيرة. المجتمع يتكلم عني بطريقة فيها الكثير من التقدير لانني لم اضع غشاوة على حياتي وعلى سمعتي وعلى تصرفاتي. كنت احس ان حتى حياتي العاطفية قد تؤثر على سمعتي، فجاوزت عواطفي، وبقيت حتى اليوم كما انا حتى لا يؤثر شيء على التاريخ الذي صنعته لفني وعلى الجمهور الذي احبني. طبعاً لم يكن التجاوز سهلاً. انما الخريف المقبل قد يقول شيئاً. فانتظروه".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.