نشرت مجلة "نيو انغلند جورنال للطب". وهي من المجلات الطبية الاميركية الرائدة الواسعة الانتشار والموثوقة دولياً، مقالاً لفريق من الاطباء العاملين في "الجمعية الاميركية لامراض السرطان" وعلى رأسهم الدكتور "مايك ظن"، مفاده ان تناول ست عشرة حبة من دواء الاسبيرين شهرياً، اي بمعدل حبة واحدة كل يومين، يخفف من امكانية حدوث سرطان الامعاء الغليظة بمعدل خمسين في المئة. والمعروف ان سرطان "الكولون" او الامعاء الغليظة يعتبر ثاني اكثر امراض السرطان فتكاً بالانسان بعد سرطان الرئة. ويعتقد الاطباء ان الاسبيرين يساعد على مقاومة سرطان الامعاء الغليظة من خلال تأثيره على مادة البروستاغلاندين التي تلعب دوراً اساسياً في تشعب الخلايا السرطانية وتكاثرها، فيمنعها الاسبيرين من العمل ويكبح جماحها. ولقد ثبتت فعالية الاسبيرين في السابق وتأثيره على البروستاغلاندين المتواجد في جميع انسجة الجسم تقريباً، والذي يقوي الشعور بالالم والحمى من خلال تأثيره على خلايا الاعصاب، حيث يجعلها حساسة للمواد الكيماوية التي تفرزها الخلايا المصابة، ويقوم الاسبيرين بالتدخل في هذه العملية فيوقف تأثير البروستاغلاندين ويخفف من الشعور بالالم والاوجاع. تأثير في نواح اخرى ويقول الباحثون انهم لا يستبعدون امكانية قيام الاسبيرين بالتأثير على الخلايا السرطانية في الاجزاء الاخرى من الجسم في المستقبل، تماماً كما حصل مع الخلايا السرطانية للامعاء الغليظة. ويحاول هؤلاء العلماء تحليل الاسباب التي تعطي العلماء تحليل الاسباب التي تعطي الاسبيرين خصوصيته هذه فيعزونها لاحتمالات ثلاثة: أولاً، قيام الاسبيرين بالتأثير على مرض السرطان في بداية ظهوره، وثانياً، التأثير على نمو الخلايا السرطانية والحد من تشعبها، وثالثاً، التأثير على الخلايا السرطانية وجعلها تنزف دماً بحيث يتم التعرف عليها باكراً. ويؤكد الدكتور "مايكل ظن" وفريقه انهم لا يستطيعون، في هذه المرحلة من أبحاثهم، الجزم بأن هناك علاقة مباشرة بين دواء الاسبيرين وتخفيف خطورة امراض السرطان، إلا انهم متأكدون من ان تجاربهم الواسعة التي اجروها والتي شملت ستين ألف حالة على مدى ست سنوات، قد اظهرت وجود علاقة مهمة وملفتة للنظر بين الاسبيرين ودرء خطر سرطان الامعاء الغليظة. وعلى رغم اهمية هذه الابحاث الجديدة ونتائجها المشجعة التي تبعث الامل في قلوب الملايين من الناس، الا انها ما زالت في طور نموها ولا بد من اجراء المزيد من التجارب لتشمل فئات مختلفة من الناس حتى نتمكن من تدعيم النتائج الاولية، قبل الشروع في تناول اقراص الاسبيرين وكأنها الدواء والعلاج الشافي لكل الامراض. وعلينا ان نتذكر بأن هذه الاقراص لا يمكنها ان تعوضنا عن الغذاء وعن ممارسة التمارين الرياضية والمحافظة على اللياقة البدنية والاهتمام بالصحة الجسدية عموماً، كما انها تسبب بعض الاعراض والمؤثرات الصحية الجانبية كنزيف المعدة والقرح، وغشاوة البصر، وطنين الأذنين، وتمزق الاوعية الدموية الدقيقة. دور عظيم ولكن... ولكن مهما كانت تلك التحذيرات التي نطلقها على حسن استخدام الاسبيرين، فاننا لا ننكر الدور العظيم الذي يلعبه الاسبيرين في علاج العديد من الامراض الخطيرة. ولقد اثبتت التجارب الطبية العديدة ان تناول جرعات خفيفة او معتدلة من الاسبيرين بصورة منتظمة ومستمرة تقلل من خطر الاصابة بالنوبات القلبية او تكرار حدوثها لانها تمنع تكون الجلطات الدموية وتزيد من سيولة الدم. ويقوم معظم الاطباء واخصائيي القلب بوصف الاسبيرين لمرضاهم باعتباره واحداً من أهم الادوية التي يتوجب عليهم تناولها باستمرار. ويساعد الاسبيرين ايضاً في منع تكتل صفائح الدم وهذا بدوره يعاون مرضى السكتة الدماغية ومرضى الصداع النصفي ويحميهم من تكرار حدوث الاعراض. وهناك أدلة اخرى تدل على مقدرة الاسبيرين وفعاليته في علاج أمراض اللثة، وحصى المرارة، والماء الازرق في العين والاجهاض، وارتفاع ضغط الدم عند النساء الحوامل. والجدير بالذكر ان استخدام الأسبيرين يؤدي الى استنفاد بعض الفيتامينات الأساسية في الجسم، مثل فيتامين أ. ومركبات فيتامين ب، وفيتامين ج، اضافة الى أملاح الكالسيوم والبوتاسيوم، لذا فإنه من المستحسن تناول الكبسولات او الاقراص المتعددة الفيتامينات والأملاح المعدنية لتعويض ما يفقده الجسم منها نتيجة لاستهلاك الأسبيرين. كما ان هنالك العديد من الأدوية والمنتجات العلاجية التي تحتوي على حامض استيل الساليسيليك او الاسبيرين، وتستخدم في علاج حالات السعال او ارتفاع الحرارة وتخفيف الآلام الناتجة عن التهاب المفاصل او الصداع او وجع الأسنان وغيرها، ولا بد من توخي الحذر في اختيارها، خاصة بالنسبة للأشخاص الذي يعانون من حساسية للأسبيرين، ومن الضروري جداً التأكد من قراءة المعلومات المرافقة للأدوية التي نتناولها ومراجعة محتوياتها، او استشارة الصيدلي والطبيب في حالة وجود اي شك او استفسار. ويمكننا إدراك اهمية الاسبيرين ودوره في الطب الحديث من الكميات الهائلة التي يستهلكها الناس في مختلف انحاء العالم، ففي دراسة اجريت في دولة الكويت عام 1982، تبين ان هذه الدولة رغم صغر مساحتها وقلة عدد سكانها تستهلك 60 مليون حبة أسبيرين سنوياً، أي ما يعادل 6 أطنان من هذه المادة على اعتبار ان وزن الحبة يبلغ 30 مللغ. وهذه الاحصائية ما هي الا تقدير متواضع جداً إذا ما قارناه بما يستهلك في الولاياتالمتحدة الاميركية والدول الاوروبية والدول النامية الاخرى. نتائج برسم الانتظار وينتظر الباحثون بفارغ الصبر، النتائج التي ستسفر عنها التجارب الجارية حالياً من قبل بعض العلماء الاميركيين، والمعنية بدراسة صحة النساء، وتشمل اربعين ألف امرأة سيطلب من نصفهن عشوائياً تناول جرعات مخففة من الاسبيرين بين اليوم والآخر ولمدة خمسة سنوات على الاقل. ولو صدقت التوقعات وأثبت الاسبيرين انه ما زال ذلك الترياق السحري القادر على علاج أشد الامراض خطورة وبالذات أمراض السرطان، فإن الحلم الذي راود الكثيرين سيصبح واقعاً بعدما كان أملاً مستحيلاً.