لم يأت رئيس النادي الأدبي في الأحساء الدكتور يوسف الجبر من وسط أدبي أو ثقافي، كأن يكون شاعراً أو ناقداً أو حتى قاصاً، فالجبر الذي نال الدكتوراه في أنظمة القضاء عام 1422ه، تنقل بين عدد من المسؤوليات، إذ مارس القضاء لمدة ثمانية أعوام. كما شغل عمادة كلية المعلمين في الأحساء لثمانية أعوام أيضاً. وافتتح بعدها مكتب محاماة، لينتهي به المطاف رئيساً لنادي شهد منذ تأسيسه قبل نحو عامين، مشكلات وصعوبات عدة، أدت في نهاية المطاف إلى استقالة رئيسه السابق الشيخ عبدالرحمن الملا. الجبر الذي لاقى هو الآخر عاصفة من الاحتجاجات إبان ترشحه، حظي في الجانب الآخر بتأييد ورضا، خصوصاً بعد أن تمكّن النادي ابان رئاسته من تنظيم عدد من الفعاليات المهمة، إضافة إلى انعقاد ملتقى جواثا الثقافي في دورته الأولى قبل مدة. "الحياة"واجهت الجبر بعدد من اعتراضات المحتجين على رئاسته، وسألته عن خططه المستقبلية للنادي، وإلى أين يتجه... هنا نص الحوار: يعترض بعض مثقفي الأحساء على رئاستك للنادي، مبررين ذلك بأنك محام، ومن خارج الوسط الثقافي، كما أنك لا تملك منجزاً كتابياً، ماذا تقول؟ - المحامون يقودون دولاً وليس مراكز ثقافية فقط، فمن بين 44 رئيساً لأميركا كان هناك 27 محامياً، وآخرهم باراك أوباما. كما ان رئيس فرنسا ساركوزي كان محامياً في شبابه، والأمر ذاته ينطبق على رئيس وزراء روسيا فلاديمير بوتين خريج كلية حقوق، وأيضاً رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، وغيرهم كثيرون. أما في المملكة، فيكفي أن أعظم مثقف وأديب وهو الدكتور غازي القصيبي خريج كلية الحقوق في القاهرة. أما الادعاء بأنني خارج الوسط الثقافي فهو شبهة سوّق لها أعداء النجاح فقط، فالثقافة هي الغذاء الحقيقي للإنسان المعاصر. وقد شاركت ببحوث وأوراق عمل في عدد من المؤتمرات والملتقيات العلمية، وارتبطت في فرق بحث في مكتبات ثقافية في العاصمة. وأسهم دائماً في ملتقيات برنامج الأمان الأسري في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية. وشاركت في لقاء الحوار الوطني الثالث في المدينةالمنورة ببحث كان أول ورقة تطرح في الملتقى. وألقيت محاضرات علمية في أهم الصوالين الأدبية في الأحساء، مثل صالون الشيخ أحمد علي آل شيخ مبارك مرتين، ومنتدى محمد البوخمسين، ومنتدى النعيم، وثلاثائية العفالق. وأشرفت على صالون العميد عبدالعزيز الموسى خلال فترة تأسيسه. وكنت أنظم برامج هذا الصالون، وتمت استضافتي في المجلس الثقافي البريطاني عبر محاضرة علمية. ولما توليت عمادة كلية المعلمين، نظمت عدداً من الملتقيات الثقافية التي استضفنا فيها كبار المثقفين والمختصين. وقد تعلمت من والدي حب القراءة في كتب اللغة ودواوين الشعر والروايات. وما زالت ذكرياتي مع هذه الكتب حاضرة عبر الكراسات والملخصات في مكتبتي. أما المنجز الكتابي فليس هدفاً، خصوصاً في هذه المرحلة السنية، فللتو أكملت الأربعين عاماً من عمري، وقدواتنا من كبار المثقفين والأدباء لم يخرجوا أجمل كتبهم إلا في السنوات الأخيرة من عمرهم، وهي الفترة التي عبّر عنها المفكر الكبير الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه"حصاد السنين"ب"تغريدة البجعة"، أي الصوت الجميل الذي تصدره في آخر حياتها. فإن تيسر منجز إبداعي يثري الثقافة في أي مرحلة عمرية فحسن، وإلا فليس هناك مبرر للاستعجال في التأليف. لست كتوماً أو استبدادياً يصفك بعض أعضاء مجلس إدارة النادي أيضاً بأنك متكتم، ولا تشركهم في مشاريعك وخططك للنادي، ويفسرون ذلك بعدم الثقة بهم. ماذا تقول؟ - أولاً ليس لي في كرسي الإدارة سوى مدة بسيطة، ثانياً وضعت استراتيجية النادي، ويمكن لأي أحد أن يطلع عليها، ومن أهم بنودها أن إقرار خطة العمل وبرامج الأنشطة يتم من طريق مجلس الإدارة، وبذلك تقضي على البيروقراطية الإدارية، ويمكن للأعضاء أن يقروا ما لا يراه الرئيس بغلبة أصواتهم. بعد سنة من الشد والجذب بين النادي وبعض مثقفي الأحساء على صفحات الإعلام، ما الآلية التي اعتمدتها لإعادة ثقة الجمهور في النادي؟ - تقع على النادي مسؤولية لا يستهان بها، إذ انه يضطلع بدور ثقافي وتأثير مجتمعي يُراد له أن يكون فاعلاً على أوسع نطاق، ولذلك يلتزم النادي بتقديم برامج ومشاريع ثقافية بمهنية عالية، ويدعم أفضل الممارسات حول المبادرات الثقافية، من خلال تجويد العمل الثقافي، والتعريف بالمثقفين، وتفعيل دورهم، والانفتاح على المجتمع المحيط، عبر تعدد الأشكال الثقافية، وتنويع الخبرات. وقد سار مشروع النهوض بواقع النادي كما هو مُخطط له، وأينعت ثماره. وكان تفاعل الجمهور معه إيجابياً. كما أن معدل زيارة النادي في حركة صاعدة، وهذا دليل على النجاح. خطة تحفيزية للعمل الثقافي ما الخطة المستقبلية للنادي، وإلى أين يتجه؟ - يهدف النادي إلى تحفيز العمل الثقافي، وتنظيمه، والانفتاح الثقافي على مجالات العلوم والآداب الإنسانية والثقافية، بهدف توسيع قاعدة المشاركة الثقافية، والانفتاح على جميع الاهتمامات الثقافية لدى شرائح المجتمع، وتنشيط الحوار بين المثقفين حول القضايا الثقافية، وعلاقتها في المحيط الاجتماعي من خلال إفساح المجال أمام الجميع رجالاً ونساء، للتعبير والاستماع للرؤى الثقافية البناءة، بحيث تكون وسيلة لولادة مشاريع ثقافية ملموسة وعملية، وقاعدة للقاء والتشاور والتبادل الثقافي، والاستثمار في العمل الثقافي باعتباره جزءاً من أوجه التنمية المستدامة في المملكة، وما لها من دور في بناء مجتمع أكثر انفتاحاً وتسامحاً وسلامة. فالالتزام الثقافي المتزايد من شأنه أن يولد في المثقف ثقة في النفس، وقدرة على التسامح، وهو أيضاً يخفف الحساسية الاجتماعية، ويزود الأفراد بأساليب إبداع وتسلية، ونماذج تصرف اجتماعي إيجابي، وكذلك العمل على توسيع قاعدة المشاركة في الأنشطة الثقافية بشكل متناسب في جميع أنحاء المحافظة، والمساعدة في تقديم جيل جديد من المثقفين والمثقفات، وتوسيع قاعدة الإنتاج الثقافي المستقل مع التركيز على أعمال الأدباء والمثقفين الشبان. وستكون خطة البرامج للسنوات الثلاث المقبلة، مرتكزة على بناء قدرات النادي، إذ نعمل على تهيئة مقر دائم للنادي، وتعزيز الهيكل الإداري، وإعادة توزيع المهام والمسؤوليات على الأعضاء، وعقد الشراكات مع المؤسسات والإدارات الثقافية والتعليمية والإعلامية، وتنمية مهارات الكادر الإداري في النادي. أما من خلال المشاركات الثقافية فإننا نعد لإصدار دليل يُعرّف بأدباء المحافظ، ونتاجهم الثقافي، وكذلك الفعاليات والمعارض الثقافية. كما نعد لإنجاز قراءات ثقافية تُعرّف بالإصدارات الثقافية المميزة. وبدورها، تعمل الفعاليات الثقافية على دعم هوية النادي والتعريف بأنشطته من خلال تطوير العلاقات العامة، واستمرار إقامة"ملتقى جواثى الثقافي"، إضافة إلى أنشطة اللجان المختلفة، والتي تشمل محاضرات وندوات وأمسيات أدبية وثقافية، وطباعة وتوزيع كتب أدبية ثقافية، ومتابعة إصدار مجلة"جواثى"، وتأسيس جوائز ثقافية باسم بعض رجال الأعمال، وعمل مسابقات أدبية، وإقامة دورات تدريبية، والمشاركة في المناسبات الوطنية والثقافية. هل أنشطة النادي كافة موجهة للأحساء؟ - العمل الثقافي في فطرته لا يحمل جنسية أو انتماء محدداً، ولذلك يقرأه ويتابعه جميع الأفراد من مختلف التوجهات. وفي نادي الأحساء الأدبي تم الاتفاق في مجلس الإدارة على الاهتمام بالأدب المحلي، واحتضان المواهب الشابة، والرقي في ثقافتها وقدراتها. ومن سُبل ذلك استقطاب أصحاب الخبرة الثقافية والتجربة الناجحة، ليستقي الجيل من معينهم، ويطلع على سيرة نجاحهم. وهذا الاتجاه يمكن قراءته بمتابعة أنشطة النادي الثقافية.