لم يعد للفتيات خيار في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتذبذبة، لرفض العمل في أماكن نائية أو بعيدة من مقر السكن أو في المدينة، التي تعيش فيها الطالبة أو الموظفة، لترغم غالبية من قذفت بهن التعيينات خارج البلاد أو الدراسة خارج الوطن على التسلح بسلاح المثابرة والرضا بالبديل المتوافر. إذ أكد عدد من الفتيات ممن انتظمن في هذا المسار أن هذا الخيار لا يعتبر جميلاً للفتاة، ولكنها تجد نفسها مجبرة عليه في سبيل تحقيق الطموح والرغبة في الدراسة أو العمل إثباتاً لذاتها، أو لأنها طرف مسؤول وعائل لأسرتها، التي تحتاج لزيادة دخلها لمواجهة متطلبات المعيشة. تقول رشا الخضير موظفة في أحد المصارف:"أنهيت دراستي الجامعية وحضرت إلى الرياض منذ ست سنوات، وبعدها حصلت على وظيفة في المصرف. ومن المؤكد أن الفرصة لو كانت متاحة لي في منطقتي لما اخترت الابتعاد عن أسرتي من أجل الدراسة والعمل، فعدم وجود جامعة في منطقتي جعلني أتجه إلى الرياض من أجل ذلك، لأن إقامة أسرتي في القريات تجعل الخيارات للفتيات والشبان محصورة جداً، وللأسف حتى بعد انتهاء الدراسة لم تكن الوظيفة متوافرة ففضَّلت البقاء في الرياض لإكمال المسيرة". وترى الخضير ان حياتها اختلفت كثيراً عن الحياة وسط الأسرة، فقد أصبحت أكثر تحملاً للمسؤولية وأكثر اعتماداً على النفس، وزاد لديها الإصرار على التقدم والإنجاز. وتضيف رشا:"ان الفتاة تتعرض للكثير من الصعوبات، فليس من السهل ان تغترب الفتاة من أجل العمل، إذ طرأت تغيرات كثيرة على أسلوب حياتها لبعدها عن الأهل". وترى الخضير أنها تشعر بالاستقرار بعد هذه السنوات في الرياض، واختفت لديها الرغبة في العودة إلى القريات، لأنها لن تجد الفرصة وستضطر للبدء من جديد. أما حنين صالح التي تعمل في مصرف أيضاً، فتؤكد أن قلة الفرص المتاحة للعمل في مدينتها عنيزة، جعلتها تقبل بالعمل في الرياض، فهي ترغب في تأكيد ذاتها من خلال العمل والاعتماد على النفس. وتقول حنين:"تعلمت الاعتماد على نفسي وتنظمت حياتي كثيراً، وأتاح لي العمل في البنك فرصة الاختلاط بالآخرين والتعرف على الناس". وتضيف:"من المؤكد أنني أشتاق لدفء العائلة وإن كنت قريبة منهم، فأنا أعيش مع عمي وأسرته، وعنيزة ليست ببعيدة، وفي الغالب أقضي إجازة نهاية الاسبوع هناك، ولو وجدت فرصة للعمل هناك فسأعود من دون تفكير". وتقول أماني ناصر موظفة ومغتربة أيضاً:"إن الاغتراب عن الأسرة نظَّم حياتي كثيراً وأكسبني الخبرة ومنحني القدرة على اتخاذ القرار والحرية في اتخاذه، والاستقلال المادي والاجتماعي والاندماج في مجتمع جديد، وبعد أن أمضيت أكثر من عام ونصف العام في الرياض ما زلت أشعر برغبتي في العودة إلى أسرتي لو وجدت فرصة للعمل هناك". رولا القويسي اختصاصية اجتماعية من أحد المراكز الاستشارية في عمَّان مشرفة على أحد بيوت الطالبات السكنية تؤكد:"أن متغيرات الحياة الاجتماعية والاقتصادية جعلت الفتيات في كل أصقاع الدنيا يواجهن التحدي بالاغتراب، لأن الوضع الاقتصادي لم يعد سهلاً كما في السابق، وأصبحت الأسرة تعتمد على دخل الفتيات لمواجهة ضغوط الحياة المادية". وأشادت بالفتيات السعوديات اللواتي قدمن الى الاردن من أجل الدراسة في الجامعات، إذ تتميز أغلبية السعوديات بالجدية والمثابرة والرغبة في إنهاء دراستهن في وقت وجيز، من خلال دراستهن في الفصل الصيفي ليتمكن من العودة الى أسرهن سريعاً"، وتؤكد أن معظم اللواتي قدمن للدراسة في عمان من المنطقة الشمالية في المملكة، واختيارهن للأردن جاء نظراً لقرب المسافة التي تتيح لهن ولأسرهن الزيارات المتكررة خلال العام. وتقول المبتعثة إيمان الرويلي طالبة في احدى الجامعات الخاصة في عمان:"جاء اختياري لعمان بحكم قرب المكان، إضافة إلى أن كلفة الدراسة والسكن والمعيشة بمقارنتها بجامعة خاصة في السعودية تعتبر أقل، ولذا تواجد العديد من السعوديات اللاتي حضرن من أجل الدراسة، لعدم قبولهن في الجامعات السعودية". وعن إمكان العمل في تخصصها تقنية المعلومات أجابت:"للأسف حتى خريجو الجامعات السعودية لا يعملون بتخصصاتهم، فلم تعد هناك أهمية لهذا الموضوع". ... والطالبات يعانين أيضاً أما من ناحية الطالبات المغتربات في مناطق بعيدة عن أسرهن ومعاناتهن التي لا يمكن إغفالها، فتقول مي الصويان في الولاياتالمتحدة الأميركية، - مبتعثة لدراسة الماجستير -:"حملت بطفلي الأول بعد حضوري للدراسة، ولم أكن أشعر بالراحة، نظراً لظروف الدراسة وبعدي عن الأهل، ولكنني مررت بتجربة الأمومة بنجاح، وحين قربت ولادتي حضرت والدتي لمساعدتي في المرحلة الأولى، واستطعت أن أتجاوز هذه الصعوبة وساعدني في ذلك زوجي الذي لم يكن التحق بالدراسة، وكان داعماً جيداً لي". وتضيف الصويان:"ما زلت أواجه صعوبات، ولكنني بدأت أعتاد حل مشكلاتي بنفسي، بل أحياناً أشعر ان تجربة الأمومة أثناء الدراسة وبعيداً عن الأهل جعلتني أشعر بقوتي واعتمادي على نفسي".