«غرفة بيشة» تساهم في دعم حفل تكريم المشاركين في مبادرة أجاويد ٢    الأمير سعود بن نهار يرعى حفل اطلاق الاستراتيجية الجديدة لغرفة الطائف    المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا.. 50 عاماً من العطاء    "تعليم الطائف" يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    حملة مشتركة تسفر عن رفع ما يقارب الطنين من الخضروات والسلع المختلفة من الباعة الجائلين المخالفين بشرق الدمام    التطوع في منطقة الحدود الشمالية    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    طالبتان من تعليم الطائف تحصدان الميدالية الذهبية والفضية على مستوى العالم    جامعة الملك فيصل تحصد الميدالية الذهبية عن اختراع جديد    من ينتشل هذا الإنسان من كل هذا البؤس    مجسم باب القصر يلفت انظار زوار وسط بريدة    الرئاسة العامة تشارك في ورشة عمل "الأثر المناخي في حج عام ١٤٤٥ه"    نعمة خفية    المربع الجديد: وجهة لمستقبل التنمية الحضرية بالسعودية    انجاز 40% من مشروع الربط الكهربائي بين السعودية ومصر    ضبط 16023 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    تن هاج : تركيزي منصب على آخر مباراتين لمانشستر يونايتد    قائد فذٌ و وطن عظيم    إندونيسيا: الكوادر الوطنية السعودية المشاركة في "طريق مكة" تعمل باحترافية    المشتبه به في الاعتداء على رئيس الوزراء السلوفاكي يمثل أمام المحكمة    مسؤولون إسرائيليون: مفاوضات الهدنة في طريق مسدود    المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو" حتى 2026م    متحدث «الداخلية»: مبادرة «طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي والتقنية لخدمة الحجاج    القاهرة : لاتراجع عن دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    «الحج والعمرة»: لا تصاريح عمرة ابتداء من 16 ذو القعدة وحتى 20 ذو الحجة    سفارة المملكة في قرغيزستان تحذر المواطنين بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التجمعات    دراسة: الشركات الألمانية لا تسوق للسيارات الكهربائية بشكل جيد    توطين تقنية "الجينوم السعودي" ب 140 باحث سعودي    «المركزي الروسي» يرفع الدولار ويخفض اليورو واليوان أمام الروبل    سان جيرمان يسعى لفوز شرفي لتوديع مبابي    استمرار هطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    تيليس: ركلة جزاء الهلال مشكوك في صحتها    "تيك توك" تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    جيرارد: فخور بلاعبي الاتفاق    آلية الإبلاغ عن الاحتيال المالي عبر "أبشر"    "الذكاء" ينقل مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    نيفيز: الهلال لا يستسلم أبدًا    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    مهارة اللغة الإنجليزية تزيد الرواتب 90 %    الهلال يتعادل مع النصر في الوقت القاتل في دوري روشن    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    رقم جديد للهلال بعد التعادل مع النصر    موعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والترجي اليوم في نهائي دوري أبطال إفريقيا    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    «الدفاع المدني» محذراً: ابتعدوا عن أماكن تجمُّع السيول والمستنقعات المائية والأودية    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في «آيسف 2024»    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    طريقة عمل مافن كب البسبوسة    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    حراك شامل    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمين العام لمجلس الوزراء يقول : في يوم الاثنين أنا "أم العروس" ... والمشاكسة مع بعض الوزراء تسير في اتجاهين . عبدالرحمن السدحان : كنا بخير قبل نشوء لوثة "الغلو الديني"
نشر في الحياة يوم 22 - 04 - 2008

من راعٍ للغنم حتى أصبح أميناً لمجلس الوزراء برتبة وزير... رحلة ليست بالسهلة تخللتها أحداث وأحداث، عبدالرحمن بن محمد السدحان يخجلك بقربة وبدفء تواصله، يكسر كل الحواجز ليصل إليك.
تعلو محياه البشاشة في كل شيء وتتميز سيرته بإنجازات تستحق كل الابتسامات.
من أبها إلى جازان كانت الانطلاقة.. وبين الطائف وجدة كان البحث عن الهوية، وفي الرياض مروراً بلبنان بدأت الملامح في التشكل، ومن لوس انجليس عاد محمّلاً بالعلم ليبدأ رحلة العمل الأجمل. تعددت محطاته العملية وفي كل محطة يترك بصمة وراءه.
من الصمت تعلم لغة البيان، ومن الشدائد استقى سحابة الانجاز.
من والدته نزع لروح التمرد ومن زوجته تنفس رئة ثالثة ولكل امرأة في بلده يحمل غصن زيتون يبشرها بغد أفضل.
و فيما يلي نص الحوار
عدم معرفة تاريخ ميلادك.. هل يجعلك أكثر شباباً؟
- قلتُها مرّاتٍ من قبل وأقولها الآن، إن تاريخ ميلادي هو اللحظة التي أعيشها الآن.. أما عمري فهو ما بقي لي من عمر، وفق ما قدّره لي العزيز الحكيم. وأمّا الشباب.. فهو محطةٌ ضمن مشوار العمر يبلُغها المرءُ مرةً ثم يغادرها إلى المحطة التالية، وليس هناك من حيلة تعين على تأجيل رحيلها أو التظاهر بها، لأنّها تحل وترحل بلا إرادة منا!
الولادة في أبها... ماذا منحت مناخك وتضاريسك؟
- كانت في البداية نمطية، ككل الولادات الأخرى، حين فتحتُ عينيّ ذات يوم للمرة الأولى لأرى أبي وأمي شاهديْن على ميلادي، ثم تفرّقا بعد حين، قبل أن أعيَ معنى ذلك الفراق وآثاره في أيامي المقبلة، لأدخل بعد ذلك متاهةَ ولادةٍ من نوع آخر أسهمت في تشكيل تضاريس شخصيتي، جسماً وعقلاً ووجداناً على نحو ما شهدتُه وعرفه الناسُ عني، والحمد لله أن هيّأَ لي من بعد العُسْر الطويل يُسْراً!
بين والدك النجدي ووالدتك العسيرية.. هل كان للاختلاف والتباين دور في تشكل حياتك؟
- لا أعلمُ حتى الآن لِمَ تفرقا، ولم أجْرُؤ على سؤال أيّ منهما في حياتهما عن ذلك، لكن أحاديثي الطويلة مع والدتي عبر محطات لاحقة من العمر منحتْني شيئاً من يقين أنّ التباينَ في تكوينهما الاجتماعي ذلك الحين، بقِيَمه ومفَاهيمه وعاداته، ربَّما كان جُزْءاً من القشّ الذي هدم العش الزوجي، ليرسلني إلى مهبّ الشّتات، وما تخلّل ذلك من مدّ وجزر تضافرت مخرجاتهما في تشكيل حياتي عُسْراً ويُسْراً، وأحمد الله أن العاقبة كانت أجمل ممّا حلمتُ به وخيْراً مما تمنيت!
أنا والتمرد
روح التمرد في والدتك.. كيف تقرأها؟
- ورثْتُ عن والدتي نزعةَ التمرُّد على الموقف الصعب، ثم لا يخمدُ بركانُه في طبعي حتى أهْزمَ ذلك الموقف نجاحاً في تجاوزه، ولا أزعمُ هنا أنني أدركتُ الغلبة على كل موقف صعب ضمن مشوار عمري الطويل.
لكن خيار المواجهة مع ذلك الموقف كان يظلُّ قائماً، فإمّا كان لي ما أردتُ منه فيما بعد أو انصرفْتُ عنه إلى خيار آخر يحقَّقُ لي ما أريد! كذلك كان طبع والدتي رحمها الله، ومنها تعلمت الإصرار على تحقيق الهدف المنشود، ومن أجله أحترق داخلياً حتى أبلغ منه ما أريد!
بعد انفصال والديك.. هل عشت عذابات معينة؟ وماذا أضافت لك؟
- فتح لي انفصالُ الوالدين - رحمهما الله - صفحات عدة سطّرها العوز والحرمان والمرض، ومسيرة موجعة من شتات الذهن والقلب بحثاً عن حنان الأم ورعاية الأب! كنت أفرُّ من احدهما إلى الآخر، إما تلّمساً لشمعة حنان، كما فعلت حين هجرت رعاية أبي في جازان لأعود إلى واحة أمي، أو بحثاً عن شعلة دفء تذيب صقيع الضياع، كما فعلت حين هربت من حنان أمي إلى الطائف لحاقاً بأبي كي أوفَّر لها مناخاً من الاستقرار الزوجي في أبها.
كنت أحب أمي حباً دفعني أكثر من مرة إلى الهجرة من ديارها كي تنعم هي بحياتها... بعيداً عني، على رغم ما سببه لي ذلك من أرق البدن وعذاب النفس! لكن ذلك كله لم يصادر عني الأمل في غد أفضل.
منذ طفولتك وأنت تعيش خيارات مره في حياتك... ألا تشعر أن كثرة الخيارات تضر أحياناً؟
- كاد مسار حياتي أن يبتلى بعقدة التوحد اكتفاء بخيار واحد، لكن الله كان لي عوناً ومعيناً! ونفعني مشوار المعاناة في تلمس درب يخرجني من سطوتها، ولو استسلمت لخيار البقاء في القرية أسير الوحدة، لغدا لي الآن شأن آخر، والله وحده أعلم بما كان يمكن أن يكون!
الحرمان وقودي للنجاح
الحرمان... متى طرق عليك باباً، وأي طرقاته كانت مؤلمة؟
- لم يطرق الحرمان لي باباً واحداً، بل أبواباً عدة، كان أولُّها وأقساها الحرمان من عطر حنان الأم في مطلع حياتي، ثم بعد رحيلها إلى دنيا النعيم باذن الله، وكدْتُ كسباً لرضاها أن أضحي بفرصة الابتعاث للدراسة في أميركا حين أمطرتني وابلاً من الدمع كي اصرف النظر عن ذلك، ثم ألهمني الله صيغة توفيقية أرضتها وأطفأت غضب أبي، الذي رفض منذ البداية فكرة الاعتذار عن قبول الابتعاث أياً كانت الأسباب! وكان ذلك المنعطف مفصلياً في حياتي!
على رغم قسوة الحياة قديماً... إلا أن الحنين لها أكثر، لماذا؟
- هذا صحيح، بدليل انه يراودني الآن شعور مزدوج من الحنان والحنين لأيام مضت كان يكسوها التقشف والحرمان المادي والمعنوي، وشيء من شقاء البدن في الجبل مع الأغنام... أو في المزرعة مع البقر وآليات السقيا وتقنياتها البدائية، ثم رحلة العناء ليلاً في تلاوة مقاطع من جزء عمّ على مسمع جدي لأمي - رحمهما الله - في ضوء سراج خافت!
نعم... نحنّ لأيام الشقاء والحرمان بعد أن نبحر بعيداً عنها إلى شطآن السعادة والاستقرار، هل هذا نوع من جلد الذات أم وسيلة حميدة لتذكر المرء أنعمَ الله عليه مقارنةً بما كان وما آل إليه! وبالنسبة لي، ليس في تذكرّ قسوة الماضي جلدٌ للذات... ولكن استلهاماً لشكر الله، وبالشكر تتجدد النعم وتزداد!
الوصاية وقانون العيب!
لسانك تعلم لهجات عدة... هل منحته انطلاقه أكثر؟
- السرّ في انطلاقة اللسان عندي ليس في تعدّد اللهجات كما يزعم السؤال، ولكن في التحرر من حراسة الصمت التي كانت تمارس الوصاية على طفولتي تنفيذاً لقانون العيب! ولست نادماً على تلك الوصاية، إذ بسببها لجأت إلى القراءة.
وعبرها، كنت أتحدث نجوى مع النفس، ومن خلالها تسللت في خفر إلى بلاط الحرف الجميل... الذي تحول مع الزمن إلى فتنة تؤجَّجُ العشقَ له والالتزام به! إذاً، فالصمت في ظل وصاية أو من دونها أمر حميد إذا كان يفضي بصاحبه إلى التماس بدائل له أثْرى نفعاً!
مزرعة جدك لأمك، هل هي أول مؤسسة تعليمية في حياتك؟
- أجل... كانت مزرعة جدي مدرسةً وأيّ مدرسة، كنت استزرع المعرفة في النهار... بجوار الساقي أو في معية الغنم، واحصدها في الليل بمساعدة جدي - رحمه الله -، ولن أنسى حفلة التخرج بختم جزء عمّ التي أقامها جدي، تتمثل في عشاء دسم زادها لحم ومرق وعصيدة برّ، لأن اللحم لم يكن متاحاً لنا كل ليلة!
رحلة العسر
ممارستك للرعي والزراعة هل منحتك وحياً جديداً؟
- أنا مدين بعد الله لتلك التجربة بشقّيها، لأنها منحتني الفرصة للتعرف على نفسي بعيداً عن مؤثرات البيئة المحيطة بي، وأغرتني بالحوار معها عبر لغة الصمت، وأرست في ذهني أكثر من خيار صعب اصطفيت بعضها خلال تلك المرحلة الدقيقة من عمري، كان من بينها رحلة العسر وحيداً وأنا ابن التاسعة على ظهر جمل في قافلة طويلة إلى جازان للحاق بالوالد هناك، ثم رحلة عسر مماثلة في وقت لاحق وللغاية ذاتها على متن سيارة بريد من الخشب إلى الطائف!
الزراعة والرعي مدرسة لترويض النفّس، وتفتيت خلايا الركود في الطبع الإنساني، فإما ازداد المرء ركوداً... أو حلق بعيداً عنه تحقيقاً لطموحات الذات!
ثانوية اليمامة... ماذا بقي من عبقها، وهل آلمك هدمها؟
- ثانوية اليمامة لم تكن مدرسة عادية بالنسبة لي، فقد تنفس من خلالها عقلي هرباً من الصدأ، وتحرر لساني فراراً من عقدة الصمت، وتقلد قلمي بين جدرانها وظيفة الركض أدبياً عبر كراسة الإنشاء قبل أن يتسلل صحافياً إلى بلاط الحرف الجميل، ثم يتحول ذلك التسلل إلى عشق للأدب ما برح يضرب أطنابه حتى اليوم في نفسي.
وعندما تقرر هدم مبنى اليمامة الثانوية ضمن أعمال إنشاء مركز الملك عبدالعزيز الحضاري، تألمت، وترجمت ألمي في مقال رجوت فيه أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - أن يوجه بإقامة نصب رمزي تذكاري في موقع تلك المدرسة، ليكون شاهداً على ذلك الموقع ومخلداً لذكراه.
وعلي أية حال، ذهب مبنى اليمامة لغرض أسمى، وبقيت شعلة ذكراها متقدة في القلوب تتحدى النسيان!
"الدال"حلم ذهبي
في مشوار دراستك... لماذا توقفت في محطة الدكتوراه... يشعر بعضهم أنه ليس قرارك؟
- توقفت عند بوابة"الدكتوراه"بعد تجاوز مرحلة الماجستير بتفوق، وسبق ذلك القرار مخاض صعب بين خيار عبور تلك البوابة حتى النهاية، أو الاكتفاء بالماجستير والعودة إلى المملكة لتكوين أرضية صلبة من المعرفة والخبرة الإدارية الميدانية تكون زاداً لي في ما بعد لمشوار الدكتوراه. وقد اتخذت القرار لمصلحة هذا الخيار بإرادة ذاتية، على رغم كلمات النصح التي تلقيتها من بعض المحبين لمصلحة الخيار الأول.
ثم عدت إلى المملكة.. لأبحر وظيفياً على متن سفينة معهد الإدارة العامة إبحاراً استغرق خمس سنوات اعتبرها من أمتع مراحل عمري الوظيفي، وتلاطمت موجات التحدي الوظيفي منذئذ تتلقفني من كل صوب، فاستجبت لها طائعاً بالإغراق في العمل بحثاً وتدريساً وإدارةً، لكنني لم أغرق على نحوٍ ينسيني حلمي القديم سعياً لإحراز"الدال الذهبية"، وبعد مرور خمس سنوات، ساقني القدر الرائع للعمل مستشاراً إدارياً في ديوان رئاسة مجلس الوزراء، ثم أميناً عاماً لمجلس الخدمة المدنية لمدة 18 عاماً، وكان لهذه المرحلة بالذات دور مفصلي في تشكّلي إدارياً، تلا ذلك انتقالي إلى مجلس الوزراء لأَشْرُفَ بمقاليد العمل فيه نائباً لأمينه السابق الوالد الشيخ عبدالعزيز السالم، فأميناً عاماً له منذ عام 1426ه حتى الآن!
قد تسألني: هل تبخّر حلم"الدال الذهبية"في وجداني بعد هذا المشوار الطويل، فأقول، لم يتبخر ولم يهو إلى قاع النسيان لكن تغيرت الأولويات عندي في ضوء تجربتي الإدارية الطويلة.. فلم يعد هاجس"الدكتوراه"خياراً ذا بال!
لو عاد بك الزمان إلى أيام الدراسة.. ماذا سيتغير؟
- لو عادت بي سفينة العمر إلى الوراء سنين لأخوض تجربة الدراسة من جديد، ولكن بمقاييس ومعايير جديدة، وكان لي خيار التمنيّ، فستكون هناك علامات فارقة في منهج الدراسة وأسلوبها مقارنة بما هو قائم حالياً، على افتراض أن ما تمنيته قابل للتحقيق، متوقعاً ما يأتي:
- ستنجو مناهج المعرفة محتوىً وأسلوب طرح، نحو تنمية العقل، وليس حشوه بالغث والسمين منها!
- سيَكون دور الذاكرة عوناً للفكر والتفكير والمقارنة والقياس واستخلاص النتائج وليس وعاء يستحلب محتواه في لحظة أو لحظات يكرم فيها المرء أو يهان، ثم يغدو بعد ذلك نسياً منسياً!
- ستكون وسائل التقنية المعلوماتية في متناولي في البيت والمدرسة ، وحتى النادي لإشباع فضول السؤال، والتحريض على البحث له عن جواب!
- سيكون هناك فرز للمتفوقين عقلاً وتحصيلاً تفرد لهم فصول خاصة تعنى بتنمية المواهب والقدرات الخاصة، فقد يكون أحدهم أو بعضهم خامة صالحة لمشروع عالم قادم في فن من فنون المعرفة الإنسانية!
تعددت مناصبك.. كيف تتلقى خبر كل منصب؟
- لم تشترك أي من وسائل الإعلام، مقروءة أو مسموعة أو مرئية في نقل العلم لي بمنصب جديد! كنت أتلقى العلم من مصادره.. أو من المصادر القريبة منها!
هل كل مناصبك توقعتها؟
- لم أتوقع أياً من المناصب التي شرفت بشغلها سوى منصبي الأول باحثاً في معهد الإدارة العامة قبل نحو أربعين عاماً، الذي سعيت إليه سعياً، أما ما تلاه من مناصب فجاء بعد توفيق الله، ثمرة"الجهد والنصيب"!
العلاقات العامة والإصلاح الإداري
الكل يرى أنك مدرسة في العلاقات العامة.. ما شفرتك السرية فيها؟
- كبير هذا الوصف على"مواصفاتي"النفسية والاجتماعية، لأن العلاقات العامة باتت اليوم علماً وفناً، ولا توجد عندي"خلطة سرية"لعلاقات ناجحة، لكنني أزعم أن لي نصيباً متواضعاً من النجاح في علاقاتي مع جل الناس يتكئ على حبي لهم أكثر من أيّ شيء آخر، وأتمنى أن"أتأهل"يوماً تأهلاً يقربني من مشارف هذا الوصف الطموح!
منذ بدأت حياتك العملية ولجان الإصلاح الإداري تستقطبك، البعض يعيب علينا تخلفنا الإداري.. ما رأيك؟
- يجب أن نقر بدءاً أن الإصلاح الإداري أو بتعبير أكثر تفاؤلاً، التنمية الإدارية، عملية مستمرة لا يحدها زمان أو مكان، والسبب في ذلك أن الإدارة"كائن"ينمو ويتغير.. تبعاً لتغيّر أحوال البشر وتنامي أهدافهم وأغراضهم، وبالتالي لابد من تحقيق التوازن المطلوب بين تنامي الأغراض التي تباشرها الإدارة خدمة للناس والأساليب والصيغ والآليات التي تتحقق من خلالها تلك الأغراض!
أخيراً.. لا بد من وقفة تفاؤل في هذا الصوب أؤكد من خلالها أن الإدارة في بلادنا قطعت أشواطاً بعيدة لتطوير أدائها، لكنها في الوقت نفسه، تعاني من مشكلات أفرزها التضخم المالي والبشري في آليات أدائها، والغد يبشر بما هو أفضل بإذن الله!
معهد الإدارة والشمال والجنوب
معهد الإدارة كانت له اليد الأولى في تطوير الأداء الإداري.. ألا تشعر أن أثره الآن أقل مما يجب؟
- الواقع المشهود لمعهد الإدارة العامة عكس ما يطرحه السؤال، إذ لم يفقد المعهد قط حضوره ولا تألّقَه ولا عطاءَه في تسديد مسار الإدارة في بلادنا وتنمية أدواتها وقدراتها عبر التدريب بأصنافه، ومن خلال البحوث والاستشارات والندوات المتخصّصة، ويبقى المعهد شعلةً مضيئةً في أفق الإدارة والإداريين.
الفارقُ الكبير بين أمس المعهد وحاضره اقترن بالمبادرات الطموحة والجريئة التي سنّها للمرة الأولى لتفعيل أداء الإدارة، وضخ الدماء في شرايينها، كالبرامج الإعدادية، يتقدمها برنامج الأنظمة لمدة عامين ينتهي بشهادة الماجستير، حين لم يكن له من منافس أو ندّ على الساحة التربوية.
وقد أثْبتَتْ حكمةُ قادة معهد الإدارة العامة أن فكرة هذا البرنامج كانت سديدةً، اليوم استقرت أوضاع المعهد بوجود هذه البرامج وسواها، والخطوة التالية المرجوّة من المعهد والمتوقعة بإذن الله، هي أن يتَمدَّدَ عطاؤُه شمالَ هذه البلاد وجنُوبها!
لماذا استأثرت الوظيفة الحكومية بك طول حياتك؟
- قدري الجميل هو الذي أوجد هذا التحالف الطويل مع الوظيفة العامة، ولم أكن في يوم من الأيام كارهاً لذلك التوجه أو نادماً عليه، واقترن ذلك بعدم وجود أي تطلعات أو طموحات لديّ للعمل في القطاع الخاص، لأن أجندة العمل الحكومي وتحديات الوظيفة في كل موقع كانتا تشغلاني عما سوى ذلك، والحمد لله من قبل ومن بعد!
أصدقائي والمناصب
جل أصدقائك وزراء أو في مناصب رفيعة.. هل القرب منك بوابة المناصب؟
- لي صداقاتٌ متينةٌ ومتعدّدةٌ داخل الوسط الوزاري وخارجه بدرجات متفاوتة يقرب بعضُها من الحميمية، وأنني لأشْرفُ بهم جميعاً، واحرص على صيانة الود لهم من أيّ شائبة.
أمّا موضوعُ بوابة المناصب فلا أعلم أنني كنت أو سأكون بوابة لأحدٍ كان سوى نفسي، إنْ صحَّ هذا القول، وعسى أن تكون هذه البوابة رمزاً دائماً للخير وعنواناً له!
أنت الآن الأمين العام لمجلس الوزراء.. صف لنا طقوسك يوم الاثنين؟
- يوم الاثنين بالنسبة لي محطة زمنية مهمة أعتز بها، لأنه موعد العرس الأسبوعي لجلسة مجلس الوزراء، وهو ذروة الحصاد لعمل المجلس، ممثلاً في ما استجد من أمور تطرح في ذلك اليوم.
ولذا فإنني في كل اثنين، أبدو ذهناً وبدناً ومشاعر، مشغولاً مثل أم العروس أهتم بكل دقيق وجليل يتعلق بالجلسة، عرضاً وإنجازاً!
جلسة مجلس الوزراء
هل الجلسة دائماً تلتزم بالنص الرئيسي لها؟
- هناك قدر كبير جداً من الالتزام ب "أجندة"الجلسة ممثلة في جدول أعمالها، ولكن.. قد يطرأ أحياناً من الأحداث أو التطورات ما قد يرتب شيئاً من الخروج على نص الجلسة بما يفيد الوطن والمواطن، وعندئذ، يصبح لكل حدث حديث!
جلسة الموازنة، هل لها طقوس خاصة؟
- لجلسة الموازنة السنوية طقوس خاصة تمليها خصوصيتها، قدراً ومناسبة وحجماً، فلا يشرك معها أي موضوع آخر، مما يحويه جدول أعمال المجلس الموقر، إلاّ إذا كان هناك توجيه كريم بذلك، وهي تتمتع بتغطية إعلامية خاصة تتلاءم معها أهمية وحجماً!
كيف هي علاقاتك مع الوزراء.. هل تحب مشاكستهم أحياناً؟
- علاقتي بالوزراء علاقة يكسوها الولاء والاحترام.. ويؤطرها التقدير التام، وتقودها الرغبة في خدمتهم جميعاً داخل أروقة المجلس وخارجه، ضمن نطاق الصلاحية والاختصاص، وأرجو من الله أن يكون التوفيق حليفي في ما أقول أو أفعل خدمة لهم، وأن يصفحوا عن أي تقصير آتيه في أدائي، يمليه الاجتهاد.
كما يسعدني أن تربطني بالبعض منهم آصرة من الحميمية تأذن أحياناً بشيء خفيف مما يسميه السؤال مشاكسة تسير في اتجاهيْن، لكنها تصبُّ دائماً في خانة الود المشترك بين الجميع!
رحلة القلم
تملك قلماً جميلاً وحرفك رشيق، لكن البعض يعيب عليه انه لا يواجه كثيراً ويحب مسك العصا من الوسط.. ما رأيك؟
- لا أرى مصلحةً ولا غاية ولا سداداً في الرأي أن اكتب بريشة التشنج
أو التعصب تأييداً لموقف أو تنديداً بآخر، لأن ما أطرحه في كتاباتي الأسبوعية أو العرضية مسائل يظللها حب الوطن ومحبة إنسانه، ويسيّرها اجتهاد فردي يتنازعه الخطأ والصواب، وأطمع أن أدرك حسنة أو أكثر في هذا أو ذاك!
أمّا أنني أنزع إلى مسك العصا من الوسط فأمر لا أنكره، بل أعتز به وأحرص عليه في كثير من المواقف عدا ثوابت العقيدة والوطن، فتلك أمور لا وسط فيها!
هل أزعجك جفاء حمد الجاسر معك في أول مقابلة لك معه؟
- لم أتخذ من رد فعله رحمه الله قبل أكثر من أربعة عقود دليل جفاء منه إزائي، ولم تكن تجربتي الفكرية والحياتية يومئذ تعينني على فهم موقفه الرافض لنشر ذلك المقال السيئ الحظ في صحيفته الشهيرة اليمامة.
وقد خرجت من مكتبه بعد اللقاء المقتضب معه بانطباعين، أحدهما الشعور بالإنجاز أن تحققت لي فكرة لقاء طالب صغير مغمور السيرة والأثر، برجل عملاق في قامة الشيخ حمد الجاسر، وأن يكون بيني وبينه حوار، حتى لو هيمن عليه طرف واحد.
أما الانطباع الثاني الذي لم أستوعب مغزاه تفصيلاً إلا بعد حين، فهو أن الأمة العربية في ذلك الوقت، من المحيط إلى الخليج، كانت تصبح وتمسي على أنغام الوحدة العربية ووحدة المصير تروجها أفواه الساسة وأبواق الإعلاميين في معظم أرجاء الوطن العربي، ولذا، فإن الفكرة التي حملها مقالي آنف الذكر لتخفيف استقدام العمالة العربية الوافدة كيلا تكون عبئاً منافساً للعمالة المحلية، كانت تنطوي على كثير من الرومانسية المحلية المناقضة للشعور القومي السائد في ذلك الحين، وهذا ما أوحى به لي في وقت لاحق موقف الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - في ختام لقائي معه، حيث قال لي ما معناه:"العرب يا بنيّ يبحثون اليوم عما يوحدهم... وأنت تدعو إلى الفرقة بينهم في مقالك"!
تركي السديري والاحتكار!
هل أنت مع احتكار الكاتب وقلمه لمطبوعة واحدة؟
- اسألوا عن ذلك ملك الصحافة الصديق الأستاذ تركي السديري، رئيس تحرير صحيفة"الرياض"، ومن سار على نهجه من رؤساء التحرير الآخرين.
أما أنا فلا أرى ما يمنع الكاتب من المشاركة بقلمه في صحيفة أخرى شريطة الا يخل ذلك بالتزامه الأدبي في المطبوعة الأولى، ويستثنى من ذلك أن يكون الكاتب مرتبطاً بعقد مكتوب مع هذه المطبوعة أو تلك يلتزم فيه بالتفرغ للكتابة بها، عندئذ، يصبح العقد شريعة المتعاقدين!
المرأة... كيف هي نصرتك لها.. وهل تتوقع أن تراها في مجلس الوزراء يوماً ما؟
- المرأة مفردة جميلة تدخل في كل أطياف حياتنا، فهي الأم والزوجة والأخت وغير ذلك من مشتقات القربى والنسب، لا نملك الهروب منها... إلا إليها! ومن ثم، كيف لا أنصرها وأناصر قضاياها ما دامت هي على حق، في ما تقوله أو تفعله بما لا يخالف ضوابط شرعية مهمة وصريحة.
وتزداد نصرتي لها كلما كانت تحمل من التأهيل العلمي والتجريبي والاستعداد العقلي والنفسي للبذل خدمة لوطنها في أي موقع كانت! أمّا أن أراها في مجلس الوزراء يوماً ما فأمر علمه عند ربي!
الإرهاب غلو وإغراء وإغواء
كيف تسلل الإرهاب إلى مجتمعنا... أين كنتم كمفكرين وقادة في المجتمع؟
- هذا السؤال الملغوم يحتاج إلى كتاب كامل لتفكيكه وتفنيده، والرد عليه، وأقول لكم باختصار شديد: كنا بخير... قبل نشوء لوثة الغلو الديني وما استصحب من شعارات متطرفة تحض على الجهاد بدءاً في أفغانستان وما لحق ذلك في أماكن أخرى، وآخرها العراق الجريح!
كنّا في وئام... حتى جاء من يحاول وضع أقدام أفئدتنا والسفهاء منا على أبواب الجنة، غلواً وإغراء وإغواء تحت مظلة الجهاد، ثم كان ما كان وما هو كائن!
تسألني بعد ذلك كيف تسلل الإرهاب إلى مجتمعنا، وأرد عليك بسؤال بالحجم نفسه: كيف عَشَتْ أبصارنا وصُمَّتْ آذاننا، وصمتت ألسنتنا، عن سماع ورؤية وبحث ملامح شبح الإرهاب قبل أن تطأ اقدامه أرضنا؟! لست أدري!!
البعض يرى أن النفط حرمنا أكثر مما خدمنا... ما رأيك؟
- هناك من قد يصوغ السؤال ذاته كالآتي: هل النفط نعمة أم نقمة؟ وأقول: النفط نعمة بلا ريب وهبها الرحمن ابن هذه الأرض تعويضاً له عن شح الزرع والضرع والثمرات، ولولاه، بعد الله، لما تحقق لهذه البلاد كثير مما تصبو إليه.. تنمية ورخاء في كل ميدان، النفط كان وما برح وسيبقى وسيلة نكيف بها حياتنا، ونتكيف من خلالها مع أندادنا في العالم القريب منا والبعيد، أما أن نحمّل النفط تبعة ما تشهده بعض شرائح المجتمع من سلبيات الثراء وغلو الترف، فإن في ذلك نكراناً للنعمة، وإفساداً لشكرها.
هناك سلبية واحدة ترتبت على تخمة النفط في خليجنا الكبير، وهي الاسترخاء على شطآن هذه الثروة والاتكاء عليها، وكأنها لن تنضب أو تؤول يوماً إلى الزوال، في حين أنه يتعين البحث عن مصادر أخرى لتنويع الدخل، عبر الصناعات النفطية ومشتقاتها، بدلاً من الاعتماد على تصدير النفط خاماً أو مكرراً.
ونحمد الله أن قيادة بلادنا الحكيمة قد تنبهت إلى هذا الأمر منذ مطلع السبْعينات من القرن الماضي، فأنشأت صناعات نفطية ضخمة وطموحة، واستثمرت في سبيلها بلايين من الريالات ليكون عائدها رديفاً لمخرجات بيع النفط في السوق العالمية، ويكون بذلك صمام أمن ضد تحولات يضمرها الغد!
في حياتك... ما هي رئتك الثالثة؟
- زوجتي حفظها الله هي رئتي الثالثة شراكة في الروح والحياة، أمّا الكتابة فهي رئتي الثالثة عقلاً وفكراً!
ولمن تلوّح بغصن الزيتون؟
- ألوح به إلى كل من يبحث عن دفء السلام والمحبة والفكر السوي،
وما أحوج إنسان هذا العصر المرزوء بنوائب العيش إلى التعايش مع نفسه ومع الآخر إلى جرعات كبيرة وكثيفة من المحبة والسلام والفكر السوي، فهي السراج المنير الذي يخرجه من عتمة الصراع إلى واحة الأمن والأمان. قد تقول إن هذا الرد مغرق في رومانسية الحلم بما هو أفضل! وأقول لكِ: ولِمَ لا نحلم ما دامت الحقيقة بعيدة المنال؟
اهتمامك بالموسيقى هل ما زال؟
- الموسيقى الهادئة والكلاسيكي منها خاصة وجبة عاطفية ثابتة في حياتي، أما الصاخب منها.. فلا أطيقه، فكفانا صخب الشوارع والأسواق.. وعصف الفضائيات!
لو عُرِض عليك تحويل سيرتك الذاتية إلى مسلسل.. هل ستوافق؟
- وصلتني اقتراحات عدة، كان من بينها عرض طرحه صديق أديب في مصر ذو صلة بصناعة الفن، هناك لتحويل كتاب سيرتي الذاتية قطرات من سحائب الذكرى إلى مسلسل تلفزيوني ولم أجبه حتى الآن، رفضاً أو قبولاً، لأنني ما برحت أفكر في الأمر من زوايا عدة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.