بخطوات صغيرة متلاحقة، أسرع أطفال إحدى الجمعيات الخيرية بالنزول من الحافلة، والتسابق في ما بينهم لاختيار ثقوب في جدار مدينة ترفيهية كبيرة! وإلصاق وجوههم الصغيرة، ينظرون بعيون ملؤها الدهشة والحماس لأطفال في سني عمرهم، ولكنهم يختلفون عنهم في كل شيء، في الملبس والفرح المرتسم على وجوههم، ووجود عائلة تحبهم وترعاهم تصطحبهم لهذه النزهة، ولهم حرية اللعب والتمتع بالألعاب المنتشرة في ساحة المتنزه المحاط بسور عالٍ لا يدخله إلا كل مقتدر، ومن كان ذا حاجة فلا يحق له سوى استراق النظر من خلال ثقوب الجدار العالي! هنا سألت نفسي، هل نحن نعيش لنأكل ونشرب ونتنفس فقط؟ أم هناك طريقة أخرى للعيش اسمها الحياة؟ وهي تعني النظر للأمور من حولنا نظرة عاقلة، تجدد العقل والفكر وتكسب الحياة نشاطاً وإيماناً بحكمة خلقنا بدرجات متفاوتة... وهو امتحان لكل امرئ في دنياه سيحاسب عليه. فمن مَنّ الله عليه بشيء من رحمته وعطفه ورزقه، ليس إلا لكي يشكر ويحمد ويتحلى بشخصية إيجابية فعالة تتجاوز النفس إلى الآخرين، شخصية يكون صاحبها أحياناً مقيداً بالعوائق والصعوبات، ومع ذلك يحول مركز أفكاره من نفسه ومتاعبه إلى مشكلات ومتاعب الآخرين ويسعى لمساعدتهم. هنا يأتي الاستفهام، لماذا لا يخصص يوم في الشهر لاستقبال الأيتام وأصحاب الظروف الخاصة للمشاركة بالسعادة والفرح والتمتع كبقية الأطفال المقتدرين في المراكز والمدن الترفيهية المنتشرة في المملكة، لماذا يتسارع البعض يتنافس لبناء مقاهٍ فخمة لاستقبال رواد أفخم، وتكون الطلبيات بسعر أفحش، ولا مانع من الدفع الباهظ، مادام المكان للتباهي، والتباهي الأجمل عندما نَسعد ونُسعِد محتاجاً. هناك مساحات وأراضٍ قريبة من شاطئ البحر مهملة، مليئة بالرمال والأوساخ تنتظر مالكها، ولا ندري إلى ماذا سيحولها، وماذا سيبني عليها؟ نرجو ألا يكون برجاً سكنياً، ونرجو أن تحول لمساحة خضراء مفتوحة، فيها الكثير من الزهور والألعاب، أسوة بالحدائق المنتشرة في بلدان كثيرة، يتمتع بها الأطفال، خصوصاً هؤلاء المحرومين الذين نراهم يجتمعون في الإجازة مع مشرفهم حول تلك الأراضي المهملة، فوق التراب والقاذورات وقرب السيارات المسرعة في الطريق العام، فلو تحولت تلك الأراضي الشاسعة لمساحة خضراء تمنح السعادة والفرح وتزيل ولو القليل من الهم والألم، فلربما شعر صاحبها بالحياة بدلاً من العيش من دون حياة. شهر زاد عبدالله - جدة