يوم كان فريق نادي الوحدة بطلاً... وكنا صغاراً تدهم أبصارنا وأسماعنا صور ودلالات وأحداث وحداوية، كانت لا تضيق بها مساحة الإدراك ولا طموح الشباب. يوم كان الوحدة بطلاً جاء محمولاً على أمواج حب جماهير مكةالمكرمة الجارفة آنذاك... والمهرولة نحو كأس الملك... ثم كأس ولي العهد. بالفعل، كان فريق نادي الوحدة لكرة القدم بطلاً لثلاث بطولات..! اثنتان لبطولة كأس الملك، وواحدة لبطولة ولي العهد، بطولات ثلاث... كانت مناسبة للتعرف والتحادث خارج الانتماء، ونحن في الطائف المأنوس كنا نتحادث عن بطولات الوحدة، ونكتوي بأشعة شمس الشتاء ونستدفئ بها! وكانت تلك وليمة للفكر الرياضي المتعطش لكرة القدم، ولأبطالها، وللقلب المتوثب الوفي، وللذات المتسائلة بالفأل والأمل. كان الوحدة.. وكنت لما أزل هلالياً صغيراً، أنساق بكليتي إلى البطل الجديد من دون فعل إلى افتعال، في الوقت الذي كانت فيه البطولة محصورة بين الاتحاد والأهلي والهلال والوحدة والنصر والاتفاق وأهلي الرياض..! وكانت المقارنة قدراً مكتوباً على جدران القلوب، يصافح الوجوه السمر وحبات العرق المسفوحة على الجباه... قد يقول قائل: هل من علاقة بين هذا المقال وبين هذه الثرثرة الذاتية؟ والجواب: هو أني أحدث وأروي... وأحكي ما تبقى في الذاكرة عن صورة فريق نادي الوحدة، الذي أحب الآن النظر إليه بعيون المنصفين الواعية. فالفريق الآن ينافس على بطولة كأس دوري خادم الحرمين الشريفين، وتاريخه جيل يتزامن مع بلوغنا الفكري، ومرحلة ما بعد الاستقرار الإداري والفني الذي مر بسنين عجاف! كانت بيادر الحب والإحساس والألفة للبطولة تفاعلات من جماهير الوحدة، أوجدت لها مساحة في وجدان كل عاشق لها، وبقدر ما اتسع لها فضاء العقل والقلب بقدر ما سعى جمال تونسي وثيو بوكير، ورفاق المحياني.. والكويكبي.. والشهراني والقرني والهزاني والموسى. سعوا بجهد واجتهاد زاخر همس في محاور الذوات لتكون ذاتاً واحدة، بلون بشارة الود والطموح، وبطعم التاريخ والنبوغ. ها هو فريق الوحدة الآن.. كافح ويكافح بما يحمله هذا المصطلح من سمات التنقل والترحال للبطولة، وبكل الأساليب والممارسات الكروية الظرفية التي تصخب في شبابه مؤثرة البسمة والأفراح. وشذى التطلع البطولي الذي كان أيقظ روح الإخلاص عطراً يمتطي صهوة فرس..! ها هم شباب الوحدة حاضرون ضمن سدة المربع الذهبي.. ها هو تاريخ كأس الملك.. وكأس ولي العهد يدفئهم من صقيع البرد.. لتبقى الوردة تنمو للأبد... وردة في القلب تتمعتق على ريح حضارة النادي العريق، المهاجر من المدى البعيد في الشريان، تلقننا درس الحب وتجرف معها تياره الأزلي..! وهكذا... هو الوحدة الآن.. وهكذا اشتهينا له الحلم زغرودة، ورسمناه إشراقة وفألاً. ثم هكذا يسير الفرسان، يجدون بعون الله أجنح السفر إلى حيث البطولة الكبرى مزاد من التاريخ.. ورمق من طموح الشباب.. وإنجاز منهمر، فالحلم: حقيقة آبقة.. والرؤيا حقيقة آتية..!