أجمع الخبراء والمحامون الذين تحدثوا الى"الحياة"على أن"لظاهرة الشيكات من دون رصيد تأثيراً سلبياً في الحياة الاقتصادية ودورتها، وأنها تعطل وتربك الكثير من المصالح الاقتصادية للشركات والمؤسسات والأفراد، والأخطر من ذلك وإن كانت هناك مقدرة للشركات الكبرى على تحمل الكلفة المالية والاقتصادية على تأخر بعض الحقوق نتيجة الشيكات من دون رصيد، لكنها قد تؤدي إلى إفلاس أو انهيار بعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لا تستطيع أن تتحمل أي خلل أو اضطراب في دورتها الاقتصادية، ما قد يؤدي إلى ظواهر اجتماعية سلبية". وقالوا إن"آثار الشيكات من دون رصيد سلبية على الائتمان بالشيكات وفقدان الثقة بالشيكات، فالتجار حالياً يرفضون قبول الشيكات التجارية ما لم تكن مصدقة بمعنى أن يقوم البنك المسحوب عليه بحجز قيمة الشيك وهو ما يسمى بالشيك المصدق، وفي الفترة الأخيرة لجأت البنوك إلى إصدار شيك مصرفي مضمون القيمة ومؤكدة الصرف". وفي هذا الإطار قال الأمين العام ل"الاتحاد الدولي للمحامين في دول مجلس التعاون الخليجي"المحامي ماجد قاروب أن هناك أسباباً عدة لتفشي هذه الظاهرة وهي مشكلات ممتدة منذ سنوات طويلة أساسها أن المجتمع ولأسباب متنوعة منها: ضعف الثقافة الحقوقية بشكل عام بمختلف الأنظمة والقوانين الاقتصادية والتجارية تعامل مع الأوراق التجارية بشكل معاكس لما يطلبه القانون فتتعامل مع الشيك على أنه أداة ائتمان وليس للوفاء، وهذه مهمة السند لأمر والكمبيالة وليس الشيك الذي هو أداة للوفاء فقط، ولذلك نرى العقارين يتداولون الشيك على انه أداة لتأكيد الرغبة في الشراء وليس لسداد القيمة وكذلك شركات بيع السيارات تطلب من العميل شيكات من دون تاريخ لسداد الأقساط، وفي المقابل ترفض الشركات ومحال البيع قبول الشيكات ما لم تكن مصدقة". وقال مدير مكتب الضبعان وشركائه للمحاماة المحامي محمد الضبعان إن"مشكلة الشيكات من دون رصيد مشكلة قديمة وسبق بحثها كثيراً، ولكن مع الأسف لم نصل إلى حلول جذرية لها، فالملاحظ أن الأنظمة المتعلقة بالشيكات من دون رصيد في جميع الدول بما فيها الدول الخليجية المجاورة تتميز بالصرامة بذلك تحمي الشيكات والمستفيدين منها". وأضاف أن"نظام الشيكات من دون رصيد في المملكة من أقل الأنظمة صرامة، ومع ذلك لم يفعل أو يطبق، إذ إن الواقع العملي في مكتب الفصل في المنازعات التجارية، هذه القضايا قد تبقى القضية لديها سنة أو سنتين من دون سبب نظامي، فضلاً أن هناك بعض الجزئيات المتعلقة بالنظام لا تطبق، فعلى سبيل المثال الجزء الخاص بفترة سريان الشيك هي ستة أشهر من تاريخ صدوره، وبعدها لا يحق لحامل الشيك التقدم إلى مكتب الفصل في المنازعات التجارية لتحول الشيك من ورقة تجارية إلى ورقة عادية، وفي حالة التقدم إلى مكتب الفصل في المنازعات التجارية لا ينظر في دعواها، إلا مكتب الفصل في المنازعات التجارية ينظر بالشكوى على رغم تجاوزها تاريخ الشيك المدة المحددة". ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي طلعت حافظ إن"نظام الأوراق التجارية يعتبر من أفضل الأنظمة في العالم، ولكن مشكلة الشيكات من دون رصيد والتي أصبحت تمثل ظاهرة اقتصادية خطيرة تفتك بمقدرات الاقتصاد الوطني، ويعود ذلك إلى التراخي في تطبيق العقوبات المنصوص عليها في النظام في الحالات التي يسحب فيها شيك من دون رصيد، كما أن أحد الأسباب التي أدت إلى تنامي هذه الظاهرة في مجتمع الأعمال هو الخلط بين المفهوم القانوني والتشريعي والعملي بين الشيك والكمبيالة، فالبعض يعتقد أن الشيك يقوم مقام الكمبيالة بمعنى أنه ليس واجب الدفع فور تقديمه للبنك، وهذا الخطأ الشائع جعل عدداً كبيراً من الناس لا يحترمون هذه الأداة المالية". ومن جانبه، قال مدير المكتب السعودي للمحاماة المحامي علي السويلم أن"نظام الشيكات مشابه لما هو موجود في الأنظمة الأخرى، إذ تم أخذ الكثير من قواعده مما قرره المؤتمر الدولي في جنيف عام 1931، إذ اتفقت معظم الدول آنذاك على إعداد نظام موحد للشيكات، وظاهرة الشيكات من دون رصيد من الأمور المقلقة، لأنها تؤثر في الائتمان والاقتصاد، لافتاً إلى أن أسباب تفشي ظاهرة الشيكات من دون رصيد يعود إلى جهل الكثير من الأفراد في دور الشيك هل هو دور ائتماني أو دور وفاء، ويعود ذلك إلى بداية الحركة الاقتصادية منذ حوالى عقدين من الزمن نتيجة كثرة أعمال المقاولات لجأ الكثير من الناس لاستخدام الشيك كأداة ائتمان، { حصلت"الحياة"على تقرير تفصيلي بالمناطق والارقام، عن القضايا المتعلق بالشيكات من دون رصيد، والتي وردت الى"مكتب الفصل في الأوراق التجارية"في وزارة التجارة والصناعة. وأظهر التقرير ورود 29667 قضية خلال خمس سنوات 1416-1421، بلغ حجمها نحو 3 بلايين ريال. لكن مصادر في وزارة التجارة والصناعة أكدت ل"الحياة""أن التقرير الجديد الذي لم يصدر بعد يظهر أن عدد الشيكات من دون رصيد وحجم مبالغها زاد في السنوات التالية". وعلى رغم أن نظام الأوراق التجارية في المملكة مشابه لما موجود في الأنظمة الأخرى، وتم أخذ الكثير من مواده إن لم يكن كاملها مما قرره المؤتمر الدولي في جنيف عام 1931 في إعداد نظام موحد للشيكات اتفق عليه غالبية الدول آنذاك، إلا أن الأرقام التي أظهرها تقرير وزارة التجارة والصناعة عن أعداد الشيكات من دون رصيد وحجم مبالغها، والتي تزداد عام بعد آخر جعلت منها ظاهرة مقلقة تأثير مخاوف الكثير من المتعاملين في الاقتصاد والتجارة. وحاولت"الحياة"أن تستطلع آراء الخبراء القانونيين للوصول إلى أبعاد هذه الظاهرة، ومعرفة الأسباب وراء تفشي هذه الظاهرة، واقتراح الحلول للحد من تفشيها، وقياس أبعادها الاقتصادية للوصول إلى إجابات منطقية لذلك.