رسمياً .. خالد الغامدي رئيساً لمؤسسة الأهلي غير الربحية    ضوابط اللوحات تعزز الالتزام بالهوية العمرانية وتحد من التشوه البصري    بدء التسجيل في مدارس الموهوبين التقنية    محمد صلاح: سنفتقد نونيز في ليفربول بعد انتقاله إلى الهلال    المملكة تدين تصريحات رئيس وزراء حكومة الاحتلال حيال "رؤية إسرائيل الكبرى"    إحباط تهريب (50) كجم "حشيش" في عسير    مهمة جديدة تعيد الموهوب    أمانة منطقة القصيم تنفذ مشروع ميدان المعلم ضمن جهود تحسين المشهد الحضري بمحافظة عيون الجواء    ترمب يهدد روسيا ب«عواقب وخيمة جدا» إذا لم تنه الحرب في أوكرانيا    "الكشافة السعودية" تُنظم ورشة عن فنون كتابة القصة القصيرة الملهمة    أمير تبوك يطمئن على صحة عون أبو طقيقه    بدء الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية في الباحر بمنطقة جازان    أمير تبوك يكرم الفائزين بمسابقة إماره المنطقة للابتكار 2025    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    الأمن العام يحث ضيوف الرحمن على عدم الجلوس في الممرات داخل المسجد الحرام    سعود بن نايف يترأس اجتماع مجلس هيئة تطوير المنطقة الشرقية    صندوق الاستثمارات العامة يحقق 19% نموا في أصوله المدارة    تنظيم المملكة للمسابقات القرآنية احترافي يجسد مكانتها في قلوب المسلمين    اوقية الذهب تصل الى 3351.46 دولارًا    "الندوة العالمية" في جيبوتي تُثمن إسهامات المملكة في تعزيز الوعي القيمي والديني    ارتفاع أسواق الأسهم الآسيوية    "سدايا" تضع الشباب في صدارة أولوياتها لقيادة حاضر ومستقبل الذكاء الاصطناعي بالمملكة    امطار خفيفة الى غزيرة على اجزاء من مناطق المملكة    إيران تعرب عن استعداداها للتفاوض على برنامجها النووي    استقرار أسعار النفط    التوسع في تطبيق مقاييس التوافق قبل الارتباط    لقطات ساحرة للشفق القطبي    معاناة غزة إلى مستويات «لا يمكن تصورها»    3 أبطال جدد وإنجازات تاريخية مع ختام الأسبوع الخامس من كأس العالم للرياضات الإلكترونية    تعاون موسيقي يجمع كوريا وروسيا    طائرة العيون لدوري الأولى    إنجاز سعودي.. أول زراعة قوقعة ذكية بالشرق الأوسط وأفريقيا    الحياة البسيطة تعزز السعادة    استخراج هاتف من معدة مريض    فوائد ومخاطر النعناع الصحية    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: ندين جرائم وقرار إسرائيل باحتلال غزة    علقة ساخنة ل«لص وقح»    وزير الخارجية ونظيره الأمريكي يبحثان المستجدات الدولية    الجماهير السعودية تترقب كأس السوبر    كأس السوبر الأوروبي بين عنفوان باريس وطموح توتنهام    23.61 مليار ريال تسهيلات للصادرات السعودية    «هن» مبادرة لدعم المواهب النسائية في الموسيقى    «مزرعة إنجليزية» تشارك في مزاد الصقور الدولي    «تنظيم الإعلام» توضح 6 سمات للإعلامي الناجح    نائب أمير الشرقية يطلع على مشروعات وبرامج هيئة الترفيه    مأساة الكوليرا تضرب النازحين في دارفور.. «المشتركة» تتصدى لهجوم الدعم السريع على الفاشر    قبيل زيارة لاريجاني لبيروت.. الرئيس اللبناني: الاستقواء بالخارج مرفوض    الأردن يوقف عناصر مرتبطة بجماعة الإخوان    عودة المشرفين والإداريين في 11 منطقة للمدارس    «الغذاء» تسجيل مستحضر «الريكسيفيو» لعلاج الورم النقوي    أدبي الطائف تصدر الأعمال المسرحية الكاملة للدكتور سامي الجمعان    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    وكيل إمارة جازان يلتقي "محافظي" المنطقة    مدير الشؤون الإسلامية في جازان يناقش شؤون المساجد والجوامع ويطلع على أعمال مؤسسات الصيانة    الإدارة الروحية لمسلمي روسيا تحدد شروط تعدد الزوجات    المفتي يستعرض أعمال «الصاعقة» في إدارة الأزمات    الشعب السعودي.. تلاحم لا يهزم    مباهاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتفاضة السورية ومخاطر الانزلاق إلى العسكرة!
نشر في الحياة يوم 10 - 10 - 2011

يخطئ من يبرر الصيحات الجديدة لعسكرة الانتفاضة الشعبية في سورية، على أهمية ما يساق عن نفاد صبر المحتجين وقدرتهم على تحمل القمع المروع، أو فقدان أملهم بدور عربي أو عالمي يمكنه أن يوقف أو يعترض هذا الاستخدام المفرط للقوة، مع عجز المجتمع الدولي عن إصدار قرار أممي يدين ما يحصل، ومبادرة عربية يتيمة بدت أشبه برفع العتب، وضاعت في زحمة الحدث.
وأيضاً يخطئ من لا يعترف بحدوث اندفاعات عنيفة، أغلبها من قبل أفراد أو جماعات صغيرة كرد فعل على ممارسات سلطوية مغالية في القهر والتنكيل، وبعضها لمتعصبين وجدوا فرصة لوضع أجندتهم الخاصة موضع التنفيذ، ومنها اضطرار بعض المنشقين من الجيش لاستخدام سلاحهم دفاعاً عن أنفسهم وهرباً من تعذيب وموت شبه محقق في حال اعتقالهم، لكن يخطئ أكثر من تقوده العوامل السابقة إلى تشجيع اللجوء إلى السلاح وإغفال المخاطر العديدة التي يخلفها هذا الخيار على راهن الانتفاضة السورية ومستقبلها.
إذا كانت أهم نتائج الاحتجاجات الشعبية هي إعادة المجتمع إلى السياسة وبعث دور الناس في الحياة العامة بعد غياب دام أكثر من أربعة عقود، فإن الصورة التي يكرسها العنف حين يغطي المشهد تهدد هذا التحول النوعي وتعجل في إعادة الأمور إلى المربع الأول. فاللجوء إلى السلاح طلباً لحسم سريع، إذ يكشف عن ضيق أفق سياسي وجنوح واهم للتعويض عن عجز في التعبئة والتحشيد، فهو يدل على ضعف إيمان بالناس وقلة ثقة بدورهم وقدرتهم على فرض التغيير بوسائل سلمية، والمعنى إنه مقابل حضور طرائق القوة تنحط السياسة ومقابل المسلكيات العنيفة والموتورة يزداد الاحتقان الأهلي وتتشجع العصبيات، ما يهدد بتدمير التراكمات الايجابية التي حققتها المظاهرات السلمية طيلة شهور ويضعف شرعية المطالب التي نهضت من أجلها، والأهم أنه يفقد الحراك الشعبي فئات متعاطفة معه لكنها لا تزال سلبية ومترددة، تخيفها لغة السلاح ويصعب كسبها من دون إظهار صورة إيجابية لانتفاضة تنبذ العنف وتستمد على النقيض من الماضي شرعيتها ليس من منطق القوة والإرهاب بل من ممارسات سلمية وحضارية تنسجم مع شعارات الحرية والكرامة والديموقراطية التي تتبناها.
من جهة أخرى ينهض السؤال عن جدوى التحولات التي يحدثها هذا الأسلوب النضالي في تعديل توازنات القوى؟! أليس من السذاجة تصور نجاح انتفاضة مسلحة في إسقاط نظام من نوع النظام السوري القائم تاريخياً على منطق القهر والغلبة؟!. ثم ألا يفترض بدعاة العسكرة أن يعرفوا قبل غيرهم أنهم بدعوتهم هذه إنما يذهبون بأقدامهم إلى فخ نصبه أهل الحكم للإيقاع بالاحتجاجات الشعبية ودفعها إلى دوامة العنف، ما يسهل عزلها وتسويغ كل أنواع القهر والتنكيل ضدها، وتالياً أن يدركوا أن اللجوء إلى العنف قد يشفي غليل البعض لكنه الطريق الأقصر للهزيمة، ويرجح أن يفضي إلى صراع أهلي سيكون ثمنه إرادة التعايش والاستقرار وشروط الاجتماع الوطني، تأثراً بخصوصية المجتمع السوري وتركيبته التعددية وإصرار السلطة القائمة على مواقعها حتى لو كان الطوفان؟!.
الحقيقة ثمة مصلحة عند أصحاب الحل الأمني في تحويل الاحتجاجات من مسارها السلمي والسياسي الى مسار عنفي وأهلي، والرهان على دور القمع المفرط في شحن الغرائز والانفعالات وتأجيج ردود الأفعال الثأرية لدفع الناس نحو تبني أساليب المقاومة العنيفة، وهم لا يضيعون فرصة لتغذية ما يمكن من صراعات متخلفة، واستيلاد القوى المتطرفة وسربلتها بسربال السلفية أو ربطها بتنظيم «القاعدة»، والغرض سوق حجج وذرائع إضافية عن مواجهة الإرهاب والحفاظ على الأمن والمنشآت العامة وحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم، لشرعنه الممارسات القمعية وتخفيف ردود الأفعال المحتملة، والنتيجة إخضاع المجتمع ككل لقواعد لعبة يتقنونها جيداً وتمكنهم من إطلاق أياديهم كي تتوغل أكثر في القهر والتنكيل مدعومة بما يملكونه من خبرات أمنية ومن توازن قوى يميل على نحو كاسح لمصلحتهم.
لا يختلف اثنان على أن آفة الاحتكام إلى السلاح إذا أصابت الكيانات البشرية، مزقت أواصرها، وعمقت شروخها، وأفضت في حال استحوذت على الفضاء السياسي والمجتمعي إلى تحويل فئات المجتمع إلى ما يشبه الجيوش المعبأة والمتصارعة، خالقة حواجز نفسية حادة بين أبناء الوطن الواحد، ومسهلة انتهاك أبسط حقوقهم، والإجهاز على مشروع التغيير الديموقراطي من أساسه.
وأيضاً لا يختلف اثنان أن اللجوء إلى العنف والعسكرة يعني خسارة التفوق الأخلاقي للشعب على حكامه، وإطاحة القيمة الكبيرة للعلاقة الواجب بناؤها بين الأهداف النبيلة الذي ينادي المحتجون بها وبين الوسائل السلمية المفترض أن تفضي إليها، والتي تستدعي بداهة إظهار احترام حياة الناس وأمنهم وحقوقهم، فلا يصح وتحت أية ذريعة كانت، تحرير وسائل الكفاح من معاييرها الأخلاقية، فالمسألة تتعلق بالحفاظ على سلامة بنيتنا الإنسانية وعافية الأهداف التي نتطلع إليها، وحين يختار دعاة الحرية والكرامة طريق النضال السلمي فهم يختارون أيضاً حماية شعاراتهم من كافة الموبقات والتشويهات التي لا بد من أن تطاولها في مناخات العنف.
صحيح أن الخيار السلمي لا يزال الوجه الرئيس للانتفاضة السورية على رغم مما شهدته من اندفاعات عنيفة، وصحيح أن التظاهرات لا تزال تتمسك بشعارات السلمية والوحدة الوطنية ونبذ الفرقة الطائفية أو الأثنية، لكن الصحيح أنه يصعب تطويق وضبط ردود أفعال الناس ضد شدة ما يتعرضون له من قهر وتنكيل، والصحيح أيضاً أن التمسك بالنضال السلمي واللاعنفي هو خيار قاسٍ يتطلب تحصيناً أخلاقياً رفيعاً وتدريب الذات على مزيد من الصبر وضبط النفس ولنقل قدرة عالية على الإيثار والتضحية وعلى تحمل الأذى والضرر، كما حال الشبان الأبطال دعاة الحرية الذين وقفوا عراة الصدور يطلبون الموت في مواجهة الرصاص الحي وتقدم الدبابات والمدرعات.
من الخطورة بمكان أن يقودنا ضيق النفس وقلة الصبر إلى تشجيع العنف ومنطق السلاح للرد على إفراط السلطة في ممارساتها العنيفة، ونغفل تالياً ما يخلفه من مخاطر وأثار مدمرة على مجتمعنا وفرص تطور انتفاضته التي تمر اليوم بمرحلة مفصلية وحساسة تتطلب ملاقاتها مسؤولية عالية وإعلان موقف واضح وحاسم ينبذ محاولات الاستفزاز وإثارة الحقد والبغضاء ويرفض منطق العسكرة وأساليب العنف في إدارة الصراع السياسي، ويؤكد في المقابل، مع تثمين كل قطرة دم تراق وكل صرخة ألم وأنة معذب أو معتقل، على أهمية استمرار النضال السلمي كضرورة حيوية لنجاح الانتفاضة السورية، وكشرط لازم ليس فقط لهزم العنف المفرط ذاته ومحاسبة مرتكبيه، وإنما لربح المعركة أخلاقياً أيضاً.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.