تجمعهم تجارب حياة متشابهة، وإن اختلفت تفاصيلها. أربعة رجال متعافين من الإدمان، يتفقون على أن الأسماء غير مهمة وإن كان فهد 47 عاماً جريئاً بإفصاحه عن اسمه الأول، فقد فاقه الكويتي سالم حمدان 31 سنة ثقة بنفسه، بأن اعتبر أن الأمر لا يوجد فيه عيب ولا مشكلة. مروا جميعاً بمراحل الإدمان المختلفة، جربوا أنواعه وأشكاله: شراب، حبوب، بودرة، سجائر، حقن، حشيش، أفيون، هيروين، وغيرها. بعضهم ظن الأمر مجرد تسلية مثل محمد الذي بدأ التعاطي وعمره 16 عاماً، كانت البداية مع المشروبات من خلال الأصحاب، إلى أن وصل إلى"الهيروين الذي أوصلني إلى الضياع". وكان وجوده بعيداً من أنظار الأهل عاملاً مساعداً"هم في مدينة وأنا في أخرى". لكن الأهل كانوا موجودين في حالة سعيد، وهم من دفعه إلى الشارع، ويقول:"تعلمت من أصدقاء السوء ومن تقليد الكبار ومن الجهل، كنا نُضرب إذا لم نصل وإذا شاهدنا الأهل ندخن السجائر، فنهرب إلى الشارع". هذا الرجل الذي طاول الشيب شعره وغزت معالم الكبر وجهه كان في السادس الابتدائي عندما عرف طريقه إلى الإدمان. سالم الجريء في كلامه، علمته الحياة"الكثير"، وهو أدمن بعد أن قرر التأكد من المعلومات التي تصله عن مفعول التعاطي والخمر،"هذه المعلومات كانت تدفعني للتجربة للتأكد هل هي صحيحة أم لا". بعد التعاطي اكتشف أنه مرتاح وهذا ما لم يكن يشعر به"بسبب المشكلات العائلية التي كان لها دور في حياتي، تغيرت حالتي النفسية ولم تعد الحاجات التي كنت أراها أساسية مهمة". وحب الاستطلاع جر أيضاً فهد إلى درب المخدرات"كنت أحب التغيير فأبحث عن الجديد إلى أن قادتني الصدفة لصديق علمني تعاطي الهيروين". ولأن المخدرات تحتاج لموازنة منفصلة كان سالم يتعاطاها"على الخفيف"، لكن بعد بلوغه 18 عاماً،"أعلنت رغبتي بالعمل مع الدراسة فأنا مسؤول عن نفسي، كنت أعمل لأحصل على المال لشراء المخدر". دخل الجامعة تخصص علم نفس ولكن في"سنتي الأولى فصلوني بسبب التعاطي، وتقدمت إلى كلية الضباط لكن لم أدخلها بسبب المخدر، إذ أنني فكرت أن البقاء لمدة طويلة في الكلية يعني التخلي عن المخدرات، وهذا ما لم أكن مستعداً له، فساومت نفسي وقررت التخلي عن الكلية". وصل سالم إلى الحضيض النفسي والاجتماعي،"لم أتوقع أن حياتي ستنتهي هكذا، صرت مجرداً من كل شيء حتى من أمور الحياة البسيطة، فأهلي أشخاص معروفون ولكن وصلوا إلى مرحلة تبرأوا مني فيها، خصوصاً بعد محاولات العلاج الفاشلة، كما أنني صرت جاهزاً لسلوك إجرامي من أجل الحصول على المخدر". كذلك تبرأ أهل محمد منه"فقد دخلت السجن ثلاث مرات والمستشفى خمس مرات، طلقت زوجتي بعد ثلاث سنوات وفقدت ابنتي وهي طفلة، ومرضت أمي بسببي". لكنه كان يعترف بأن الوضع صعب. وكذلك مرّ سالم بتجربة طلاق من خطيبته قبل زفافه بشهر"سجنت في قضية وطلقت العروس أثناء وجودي في السجن، وهذه الحسنة الوحيدة التي قمت بها أنني فكرت بهذه الإنسانة كأخت من أخواتي مع أنها أعطتني فرصة وقالت لي إذا توقفت عن الإدمان تنتظرني سنة، لكنني فضلت أن أتركها فقد قلت في نفسي إذا طلقتها أصير حراً". الفشل تحول إلى قوة في حياة سالم"نجحت في الدورات التي خضعت لها هنا وأحاول التعويض لنفسي وللمجتمع من خلال الحديث عن تجربتي في المحاضرات التوعوية، ولأن الاعتراف بالمشكلة مهم لأن مجتمع الخليج اعتاد على الإنكار، كما أن هناك فئات جاهزة للتعاطي يجب كبحها، من خلال معالجة التفكك الأسري والأهل المتعاطين للكحول والتفهم ومن المهم نقل الرسالة لهم". أما فهد فكانت خطوته نحو الشفاء متعثرة، إذ حاول أكثر من مرة أن يبتعد من المخدر، تارة بالسفر بعيداً وتارة أخرى بإرادته الذاتية، لكن لم يكن يفلح، وكانت الظروف المحيطة تدفعه من جديد للتعاطي، إلا أن قادته الصدفة إلى مشاهدة فيلم وثائقي عن المدمنين المجهولين وما كانوا يفكرون به سابقاً فرأى فيهم صوراً من نفسه"قررت دخول المستشفى للعلاج بعد معركة شهرين مع نفسي، ويومها أخذت مجة حشيش فتصببت عرقاً وتكلمت فقلت استسلمت وأخذت قراري بالعلاج". مرت خمس سنوات على تعافي فهد"هنا أوضحوا لي المشكلات التي كانت تؤرقني وعرفوني أن المشكلة أنني مدمن مخدرات، والمدمن طبيعة مرضه هاجس فكري، إضافة الى رغبة ملحة بالتعاطي وقد تغلبت على الاثنين".