الهلال والسد في قمة الزعماء    أبها يواجه خطر الوحدة    سماء المملكة تشهد ذروة زخة شهب «الجباريات»    خطر بطاريات ألعاب الأطفال    خامنئي لترمب: تدمير البرنامج النووي الإيراني وهم    الذهب يرتفع    رسائل من الجو تنسف الهدنة    الله الله يا منتخبنا    زيلينسكي: اقتربنا من نهاية الحرب    منتدى الأفلام السعودي.. نحو العالمية    عندما يتكلم غير المختص في غير مجاله    هياط المناسبات الاجتماعية    الحوثيون يحتجزون 20 موظفاً أممياً في صنعاء    مبادرات وطنية لكبار السن    المجفل يقدم أوراق اعتماده سفيرًا فوق العادة لخادم الحرمين إلى رئيس سوريا    اللجنة الإعلامية ترفع جاهزيتها لانطلاق فعالية البلوت بنجران.. استعدادات حماسية وتنظيم استثنائي    أمين منطقة جازان يتفقد المشاريع والخدمات البلدية في محافظة أبو عريش    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان على غزة إلى أكثر من 68 ألف شهيد    فريق وعي لصحة المجتمع يشارك بركن توعوي في معرض التوعية الصحية بكلية الأعمال بجازان    إصدار أول علامة جودة للخرسانة المعالجة بثاني أكسيد الكربون    منصة "مُعين" الرقمية تشهد أكثر من 23 مليون زيارة و1.3 مليون جلسة قضائية رقمية    "إثراء" يطلق فعاليات "موسم الشتاء" بأكثر من 130 برنامجًا ثقافيًا    نائب أمير حائل يطلع على خطط مركز إتمام    «التعاون الإسلامي» تُرحّب باتفاق وقف إطلاق النار بين باكستان وأفغانستان    جمعية شفيعًا تنظم رحلة تكريمية لطلاب الحلقات الحافظين لكتاب الله من ذوي الإعاقة للمدينة المنورة ومكة المكرمة    تخصصي الملك فهد بالدمام يطلق مؤتمر "الابتكارات المتقدمة في الطب المخبري"    بدء التشغيل التجريبي لمبادرة إلغاء إشارة الكربوس بجازان    انطلاق المؤتمر العالمي لإنترنت الأشياء 2025 في الرياض    سيرة من ذاكرة جازان    بلدية الخفجي تطرح 36 فرصة استثمارية متنوعة للمستثمرين ورواد الأعمال    مدرب نيوم : كنا نعلم ان المباراة ستكون صعبة    شموخ وطن يكرم الدكتور أحمد حمود الغامدي    تلوث الهواء يبطئ نمو دماغ الأطفال حديثي الولادة    بالتعاون مع الشريك الأدبي نادي ثقات الثقافي يُفعل الثقافة الأدبية في مدارس القلعة الحجازية    تكريم الكلية التقنية للبنات بشرورة لمشاركتها في اليوم الوطني 95    جمعية رعاية الأيتام بنجران تواصل ‏برامجها ‏التوعوية    نائب أمير مكة يترأس اجتماع محافظي المنطقة لمتابعة مشاريع التنمية وتحقيق مستهدفات رؤية 2030    «المساحة» : زلزال الخليج العربي بعيد عن أراضي السعودية    نائب أمير نجران يُدشِّن أسبوع مكافحة العدوى    محافظ الأحساء يستقبل مساعد قائد قوة أمن المنشآت في الشرقية    ولي العهد يعزّي رئيس وزراء اليابان في وفاة توميتشي موراياما    ولي العهد يعزي رئيس وزراء اليابان في وفاة توميتشي موراياما    «كينونيس» يقود القادسية لعبور نيوم واستعادة وصافة روشن    طالبات جامعة نورة يتألقن في مسابقة الترجمة الصينية    حين تسرق الثمرة.. ويبقى الجذر صامداً    دعوة إلى استعادة نعمة الملل في زمن الضجيج    التعاون يمطر شباك ضمك بسداسية تاريخية    شراكة مع الخزانة الأمريكية وصندوق أوبك لإعادة البناء.. سوريا تعزز التعاون مع واشنطن والمجتمع الدولي    الجيش السوداني يتصدى لمسيرات الدعم السريع بكادوقلي    بهدف تعزيز الشفافية والحوكمة في جمع التبرعات.. لائحة جديدة لتنظيم إنشاء وتمويل الأوقاف    مناورات عسكرية إسرائيلية على حدود لبنان    ضبط مواطنين يصيدان بدون ترخيص    سعود بن بندر يستقبل مشرف البعثة التعليمية في البحرين ومدير تعليم الشرقية    سعود بن نايف يشدد على التعاون لخفض الحوادث المرورية    بطاقة الأولوية لم تعد أولوية !!    أمير الشرقية يكرم مواطنين لإخمادهما حريقا في محل تجاري بالجبيل    نائب أمير جازان يزور الأديب إبراهيم مفتاح للاطمئنان على صحته    لا مال بعد الموت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متى يتجه المالكي لإعادة إخضاع كردستان العراق ؟
نشر في الحياة يوم 11 - 07 - 2013

يسود الأوساط الكردية وقيادات الكرد، إحساس بالتميز، تولَّدَ عن تجربة العقدين المنصرمين، فشعور الأكراد العراقيين الحالي مزيج من عدم التصديق وتعاظم ذات مكبوتة ومهشمة. ومثل أغلب الحالات في المنطقة والمشرق، فأوهام التعظيم تطغى عادة في النظر إلى الذوات، وإذا كانت المسارات قاسية، تغفل المعطيات الواقعية وتضخم مظاهر أو أسباباً متخيَّلة. وفي حالتنا هنا، يتداخل لدى الكرد شعور زائف بالنصر، تتحسسه بقية العراقيين وتقابله بالرفض وعدم الارتياح، بينما هو ينتهي إلى تصور بأن كردستان حققت مشروعاً نهضوياً. وهذان الاعتقادان يراودان جزءاً لا يستهان به من القوى الفاعلة هنا، فتتصور أن النصر أكيد، والدولة الكردية قريبة.
في السياسة، في ظل"عملية سياسية طائفية محاصصاتية"، وحكم هويات كلها مهشمة، يولد الخطر حينما يرفض الطرف الأصغر رؤية ما يجعله الطرف الأضعف، فيعتمد نمطاً من السلوك يزيد من شعور الهويات الأخرى بعدم الرضى، وبالرفض المتزايد، ما يراكم عوامل تصادم قادم، في ظل واقع سياسي يحتم في نهاية المطاف وجود قوة متسيّدة وطنياً، عدا عن بروز طموحات زعامة، الأمر الذي يحث على ظهور مبررات مقابلة، لم تبخل القيادة الكردية بها على المركز، فمنحته إياها بسخاء، مصدقة أنها قوية، لأنها حققت تجربة بناء في ظل حماية الاحتلال، ورؤوس الأموال الاجنبية، لا أسهل من تخريبها من قبل أي عدو يطلق باتجاهها بضعة صواريخ من بعيد. ومَن صار يحمل بيده بلورة زجاجية لا يبارِز، فالأكراد الذين ظلوا يحاربون لسنين، لم يكونوا يملكون شيئاً يخسرونه، بينما هم اليوم أحرى بالتفرغ لحماية منجزهم الهش.
فالأحرى بالجزء الكردي من العراق ألاّ يعتبر نفسه متحرراً من الديناميات والآليات الوطنية الأشمل، أو أن يتعزز ميله للتميّز والاستقلال، أو التركيز على الذاتيه الجزئية الخاصة في ظل فراغ مفهومي، فالمرحلة الحزبية من الوطنية العراقية ظاهرة طاغية في التجربة العراقية الحديثة منذ الثلاثينات، لم تكرس سوى مفهوم مهلهل من"حق تقرير المصير للشعوب"المنسوب للماركسية، وهذا يفرض الميل الانفصالي افتراضاً، وبسطحية لا تدقق في الأصول والحقائق التاريخية. ذلك لأنه استعير من قبل متبنّي الماركسية، العديمي الوعي بالمحركات الوطنية، وناكريها نكرانا كلياً.
يترتب على هذا إشكال متعدد الوجوه، منهجي وتدقيقي، وكذلك إجرائي يختص بجانب المعالجة. والأمور تلتبس هنا لدرجة قد تؤدي إلى تخبطات، بخاصة والبلاد من دون منظور جامع، ما يجعل مواقف مختلف الأطراف محكومة بالتوازن الآني المباشر، فاستعمال مفهوم"القومية"يستدعي مترتبات من نمط لا يناسب الحقيقة، بينما يؤدي إلى بناء منظومة مفهومية متخيَّلة، تشمل التاريخ والثقافة واللغة، فتتحول إلى خرافة تتكئ عليها ذاتية محبَطة ومتعالية. ومن ذلك كمثال مضحك، أن بعض المتعلمين الكرد يعتقدون بوجود الأكراد منذ 100 ألف عام، وأنهم هم من أقاموا الحضارة السومرية بعد نزوحهم من الشمال.
وليس الكرد وحدهم من يتداولون تاريخاً خرافياً جزئياً، فالخلط بين ظاهرة"القوم"و"القومية"منح مكونات متعددة تواريخ خاصة، تتشكل وفقاً للموقع والمآل ضمن الكيان، وقد تضخمت الآن. وهذا يشمل العرب السنة، أو الشيعة، أو الأشوريين، الناشطين في هذا المجال في الآونة الأخيرة، بينما لا يوجد أي مفهوم موحد ل"العراق"، أي للوطنية أو القومية، التي هي أكثر المفاهيم شيوعاً على المستوى اللفظي والسجالي. ومع تراجع المستوى التمثيلي السياسي، وعلى مستوى الحكم، والقوى السائدة، إلى المكونات الدنيا، إثر سحق الدولة الحديثة القسرية منذ 2003، تعاظم شان الهويات الفرعية، وقد بدت مهشمة بعد 83 عاماً من هيمنة دولة حديثة قسرية مشوهة عملت على رضّها، فانكشف غياب الهوية الجامعة، ما جعل السياسة تتخذ مسارات يُلمس فيها الميل المستميت لإعادة أو تحقيق الغلبة بين تلك الهويات، بينما يغدو التاريخ الأكثر إيحاء مصدراً غنياً لتبرير الغلبة، أو الاستقلال، كمثل إيحاء"المختار الثقفي"، اللقب تلصقه أوساط شيعية بنوري المالكي، رئيس الوزراء الحالي، أو يقوم هو بتغذيته. والمختار ثائر مطالب بدم الحسين، لا توحي سيرته الأولى بالثورة، او الاستقامة، إلا أنه تحول، ولاسباب ظرفية، إلى رمز للثأر الحسيني.
اتجه المالكي سابقاً لتصفية المليشيات الشيعية في بغداد والبصرة بالقوة، إلا أنه عاد في الآونة الأخيرة وأطلقها عن طريق"عصائب أهل الحق"بطريقة مضبوطة وموجهة، تحت ضغط الصراع مع العرب السنة والقاعدة. وهو يتحسس بقوة مأزقاً مركّباً حل على"العملية السياسية الطائفية" التي يقودها، فلم تعد هذه تملك بذاتها أي محركات من داخلها، ما أدخلها في أزمة مفتوحة، وجعلها تلجأ للمحرك الطائفي البحت، فصار اختلاق الأزمة وإشعار الطائفة بالخطر الداهم من الهويات الأخرى جالبَيْن للالتحام وضمان التأييد الانتخابي.
ولأسباب ومصالح آنية متبادلة، أُطفئت المعركة مع كردستان مؤخراً، كي يركز على اعتصامات المناطق الغربية، بينما المالكي يتهيأ لما هو خلفها، فهدفه الآن هو العودة لرئاسة الوزراء لدورة ثالثة. وهذه الرغبة تقابَل منذ مدة بدعاوى ترفعها الأطراف الاخرى ضد تكريس الديكتاتورية، بينما تنهض بوجه رغبته تلك أيضاً عوائق قانونية ليست صعبة التجاوز، فاذا هو تحمس اليوم لإنهاء معركته مع المناطق الغربية، فلأن هجومه الكبير القادم سينصب على كردستان.
ولدى المالكي أسباب كثيرة لإذكاء هجوم كهذا، الأهم بينها أنه يتكئ إلى دعم وتأييد شعبي في مناطقه والمناطق العربية، قابل للتضخيم والتأجيج، بينما القيادة الكردية لم تبادر إلى عمل أي شيء يعيد التواصل بينها وبين بقية مناطق العراق. ليس هذا وحسب، فهو لا يعدم أيضاً الحجة القانونية والدستورية: فثمة تناقض يستوجب الحل بين نظام كونفيدرالي واقعياً، وفيدرالي نصياً في الدستور. وكل هذا ليس بالمهم، المهم أن رئيس الوزراء الأبدي، في زمن ديموقراطية الطوائف، يحتاج بقوة إلى جوله كبرى، تمنحة حق الزعامة، ووسام الوطنية، وهذا سيحققه على الأغلب اذا شحذ عزيمته وتوجه شمالاً.
* كاتب عراقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.