"الصحي السعود يحقق جائزة القيادة والإنجاز في إدارة البيانات    العالم.. يواجه نقصًا ب1.2 مليون ممرضة بحلول 2030    "مبادرة طريق مكة".. تأصيل للمفهوم الحقيقي لخدمة ضيوف الرحمن    المعرض السعودي للدهانات Saudi Arabia Coatings Show يفتتح أبوابه غداً في الدمام    "هيئة الاتصالات": 180 مليار ريال حجم سوق الاتصالات والتقنية في المملكة لعام 2024    مجموعة فقيه للرعاية الصحية تحقق صافي ربح قدره 67.4 مليون ريال في الربع الأول من 2025    ولي العهد يستقبل وزير الرياضة ورئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ورئيس وأعضاء مجلس إدارة النادي ⁧‫الأهلي‬⁩ والجهازين الفني والإداري ولاعبي فريق كرة القدم بمناسبة تحقيقهم بطولة دوري أبطال آسيا للنخبة 2025    الصندوق الكشفي العالمي يثمّن تمديد دعم المملكة لمبادرة "رسل السلام"    القصيم: انتاج طائر الكرك الاكحل المهاجر    أمانة الشرقية تكثف الاجتماعات مع البلديات لتحقيق الاستدامة المالية وتحسين جودة الحياة    أمانة تبوك تستضيف ورشة تعريفية باللوائح الفنية الخاصة بالمنشآت الغذائية    ورشة "قرح الفراش" ترفع الوعي وتعزّز جودة الرعاية في منازل مستفيدي القصيم الصحي    جدة تشهد بطولتي العالم للبلياردو والماسترز للسنوكر يوليو وأغسطس 2025    وحدة الثقافة والفنون بكلية الآداب في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تختتم أنشطتها الثقافية    وداعًا يا أمير التنمية والإزدهار    "الأرصاد": أمطار غزيرة ورياح شديدة على منطقة الباحة    انخفاض الذهب بعد محادثات إيجابية بين الصين وأمريكا    إنقاذ مريضة تسعينية من بتر الطرف السفلي    الناصر: أرامكو أثبتت قوة أدائها وأرباحها ر    الجيش الهندي يعلن عن "أول ليلة هادئة" في كشمير    اليوم..القمر يظهر بحجم أصغر في سماء السعودية لتزامنه مع نقطة الأوج    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    رياح نشطة على عدة مناطق بالمملكة وأمطار على الجنوب    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة ينهي تحضيراته ل "آيسف 2025"    استشهاد 16 فلسطينيًا    حاجة ماليزية تعبر عن سعادتها بالقدوم لأداء فريضة الحج    بعد 50 عامًا في المدار… سقوط مركبة سوفيتية فاشلة    أسرة الجهني تحتفي بزواج عمّار    91 % نسبة رضا المستفيدين عن أداء الموظفين بديوان المظالم    40 مليون عملية إلكترونية لمنصة "أبشر" في أبريل 2025    عبدالعزيز بن سعود يرعى حفل تخريج 1935 طالبًا من كلية الملك فهد الأمنية    انطلق بمشاركة 100 كادر عربي وأوربي.. أمين الرياض: «منتدى المدن» يعزز جودة الحياة ويقدم حلولاً مشتركة للتحديات    القادسية ل" الثالث".. والرائد إلى" الأولى".. الاتحاد يقترب من " روشن".. والشباب يعبر الأهلي    عودة «عصابة حمادة وتوتو» بعد 43 عامًا    أمريكية وابنها يحصلان على الماجستير في اليوم نفسه    الهروب إلى الخيال..    في الجولة 33 بدوري يلو.. 9 مواجهات في توقيت واحد.. النجمة للصعود رسمياً ل"روشن".. والعين لتجنب الهبوط    سورلوث مهاجم أتلتيكو يتفوق على ميسي ورونالدو    بتنظيم من وزارة الشؤون الإسلامية.. اختتام تصفيات أكبر مسابقة قرآنية دولية في البلقان    ديوانية الأطباء تكرم البحرينية بثينة عجلان    السعودية تقود المشهد من حافة الحرب إلى طاولة التهدئة    "اعتدال" و"تليجرام" يزيلان 16 مليون مادة متطرفة في 3 أشهر    المملكة تواصل ريادتها الطبية والإنسانية    لوران بلان: الاتحاد لا يخشى أحدًا!    نادي القادسية يتوّج بكأس وزارة الرياضة لكرة الماء    القادسية يحسم لقب الدوري الممتاز لكرة القدم تحت 17 عامًا    تعافي أسواق الأسهم بعد تقلبات أزمة رسوم الجمارك    الحصار الإسرائيلي يحرم مستشفيات غزة من توفير الغذاء للمرضى    الأمير سعود بن نهار يطلع على الخدمات المقدمة للحجاج في مطار الطائف    أمير منطقة تبوك يرعى بعد غد حفل تخريج متدربي ومتدربات المنشات التدريبية    السعودية تقود جهود السلام كأول دولة ترسل مبعوثا إلى الهند وباكستان    40 مليون عملية لأبشر في أبريل    الأمير ناصر بن محمد يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير منطقة جازان بالمرتبة الممتازة    الانتهاء من تطوير واجهات مبنى بلدية الظهران بطراز الساحل الشرقي    جامعة الإمام عبد الرحمن تكرم الفائزين ب"جائزة تاج" للتميز في تطوير التعليم الجامعي    تخريج الدفعة ال 19 من طلاب جامعة تبوك الأربعاء المقبل    "الشؤون الدينية" تكلف 2000 كادر سعودي لخدمة ضيوف الرحمن.. 120 مبادرة ومسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية للحجاج    انقطاع النفس أثناء النوم يهدد بالزهايمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم كله بلد غريب
نشر في الحياة يوم 28 - 06 - 2011

يختصر المنفى حياة ملايين البشر الذين يعيشون حياتهم في الموقت، والذي يعاش على مستويين، كحالة جماعية أو كحالة فردية. يشكلّ المنفى انقطاع العلاقة مع الوطن الأم أساس معاناة المنفيّ، فلا هو يعيش هناك حيث اقتلع، ولا يكفّ عن الانتماء إلى هناك في الوقت ذاته، فما ترك هناك سيستعاد يوماً، وهذا هو حلم المنفي الذي يحافظ عليه طوال سنوات النفي.
يكمن رعب المنفى في قلق الانتماء بين مكان الوجود المادي للجسد البشري وبين المكان الذي ينتمي إليه المرء، في التوّزع بين اليومي القائم وبين العاطفة التي تعيد إلى أماكن أخرى. يجترح المنفيّ معجزة العيش، لأنه يعيش يومياً بما يذكره بعدم انتمائه إلى المكان، وهو أحد الأسباب التي تجعله غير قادر على الانسجام مع المحيط الجديد. ولأن المنفى يتحول إلى قدر يعيد تشكيل الإنسان من الداخل، فهو ينمو فينا كبشر، لذلك فهو ليس عبوراً للحدود فحسب، إنه كما وصفه جيسواف ميووش: المنفى"يسلبنا نقاط الارتكاز التي تساعدنا في عمل الخطط، وفي اختبار أهدافنا، وتنظيم أفعالنا. كل واحد وهو في بلده يقيم علاقات مع أسلافه. وهذه العلاقات إما علاقات إعجاب وإما تضاد على السواء. إن دافعنا هو رغبة مساواتهم واللحاق بهم في شيء ما، من أجل أن نضم أسمنا للأسماء المحترمة في قريتنا أو بلدتنا أو بلدنا. هنا في الخارج، لا يبقى شيء من هذا القبيل، لأننا نُبذنا من التاريخ الذي هو دائماً تاريخ مساحة خاصة على الخريطة". بذلك يصبح أي زرع هو في أرض الآخرين لا يمكن حصاده. في لحظات، قد ينقلب كل شيء ضدّ المنفيّ في المنفى الذي يجد نفسه فيه. على المنفيّ ترتيب حقيبته من جديد ليبحث عن منفى آخر يعيد فيه إنتاج الغربة وترتيبها على قلق جديد. يصبح من المشروع أن"ينظر المنفيون إلى غير المنفيين بشيء من الحقد. فغير المنفيين ينتمون إلى محيطهم الطبيعي، بينما المنفيّ لا ينتمي، دائماً... والمخاوف المحلّقة ستنتاب المنفيّ بسهولة، وهويته تتدعم بالضغوط السلبية الريبة والغيرة والحقد أكثر مما تتدعم بالعوامل الإيجابية الحب والشعور بالاستمرارية، والثقة"كما يقول إدوارد سعيد.
عندما يحددّ تزفيتان تودوروف صورة المنفيّ بين صور المسافرين في كتابه"نحن والآخرون"نجدها تتحددّ بالسلب أكثر مما تتحددّ بالإيجاب، خلافاً لأنماط المسافرين الآخرين، فهو يقول عنه"تشبه هذه الشخصية في جوانبها شخصية المهاجر، وتشبه الغرائبي في جوانب أخرى. فهو مثل المهاجر، يستقر في بلد ليس بلده، لكنه مثل الغرائبي، يتفادى الاستيعاب. ومع ذلك، خلافاً للغرائبي، فإنه لا يسعى إلى تجديد تجربته، ولا إلى إثارة الغرابة، وهو خلافاً للخبير، لا يهتم بشكل خاص بالشعب الذي يعيش بين ظهرانيه. من هو المنفيّ؟ إنه الذي يؤول حياته في الغربة كتجربة لعدم انتمائه إلى محيطه، وهو يبجلها لهذا السبب بالذات. يهتم المنفيّ بحياته بالذات، بل وحتى، بحياة شعبه بالذات، لكنه لاحظ في نفسه أنه لكي يرجح هذه الغاية، سيكون من الأفضل له أن يسكن الغربة، أي حيث لا ينتمي، إنه غريب ليس بصورة موقتة بل نهائية، انه الشعور ذاته، وإنّ كان اقل نمواً، الذي يدفع البعض إلى الإقامة في المدن الكبيرة، حيث الغفلة تعيق أي عملية اندماج كاملة، وأي عملية امتصاص للشخص من قبل الجماعة".
ولأنّ المنفيين يصنعون تاريخ المنفى، فهم يتواصلون في ما بينهم، لقد أصبح المنفى جزءاً رئيسياً من العصر الحديث، الذي يجسّد اتجاهاً مميزاً للمجتمعات المعاصرة، فالمنفيّ ذلك الكائن الذي فقد وطنه من دون أن يكسب بذلك وطناً آخر، الكائن الذي يحيا في خارجية مزدوجة. ويقول تودورف في كتابه"فتح أميركا - مسألة الآخر"إنّ المنفى يجسّد اليوم، على نحو أفضل، في المثل الأعلى لأوج دي سان فيكتور بعد حرفه عن معناه الأصلي الذي صاغه في القرن الثاني عشر"إن الإنسان الذي يجد وطنه حلواً ليس غير مبتدئ رخو، وذلك الذي يعتبر كل ارض بالنسبة له كأرضه هو قوي بالفعل، لكن الكامل وحده هو ذلك الذي يكون العالم كله بالنسبة اليه بلداً غريباً".
يهجر البشر أوطانهم أو يُهجرون منها لاستحالة العيش فيها، فيجدون أنفسهم في المنفى الذي ينبع أساساً من الانفصال أو الشرخ الذي لا براء منه بين شخص ما ومكانه الأصلي، بين الذات وموطنها، مما يجعل وضع المرء في غاية الصعوبة عندما"يجد نفسه غريباً ضائعاً بلا حول ولا قوة، لا يفهمه أحد، من أصل غامض، ومن مكان مجهول من هذه الأرض". كما يقول جوزيف كونراد."إنّ المنفى حالة للوجود غير المتصل، فأهل المنفى اجتثوا من جذورهم ومن أرضهم ومن ماضيهم، وعادة لا تكون لهم جيوش ولا دول ولا سلطات مركزية، وإنّ كانوا، وهذا شيء مهم، دائبي البحث عنها، وبالتالي فإنّ أهل المنفى يشعرون بحاجة ملّحة إلى إعادة تشكيل حياتهم المحطمة في شكل رواية يختارونها من عدة بدائل متنوعة". هكذا يصف إدوارد سعيد المنفي في"تأملات في المنفى".
إذا كان من الصحيح أنّ الحياة لا تُعاش بالأحلام فقط، فمن الصحيح أيضاً أن لا أحد يستطيع أن يَسلب المنفيين أحلامهم بوطن حتى لو كانت أوطانهم مستحيلة التحقيق، فالحلم بالوطن البعيد هو ما يقتات عليه المنفيّ في منفاه الطويل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.