قدّر الخبير الاقتصادي الليبي طارق يوسف ما تحتاجه بلاده لإنهاضها اقتصادياً بعشرات بلايين الدولارات، أقله في مرحلة أولى، مؤكداً أن أي خطوة في هذا المجال يجب أن تستهدف تحديث البلاد، لا مجرد بناء ما دمِّر خلال الثورة التي أطاحت العقيد معمر القذافي من الحكم بعد أكثر من 41 سنة في السلطة لم تطبَّق في أثنائها أي خطط تنموية حقيقية. وأشار يوسف، المرشح لمنصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، في مقابلة أجرتها معه"الحياة"، إلى أن ليبيا"لم تعانِ دماراً كالذي حصل في العراق خلال حرب عام 2003 وقبلها وبعدها أو بلدان أخرى، فالعاصمة طرابلس، مثلاً، لم تتعرض لخسائر مادية كبيرة"، متجنباً إيراد رقم دقيق لتكلفة النهوض الاقتصادي العتيد،"فالأمر يحتاج إلى تدقيق لم يحصل بعد"، ونافياً ما تردد أخيراً عن تكلفة أولية بمئات بلايين الدولارات. ولفت يوسف، وهو سليل عائلة كانت لها أدوار سياسية بارزة في ليبيا، إلى أن المرحلة الأولى للإنهاض الاقتصادي تتطلب ترميم البنية التحتية في القطاعات كلها وتحديثها، مؤكداً أن ليبيا، التي كانت تبلغ حصتها نحو اثنين في المئة من الإنتاج العالمي للنفط 1.6 مليون برميل يومياً إلى 1.8 بليون قبل الثورة،"كان يجب أن تكون في مستوى دولة الإمارات لناحية التنمية لو أنفقَت أموال النفط كما يجب في العقود الماضية". وأكد أن الأموال الخارجية لبلاده تنقسم إلى جزأين: نحو 180 بليون دولار مسجلة بأسماء مؤسسات رسمية ليبية يمكن استردادها بعد قيام سلطة تنفيذية جديدة في طرابلس، ونحو مئة بليون دولار هي عبارة عن أموال منهوبة مسجلة بأسماء مسؤولين في النظام السابق ومقربين منه، يستدعي استردادها إجراءات قانونية قد يطول أمدها وقد لا تمكّن من استعادة الأموال كلها. وتوقّع يوسف أن تستغرق خطة تحديث ليبيا ما لا يقل عن 25 سنة، للوصول بالبلاد إلى مستوى التنمية الذي تسمح به إمكاناتها، علماً أن البلاد تضم 6.5 مليون شخص فقط، في مقابل مساحة تفوق 1.8 مليون كيلومتر مربع. وقال:"يجب إيلاء الأولوية لتطوير البنية التحتية، وقطاعي العناية الصحية والتعليم، والموارد البشرية"، مستبعداً أن تحتاج البلاد إلى الاقتراض في أيٍّ من مراحل التحديث المطلوب. وشدد على أن"التحدي يكمن في كيفية إنفاق الأصول المالية الليبية بما يتناسب مع المعطيات الاقتصادية القائمة ولا يوجِد اختلالات اقتصادية"، معتبراً أن من واجب الحكومة العتيدة، حتى قبل الانتخابات،"أن تضخ أموالاً سريعة في الاقتصاد الليبي ليشعر الناس العاديون بأن الثورة آتت ثمارها". وأشار إلى أن الإنهاض الاقتصادي الفعلي يجب أن يبدأ بعد تأسيس شرعية سياسية دستورية وذات تمثيل شعبي سليم، متوقعاً أن تكون الأولوية حتى نهاية العام المقبل لاستكمال بسط سيادة السلطة الجديدة على كامل التراب الليبي وضبط الأمن وإجراء انتخابات تشريعية. ونبّه يوسف إلى اختلالات بنيوية اقتصادية قائمة نتيجة الفساد الذي استشرى خلال عهد القذافي، خصوصاً في السنين ال 10 الأخيرة،"فثمة ثقافة فساد مستشرية يجب علاجها". ولفت إلى أن التهميش يطاول غالبية الشعب الليبي، لكن الإهمال استهدف مناطق معينة. وأكد أنه من محبذي اقتصاد السوق شرط ألا تغيب الدولة تماماً عن الشأن الاقتصادي، فهي يجب أن تحتفظ بدور الضابط والرقيب. كذلك رحّب بمنح الأولوية في إبرام العقود إلى شركات من البلدان التي دعمت الثورة"من دون الإخلال بشفافية العقود وتنافسيتها".