صندوق الاستثمارات يطلق شركة تسامى لتعزيز منظومة خدمات الأعمال بالسعودية    عام / جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية تحصل على اعتماد أكاديمي فرنسي في عددٍ من البرامج الأكاديمية    رئيس الوزراء الأسترالي يبدأ زيارة إلى الصين    رياح نشطة وأتربة مثارة تحدّ من مدى الرؤية في عدد من مناطق المملكة    وكالات أممية: نقص الوقود في غزة بلغ مستويات حرجة ويهدد بانهيار شامل    «اليونسكو» تدرج نقوش موروجوغا الصخرية الأسترالية ضمن قائمة التراث العالمي    الياباني GO1 يتوّج بلقب FATAL FURY City of the Wolves    ضمن منافسات كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق "Team Redline" البريطاني يتوج ببطولة"Rennsport"    مواجهة "يابانية - صينية" في نهائي فايتل فيوري "سيتي أوف وولفز"    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 130 شهيدًا    مبعوث ترمب في طريقه إلى كييف.. أوكرانيا تؤكد استئناف الإمدادات العسكرية من واشنطن وأوروبا    وسط تصاعد التحذيرات الدولية.. إدانة أممية لعرقلة الحوثي جهود إنقاذ البحارة المفقودين    الأمن العام يوضح خطوات الإبلاغ عن الاحتيال المالي    ضبط 10 مكاتب مخالفة في قطاع السفر والسياحة بالرياض    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    في نهائي كأس العالم للأندية.. حلم سان جيرمان بلقب أول يصطدم بعقبة تشيلسي    الزعيم يسابق الزمن لحسم صفقة" كين"    النصر يخطط لمبادلة لابورت بالأمريكي بوليسيتش    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    ضبط 21058 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في مناطق المملكة    الغبار الإفريقي ينتقل عبر البحر الأحمر    ضبط 20 ألف قرص مخدر والإطاحة بعدة مروجين    باحث: دخول نجم سهيل 24 أغسطس المقبل    تواصل تميزها العالمي.. المملكة تعزز الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي    دمج «قسد» ضمن الدولة قيد البحث.. لا" تخطيط أمريكي" لبقاء القوات في سوريا    صورة مميزة لمونرو تباع بمزاد    568 مبتعثا ثقافيا للخارج والأولوية للبكالوريوس    فيلمي القادم سيصور بالرياض.. الفنان أحمد السقا ل"البلاد": الهلال شرف العرب في كأس العالم    رنا جبران تجسد الأمومة الجريحة في مسلسل"أمي"    الحرف اليدوية السعودية تعرض في «أوساكا»    «الشؤون الإسلامية» تعزز نشر المنهج الوسطي بالمالديف    تعديل جيني بديلا لأبر التنحيف    قطة تكتشف سلالة فيروسية نادرة    الدماغ لا يتوقف عن النمو    الإفراط في تناول دواء شائع يسرع شيخوخة كبار السن    «الصحة» تقدم 7 إرشادات لتجنب ضربة الشمس    ضبط 21058 مخالفًا للإقامة والعمل وأمن الحدود    تسخير الذكاء الاصطناعي    الفارس"المبطي"يحقق المركز الثاني في بطولة ڤالكينزڤارد بهولندا    "إغاثي الملك سلمان" .. تخفيف معاناة المحتاجين والمتضررين    إطلاق مشروع "صيف زهر" للفتيات في مدينة أبها بنسخته الرابعة    اطلاق النسخة الثانية من مشروع "رِفْد" للفتيات في مدينة أبها بدعم من المجلس التخصصي وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    نائب أمير الرياض يشرف حفل السفارة الفرنسية.. ويطّلع على جهود "الأمر بالمعروف"    خطيب المسجد الحرام: تلطفوا بعباد الله وأحسنوا إليهم    الكتاب العظيم يستحق مشروعا عظيما    أسعار النفط تتأهب لمزيد من التراجع الأسبوع المقبل    المدخلي رأس خصوم الإخوان    محافظ جدة يحضر حفل قنصلية فرنسا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    Bitcoin تسجل أعلى مستوياتها في 2025    جدة تستضيف الجولة الرابعة من بطولة العالم لسباقات الزوارق السريعة F1H2O    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    رئيس هيئة الأركان العامة يتفقد منظومة الدفاع الجوي «ثاد»    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن صالح الشثري    "السياحة" تضبط 10 مكاتب خدمات سفر وسياحة مخالفة في الرياض    "الشؤون الإسلامية" تُكمل فرش جامع الملك فهد في سراييفو    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على جهود لجنة مراقبة عقارات الدولة وإزالة التعديات بالمنطقة    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"بم يفكر الأدب ؟" لبيار ماشيري ... السرد والفلسفة
نشر في الحياة يوم 27 - 07 - 2010

يقترح المفكّر الفرنسيّ بيار ماشيري منهجاً جديداً في قراءة الأدب، في كتابه"بمَ يفكّر الأدب؟ تطبيقات في الفلسفة الأدبيّة المنظّمة العربيّة للترجمة. ترجمة جوزيف شريم، بيروت 2009، من دون أن يلغي سواه، ذلك أنّه يكشف من طريق الفلسفة الأدبيّة جوانب أساسيّة في النتاج الأدبيّ. يدرس الفكر الكامن في الفلسفة، بالموازاة مع محاولته دراسة الفلسفة الأدبيّة وطبيعة العلاقة بين الأدب والفلسفة.
يرفض ماشيري النظر إلى النصّ الأدبيّ على أنّه نظام متكامل، مكتفٍ بعناصره وأدواته، بحيث يؤلّف بنية مغلقة، بل ينظر إليه على أنّه طاقة متجدّدة، لا يوجد إلاّ في تفجّره وانفتاحه على تعدّد في المعاني والدلالات والإيحاءات، يتوالد باستمرار، لا يتضمّن أجوبة جاهزة عن أسئلة مطروحة مسبقاً، بحيث تأتي النظريّات الأدبيّة لتكشف عن هذه الأجوبة بحسب رؤيتها ومنهجها.
يختار ماشيري نماذجه التطبيقيّة، بعضاً من النصوص التي تنتمي إلى الفنّ القصصيّ، وإلى فترة زمنيّة محدّدة تمتدّ بين أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن العشرين، يستبعد أشكال العرض وفق التسلسل التاريخيّ والتصنيفيّ، يعتمد على تجميع موضوعاتيّ للنصوص، بحيث جاء الكتاب مشتملاً على أحد عشر فصلاً موزّعاً على ثلاثة أبواب: - دروب التاريخ: متخيّل كوسموبوليتي: فكر مدام دوستايل الأدبيّ، رواية حلوليّة: سبيرديون لجورج صاند، هذيانات ريمون كينو الهيغليّة. - في عمق الأشياء: حول فيكتور هوغو: صُوَر الإنسان، جورج باتاي والانقلاب المادّيّ، بلاغة الهُوى: مترو سيلين السحريّ. - كلّ شيء يجب أن يزول: ساد ونظام الفوضى، لا واقعيّة فلوبير، فوكو قارئاً روسيل: الأدب باعتباره فلسفة، من أجل فلسفة أدبيّة. وهو بذلك لا يقترح تأويلات فلسفيّة لهذه الآثار التي يعيدها إلى جوهر فكريٍّ مشترك، ويقدِّم كلّ مظاهره المختلفة، بل يوحي بقراءات لها،"بحيث أنّ الطريقة الفلسفيّة لمقاربة كتابات أدبيّة، تدخل كلّ مرّة بطريقة خاصّة محدّدة ومتمايزة"، باتّباعه منهجه الجديد المؤسّس، يتخلّص من المقابلة وجهاً لوجه بين الأدب والفلسفة.
يجتهد في الإجابة عن سؤاله الرئيس: بمَ يفكّر الأدب؟، ليستخرج تعاليم وتوجّهات فلسفيّة من قراءة النصوص الأدبيّة. ويبدو محاوراً بارعاً لسابقيه ومعاصريه من المفكّرين والفلاسفة، ومنهم كانط، هايدغر، باسكال، ديريدا... وغيرهم. لا يتحدّث ماشيري عن أدب يتبرأ من الفلسفة كأن من تهمة، كما لا يتحدّث عن فلسفة تنعزل بنفسها في برجٍ عاجيّ، تزعم ترفّعها على الأدب، بل يتحدّث عن أدب ممزوج بالفلسفة ومسكون بها، عن فلسفة هي وجه الأدب الآخر، لا من جهة كمونها في بعضٍ منه، بل عن سكنه فيها، يسهب في لا معقوليّة فصلهما عن بعضهما بعضاً، أو محاولة خلق الفجوات بينهما، تحت ذرائع التقسيم العلميّ، أو ما شابه، لأنّه يعتبر أنّ كلّ واحدة تبقى ناقصة من دون الأخرى، ويستحيل أن تكتمل، أو توصل رسالتها المنشودة بمفردها... يؤكّد ماشيري استحالة وجود أدب بمعناه الحقيقيّ إلاّ كمفهوم فلسفيّ، وهذا المفهوم لا يستنفد الواقع المعقّد للنصوص الأدبيّة، كما يؤكّد أنّ الأدب والفلسفة ممتزجان امتزاجاً معقّداً. وأنّ أيّة محاولة لفصلهما، ستنتج عزلاً وإقصاءً لكليهما، حيث ينفي وجود خطاب أدبيّ صرف، أو خطاب فلسفيّ صرف، ويقول إنّه لا توجد إلاّ خطابات ممتزجة، تتداخل فيها وفي مستويات متعدّدة، ألعاب لغويّة مستقلّة في أنظمة مراجعها وفي مبادئها، ولا يحاول ماشيري إلواء عنق النصوص الأدبيّة التي يقرأها في ضوء الفلسفة، لجعلها تفصح عن معنى يلبّسها إيّاه، بل يدرس بنيتها المتعدّدة التي تحتمل طرائق متمايزة في المقاربة والقراءة.
لا يخلو الكتاب من ارتباطات تشعّبيّة فكريّة، كتتبّع الكاتب لفوكو الذي خصّ ريمون روسيل بكتاب، وتفصيله في التحدّث عن جنونه، وتأويل ذلك، وتلاعبه باللغة، وإعدامه لها، من باب أنّ كلّ شيء إلى زوال، وكيف أنّه أضفى تعقّلاً على جنونه، يربط كتابه عن روسيل بكتب سابقة له،"تاريخ الجنون"و"الكلمات والأشياء"، إذ يكشف بعمله عن الروابط الخفيّة في هذه السلسلة الفكريّة، يبرّر ذلك مستشهداً بجيل دولوز الذي ثمّن كتاب فوكو عن روسيل، وأعاد إليه أهمّيته الحقيقيّة:"هكذا كان ل"جنون"روسيل طابع نموذجيّ باعتبار أنّه سمح بالانتقال من تاريخ اللاعقل إلى تاريخ العقل، طارداً الأشكال الممسوخة اللامنطقيّة التي تسكن عقلنا".
وعلى رغم محاولته في قراءة تفكير الأدب، عبر مقارباته الموضوعاتيّة، التي تطرّق فيها إلى الأنساق الثقافيّة والفكريّة، من دون أن يغفل الأساليب المعتمدة، فإنّه لا يفلسف الأدب بتقييد، ولا يروم تأديب الفلسفة بتحديد ما يجوز وما لا يجوز، يُبقي الأبواب مفتوحة، ويدعو إلى الاجتهاد الدائم.
ينتهي الكاتب إلى طرح مجموعة من الأسئلة: لماذا على الفلسفة أن تهتمّ بالأدب؟ وأيّ أشكال يمكن أن يتّخذ هذا الاهتمام؟ هل هذا الاهتمام ناتج من التوجّه الشامل للفلسفة التي لا تهدف إلى معرفة أيّ موضوع محدّد، فتبدو أنّ قدرها هو معالجة كلّ المواضيع من دون تمييز؟ يلغي الحدود الفاصلة بين الأدب والفلسفة، حيث يمنح الأدب مادّة فكريّة للفلسفة التي تعالجه، لجعله ينطق بأشكال التفكير الكامنة فيه بصمتٍ، وربّما بالمصادفة. وهو بذلك يخرج عن دائرة التنميط التي انحصرت على عدد معيّن من الموضوعات أو من الصور الاستحواذيّة، انتظم انطلاقاً منها تكرارها واستعادتها من دون إضافات تذكَر. يخرج ماشيري بنتيجة معظّمة للأدب، مفادها أنّ الأدب كرّس نفسه لعرض كلّ ما لم يكن ينبغي قوله، فهو يرسل لنا من العالم التاريخيّ الذي نعيش فيه، صوراً منحرفة ومشوّهة، فاحشة وفاسدة بشكلٍ نهائيّ، كما لو كانت هذه الصور تتكوّن في مرآة محطّمة، حيث يولَد العالم من جديد أصدق ممّا هو في الواقع، في الضوء القاسي والساخر الذي لا يعرف الرحمة تلقيه عليه حقيقة الأسلوب. لأنّ العالم لا يكون حقيقيّاً بهذا المقدار إذا لم يعبِّر عن نفسه بواسطة الكتب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.