تبيّن الإحصاءات الاقتصادية العالمية، أن اعتماد الدول الصناعية الكبرى آليات ومبادئ الاقتصاد الرقمي الحديث، الذي يرتكز على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، شكّل نقطة أساسية في تكريس الهوّة التي تفصلها عن الدول النامية. وأدى استعمال التقنيات الرقمية المتطورة الى جعل قطاع المعلوماتية حجر الزاوية في معظم الصناعات والأعمال التجارية وصولاً الى ما يعرف"بالحكومة الرقمية"التي تعتمد على المعلوماتية حتى في المعاملات الرسمية. ولقد بُذلت الكثير من الجهود التي تبتنها كثير من الدول، لمحاولة الدفع باتجاه تطوير التعامل الإلكتروني. وعلى رغم ذلك، لا تزال هوّة فادحة تفغر فاها بين واقع تطور الأتمتة وآليات استخدامها من جهة وعدم مواكبة النصوص القانونية لهذا التقدم على المستويين التنظيمي والتشريعي من جهة ثانية. ويظهر ذلك بقوة في الدول العربية، حيث يسود افتقار كلي للتشريعات الناظمة في التعاملات الإلكترونية الآمنة، خصوصاً في الميدان المالي والاستثماري والصحي والأمني، إضافة الى الندرة في التوجيه والإرشاد القانوني الموحد الذي من المفترض أن يتناسب مع القوانين العربية المرعية الإجراء. انطلاقاً من هذا الواقع، تأتي ضرورة إحداث نقلة نوعية على مستوى التشريعات والنظم والقوانين المتعلقة بالتعاملات الإلكترونية لكي يصبح العالم العربي قادراً على مواكبة التطور، في اكتساب المعرفة ونشرها واستخدامها في الممارسات السياسية، الاقتصادية، التجارية، وكذلك في وسائل الإعلام، وفي التعليم والتربية وغيرها. ويبدو أن ذلك ضرورة لكي تستطيع بلاد العرب أن تُحقّق موقعاً متقدماً، وأن تردم الهوّة الرقمية التي تفصلها عن الدول الصناعية الكبرى. والمعلوم أيضاً أن انكفاء الدول النامية وعدم أخذها زمام المبادرة على صعيد إنتاج الأبحاث العلمية والابتكارات، ساهم في تعميق تلك الهوّة أيضاً. أمام هذه التحديات، جاء إطلاق"الملتقى الأول للبنية القانونية والتشريعات للتعاملات الإلكترونية في البلدان العربية"في مؤتمر صحافي موسّع استضافته بيروت قبل أيام قلائل، ونظّمته شركة"أكزيكون للمعارض والمؤتمرات". وجاءت هذه الخطوة منسجمة مع إعلان الحكومة اللبنانية، إثر"اتفاق الدوحة"، اعتزامها المباشرة بتنظيم سلسلة من المؤتمرات في لبنان. وفي سياق المؤتمر، أعلن أن بيروت ستستضيف"الملتقى الأول للبنية القانونية والتشريعات للتعاملات الإلكترونية في البلدان العربية"في 24-26 شباط فبراير 2009، في محاولة لتشكيل منبر علمي وقانوني لهذا الموضوع الشائك. وينتظر أن يحضر لقاء العام المقبل عدد من المتخصصين في وزارات العدل والداخلية والاتصالات والتجارة والصناعة، إضافة الى عدد من المتخصصين القانونيين بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، ونواب ومحامين وقضاة وأيضاً عدد من كبار المسؤولين في الشركات والمصارف والبورصات. أهداف للتجارة الرقمية ويرعى الملتقى المقبل رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان، بالتعاون مع جامعة الدول العربية والبرلمان العربي ووزارة العدل اللبنانية ولجنة تكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب اللبناني. وحضر المؤتمر الصحافي لإطلاق ذلك الملتقى وزير العدل اللبناني إبراهيم النجّار والنائبة الدكتورة غنوة جلول رئيسة لجنة تكنولوجيا المعلومات في المجلس النيابي. وتجدر الإشارة الى أن الدعوة قد وُجّهت فعلياً إلى المتخصصين وأصحاب الخبرة في الدول العربية والخليجية وبعض المنظمات العالمية لتقديم أوراق عمل وعرض تجاربهم ضمن محاور الملتقى، التي تشمل ما يلي: الطبيعة القانونية للتعاملات الإلكترونية العربية"الإشكاليات والحلول المقترحة". وينقسم هذا المحور الى قسمين الأول يتعلق بالقوانين الداخلية لكل دولة عربية، والثاني بطبيعة الحماية القانونية للتعاملات الإلكترونية على المستوى الدولي. الأسس والمفاهيم القانونية الرئيسية المتعلقة بالتعاملات الإلكترونية"وجهة نظر قانونية". المتطلبات القانونية للتعاملات الإلكترونية في مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والتجارية والمالية... أسس ومبادئ التنظيم القانوني للحكومة الإلكترونية في ظل المتغيرات التقنية المتسارعة. المقتضيات التشريعية والتنظيمية للحكم والتنفيذ في الجرائم الإلكترونية. المتطلبات القانونية لانتشار الإنترنت والتنظيم والاتصال. إضافة لهذه المحاور يتضمن الملتقى ورشتيّ عمل تتركز مواضيعهما حول التشريعات في التعاملات الإلكترونية، في القطاعين الصحي والمصرفي وثالثة حول اقتراحات للتضامن والتعاون التشريعي والتوجيهي على مستوى العالم العربي. ووضع المنظمون مجموعة من الأهداف التي يسعى الملتقى المقبل لتحقيقها على النحو الآتي: 1- زيادة قدرات المنطقة العربية في الاستفادة من التعاملات الإلكترونية وذلك بإعداد البنى التشريعية والتنظيمية الضرورية لبناء الإدارة الإلكترونية الحديثة، وخصوصاً مشاريع الحكومة الإلكترونية. 2- زيادة فرص الاستثمار والاندماج بالاقتصاد الرقمي العالمي وتطوير الأعمال الإلكترونية ودعمها في القطاعين العام والخاص، خصوصاً في المجالين المصرفي والمالي. 3- توفير البيئة التشريعية التي تدعم الأمن الاجتماعي، والتي تتصدى الى انتشار الجرائم الإلكترونية على أنواعها، وحصر الجرائم والاحتيالات والمخالفات التي تتم عبر التعاملات الإلكترونية، والعمل على إيجاد عقوبات مناسبة لها، وبصورة متقاربة في البلدان العربية. 4- تحفيز بناء مجتمع رقمي عربي بأطره كافة مع ما يمكن إنتاجه لتحسين مستوى الحياة وللحدّ من الفقر. 5- وضع سياسات لإدارة عربية للإنترنت تضع نصب عينيها تطوير المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، إضافة الى ما يوازيها من بنى الاتصالات الآمنة مع إيلاء اهتمام كبير بمسألة أمن المعلومات. 6- العمل على تعزيز المستوى المهني من الناحية القانونية الإلكترونية للقضاة والمحامين ومسؤولي الادعاء العام. ويترافق انعقاد"الملتقى الأول للبنية القانونية والتشريعات للتعاملات الإلكترونية في البلدان العربية"الشتاء المقبل، مع إقامة معرض للتقنيات الحديثة المستخدمة في التعاملات الإلكترونية، وفي تدعيم الإنتاجات الفكرية للمستشارين والمحامين والقضاة ولجان التنظيم والإدارة.