السعودية الأولى عالميًا في مؤشر ترابط الطرق    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    ارتفاع عدد ضحايا فيضانات تكساس إلى 120 قتيلا    رياح مثيرة للأتربة والغبار على معظم مناطق المملكة    أستراليا تطالب روسيا بدفع تعويضات    قتيلان في كييف في هجوم روسي    وزير الاتصالات وتقنية المعلومات: المملكة تقدم مجموعة من المبادرات تسهم في تشكيل عصر للذكاء الاصطناعي    رئيس فريق فالكونز: مستعدون لخوض كأس العالم للرياضات الإلكترونية ب 60 لاعبًا في 5 ألعاب للمرة الأولى    اختتام أعمال توزيع هدية خادم الحرمين الشريفين    موجز    وفاة بزه بنت سعود وعبدالله بن سعود    أمر ملكي: تعيين ماجد الفياض مستشارًا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    خالد بن سلمان يبحث المستجدات مع وزير الدفاع المجري    بين الدولة السورية و«قسد» برعاية أمريكية.. اجتماع دمشق الثلاثي يرسم ملامح تفاهم جديد    محرك طائرة يبتلع رجلاً أثناء الإقلاع    استهدف مواقع تابعة ل"حزب الله".. الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات برية جنوب لبنان    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    ليش مستغربين!    إدارة الأهلي تتجاهل الإعلام في حفل تدشين شعار النادي    أنديتنا.. التقييم أولاً    إطلاق جائزة "أداء الصحة"    إحباط تهريب 310 كجم مخدرات    شدد على تسريع مشروعات الطاقة والتوسع في التدريب التقني.. "الشورى" يطالب بتحديث مخططات المدن    آل باخذلق وآل باعبدالله يحتفلون بزواج عبدالعزيز    "لويس الإسباني".. أول رواية عربية مستوحاة من "الفورمولا"    جسرنا الحضاري    "درويش" في الخليج نهاية أغسطس    "ورث" يجدد الفنون بلغة الألعاب الإلكترونية    4 برامج لتأهيل الكوادر الوطنية في التخصصات الصحية    دراسة: بكتيريا شائعة تسبب سرطان المعدة    سان جيرمان يقسو على ريال مدريد برباعية ويبلغ نهائي مونديال الأندية 2025    بيتكوين تسجل أعلى مستوى لها مقتربة من 112 ألف دولار    المملكة توزّع (2.617) سلة غذائية في عدة مناطق بباكستان    مشاركة سعودية في تطوير التحكيم الآسيوي .. اختتام برنامج شهادة مقيمي الحكام 2025    منتخبات الأحساء وعسير والجوف والمدينة تكمل قائمة المتأهلين لبطولة المنتخبات الإقليمية تحت 13 عاماً    "الثقافة" تنظّم الأسبوع الثقافي السعودي في أوساكا    300 طالب في «موهبة الإثرائي» بالقصيم    «الديوان الملكي»: وفاة بزه بنت سعود..ووالدة عبدالله بن سعود بن سعد    القيادة تهنئ رئيس الأرجنتين بذكرى بلاده    "القصيم الصحي" يكرم المتميزين في مبادرة "إنسانيون الصحة"    ضبط 4 باكستانيين في المدينة المنورة لترويجهم (1.7) كجم (شبو)    وزير الدفاع يستقبل وزير دفاع المجر    فرع هيئة الصحفيين السعوديين بالمدينة المنورة ينظم ورشة " الأخبار العاجلة بين السبق والمصداقية"    معالي أمين الشرقية يزور معرض سكني بالخبر    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الخريصي في منزله    نائب أمير منطقة مكة يستقبل معالي الأمين العام لهيئة كبار العلماء في ديوان الامارة    أمير تبوك يطلع على التقرير الشامل لأداء إدارة التعليم بالمنطقة    "الذوق العام" تدرب مندوبي التوصيل على مستوى المملكة        أمير منطقة جازان يرعى حفل افتتاح ملتقى "جسور التواصل 2025"    أمير تبوك يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الشمالي الصحي والرئيس التنفيذي لتجمع تبوك الصحي    زيادة بنسبة 121% في عدد العمليات الجراحية في تجمع الأحساء الصحي    دراسات حديثة: الكركديه ليس آمناً للجميع    إطلاق مبادرة "إثراء قاصدينا عِزُّ لمنسوبينا"    مستشفى الملك فهد الجامعي يدشّن "صوت المستفيد"    التطبير" سياسة إعادة إنتاج الهوية الطائفية وإهدار كرامة الانسان    الحب طريق مختصر للإفلاس.. وتجريم العاطفة ليس ظلماً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فهم الحركة الإسلامية بين الميثولوجيا والسوسيولوجيا
نشر في الحياة يوم 16 - 12 - 2008

على رغم الإغراق الهائل في الكتابة عن الحركة الإسلامية فإنها في معظمها تبدو في سياق واحد مكرر يرد التاريخ والمواقف والأحداث والرؤى والمبادئ المتعلقة بالحركة الإسلامية إلى مجموعات من النصوص والتصريحات ويبني عليها توقعات وتفسيرات للماضي والحاضر والمستقبل. فعلى سبيل المثال ويمكن عرض قائمة لا تنتهي من هذه الأمثلة ترد دراسة صادرة عن مركز دراسات مهم في واشنطن فهم موقف الحركة الإسلامية من التسوية السياسية إلى حديث نبوي عن ربط قيام الساعة بقتال مع اليهود ثم يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر. ويرد مفكر مصري مشهور موقف الإخوان المسلمين من العنف إلى قصيدة ألفها في الثلاثينات أحد الإخوان المسلمين ويقول فيها:
أخ الكفر إما تبعت الهداة فأصبحت فينا الأخ المفتدى
وإما جهلت فنحن الكماة نقاضي إلى الروع من هددا
قليلة هي الدراسات لمحاولة فهم الحركة الإسلامية ضمن اعتبار الحركة الإسلامية جماعات سياسية واجتماعية أو بالنظر إلى الظاهرة الدينية ضمن اعتبارها حقلا من حقول علم الاجتماع والتاريخ الاجتماعي، ويمكن الإشارة هنا إلى رضوان السيد، وعبد الإله بلقزيز، وأوليفييه روا، وجيل كابيل من الذين حاولوا رد الظواهر وتفسيرها إلى مناهج ودراسات تاريخية واجتماعية وثقافية، وليس ضمن اعتبارها من قصص الإلياذة والأوديسة، أو مغامرات سبايدر مان.
ويجري انتقاء لأمثلة صحيحة ولكنها تقود إلى موقف معد مسبقا يريد وعن سبق الإصرار لوضع الحركة الإسلامية ضمن فهم تبسيطي نمطي مكرر، ومع الطلب الكثيف في وسائل الإعلام العربية والغربية على الحركة الإسلامية تقدمت إلى المجال أعداد كبيرة من الصحافيين والباحثين والأساتذة الجامعيين وعلى عجل وبلا خبرة لتقدم دراسات وتحقيقات صحافية وأخبار وتصريحات ومقابلات، ونشأت أيضا طبقات من"المصادر"من الصحافي ين والشيوخ والقادة الإسلاميين و"الخبراء في الجماعات الإسلامية"تستضيفهم الفضائيات ويقابلون الصحافيين والباحثين والديبلوماسيين، وتشكل"بيزنس"من مراكز الدراسات والجامعات والصحف ومنظمات التمويل الأجنبية، وبتحول العمل إلى مورد كبير يجلب المال والأضواء فقد تحول إلى هدف لمراكز النفوذ للتقديم والإقصاء على أساس لا علاقة له بالحركة الإسلامية ولا بالصحافة والمعلومات والبحث، ولكنه أقرب إلى تنفيع الأقارب والأتباع والشلل وتحويلهم إلى باحثين وكتاب وخبراء، وباستمرار الطلب وتعدده وفي الوقت نفسه ضحالة الموضوع في حقيقته، صار الخبراء والصحافي ون يقدمون كليشيهات جاهزة ومكررة ومعروفة مسبقا، ولكن التنافس والبحث عن سبق صحافي في مجال لا يصلح ابتداء للإثارة وليس غنيا بالأحداث والقصص والظواهر التي تصلح للصحافة أو للبحث أظهر نمطا من القصص الخرافية والمعلومات المفبركة والأحداث والمشاهد والسيناريوهات التي لا تتجاوز في طبيعتها ومستواها الدراما العربية الشائعة ولا تختلف عنها بشيء يذكر.
إلى أي حد يمكن أن تكون الجماعات الإسلامية في تاريخها ورؤيتها وأحداثها موضوعا يشغل الصحافة ومراكز البحث والدراسات؟ وما حجم الظواهر والمادة المعرفية التي يمكن حتى لجهود بحثية جادة وعمليات صحافي ة استقصائية حقيقية أن تبحثها وتحفر فيها معرفيا وصحافي ا؟ إنها لا تشكل مضمونا معرفيا ومعلوماتيا يستحق هذه الحملة الهائلة من البحث والاستشراق والتحقيق، وربما تمثل الجهود التي بذلت في هذا المجال أضعاف ما تحتاجه معرفة كل شيء عن الجماعات الإسلامية وأفكارها وتاريخها وقادتها وسيرهم الشخصية وملفاتهم العائلية وهواياتهم وصورهم وطعامهم وشرابهم، ماذا يعني هذا الحرص الكثيف والمتعدد والمكرر على تصوير ومقابلة أشخاص لا يحفل بهم أحد ولا يعملون شيئا ولا يعرفون شيئا وهم في بيوتهم وفي مكاتبهم يطقطقون على مفاتيح الكمبيوتر ويجلسون في بيوتهم مع أطفالهم؟ ماذا يمكن أن يقدم هذا النبش"الخرافي اليائس"في الناس من قصص أو سبق صحافي أو معرفة بحثية وعلمية؟ ماذا يمكن أن يقال عن رسالة صوتية لأيمن الظواهري أو تصريح لمسؤول في جماعة إسلامية، وماذا يمكن من نتائج وتحليلات واكتشافات وخطط وأفكار يمكن التوصل إليها حتى تستنفر الفضائيات والتصريحات والمقابلات في العالم كله؟ وماذا يمكن الوصول إليه سوى استنتاج ما هو مستنتج ومعرفة ما هو معروف وتوضيح ما هو واضح؟ وحتى لو كان ثمة ما يمكن التوصل إليه فهل يملك ذلك كتبة ومخبرون ومراسلون أمضوا سيرتهم في الكتابة عن أشياء وحقائق يومية ولا تتجاوز معرفتهم بما يسألون عنه معرفة وخبرة أي شخص آخر، وربما بل غالبا جاءوا إلى الصحافة والكتابة بالمصادفة وبتوسط من قريب أو مشفق على بطالتهم أو باحث لهم عن فرصة أفضل في الحياة.
ربما يكون قد حان الوقت ليلتقط العالم أنفاسه، فقد أثبتت الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية أن الناس لديهم ما يشغلهم أكثر بكثير من قصص وتصريحات الإسلاميين، وقد وجد الفكر الغربي في الظاهرة الدينية، وهي ظاهرة عالمية لا تخص الإسلام الكثير من المعرفة الإضافية التي يمكن إضافتها لتحسين حياة الناس والرقي بها، وأمكن وضع الظاهرة في سياق معرفي وعلمي يجدد ويراجع النظريات والأفكار العلمية التي رافقت الثورة الصناعية، ولكنها اليوم أصبحت عاجزة أو أقل قدرة من قبل على الفهم وتطوير المعرفة.
لقد أصبح علم الاجتماع الثقافي وعلم النفس الثقافي مسارا معرفيا مهما، ولم تعد الثقافة تقتصر على الفنون والتاريخ والآداب، ولكنها تشكل اليوم مدخلا في التخطيط والإدارة، والتعامل مع تداعيات المعلوماتية والاتصالات والعولمة.
وفي تفسير التدين والتشدد والتطرف والعنف فإن من الطروحات القوية المنطقية عدم قدرة المجتمعات والدول على بلورة هوية ثقافية جديدة تستوعب التحولات والانتقال الذي تشهده المجتمعات والحضارات.
فكما صاحبت مرحلة الصناعة وموجة العولمة السابقة في أواخر القرن التاسع عشر موجات ثقافية واجتماعية عبرت عن نفسها بالحركات الشيوعية والفوضوية والقومية، أو الاندفاع المحموم نحو الجنس والتمرد، أو بفلسفات ومناهج ثقافية وفنية جديدة غلب عليها طابع التشاؤم، فإننا نتوقع تحولات ومشاهد جديدة تطرأ على المجتمعات والحركات.
وقد تكون جماعات العنف والتطرف واحدة من تطبيقاتها وتجلياتها، فعندما تعجز المؤسسات والأطر القائمة عن استيعاب التحولات والقلق الجديد الذي تعبر عنه الأجيال الجديدة في المجتمعات والحركات فإنها ستتجه إلى حالات تبدو غريبة من التطرف والسلبية والتفسخ.
فالأمم والمجتمعات والأفكار تتحرك على نحو تلقائي غامض لموازنة الأفكار والموجات وحماية نفسها ومصالحها وحقوقها، وهو حراك لا يعني بالطبع ردة فعل مباشرة ومعاكسة، فهذا لا يفسر تماماً الأحداث والأفكار.
وكما أن الاكتشافات العلمية تقع عادة في التخوم والحدود المتداخلة بين المعارف والعلوم فإن الصواب السياسي والاجتماعي أيضاً يقع في تفاعلات المواقف والأفكار وتداخلاتها، ومن هنا فإن علم الاجتماع الثقافي ربما يقود إلى اكتشافات معرفية تجيب على الأسئلة الجديدة القائمة. وقد يكون فهم التطرف الإسلامي وغيره أيضا يقع في هذا السياق، فالتطرف ظاهرة عالمية مصاحبة للعولمة، وليس مختصاً بالمسلمين فقط، فهناك صعود للتطرف المسيحي واليهودي والهندوسي والتطرف القومي. والحالة الدينية ظاهرة عالمية الآن تجتاح العالم كله ومن ضمنه الحالة الإسلامية، وهذه الحالة تتفاعل مع شعور بالظلم وشعور بعدم الاندماج، وشعور بالاغتراب والعزلة يزيد من تفاعل حالات التطرف مع السياسات القائمة.
* كاتب أردني.
نشر في العدد: 16692 ت.م: 16-12-2008 ص: 32 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.