يُجمع الكل على ان السير شيرارد كوبر- كولز، وهو السفير البريطاني موضوع هذا المقال، شخصية لامعة لطيفة وتوحي بالثقة، ويستحق وهو في الثالثة والخمسين من عمره، أن يتسلّم إحدى أهم السفارات البريطانية, ربما واشنطن أو باريس. وهو يحظى بمجموعة واسعة من الأصدقاء والمناصرين الذين يتابعون المسيرة الديبلوماسية التي خاضها هو وزوجته بريدجت. إنه شخص مرح ومليء بالحماسة، ومن الواضح أنه يستمتع كثيراً بالحياة الاجتماعية التي يعيشها السفير. إنه بكل بساطة الرجل المثالي لمنصب صعب, وقد شغل العديد من هذه المناصب. التقيت به المرة الأولى خلال مؤتمر في مقر مؤتمرات وزارة الخارجية البريطانية"ويلتون بارك"في مقاطعة وست ساسكس على أطراف منطقة ساوث داونز. كان يشغل منصب أمين السر الخاص لوزير الخارجية آنذاك روبن كوك. كما أتذكر انتقاداته الشديدة العلنية التي وجهها إلي عندما اقترحت ضرورة إعطاء الاتحاد الأوروبي قدرة اكبر على القرار في الشؤون الخارجية. ذلك علماً بأنه بات يملك الآن هذا القرار, وقد يزداد ذلك بشكل ملموس. وبين عامي 2001 و2003, كان كوبر كولز سفير المملكة المتحدة لدى إسرائيل، واستقطب اهتمام الإعلام مرتين. فقد أجرت معه صحيفة"جيروزالم بوست"الاسرائيلية مقابلة اقترح فيها إمكان تحسين الجيش الإسرائيلي علاقاته العامة, وقال ان باستطاعة هذا الجيش استخلاص الدروس من تجارب الجيش البريطاني وممارساته في أيرلندا الشمالية. وقيل آنذاك انه زعم أن"التعامل مع عرفات كان أشبه بمصارعة الهُلام". وبعد ذلك وجه انتقادات الى الجنود الاسرائيليين بسبب مضايقاتهم للسكان المدنيين، اعتبرت بمثابة محاولة للتوازن مع تلك التصريحات, واضاف اليها مزاعم النهب وعدم الاحتراف لدى هؤلاء الجنود. كما سلّط الضوء على الصعوبات التي تواجهها منظمات الرعاية الاجتماعية التي تسعى إلى الوصول الى سكان البلدات الفلسطينية الكبرى. وقد علَّق ناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية على تصريحاته قائلاً:"إن أقل ما يمكن قوله هو ان هذه الملاحظات غير لائقة وغير مرحَّب بها. ويبدو ان السفير أغفل ان أيام الانتداب البريطاني قد ولّت". وفي العام 2003, وخلال تبدُّل غير متوقع في التعيينات, تم نقل كوبر كولز الى السعودية. وكانت قلة ضئيلة من الديبلوماسيين البريطانيين تتمتع بحسن إطّلاع أفضل منه على خلفيات الصراع العربي الإسرائيلي وتفاصيله. وقد واجه تحدياً أكبر حتى عندما تقرر نقله السنة الماضية من الرياض إلى كابول. وحين كان يحضر استعراضاً عسكرياً كبيراً, تعرض الرئيس حامد كارزاي لمحاولة اغتيال, فهرع الحرس العسكري الشخصي للسفير لنقله إلى مكان آمن بعيداً عن منصة كبار الشخصيات. وفي الثاني من أيلول سبتمبر الماضي, عقد السفير لقاءً خاصاً مع فرنسوا فيتو, نائب السفير الفرنسي في كابول. وقد تلقى فيتو تقريراً موجزاً فظاً ومتشائماً حول الوضع الراهن. وتعمل المملكة المتحدة وفرنسا معاً بشكل وثيق في أفغانستان, تماماً كما فعلتا خلال السنوات المنصرمة في يوغوسلافيا السابقة. ويستعد البلدان لإرسال جنودهما في عمليات عسكرية خطيرة, ويتفهَّمان أهمية الاستحواذ على عقول وقلوب السكان المحليين. ويعرب البلدان سراً عن قلقهما إزاء تكتيكات الأميركيين واستعمالهم الدائم لسلاح الجو في المناطق المدنية. وثبتت صحة الأمر تماماً عندما أرسل فرنسوا فيتو برقية مشفَّرة بعد هذا الاجتماع إلى مكتبي الرئيس ووزير الخارجية في باريس. وبطريقة ما, نال الصحافي كلود انجيلي في صحيفة"لو كانار أنشينيه"نسخة من هذه البرقية ونشرها. وأكدت وزارة الخارجية البريطانية عقد الاجتماع, إلا انها لجأت إلى إيحائها بأن الرواية الفرنسية شوَّهت القصة إلى حدٍ كبير. ومنذ ذلك الحين, قال كلود انجيلي ان"الديبلوماسيين الفرنسيين يتفقون إلى حدٍ بعيد مع البريطانيين". ومن الممكن حتماً ان جانباً من السياسة الفرنسية يتفق مع هذه المسألة, نظراً إلى ان ديبلوماسيين وضباطاً في الجيش الفرنسي هالهم الدعم الكبير الذي يقدمه الرئيس نيكولا ساركوزي إلى عمليات حلف شمال الأطلسي"الناتو"في أفغانستان, بقيادة جنرال أميركي. وزار الرئيس ساركوزي أخيراً القوات الفرنسية في أفغانستان بعدما قتلت حركة"طالبان"عشرة مظليين فرنسيين. أتفق إلى حدٍ كبير مع ما نُقل عن السفير شيرارد كوبر كولز:"إن الوضع الراهن سيئ, والحال الأمنية تزداد سوءاً, شأنهما شأن الفساد, والحكومة فقدت كل ثقة بها". ولطالما كرَّر العديد من الخبراء الأمر ذاته طوال السنة الماضية. كما أنه تساءل عما إذا كانت"القوات الأجنبية تضمن استمرار نظام كان لينهار من دونها... إنهم يؤخّرون ويعقّدون الخروج من الأزمة في النهاية, والتي ستكون دراماتيكية على الأرجح". لقد فهم السفير كوبر كولز أنه كان على المملكة المتحدة دعم الولايات المتّحدة في أفغانستان:"ولكن لا بد ان نقول لهم إننا نريد ان نكون جزءاً من استراتيجية رابحة, وليست خاسرة... وعلى المدى القريب, علينا ان نثني المرشحيْن الرئاسيين الأميركيين عن الغوص أكثر في أفغانستان... فالاستراتيجية الأميركية محكوم عليها بالفشل". وفي هذا السياق أيضاً, قال مصدر ديبلوماسي في لندن وهو محرج من تصريحات كوبر كولز ان"المشكلة مع السفير البريطاني هي أنه دائماً في ذروة القنوط والتشاؤم حين يكون الواقع فعلياً ليس بهذا السوء". إن بريطانيا بحاجة إلى سفراء يعرفون حق المعرفة ما يجري فعلاً في البلد الذي يتولون مهماتهم فيه, ولا يتردّدون في الإعلان عن وجهات نظرهم الحقيقية في الجلسات الخاصة. * سياسي بريطاني ونائب سابق عن حزب المحافظين