اتّسَم معرض "كومكس عُمان 2007"، الذي استضافه "المركز الدولي للمعارض" في مسقط، بالكثافة في الحضور الجماهيري. ففي اليوم الأول زاره عشرة آلاف شخص ليشهدوا فعالياته الافتتاحية. وتضاعف هذا العدد في الأيام الأربعة التالية، ما يُعتبر رقماً قياسياً في ذاكرة هذا المعرض السنوي الذي يترقبه هواة التقنية الرقمية في عُمان، لأنه يتيح لهم الوصول إلى أحدث المنتجات بأسعار مخفوضة نسبياً. الحكومة الالكترونية وثقافة الپ"لاب توب" إضافة الى ذلك، ظهر"كومكس 2007"كحلقة مهمة في سلسلة التحوّل العماني إلى ممارسة مفهوم الحكومة الالكترونية. ففي وقت غير بعيد، وقّعت الحكومة اتفاقية لانشاء بوابة الكترونية لدفع فواتير الخدمات عبر الانترنت والهاتف النقّال، في خطوة افتتحت سياق التحوّل الى الحكومة الالكترونية. وفي السياق عينه، ساهم معرض"كومكس"في تسويق تقنيات رقمية تُساعد في تسريع هذا التحوّل. وشملت تلك التقنيات خدمات الاتصال الهاتفي والانترنت. ولوحظ في المعرض الحضور الكثيف لأجهزة الكومبيوتر المحمول"لاب توب"LabTop، الذي يتناسب مع مفهوم"الحوسبة المتنقلة"Mobile Computing، كما يتيح الدخول الى الانترنت من أي مكان بالاتكال على الشبكات الخليوية واللاسلكية. وهكذا، ظهرت أنواع من ال"لاب توب"في أجنحة الشركات جميعها. وكذلك ظهر إقبال خاص من قبل طلاب الجامعات على شراء ذلك النوع من الأجهزة، ما أدى الى نفاذ المعروض منها في أجنحة عدّة. ووصفت إحدى الشركات، ثقافة الطلاب عن الكومبيوتر المحمول بأنها"مفاجأة مُدهشة""وأوضحت أنها وضعت بعض العارضين في موقف صعب أمام اسئلة أولئك الطلاب، بسبب ما تميّزت به من الدقة والتعمّق. وفي سياق مُتّصل، دشنت بلدية مسقط خدمة"واب"WAP، المُصطلح الذي يُلخّص عبارة Wireless Applications Protocol وترجمتها"بروتوكول التطبيقات اللاسلكية". وتُمكّن تقنية"واب"مستخدمي الخليويات المتطورة التي تستطيع التعامل مع شبكات"جي بي ار اس"GPRS وهي من تقنيات الجيل الثالث للخليوي، من الدخول إلى موقع البلدية والتعرّف الى خدماتها. وعلّق عبدالله بن عباس، رئيس البلدية على ذلك بالقول انه يتطلع إلى اليوم الذي"لا يحتاج فيه المواطن إلى المجيء الى مبنى البلدية... لأن الوصول متاح إلى الزبون في مكتبه أو في بيته". كما أعرب عن اعتقاده بأن:"الأمي في القرن الحالي ليس من لا يستطيع القراءة والكتابة بل من لا يقدر على التعامل مع معطيات الحكومة الالكترونية". في معرض كومكس 2007 بدا جلياً أن المستهلك لم يعد مهجوساً بمسألة الأسعار ورخصها وعروضها، كما كان حاله في السنوات الماضية. ومال كثيرون الى الاهتمام بالتفاصيل التقنية لما يشترونه من أجهزة الكترونية. وبذا، يمكن القول ان المعرض أفصح عن ترسّخ ثقافة رقمية، بما في ذلك مصطلحاتها الخاصة مثل"الرام""الذاكرة العشوائية للمُعالج الالكتروني"RAM، والرقاقات"مايكروشيبس"MicroChips وسرعته في التعامل مع البيانات وغيرها. ويمكن المُجازفة بالقول ان"كومكس 2007"أظهر المستهلك المحلي بوصفه متمرساً بحركة التقنية عالمياً. وفي هذا الصدّد، يشير جمال الحسيني مُصمم مواقع Web Designer وصاحب موقع"الفيحاء"الشهير في سلطنة عُمان إلى أن المعرفة بهذه التقنيات تبدأ منذ فترة الطفولة لدى الجيل الحالي. وإذ يكبر الطفل قُرب أجهزة مثل الكومبيوتر والموبايل، فإنه يستطيع معرفة أشياء كثيرة عنه، فيغدو أكثر استيعاباً للتطورات التقنية وأكثر قدرة على متابعة ايقاعها وفهمه. وفي المقابل، فإن كثرة من"الكبار"لا تجد عادة الوقت الكافي للعب الايجابي مع الأجهزة الالكترونية. أناقة العرض وشركاته وكعادته، انقسم"كومكس"إلى جناحين، بقي أحدهما أنيقاً يحمل أسماء الشركات الكبرى في عالم الاتصالات والكومبيوترات، فيما ظهر الثاني أشبه بسوق شعبية تعرض تقنيات تمهد لمستقبل متغير ومتقلب. وبالنسبة للبعض، شكّل المعرض نظرة صدمة لأنه بيّن ان المتغيّرات التقنية المتسارعة تصنع عالماً يصعب التنبؤ باحتمالاته، وخصوصاً بسبب ذلك التسارع العجيب في تصغير الأجهزة الالكترونية وتكبير ميزاتها، فتظهر أدوات وكأنها تتحدى عقل المستهلك! انها الصدمة الثقافية للأزمنة المُعاصرة. لسنوات خلت، ظلّ معرض"كومكس عُمان"حدثاً"عادياً" درجت الشركة المنظمة على وضعه بين أجندة معارضها السنوية. ثم صار حالاً لها جاذبيتها الخاصة، إذ نجح في شدّ أنظار العُمانيين، حتى أولئك الذين لا تحتل التقنيات التكنولوجية مساحة كبيرة من هواجسهم. كما نجح المعرض في الظهور كفرصة مفتوحة أمام الجميع لاقتناء"الأفضل بقيمة أقل"، بحسب شعار حرصت الشركات العارضة على إبرازه بطرق جذّابة. وسعت شركتا الاتصالات الخليوية"عُمانتل"و"النورس"إلى استخدام المغريات المختلفة، لجذب السيولة النقدية للجمهور. فمثلاً، قدّمت الشركتان عُروضاً تتيح شراء هاتف مع الحصول على خط مجاني ومكالمات اضافية على البطاقات المدفوعة مسبقاً، ما خفض سعر خط الخليوي الى أقل من ريالين حوالى ثمانية دولارات. ومن بين الهواتف التي شملها مثل ذلك العرض، برز هاتف نقّال بقيمة 55 دولاراً مع خط لبطاقة مدفوعة للمكالمات المجانية! وتنافست شركات الكومبيوتر المحمول العالمية، مثل"ايسر"و"توشيبا"و"سوني"وغيرها، في اغراء الزائر بجملة من الحوافز، من بينها تقديم ال"لاب توب"كسلعة قابلة للتقسيط بأقل من 60 دولاراً شهرياً. وفي المقابل، أعرب صالح العزري، وهو من زوار المعرض، عن اعتقاده بأنه حين يحين موعد القسط الأخير يكون جهاز الكومبيوتر الذي اقتناه بات"موضة قديمة"! ولذا، طالب الشركات بتقديم عرض استبدال القديم كما تفعل شركات السيارات. وأضاف ساخراً:"ندفع أقساطاً طوال عمرنا لأن التقدم التكنولوجي لن يتوقف طالما في جيوبنا ريالات... بل حتى ان لم يكن في جيوبنا أي شيء"! أضاف:"الا يكفينا الهاتف النقال وسرعة متغيّراته"؟ ولم تذهب نورة محمد بعيداً من تساؤلات العزري، إذ رأت أن المنازل أصبحت تهتم بالتزود بشبكة الانترنت الفائقة السرعة عبر خطوط"ايه دي اس ال"ADSL. ويؤول الأمر، برأيها، الى جعل البيت حالاً الكترونية خاصة حيث معظم السكان يتعاملون مع الانترنت ضمن شبكة موحدة."كل شخص في المنزل باستثناءات قليلة لديه جهاز الكومبيوتر الخاص به، ونادراً ما نجد شاباً ليس لديه بريده الالكتروني وهاتفه النقال الخاص به وربما هاتفين أحياناً نظراً لرخص الهواتف وسهولة الحصول على بطاقة الهاتف المدفوعة مسبقاً". كما أشارت نورة إلى التنافس الشديد على أدوات"ذاكرة الفلاش"Flash Memory. إذ قالت انها قبل سنتين اشترت إحداها بسعة 256 ميغابايت، وكانت قيمتها 18 ريالاً، وفي هذا المعرض فان هذا المبلغ يكفي لشراء واحدة تتسع ل4 جيغابايت. وإضافة الى التنافس على الخدمات، ظهر تسابق بين الشركات على تقديم أشياء غير متوافرة في السوق العُمانية راهناً. وركّزت إحدى الشركات على التعريف بخاصية"الدفع عبر الهاتف"التي تُمكّن من شراء تذاكر الطيران والقطار والسينما والسلع وغيرها عبر الهاتف، بحيث تضاف قيمة المُشتريات على الفاتورة الشهرية للهاتف أو تُخصم من بطاقة الائتمان الالكترونية عبر الانترنت. كما روجت شركة أخرى لكاميرا فيديو رقمية توضع على أبواب المنازل، فتحفظ 100 صورة"إضافة الى قدرتها على تغيير صوت الموجود في المنزل فتجعل من صوت الطفل والمرأة رجلاً!