تفاوتت النظرة الى الخطوات الشجاعة التي أقدم عليها رئيس "اللقاء النيابي الديموقراطي" رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بين قوى الأكثرية وحلفاء القطب السياسي اللبناني، وبين قوى المعارضة اللبنانية، بعد المواقف التي أخذها بالدعوة الى التهدئة والتعقل في التعاطي مع الجريمة المروعة التي هزت اللبنانيين وصدمتهم بخطف وقتل الفتى زياد الغندور 12 عاماً والشاب زياد قبلان 25 عاماً، في شكل أدى الى ضبط ردود الفعل والسيطرة عليها في شكل كبير جداً. الا أن الدور الذي لعبه جنبلاط لقي صدى كبيراً، تجاوز طائفته وأنصاره وجمهور الأكثرية فكانت ايجابياته عابرة للطوائف وشمل جزءاً لا بأس به حتى من جمهور المعارضة، في شكل بات على القادة المعارضين أن يأخذوا هذا الأمر في الاعتبار، وأن يقوموا بخطوات تؤدي الى ملاقاة المناخ الذي لعب جنبلاط الدور الرئيسي في اشاعته بالتعاون مع حلفائه في قوى 14 آذار وفي مقدمهم زعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري، والهادف الى منع الفتنة ووقف التشنج السياسي في البلاد. ويقول مقربون من جنبلاط ان الدور الذي لعبه، أدى الى اتصالات به من عدد من السفراء العرب والأجانب امتدحوا موقفه وأثنوا على شجاعته وحكمته"وكبر"موقفه، ومنهم السفير السعودي عبدالعزيز خوجة. ويؤكد المقربون منه ان سرعة تحرك جنبلاط بعد خطف الغندور وقبلان، ثم بعد العثور على جثتيهما أدت الى نتيجتين مهمتين: تجنيب لبنان فتنة كانت واقعة لو تركت انفعالات الناس والشارع لغاربها بسبب الاحتقان القائم على الجانبين منذ مدة طويلة، وفتح باب الكلام السياسي مع القوى السياسية الأخرى عبر اشادته مرات عدة بموقفي رئيس البرلمان نبيه بري واستنكار"حزب الله"للجريمة ومطالبته الدولة بكشف المجرمين، لكن من دون أن يعني ذلك أنه تخلى عن موقفه ونظرته الى الأزمة السياسية، أو أن قادة المعارضة تخلوا عن موقفهم ونظرتهم الى الأزمة وطريقة حلها. ويرى المقربون من جنبلاط أن توجيه جنبلاط الرسائل الى قادة المعارضة لمناسبة جريمة قتل الغندور وقبلان لا يعني التراجع عن موقفه ولا يعني أن يتراجع الآخرون عن موقفهم، بل يعني أن جهود وأد الفتنة، المشتركة، فتحت باباً للتواصل وأن دماء الشهيدين مناسبة لإعادة التواصل والتعقل من الجميع وهذا يقود في الدرجة الأولى الى العودة الى طاولة الحوار. وتتفق أوساط مراقبة وأخرى مقربة من جنبلاط على القول انه لم يعد في امكان الفريق الآخر ان يتجاهل ما حققته مواقف جنبلاط لأنها ليست مجرد مواقف تتمتع بالشجاعة الأدبية بل تتعداها الى الإقدام السياسي في ظرف مأسوي للأسباب الآتية: 1 - ان لدى جنبلاط قراءة سياسية ومعطيات دفعته الى التحرك لتجنيب لبنان الفتنة سواء الدرزية - الدرزية أو الشيعية - الدرزية أو الشيعية - السنيّة. وخطواته بدأت قبل جريمة خطف وقتل الغندور وقبلان بتحركه في منطقة الجبل منذ 3 أسابيع إثر صدامات وقعت بين أنصاره ومجموعة تلوذ بالمعارضة. وهو لو لم يكن مقتنعاً بالبعد السياسي العميق لموقفه لما خاطر خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بالنزول الى الأرض والقيام بالزيارات التي قام بها في الجبل للدعوة الى التعقل وعدم الانجرار وراء الانفعالات، وهو المهدد بالاغتيال ما فرض عليه الحد من تنقلاته الى أقصى الحدود خلال السنتين الماضيتين. ويقول مقرب من جنبلاط:"ليست مسألة تفصيلية أن يعتبر جنبلاط أن الحاجة الى منع الفتنة تفوق الحاجة الى التخفيف من مخاطر تنقله... وهو واصل تجاوز الاعتبارات الأمنية بنزوله مرتين الى منطقة وطى المصيطبة عند حصول الخطف ثم بعد اكتشاف جثتي الغندور وقبلان، ثم سيره على الأقدام مكشوفاً على كل الاحتمالات في مسيرة تشييع الشهيدين، فضلاً عن ان القناعة السياسية ببذل أقصى الجهود لمنع أي انفعالات بدت خياراً تكرّس بمواكبة قيادة حزبه لهذا التوجه". ويضيف المقربون أن جنبلاط أدرك أنه لا يمكن الاكتفاء بنداءاته وسعى لأن ينسحب توجهه على قيادات الاشتراكي بحيث شاركت الأخيرة ليلة الكشف عن جثتي المغدورين، في مواجهة أي احتمال متهور بين الأنصار وبطريقة لم تخل من الصعوبات، لكنها انتهت الى النجاح في تخطي تشنج جمهور الحزب وبعض عناصره. وشارك في ذلك الى قيادات الحزب الوزير غازي العريضي ومروان حمادة والنواب: أكرم شهيب ووائل أبو فاعور وعلاء ترو... حتى فجر الجمعة. وهي جهود انتهت الى تسليم أصحاب الانفعالات، التي جرّت الى بعض الاستنفارات، بالقناعة التي عبّر عنها جنبلاط، وصولاً الى اعتذار البعض من قيادة الحزب عن هذه الانفعالات... ليس ابن ساعته ولم تكن هذه القناعة لتترسخ لو أن موقفه هو ابن الساعة، ولولا اعتماده سياسة الركون الى الدولة في حوادث سابقة في الجبل، ثم حين أكد للأجهزة الأمنية والقضائية أنه يرفع الغطاء عن أنصاره فسلّم متهماً بإطلاق النار على أحد عناصر الحزب القومي في كانون الثاني يناير الماضي، وطلب التحقيق مع محازبيه في مسألة قتل المغدور عدنان شمص الذي يربط البعض بين قتله وبين جريمة الغندور وقبلان وغيرها من الخطوات التي أخذها بالتهدئة حتى حين تعرض أحد محازبيه للقتل في أحداث 23 كانون الثاني عبدالباسط مطر الذي قتل في محلة الروشة. 2 - ان جنبلاط أثبت أنه بين أقطاب الطبقة السياسية كلها، الأقدر والأبرز والأكثر شجاعة وحنكة وخبرة في السياسة الداخلية، يعرف متى يتصلب ويتشدد ومتى يعتدل، ومتى يمارس أسلوب الهجوم ومتى يتراجع، على رغم صغر حجم قاعدته وحزبه وطائفته وامكاناته على كل الأصعدة. وهذا ما يشكل له رصيداً، ازداد خلال الأيام الأخيرة بحيث لم يعد في استطاعة أي فريق خصم له أن ينقص من هذا الرصيد مهما سعى الى ذلك، في المرحلة المنظورة المقبلة. 3 - ان جنبلاط بسلوكه خلال الأسابيع الماضية، حال دون تمكّن خصومه وخصوصاً إعلام"حزب الله"وتصريحات قادته وبعض رموز المعارضة عن أنه يشكل مع رئيس الهيئة التنفيذية في"القوات اللبنانية"الدكتور سمير جعجع، حائلاً أمام التسوية السياسية للأزمة، في محاولة من هؤلاء الخصوم للتفريق بينه وبين النائب الحريري. ويرى المقربون من جنبلاط أن هؤلاء الخصوم جهدوا لخلق صورة نمطية عن جنبلاط خلال الشهرين الماضيين قد تكون علقت في أذهان بعض جمهور المعارضة. لكن أحداث الأيام الماضية تجعل من المستحيل نجاح هذه الجهود، لأنه أخذ موقفاً يمس مصالح المواطنين، بمنعه الفتنة، لا ينفع معه اتهامه بإفشال الحلول أو اتهامه بأنه يمثل"المصالح الأميركية -ص الإسرائيلية..."الى غيرها من الاتهامات، ما يفرض على خصومه مخاطبته على قاعدة أكثر صدقية من أسلوب الترويج الإعلامي ضده وعلى أساس يتناول حقيقة الخلاف السياسي. وينتهي مراقبون الى القول ان ما أنجزه جنبلاط يفرض على الآخرين ملاقاته وأن المأزق الذي تغرق فيه البلاد نتيجة الأزمة السياسية كان يفترض من الزعامات الأخرى خطوات سريعة أكثر، من دون تجاهل عوامل الأزمة ومواقف الأفرقاء، بل من أجل تسريع العودة الى طاولة الحوار لبحثها. فما قام به جنبلاط، اضافة الى أنه تجاوز أجواء التشنج لدى فريقه نتيجة الحاجة الى الخروج من المأزق، مهّد الأجواء لمخرج لخصومه أيضاً كي يلتقطوا المناسبة من أجل السعي للخروج من المأزق الذي تتخبط به المعارضة بدورها بسبب وصول اعتصامها في وسط بيروت الى طريق مسدود ما يسبب أضراراً كبيرة. وينتهي مقربون من جنبلاط الى القول ان المناخ الذي أشاعه بمبادرته الى فتح طريق التواصل، يقابله بطء شديد وارتباك في صفوف المعارضة في استثمار هذا المناخ. وما يعبر عن هذين البطء والارتباك في اتخاذ قرار شجاع بالعودة الى الحوار هو تغطية تأخر الاستجابة بالحديث عن انتظار مبادرة سياسية من جنبلاط للحل في وقت هو بادر من دون تلكؤ، لاعتقاده أن الحل يتطلب العودة الى التحاور بحيث تستعيد القيادات السياسية المبادرة من الشارع لأن الحل لا يأتي منه بل من التوافق عليه في الحوار.