إنقاذ 18 عاملًا في منجم ذهب بكولومبيا    "حامد الغامدي"اتحادياً حتى 2030    الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    مقتل ثلاثة أشخاص في انفجار بمركز تدريب للشرطة في لوس أنجلوس    حرائق الغابات في كندا أتت هذا العام على مساحة بحجم كرواتيا    تراجع أسعار النفط    البرازيلي "شاموسكا" مدرباً للتعاون مجدداً    أمير الشرقية يدشّن المخطط العام لمطار الملك فهد الدولي... الأحد    إدارة "النصر"تعيّن البرتغالي"خوسيه سيميدو"رئسياً تنفيذياً    النصر: تعيين البرتغالي سيميدو رئيسًا تنفيذيًا مكلّفًا    القبض على (3) أشخاص في القصيم لترويجهم مواد مخدرة    أرقام رائعة تُميز ديفيد هانكو مدافع النصر المُنتظر    الهلال يدخل سباق التعاقد مع مهاجم نيوكاسل    للمسؤول … طريق لزمة – الوهابة في انتظار كاميرات ساهر والإنارة    توزيع (3.255) سلة غذائية في عدة مناطق بباكستان    "وِرث" و"السودة للتطوير" تطلقان برنامجًا تدريبيًّا لفن القط العسيري    2000 ريال تكلفة كتابة السيرة الذاتية للباحثين عن عمل    1.9 مليون مصلٍ بالروضة الشريفة وأكثر من 3.4 مليون زائر للنبي صلى الله عليه وسلم    المعيقلي: «لا حول ولا قوة إلا بالله» كنز من كنوز الجنة    حسين آل الشيخ: النميمة تفسد الإخاء وتورث العداوة    حساد المتنبي وشاعريته    حملات إعلامية بين «كيد النساء» و«تبعية الأطفال»    ميراث المدينة الأولى    أبعاد الاستشراق المختص بالإسلاميات هامشية مزدوجة    رياح نشطة وطقس حار على معظم مناطق المملكة    "هيئة الطرق": الباحة أرض الضباب.. رحلة صيفية ساحرة تعانق الغيوم عبر شبكة طرق متطورة    الجبل الأسود في جازان.. قمم تعانق الضباب وتجذب الزوار بأجوائها الرائعة    إنقاذ مريضة تسعينية بتقنية متقدمة في مركز صحة القلب بمدينة الملك سعود الطبية    جراحة تنهي معاناة مريضة من آلام مزمنة في الوجه والبلع استمرت لسنوات ب"سعود الطبية"    تجمع مكة الصحي يفعّل خدمة فحص ما قبل الزواج بمركز صحي العوالي    القادسية يُعلن رحيل أوباميانغ    مهند شبير يحول شغفه بالعسل إلى علامة سعودية    معادلة عكسية في زيارة الفعاليات بين الإناث والذكور    انطلاق أول تدريبات ⁧‫قدم الدانة‬⁩ للموسم الكروي المقبل    اختتام أعمال الإجتماع الأول للجان الفرعية ببرنامج الجبيل مدينة صحية    خارطة لزيادة الاهتمام بالكاريكاتير    السعودية: نرفض كافة التدخلات الخارجية في سوريا    جامعة الإمام عبد الرحمن تختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي    (إثراء) يعلن عن فوز 4 فرق في المنافسة الوطنية لسباق STEM السعودية    برنامج تطوير الثروة الحيوانية والسمكية يعلن توطين تقنية «فيچ قارد»    المملكة تعزي العراق قيادة وحكومة وشعبًا في ضحايا «حريق الكوت»    تعليم الطائف يختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي لأكثر من 200 طالب وطالبة    صدور بيان عن السعودية و 10 دول حول تطورات الأحداث في سوريا    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    المدينة المنورة تبرز ريادتها في المنتدى السياسي 2025    الأولى عالميا.. التخصصي يزرع جهاز دعم بطيني مزدوج بمساعدة الروبوت    تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بقاتل الدكتور عبد الملك بكر قاضي    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    20 قتيلاً.. وتصعيد إنساني خطير في غزة.. مجزرة إسرائيلية في خان يونس    ضبط 275 كجم مخدرات والإطاحة ب11 مروجاً    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    " الأمن العام" يعرف بخطوات إصدار شهادة خلو سوابق    بوتين لا ينوي وقف الحرب.. روسيا تواصل استهداف مدن أوكرانيا    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"حزب الله" ومشروع الهيمنة
نشر في الحياة يوم 08 - 02 - 2007

يعيش اللبنانيون هذه الايام هاجس الحرب الأهلية بعدما ظنوا لوهلة أنهم نجحوا في تجاوزها. الجميع يخشى من الحرب الأهلية وهم محقون بخوفهم، لأنها إن وقعت لن تترك أحداً سالماً من شرها، ولا يمكن لأحد ان يدعي بعدها انه حقق نصراً. لكن الغريب في لبنان ان جميع الساسة يجمعون على النفور من الحرب وأنهم لن ينجروا ولن يدعوا أحداً يجرهم الى هذه المتاهة. زعيم"حزب الله"السيد حسن نصرالله ردد هذه المقولة مرات ومرات، وأكد ان"حزب الله"لن يوجه سلاحه الى الداخل. كذلك بقية الزعماء بدءاً بالحريري ومروراً بجعجع وانتهاء بجنبلاط، كلهم أصر على رفضه الحرب مهما كانت الأسباب. إذن لماذا الخوف من الحرب الاهلية؟
القضية ليست داخلية بحتة، ولا يمكن النظر للأزمة اللبنانية من منظار داخلي، بل هي ناتج دولي واقليمي اختلط به المحلي والتاريخي والسوسيولوجي، لتخرج معادلة مركبة بالغة في التعقيد. وقع وضع الشيخ صبحي الطفيلي، الأمين العام السابق ل"حزب الله"يده على الجرح عندما قال:"هل كل الذي يجري من أجل وزير؟"، بالطبع لا، فالقضية ليست وزيراً ولا حكومة وحدة وطنية، ما يحدث على ساحة لبنان قديم وجديد في الوقت ذاته. القديم هو ظاهرة المحاور التي يراها اللبنانيون أمام أعينهم حيث لكل فريق داعمه الخارجي، ولكل خارجي مؤيد له محلي يراعي رغباته ومتطلباته. فالمعادلة واضحة: ايران داعمة"حزب الله"وسورية داعمة بقوة لبقية المعارضة بدءاً بالبعث وانتهاء بالحزب القومي السوري. أما على الجهة الثانية، فإن قوى الرابع عشر من آذار تحظى بالدعم الدولي والاقليمي من الدول العربية المعتدلة. هذا القديم كان من السهل احتواؤه وصوغ معادلة ما لضمان وفاق قد يصمد أمام المتغيرات الآنية. لكن ما جعله عرضة للتأزم هو العامل الجديد والذي قلما أخذه الآخرون في الاعتبار أو أخضعوه للتمحيص والتدقيق. لقد ظهر على الساحة تيار شيعي لم يعد ينظر الى العالم نظرة غير عابئة لما يجري. بعبارة أخرى هذا التيار الجديد يشعر بأنه ليس بالإمكان التعبير عن نفسه إلا بفرض نفسه على الساحة، وحمل الآخرين على الاعتراف به مهما كان الثمن.
بالطبع"حزب الله"يريد ان يظهر للعالم ان قضيته هي قضية بسيطة، حكومة وحدة وطنية تدير البلاد وتقلع الفساد. لكن ما لم يفصح عنه"حزب الله"هو السوسيولوجية الجديدة التي بدأت تتحكم به. لقد بدأ يرى نفسه حزباً أكبر من لبنان، وحزباً قادراً على فرض تسويات داخلية تسمح له بأن يكون لاعباً اقليمياً. وقد ساعدت حرب تموز يوليو الماضية على تعزيز هذا الشعور السوسيولوجي، ودفعت بقيادته وقاعدته الى الاقتناع بأن دوراً تاريخياً ينتظرهما. هذا الشعور له رافد أساسي مهم وهو الثقافة الشيعية القائمة على قيم المظلومية التاريخية.
كثيرون يعتقدون ان"حزب الله"ينفذ سياسات سورية في لبنان، لكن واقع الأمر ان"حزب الله"بقدر ما هو قريب من سورية، بعيد عنها."حزب الله"يعرف خطوطه، ويدرك ان سورية هي الورقة التي يحتاجها لتأكيد دوره، ومن دونها قد يجد نفسه وحيداً في معادلة اقليمية قد تجعله مكشوف الظهر. فعلاقة"حزب الله"بسورية هي علاقة منفعية بحتة لا تقوم على أسس عقائدية أو رؤية استراتيجية طويلة المدى."حزب الله"يعرف ماذا تريد سورية! فهي ليست ضد اسرائيل في المطلق ولا تريد شن حرب غير قادرة عليها، ولا تفكر بذلك. و"حزب الله"يفكر بالمطلق ولا يخاف من حرب مهما كانت نتائجها ان كانت تصب في خانة الحق والباطل حسب مفهومه. لذلك فإن العلاقة ليست علاقة ثابتة. ولا يمكن بالتالي الرهان عليها كثيراً، لكن بالإمكان تلبية بعض الرغبات السورية، مقابل تلبية سورية رغبات"حزب الله". وما ينطبق على علاقة"حزب الله"بسورية ينطبق ايضاً على علاقة ايران بسورية.
ولتتضح الصورة أكثر لا بد من فهم التشابك القائم بين طهران و"حزب الله". ف"حزب الله"لا تقوم علاقته مع ايران على نمط علاقات تقليدية على قاعدة تابع ومتبوع، انما على اساس علاقة تكاملية، فنصر"حزب الله"هي نصر لإيران، وحيازة ايران للسلاح النووي هو نصر ل"حزب الله"، الاثنان معاً يحاولان كبداية صوغ عالم جديد في الشرق الأوسط. فإيران لا تعادي اسرائيل من منطلق المنفعة الموقتة، انما تعاديها من باب القضية الكبرى التي ترى انها ضرورية لزعامة العالم الاسلامي الذي فقد بوصلته ولم تعد شعوبه تصدق أياً من القادة يتبعون. فعندما يهدد الرئيس الايراني احمدي نجاد اسرائيل بالدمار والخراب، تنشرح صدور الشعوب العربية، وعندما يدك"حزب الله"اسرائيل بالصواريخ وان كانت محدودة التأثير عسكرياً، ترتفع صور نصرالله وتهتف له القلوب. هذا هو المشروع الذي تريده ايران ومن ورائها"حزب الله". بعبارة أخرى، يريد"حزب الله"وملهمته ايران زعامة العالم الاسلامي وزرع ثقافة المنتصر، وصوغ التاريخ من جديد.
من الصعب جداً على"حزب الله"وفق هذه المعادلة ان يدخل في صيغة لبنانية ما لم تكن له فيها اليد الطولى، وذلك كي تتسنى له متابعة رؤيته دونما عائق أو تصد من أحد. ف"حزب الله"لا يريد ان يدخل اللعبة السياسية في لبنان، لكنه أجبر عليها بعد خروج سورية التي كانت تضمن له الحماية مقابل امتناعه عن التدخل في سياستها اللبنانية الداخلية، ف"حزب الله"لن يقبل بتسليم السلاح الذي هو جزء كياني منه ولا يقبل بأن يساوم على قضية السلام مع اسرائيل. فالسلام بالنسبة إليه قضية سابقة لأوانها وبالنسبة الى ايران مسألة تعيق مشروعها الطموح. ومع شعور الحكومات العربية بالعجز أمام اسرائيل، وشعور ايران بالعلو، ومع قبول الحكومات العربية بالسلام، ورفض ايران ليس السلام، بل وجود اسرائيل، تصبح المعادلة معروفة وواضحة:"حزب الله"لن يقبل بأي تسوية، على رغم اصراره على تسوية سياسية، ما لم يحقق رؤيته الاستراتيجية في تلك التسوية. وهو إن قبلها مرحلياً، فإنها ستكون خاضعة للتعديل والتبديل وفق تغير المعطيات والظروف. هذا ما مارسه"حزب الله"وما زال يمارسه الآن تحت كثير من الشعارات والذرائع. انه باختصار يمارس سياسة نفعية بحتة بكل المقاييس تنصب كلها في إطار مشروعه الخاص.
لا يمكن ل"حزب الله"ان يقبل ابداً بتسليم سلاحه ولا التسليم بمنطق الدولة ومبدأ احتكارها للقوة، ولا يقبل بحكومة تدار وفق تحالفات مدروسة تحرمه من منطق الفصل والرفض. ولذلك فإن مصير كل المبادرات العربية سيكون الفشل طالما ان القضية السوسيولوجية غائبة عن المناقشة. وبما ان العرب عاجزون عن مواجهة ايران أو لنقل غير راغبين بها، وبما ان الولايات المتحدة تجد صعوبة بالغة في مواجهة ايران وجها لوجه بعد حرب العراق، لم يبق من السهام في جعبة الاميركي سوى التضييق على المشروع الايراني ورفع وتيرة التوتر كي تستفز المنخرطين فيه وتدفعهم لاستجلاب العون من مخزون المظلومية، فينزل"حزب الله"مضطراً الى ساحة الصراع الطائفي، فتطحنه الحرب كما طحنت قبله العراق، فيهزل خطابه، وتضعف قوته، ويسهل أكله. هذا ما نعايشه في العراق وقد نراه لا سمح الله قريباً في لبنان. ان المستمع لخطاب"حزب الله"يدرك ان القيادة تعي هذا المطب، لكنها تنجر على أرض الواقع سواء بوعي أو لا وعي الى ما تحذر منه وتعتبره مؤامرة صهيونية.
ايران و"حزب الله"قوتان قد تخدمان الاسلام والمسلمين والعرب ان عرفتا كيف توجهان سلاحهما، فلا العرب ضدهما ولا السنة يعادونهما، بل الجميع يريدونهما رديفاً، لكن عليهما وحدهما ان يعرفا مكمن الخطر، ويتجنبا الدخول مرة أخرى في دروب الدم كي لا يتكرر المشهد ثانية ويرقص الأعداء على اشلائنا.
* مستشار اعلامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.