هدد "الحوثيون" بتوسيع دائرة المواجهة التي يخوضونها مع القوات الحكومية في محافظة صعدة شمال غربي البلاد للمرة الرابعة منذ منتصف عام 2004 لتشمل مناطق ومحافظات يمنية أخرى خصوصاً أن القوات الحكومية عجزت منذ أسابيع عن إخماد تمرّد الحوثي على رغم أتساع رقعة الحرب في صعدة واستخدام كافة الأسلحة من قبل الطرفين وسقوط المئات من القتلى والجرحى وتعرض القوات الحكومية لخسائر فادحة اثناء تصديها"للحوثيين"الذين يشنّون حرب عصابات ضد مواقع القوات الحكومية ودورياتها. يطالب" الحوثيون"بحوار مع السلطات الحكومية برعاية دولية ويهددون بتوسيع رقعة الحرب لتشمل مناطق ومحافظات يمنية أخرى أعدوا فيها العدة واستعدوا فيها لساعة الصفر. علماً انهم كانوا يُعدون بالمئات عندما خاضوا أول مواجهات لهم مع القوات الحكومية في جبال مران منتصف عام 2004, غير أن خطأ في الحسابات ارتكبتها الحكومة ادى الى رفدهم بألاف الأنصار والتابعين والمناصرين بعد مقتل زعيمهم في 10 أيلول سبتمبر عام 2004. وأكدت المعارك العنيفة التي خاضها أتباع"الحوثي"المنضوين في"تنظيم الشباب المؤمن" والعمليات التي نفذوها ضد وحدات الجيش ودورياته العسكرية والأمنية في العديد من المناطق في صعدة خلال عامي 2005 و 2006 أن مقتل الحوثي لم يكن نهاية"التمرّد"في صعدة وإنما إشارة إلى فشل الحكومة اليمنية في إغلاق ملف"التمرّد". وزاد من تعقيدات الأزمة وبلوغها ذروة الخطر التحدي الصعب الذي مثله للدولة اليمنية وجيشها آلاف"المتمرّدين"الذين يحملون السلاح وينتشرون في معظم مناطق صعدة ويتخذون من الجبال مواقع لهم ومن مخانق الطرقات والوديان منطلقاً لكمائنهم وهجماتهم على مواقع القوات الحكومية مرددين شعارهم الأثير نقلاً عن زعمائهم ومرجعياتهم"الموت لأمريكا - الموت لإسرائيل". و"الحوثيون"يجيدون حرب العصابات في ذات مستوى الالتزام والثقة والإيمان بمعتقدهم فهم ينتمون للمذهب الزيدي على طريقة زعيمهم الأول وقائدهم الروحي حسين الحوثي الذي لا يزال حياً في اعتقاد معظمهم. يتكرر المشهد"الدموي"في محافظة صعدة اليمنية للمرة الرابعة سنوياً منذ منتصف العام 2004 للأسباب نفسها ولكن بوتيرة أعلى وإمكانات تسليحية وعسكرية أكبر وفي مساحات أوسع للمواجهات بين المتمرّدين أتباع بدر الدين الحوثي وأبنائه والقوات الحكومية التي باتت تخوض حرباَ شاملة في صعدة من ضواحيها الجنوبية وحتى أطرافها الشمالية القريبة من الحدود اليمنية - السعودية وتعلن الحكومة انّ هدفها هو إخماد"التمرّد" الحوثي والقضاء على ما تصفه ب"الفتنة"المذهبية والطائفية التي أشعلها قبل ثلاث سنوات زعيم ما يسمى بتنظيم" الشباب المؤمن" حسين بدر الدين الحوثي في جبال مران تحت شعار" الموت لأمريكا - الموت لإسرائيل". كان حسين الحوثي الذي ينتمي لأسرة زيدية من سلالة معروفة ومعظم أتباعه ينتمون سياسياً للحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام قد تلقّى وأتباعه دعماً مالياً وتسهيلات لوجستية من قِبَل الحكم قَبْل سنوات التمرّد واندلاع المواجهات مع القوات الحكومية في تموز يونيو عام 2004 بهدف كسر النفوذ الديني والسياسي لحزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي المعارض في صعدة بعد الطلاق النهائي بينه وبين الحزب الحاكم وإنهاء التحالف الإستراتيجي الذي كان قائماً بينهما حتى أواخر القرن الماضي. غير أن"تجمع الإصلاح"تمكن من عدم التورط في مواجهات عدائية مع الحوثي وأتباعه ليتورط فيها الحزب الحاكم بل والحكم برمته بحيث ساهمت الحسابات السياسية الخاطئة في التعاطي مع"حركة الحوثي"في تحويلها إلى حركة"تمرّد"تحمل معتقداً فكرياً ومنهجاً دينياً مذهبياً متشدداً وتمتلك من الأتباع والأنصار والسلاح والنفوذ الاجتماعي والمناطقي ما أهلها للخروج عن الدولة والقانون و"التمرّد"على الحكم في جبال مران والعديد من المناطق في حيدان وما جاورها. البداية تمثلت في قيام مجموعات من الشباب بترديد الشعار"الموت لأمريكا - الموت لإسرائيل"في عدد من مساجد العاصمة صنعاء وبعض المناطق والمحافظات التي كان للحوثي فيها معاهد خاصة لتدريس منهجه بدعم من الحكومة وتحت رعايتها. حينها تبين للحكم أن الشعار يخفي نوايا خطيرة ويهيئ التمرّد على استقرار الدولة وسيادة القانون. وجاءت المواجهات في صعدة دليلاً كافياً على"تمرّد"وفتنة يتوجب إخمادهما في المهد. الحرب الأولى: 6 آلاف ضحيّة الحرب الأولى في صعدة صيف العام 2004 أسفرت عن مقتل وجرح نحو 6 ألاف شخص معظمهم من القوات الحكومية واستمرت أكثر من 4 أشهر وانتهت بمقتل حسين الحوثي في جبال مران وسيطرة القوات الحكومية على معظم مواقع وتحصينات" الحوثيين" في جبال مران ومنطقة حيدان ومحاصرة فلولهم في مناطق أخرى مثل الرزامات وآل الصيفي والطلح. واعتقلت أجهزة الأمن الاستخبارات خلال الحرب الأولى نحو ألف عنصر بتهمة الانتماء لتنظيم"الحوثي"وقدمت العشرات منهم للمحاكمة بتهمة الإرهاب ودعم الفتنة والتخابر مع دول أجنبية، وصدرت ضدهم أحكام متفاوتة أحدها حكم بالإعدام وأغلبها السجن لفترات تراوحت بين 5 و 20 سنة. وهذه الإجراءات الأمنية استمرت حتى اندلاع الحرب الثانية مطلع العام 2005 بقيادة الحوثي الأب بدر الدين البالغ من العمر 80 عاماً في مناطق أخرى مثل الرزامات وآل الصيفي والنقعة وغيرها والتي انتهت بهدنة مؤقتة عقدتها الحكومة مع ممثلين للحوثي نصت على وقف الملاحقات والاعتقالات وإطلاق المعتقلين وإلغاء المحاكمات وعودة النازحين إلى قراهم وبيوتهم والشروع في إعادة إعمار المناطق التي دمرتها المواجهات المسلحة. غير أن هذه الهدنة لم تصمد كثيراً وتحولت إلى ما يشبه حرب استنزاف يخوضها"الحوثيون"ضد الحكومة خصوصاً بعد أن منعت إقامة يوم"الغدير"في منطقة نشور للمرة الثانية أواخر عام 2005. وعاد كل طرف ليتهم الطرف الآخر بخرق الهدنة وعدم الالتزام بالاتفاقات, في حين كانت الحكومة تلمّح الى تورط أطراف عربية وإقليمية يدعم التمرّد لدوافع مذهبية وسياسية. وكانت إشارات تتكرر باتجاه"حزب الله"في لبنانوإيران والمرجعيات الشيعية في النجف العراقية. المبررات والظروف نفسها التي أشعلت مواجهات 2004 - 2005 في محافظة صعدة كانت وراء اندلاع المواجهات للمرة الثالثة في أواخر العام 2005، وتزعم"الحوثيين"عبد الملك بدر الدين الحوثي وعبد الله الرزامي والأول هو شقيق حسين والثاني من أبرز مساعديه وقادته الميدانيين. وجرت المعارك في مناطق عدة في نشور والرزامات، وآل الصيفي والطلح وسحار، وسقط فيها العشرات بين قتيل وجريح من الطرفين غير أن الخسائر في صفوف القوات الحكومية كانت كبيرة ومؤثرة بالإضافة إلى تمكن الحوثيين من استحداث مواقع وتحصينات جديدة والحصول على حاجتهم من السلاح والمؤن خلال فترات الهدنة, وشن عمليات هجومية وكمائن ضد القوات الحكومية, بالإضافة إلى تدمير البيوت التي يعتقد الحوثيون أن أصحابها ناصروا القوات الحكومية وتنفيذ عمليات قتل ومحاولات لاغتيال عدد من مشايخ القبائل ووجهاء صعدة ممن وقفوا ضد"الحوثيين"وساعدوا القوات الحكومية في مناطقهم. ... تهدئة قبل الانتخابات الرئاسيّة الحرب الثالثة توقفت في 28/2/2006 بموجب اتفاق وقّعه باسم الحكومة اللواء يحيى الشامي محافظ صعدة ومن جانب الحوثيين عبد الملك الحوثي شقيق حسين وذلك بعد أن أصدر الرئيس علي عبد الله صالح قراراً بتعيين محافظ جديد لصعدة هو اللواء يحيى الشامي خلفاً للمحافظ السابق اللواء يحيى العمري المعروف بعدائه الشديد للحوثيين وتعيين مدير جديد للأمن ومنح المحافظ الشامي صلاحيات واسعة لمعالجة الأوضاع في المحافظة والوصول إلى تفاهم مع الحوثيين. ونجح المحافظ الجديد في تنفيذ اتفاق وقف النار وخفض عدد القوات الحكومية المرابطة في صعدة والشروع في إطلاق سراح المعتقلين الحوثيين وتنفيذ خطة لإعادة الأعمار في المنطقة. وقدمت الحكومة اليمنية تنازلات مهمة للحوثيين في سبيل الوصول إلى إنهاء عملي للأزمة قبل أشهر من إجراء الانتخابات الرئاسية والمحلية في 20 أيلول سبتمبر الماضي. في هذه الفترة أتخذ الرئيس صالح قرارات مهمة نصت على إلغاء عدد من الأحكام القضائية بحق من أدينوا بالتورط في دعم"فتنة الحوثي"والتخابر مع دولة أجنبية إيران وبينهم خطباء مساجد وقضاة في المحاكم ومدرسون. في هذه الأثناء حرص الرئيس صالح أن تكون محافظة صعدة أولى محطاته الانتخابية حيث زارها في منتصف آب أغسطس الماضي ونظم مهرجاناً كبيراً كان الحوثيون أبرز المشاركين فيه فدعاهم إلى فتح صفحة جديدة وإنهاء الفتنة وجدد إعلان العفو العام ودعاهم إلى تشكيل حزب سياسي وفقاً للقانون. وفي تطور لاحق نهاية العام الماضي زار اليمن سيف الإسلام القذافي نجل العقيد معمر القذافي في زيارة وصفت بأنها"خاصة" وأجرى لقاءات مع كبار المسؤولين في الحكومة وفي مقدمتهم الرئيس صالح ونجله العقيد أحمد علي عبد الله صالح قائد الحرس الجمهوري والوحدات الخاصة بمكافحة الإرهاب. وحينها تداولت أوساط حكومية وسياسية وإعلامية يمنية كلاماًعن وساطة يقوم بها نجل القذافي بين الحكومة والحوثيين تم في نتيجتها إطلاق سراح أكثر من 800 معتقل من أتباع الحوثي في صعدة وصنعاء وخرج معظم هؤلاء يجوبون مدينة صعدة بأسلحتهم ويرددون الشعار إياه"الموت لأمريكا - الموت لإسرائيل".. الحرب الرابعة: المعارضة ضدّ الرئيس يمكن القول بأن الحرب الرابعة في محافظة صعدة التي اندلعت منذ 5 أسابيع برهنت على فشل الحكومة في التعاطي مع الحوثيين من خلال معالجة الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحروب الثلاثة الماضية. ففي الحرب الأولى عام 2004 لجأت الحكومة إلى الأحزاب السياسية في المعارضة كوسطاء وشهود في نفس الوقت ثم تجاهلتها ولم تشركها في الإجراءات التي اتخذتها عندما أغلقت ملف صعدة بعد مقتل حسين الحوثي في 10 أيلول سبتمبر 2004. ولم تغفر أحزاب المعارضة والقوى السياسية غير الموالية للرئيس صالح تعاطيه مع الحوثيين من خلال تكرار الهدنة وقرار العفو العام وإطلاق المعتقلين في أثناء وأعقاب المواجهات اللاحقة. والتزمت دوائر الحكم ومؤسساته السياسية والإعلامية وحتى العسكرية الترويج والإشادة ب"حكمة وتسامح"الرئيس صالح ولم تعترف بأي أخطاء أو تنازلات حدثت - رغم حدوثها فعلاً - وهو ما استفاد منه الحوثيون في خوض الحرب الرابعةالراهنة. ولعل تطورات هذه الحرب تؤكد أن الانتصار العسكري للقوات الحكومية لم يتحقق على الحوثيين في الحروب الثلاث الماضية. وأن عدم الاعتراف بالأخطاء التي رافقت التعاطي الحكومي مع الحوثيين خلال الأعوام الأخيرة بل وتكرارها في كل مواجهة وفي كل هدنة مشروطة دليل آخر على فشل خطير استفاد منه الحوثيون في حربهم الراهنة. في الحرب الأولى كانت الحرب تجري على مساحة لا تتجاوز 20 في المئة من مساحة محافظة صعدة, وزادت إلى 30 في المئة في الحرب الثانية وتجاوزت 40 في المئة في الحرب الثالثة العام الماضي, وها هي اليوم تتسع لتشمل أكثر من 75 في المئة من أراضي المحافظة تقريباً. عام 2004 ادانت جمعية علماء اليمن تمرّد" الحوثيين"واعتبرته"فتنة"ووصفت المتمرّدين ب"المارقين". وأصدرت الجمعية نفسها بياناً مشابهاً قبل أيام. أما أحزاب المعارضة التي انتقدت الحكومة في الحرب الأولى ودعت إلى وقف الحرب ومعالجة الأزمة سياسياً من دون اللجوء إلى السلاح، دعت في بيان لها قبل أيام الى عدم استخدام القوة والعنف في معالجة القضايا السياسية ورفضت أي تدخل أجنبي أو محاولة إضفاء تدخل أجنبي في أحداث صعدة وهي ذاتها حملت الحكومة مسؤولية ما يحدث في صعدة كما حملتها المسؤولية في المرة الأولى. الحكومة دخلت المواجهات هذه المرة معتمدة على تأييد احزاب لم يسبق أن أيّدتها, فلقاء رئيس جهاز الأمن علي الآنسي مع ممثلي الأحزاب مؤشر على ذلك, أما مجلس النواب فقد خوّل الحكومة إخماد التمرّد بقوة السلاح وفقاً لموجبات الدستور والقوانين النافذة وهو الأمر الذي قام به مجلس الشورى. "الحوثيون"يبررون تمرّدهم بالحديث عن أفعال وإجراءات تنفذها السلطة المحلية والقوات الحكومية ضدهم بما يعني أن الحكومة نقضت عهودها وتخلت عن التزاماتها حيالهم. اما الرئيس صالح فكلف وسطاء في أثناء المواجهات العسكرية الراهنة بالنزول إلى صعدة وإقناع" الحوثيين" بزعامة عبد الملك بدر الدين بعدم الاعتداء على القوات الحكومية وتسليم السلاح الثقيل والاستفادة من قرار العفو العام واحترام النظام والقانون. ورفع هؤلاء الوسطاء تقريرهم إلى صالح مشيرين الى مسؤولية السلطات في الأحداث الأخيرة، فجاء موقف السلطة من هؤلاء الوسطاء شديداً وانفعالياً إذ وصفهم بأنهم"الجناح السياسي للإرهابيين الحوثيين"وأنكر تكليفهم بأي دور أو وساطة. المشهد الراهن في صعدة أكثر دموية من ذي قبل و"الحوثيون"يمتلكون من العتاد والسلاح ما يمكنهم من خوض حرب عصابات تربك القوات الحكومية وتعرضها لخسائر فادحة في الأرواح والعتاد. وتتحدث الحكومة عن أطراف عربية وإقليمية متورطة في دعم"التمرّد"وتؤكد أن لديها الدليل وتركت مجال التلميح لصحافتها وبعض مسؤوليها في الحديث عن تورط" ليبي"بهدف توجيه عمليات"إرهابية". هذا الكلام ترافق مع انباء عن وجود يحيى الحوثي شقيق عبد الملك الحوثي في ليبيا. وهناك إشارات واضحة في اتجاه تورط إيران في دعم"الحوثيين"وفق أجندة إقليمية ومذهبية تهدف إلى إشعال الفتنة بين الشيعة والسنة في اليمن.