الغيوم الملبدة التي يعقد مؤتمر انابوليس في ظلها تثير قلقاً لدى جميع أطراف المؤتمر، في ظل التوقعات المتضاربة للفترة التي تليه. فاسرائيل التي فرضت جدول أعماله بلاءاتها التي تضمن لها عدم التطرق الى نقاش قضايا الحل، تدرك مسبقاً ان انابوليس لن يتجاوز كونه انطلاقة لمفاوضات ترسم أجهزتها الأمنية حولها صورة تعيد الى الأذهان الفترة التي سبقت انتفاضة الأقصى وفي احسن الأحوال الوضع الذي تعيشه غزة منذ الانقلاب الذي نفذته حماس. في هذه الأثناء، وبعيداً من الضوضاء الإعلامية يجري الجيش الاسرائيلي تدريبات عسكرية على كيفية إعادة احتلال الضفة الغربية، وليس فقط قطاع غزة، في حال تدهورت الأوضاع بعد فشل انابوليس، في ظل أبحاث أجهزة الأمن وتقاريرها التي تتوقع ان تنفذ"حماس"انقلاباً في الضفة الغربية، على غرار ما فعلته في قطاع غزة. وأحد الأهداف التي وضعتها أجهزة الأمن على رأس برنامجها إعادة ملاحقة عدد من الشبان الفلسطينيين الذين شملهم اتفاق المطلوبين وبموجبه قررت اسرائيل إسقاط أسماء 170 فلسطينياً من قائمة المطلوبين لديها، ضمن ما تطلق عليه"بادرة حسن نية"تجاه رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس. ويدعي تقرير لجهاز الأمن العام ان عدداً ممن شملتهم قائمة العفو يتعاونون مع"حماس"وعادوا الى نشاطهم المسلح الذي يهدد اسرائيل. حديث اسرائيل عن تدهور الأوضاع في الضفة الغربية لا يبدو غريباً في ظل مواقف"فتح"والمعلومات التي تتحدث عن قيام بعض قادتها بشراء بيوت خارج الضفة الغربية لضمان الهرب اليها في حال نفذت"حماس"انقلاباً في الضفة وسيطرت عليها. السيناريو الذي تضعه أجهزة الأمن نابع من دراسة خاصة أجرتها وحدة عسكرية شكلها الجيش في أعقاب الانقلاب في قطاع غزة، وخرجت باستنتاج يناقض الأجواء التي تسعى القيادتان السياسية في إسرائيل والسلطة الفلسطينية الى بثها وتتحدث عن فرصة سانحة لتحقيق اتفاق بين الطرفين. العمليات العسكرية في الضفة مهمة استخباراتية قبل الخوض في نشاط الوحدة التي أجرت الدراسة في الضفة لا بد من الإشارة الى أن أحد استنتاجاتها يتعلق بملاحقة المطلوبين الذين قررت إسرائيل العفو عنهم. فالمعطيات التي جمعتها اسرائيل من الضفة، تظهر ان عدداً من هؤلاء استغلوا الاتفاق ليعودوا الى النشاط العسكري وهذه المرة في شكل أوسع. وفي تقويمه للاتفاق قال التقرير انه منذ البدء بتطبيقه تابعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن كثب نشاط مجموعة المطلوبين المشمولين في الاتفاق. وقد فحص هذا الاختبار مدى استيفائهم للالتزامات التي أخذوها على عاتقهم وفي مقدمها الامتناع عن أي نشاط إرهابي. ويتابع التقرير"ان الإنجازات التي حققتها السلطة الفلسطينية محدودة. فعملية جمع الأسلحة التي أدارتها أجهزة الأمن الفلسطينية نفذت في صورة بطيئة ولم يتم تطبيقها على جميع المطلوبين، بما في ذلك المشمولين في"اتفاق المطلوبين". اتفاق المطلوبين ينفذ على مراحل، المرحلة الأولى منه انتهت. وبموجب تقرير جهاز الأمن فإن قسماً من المطلوبين الذين سلموا أسلحتهم واستوفوا التزاماتهم سينتقلون إلى المرحلة الثانية التي يتم خلالها منحهم العفو العام، بحيث يتم فحص كل مطلوب على حدة طبقاً لخطورة أعماله في السابق. أما القسم الآخر من المطلوبين الذين تخلوا عن"الإرهاب"ولم يستوفوا جميع الالتزامات، كما يقول التقرير، فهؤلاء سيستمرون في فترة التجربة فيما الذين"استمروا في الإرهاب، عادوا ليكونوا هدفاً لأجهزة الأمن". ومن الاستنتاجات التي خرج بها الخبراء العسكريون في الوحدة التأكيد على ضرورة تشديد العمل الاستخباراتي في هذه المنطقة. ولكن بأسلوب جديد لم تمارسه إسرائيل من قبل. فقد كشف ان عمليات الاغتيال والاعتقالات التي تنفذها اسرائيل في الضفة لا تقتصر على ملاحقة المطلوبين من التنظيمات الفلسطينية المسلحة إنما على دراسة مدى تغلغل"حماس"في مدن الضفة. وقد نفذت العمليات وحدة خاصة جديدة في الجيش لم يطلق عليها اسم ولا رقم، لأن عملها موقت وقد ينتهي مع حدوث تغيير جدي في الضفة. فإما انقلاب تنفذه"حماس"واما سلام يحسم مصير الدولة الفلسطينية. وضمن مهمة هذه الوحدة أيضاً بناء بنك معلومات حول شخصيات فلسطينية, ولتحقيق ذلك تضم الوحدة الى جانب الجنود طاقماً من عشرين مترجماً يجيدون العربية والانكليزية، تمت مضاعفة اعدادهم مرتين منذ بداية العمل وطاقماً آخر مؤلفاً من رجال الاقتصاد. والدوافع الأساسية لضم مترجمين وخبراء للوحدة هو ضمان معرفة المستندات التي يحصل عليها الجنود في أثناء عملياتهم العسكرية في الضفة، وضمن استنتاجات الوحدة التي أعدت الدراسة عن وضع الضفة ان"حماس"تستغل الجمعيات الإنسانية والخيرية لتحقيق أهداف سياسية وفرض سيطرتها على الأراضي الفلسطينية. المعلومات تتحول في ما بعد الى وثائق يُستند اليها لتنفيذ أي خطة او نشاط عسكري، ومن جهة أخرى تكون بمثابة أدلة تستخدم في المحاكم الاسرائيلية ضد الأشخاص الذين سيتم اعتقالهم. ادعاءات الوحدة العسكرية ان ما حصلت عليه خلال مداهمة الجمعيات تؤكد ان حركة"حماس"تقيم بنى تحتية متينة في الضفة. فجمعيات عدة كانت"فتح"قد أقامتها سيطرت عليها"حماس"من خلال إقناع مؤسسي هذه الجمعيات بترك"فتح"والانضمام الى"حماس"او من خلال القوة في أعقاب الانقلاب الذي نفذته في غزة. الإسرائيليون يدعون ان هذه الجمعيات معروفة باسماء توحي انها تقدم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين وبهذه الطريقة نجحت في الحصول على مئات ملايين الدولارات في كل سنة. ويدعي أحد التقارير الاسرائيلية ان الدعم يأتي الى هذه الجمعيات من دول عربية مثل البحرين وسورية والإمارات والسعودية وأيضاً من دول أجنبية ومنها الولاياتالمتحدة الأميركية وسويسرا. كما يدعي الإسرائيليون ان إيران تمد هذه الجمعيات بأموال طائلة. وفي تحليل أولي للمستندات التي ضبطت في هذه الجمعيات، يتضح، كما يقول تقرير جهاز الأمن، انها دعمت ما تطلق عليها إسرائيل"تنظيمات إرهابية"الى جانب تمويل صفقات شراء أسلحة. ولتأكيد جهاز الأمن على صحة استنتاجاته هذه يقارن وضع الضفة بما حصل في قطاع غزة. ويقول ان بعضاً من الشخصيات البارزة التي تدير الانقلاب في قطاع غزة غير معروفة لإسرائيل، بمعنى أنها عملت تحت غطاء الجمعيات الخيرية حتى مهدت الطريق للانقلاب. وبحسب إسرائيل فان بعض هذه الشخصيات برزت من خلال ظهورها كناشطة في أحزاب أخرى تناقض بسياستها حركة"حماس"وذلك لغض الطرف عنها. وتلحظ خطة أجهزة الأمن في الضفة المساجد التي"تعتبر مركزاً مهماً وأساسياً لحماس وداعماً لمساعدتها في إحداث انقلاب". وتشير الى تضاعف عدد المساجد خلال السنوات الاخيرة في الضفة الى ان وصلت اليوم الى 1600 مسجد يؤم المصلين في 900 منها شيوخ من حركة"حماس"وهذا"سلاح خطير تستخدمه حماس لنجاح انقلابها في الضفة عندما يتخذ القرار".