حين تستقبل ايران غداً قادة الدول المطلة على بحر قزوين سيكون فلاديمير بوتين نجم اللقاء بلا منازع. منذ عقود طويلة لم تستقبل طهران قيصر الكرملين. ثم ان الزيارة الحالية تأتي في خضم أزمة غير مسبوقة بين ايران والغرب. وستساعد الزيارة النظام الايراني على الإيحاء لشعبه بأن لا صحة للأنباء التي تزعم ان سياسة الرئيس محمود أحمدي نجاد أوقعت البلاد في عزلة دولية. وحين يصافح أحمدي نجاد ضيفه الروسي لن يستطيع العالم إلا ان يتذكر ان الجيش الأميركي يتخبط في المستنقع العراقي عاجزاً عن تحديد موعد للنصر أو الانسحاب. قبل أيام من الزيارة أطلق بوتين سلسلة رسائل في اتجاه طهران وواشنطن وسائر العواصم الكبرى المعنية. موجز الرسائل ان مرحلة التعامل مع روسيا كدولة مريضة منشغلة بأوجاعها الداخلية قد انقضت. وان مرحلة إلقاء الدروس على روسيا في الديموقراطية والشفافية وحقوق الانسان انقضت بدورها. وان موسكو لا تسعى الى الفوز بشهادات حسن سلوك غربية وأميركية، بل الى لعب الدور الذي تعتبره من حقها في ضوء نظرتها الى قدرتها ومسؤولياتها. استغل بوتين زيارة الرئيس نيكولا ساركوزي لنسف الأساس الذي تقوم عليه حملة العقوبات الغربية ضد ايران، والتي يمكن ان تبرر الحرب او تفضي اليها. وقال:"ليس لدينا معلومات تفيد ان ايران تريد انتاج اسلحة نووية. لا نملك مثل هذه المعطيات الموضوعية، لذا ننطلق من مبدأ ان ايران لا تملك خططاً مماثلة". لكنه لم ينس مشاطرة"شركائنا مخاوفهم"مؤيداً رغبتهم في ان"تكون خطط ايران أكثر شفافية". وبهذا يكون بوتين انتزع لبلاده دور الوسيط في الأزمة ودور الممر الإلزامي الى حل ممكن. واستغل بوتين زيارة كوندوليزا رايس وروبرت غيتس الى موسكو لاتخاذ موقف متشدد من الدرع الصاروحية الاميركية. يمكن القول انه ذهب أبعد من ذلك حين لوح بالخروج من معاهدات مبرمة مع أميركا إذا أصرت على الذهاب حتى النهاية في خطة الدرع الصاروخية. اللغة التي استخدمها بوتين لتظهير عمق الخلافات سمحت للمرة الأولى بالحديث جدياً عن احتمال عودة مناخات شبيهة بتلك التي كانت قائمة أيام الحرب الباردة. ليس حدثاً بسيطاً أن يخاطب الرئيس الروسي رايس وغيتس بهذه اللغة. وأن يستقبل ساركوزي بما استقبله به. ان هذه اللغة ثمرة نجاحات حققها وثمرة إخفاقات سجلتها إدارة جورج بوش. حين تولى بوتين السلطة مطلع القرن الحالي كانت روسيا الاتحادية مهددة بالتفكك وخزينتها فارغة ومستقبلها مجهولاً. واليوم غاب خطر التفكك الروسي وامتلأت الخزينة الروسية بفعل ارتفاع أسعار الطاقة ونجح بوتين في بناء استقرار في ظل ديموقراطية روسية الألوان لا تنسجم تماماً مع المعايير الغربية سواء لجهة الشفافية وحرية الإعلام وفصل السلطات. في موازاة ذلك أفاد بوتين من غزوتي 11 أيلول سبتمبر وتورط القوة العظمى الوحيدة في حربين يصعب الانتصار فيهما والانسحاب منهما في افغانستان والعراق. يمكن القول بلا مبالغة إن العالم يشهد اليوم ولادة زعامة استثنائية في روسيا وعلى الصعيد الدولي. فبوتين أكثر شعبية من كل زعماء الدول الصناعية. ولعله الوحيد الذي لا يخشى الذهاب الى انتخابات. ووضع بلاده أفضل بكثير مما كان عليه يوم تسلم مقاليد الرئاسة. وثمة من يقول إن الصلاحيات ستذهب معه الى رئاسة الحكومة ان تولاها وستعود معه الى الكرملين حين يعود. الروس عائدون. لقد صنعت المغامرة العراقية بالامبراطورية الأميركية شيئاً يكاد يشبه ما صنعته المغامرة الأفغانية بالامبراطورية السوفياتية مع حفظ الفوارق. لكن من المبكر بالنسبة الى الدول المقيمة في محور الشر أو ما يشبهه الاطمئنان الى فضائل النوم على حرير الوسادة الروسية.