مَن يعتقد بأن مسلسل "يتربى في عزو" اعتمد على غير نجومية الفنانين الكبار الذين شاركوا فيه، وفي مقدمهم يحيى الفخراني ورانيا فريد شوقي وياسر جلال وكريمة مختار وحسن مصطفى ونهال عنبر ومها ابو عوف، يكون مخطئاً. فلا المسلسل مسلسل ولا القصة قصة. ومن شاهد حلقاته الأخيرة شعر بأنه كان متابعاً له من بدايته بحلول شهر رمضان المبارك، ولم يفته شيء من حوارات المسلسل ومفاجآته وأحداثه... ولا مفاجآت ولا أحداث. المسلسل بكل بساطة هو"تجميع"كلام ومواقف قد لا ينطبق كثير منها على الواقع، وله هدف وحيد هو التسلية والترفيه بقوالب كوميدية، بعضها كذلك وبعضها الآخر ليس كذلك. وقد يكون هذا الأمر الترفيه مطلوباً في زمن ومكان عربيين كثرت فيهما المصائب والويلات من الخليج الى المحيط. ولا شك في أن المشاهد الذي تسنت له قراءة تصريح الفخراني حمادة، قبل بدء عرض المسلسل - وهو للكاتب يوسف معاطي والمخرج مجدي أبو عميرة - الذي قال فيه إن شخصية حمادة عزو من أهم وأحب الشخصيات إلى قلبه"لأنها تلمس وتراً مهماً لنماذج البشر التي باتت منتشرة في المجتمع الآن"، أصيب بما يشبه خيبة الأمل من عدم تطابق كلام الفخراني مع واقع المسلسل، لأن شخصية حمادة عزو لا يمكن أن تكون واقعية أو ظاهرة. أما في ما يتعلق بالمسلسل ككل فكان بمثابة مقلب للجمهور. لأن كلام الفخراني الذي اعتبر"أن المسلسل لا يقدم الكوميديا لمجرد الضحك، بل يقدم المجتمع بأبعاده السياسية والاجتماعيه والاقتصادية"، جاء تتمة لمقالبه في المسلسل، وتبين أنه لا يقارب هذه الأمور إلا لماماً. ف"حمادة"هو محور المسلسل، وكل الأمور التي أتى بها زجت زجاً في محيطه لإعطاء الشخصية بعداً آخر من دون أن تكون موفقة في ذلك. في المسلسل عناصر لا تتماشى معه ولا يمكن ان تكون في بنيته وتركيبته وفي مقدمها مسألة"الطاقة النووية". فكيف يمكن الدكتورة"نوال"الفنانة نهال عنبر التي نأت عن مجتمعها 20 عاماً في ألمانيا مغتربة وباحثة شديدة الصرامة أن تحدث شخصاً لا مبالياً لئلا نقول"غير سوي"ك"حمادة"في أمور الطاقة النووية وأهمية تخصيبها؟ كيف تقدر دكتورة بقدرة قادر على"سرقة"أو"اخفاء"قرص مدمج عليه أسرار الطاقة النووية وتأتي به من ألمانيا الى مصر حالمة بتحويلها الى منتجة لهذه الطاقة؟ أليس في ذلك استخفاف بعقول المشاهدين؟ أما في ما يتعلق بالمسائل الاجتماعية، فهل يعقل أن يحمّل الشاب"ابراهيم"أحمد عزمي كل هذه الشخصيات المتناقضة والمتغيرة بتغير مواقع التصوير، او تبديل ملابس الممثلين؟ فكيف يكون في لحظة شاباً طيباً ومجتهداً وطموحاً يدرس السياسة والاقتصاد، ثم يتحول الى ثوري؟ ثم يظهر بدور"الحشاش"فال"بلطجي"فالعائد الى رشده ومنه الى المتدين المتطرف؟ وبعيداً من اجتهاد عزمي في تأدية كل تلك الشخصيات والحالات وارهاقه في مماشاة النجوم، فهل يوجد في الواقع شاب يتحول كل هذه التحولات في فترة وجيزة؟ وهل يمكن أن تلصق كل شؤون المجتمع وشجونه بشاب واحد، بينما يبقى الجميع على حالهم بمن فيهم"حمادة"المختبئ وراء إصبع أمه؟