بعقوبة مركز محافظة ديالى شبه خالية من الحياة هذه الايام بعد ان احرقت اسواقها على يد مسلحين وميليشيات وسويت معظم مخازنها بالارض. المدارس ومعظم الدوائر الحكومية هي الاخرى مغلقة الآان في بعقوبة التي تبعد نحو 65 كيلومتراً شرقي بغداد بعد ان اغتيل خمسة من اساتذة الجامعات منها على ايدي مسلحين مجهولين. السلطة المحلية ترى ان كل ذلك حصل بعد ان قدم مسلحو"القاعدة"الى بعقوبة وضواحيها هرباً من الحرب التي شنها ضدهم ابناء العشائر في محافظة الانبار غرب بغداد محاولين تحويل بعقوبة الى نموذج للنظام المتشدد الذي اعلنوه باسم"دولة العراق الاسلامية"وذلك عبر طرد الاهالي الشيعة. لكن قسماً آخر من السكان يشير الى وجود الميليشيات المسلحة القادمة من المدن الشيعية في جنوبالعراق والى عملها على طرد السكان السنّة من المدينة. أبو أحمد - لم يفصح عن اسمه الكامل - وزوجته التي تعمل معلمة في قرية قرب بعقوبة تركا عملهما على رغم ان عليهما تنشئة اطفالهما الثلاثة. هو يعمل حارساً في احدى محطات التعبئة في بغداد ولكنه قرر البقاء في منزله بعد ملاحقة المسلحين له على طريق بغداد - بعقوبة السريع. يقول"لم يعد اطفالي يذهبون الى المدرسة. زوجتي تدرسّهم في البيت. الوضع في بعقوبة رهيب. لا يوجد عمل بعد ان سيطر المسلحون على السوق الكبيرة التي اعمل فيها، فاصبحت الآن من اكثر الاماكن خطورة". هجّر المسلحون السنّة بعضهم يوقع بياناته باسم"جيش عمر" قسماً من العائلات الشيعية في بعقوبة. فنصب"جيش المهدي"التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر نقاط تفتيش وهمية على طريق بغدادبعقوبة السريع للقبض على السنّة من أهالي بعقوبة الذين يسلكون ذلك الطريق. تصاعدت وتيرة احداث العنف في المدينة بعد قتل زعيم تنظيم"القاعدة"ابو مصعب الزرقاوي في حزيران يونيو من العام الماضي في قرية هبهب قرب بعقوبة. وبدلاً من اضعاف التنظيم زادت الاوضاع سوءاً وفرض المسلحون سيطرتهم على وسط بعقوبة التي تعتبر مدينة شيوخ العشائر السنّة وانصار صدام حسين والمشهورة بمقاومتها للسلطات العراقية والقوات الاميركية على حد سواء. يقول علاء موفق، وهو موظف في دائرة محافظة ديالى:"المسلحون يخرجون مسرعين من المنطقة وهم يرتدون الاقنعة ثم يعودون بعد ذلك وكأنهم نفذوا مهمة". وقال أحد المسلحين وهو يرتدي زياً اسوداً ويحمل بندقية كلاشنيكوف ويقف في شارع الزهور الذي تحول اسمه في العامين المنصرمين الى شارع الموت:"نحمد الله اننا سائرون قدماً لتحقيق اهدافنا. نحن نقاتل الاحتلال ونقتل كل شرطي عراقي يحمي الاميركان. ولو لم يكونوا هم الذين يوفرون الحماية لهم، لكان الاميركان قد هزموا وطردوا". لكن المواجهات اليومية تتخذ طابعاً اكثر شمولية، فهي تنشب احياناً بين المسلحين السنّة من جهة والقوات الاميركية والعراقية، واحياناً بين مسلحين وميليشيا"جيش المهدي". ويذكر الاهالي ان معركة نشبت قبل اسبوع قرب"بهرز"جنوبيبعقوبة مركز تجمع انصار الرئيس العراقي صدام حسين اشتركت فيها كل هذه الجهات حين هاجم المسلحون دائرة الشرطة ورفعوا راياتهم فوق البناية بعد ان قتلوا جميع عناصر الدائرة. وفي منتصف تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي، هاجم المسلحون مدرسة الأمين الابتدائية التي نصبت قوات الشرطة نقطة مراقبة فوق سطحها فقتلوا عناصر الشرطة الاربعة وفجروا المبنى. ويقول محمد عاصم وهو طالب في المرحلة المتوسطة:"مدرستي معطلة وأنا لا أستطيع الذهاب اليها. انه شيء محزن حقاً". السلطات المحلية تقول من جهتها انها تعمل ما في وسعها لكنها تفتقد تعاون المواطنين معها. ويقول حافظ الجبوري نائب محافظ بعقوبة ل"الحياة:"نعمل بجد واخلاص لحماية المحافظة، لكن المشكلة هي في قلة التعاون من قبل الجماهير التي لا تبلغ عن المسلحين. إضافة الى تنامي الشائعات التي تقول ان الناس الذين تلقي القوات العراقية القبض عليهم يتم قتلهم لاحقا من قبل منتسبي وزارة الداخلية الشيعة المرتبطين بالمليشيات". الشباب في بعقوبة وهم من انصار المسلحين قاطعوا انتخابات مجلس المحافظة التي أُجريت عام 2005 وكذلك الاستفتاء على الدستور. وهم يثنون على المسلحين ويصفونهم ب"المجاهدين"الذين يقاتلون"من اجل الاسلام"ويجدون ان من واجبهم السيطرة على المناطق ومطاردة الشرطة والجيش العراقي وكذلك القوات الاميركية التي يعتبرونها هدفهم الرئيسي. سعد عدنان مزارع يقول:"بعقوبة هي رمز المقاومة وسيطرد الاميركان من قبل المجاهدين الشرفاء. نحن مع المجاهدين. انهم ابطال وسيذكر التاريخ ان بعقوبة قاومت الاحتلال". لكن المدينة التي تنبعث منها رائحة الموت اليومي ربما تذكر ايضا باعتبارها رمزاً للصراع المذهبي بخاصة بعد اعلان المسؤولين فيها العثور على نحو 6000 جثة مجهولة الهوية ونحو 10000 جثة اخرى تم التعرف على اصحابها وهم من الشيعة والسنّة خلال النصف الثاني من العام الماضي . أحد شيوخ القبائل أكد ل"الحياة"ان"بعقوبة التي يطلق عليها مدينة البرتقال ابتليت بالمسلحين المتشددين من كلا الطائفتين، وبحدود تفتحها على ايران تارة وعلى اقليم كردستان تارة اخرى وايضاً على محيط بغداد الشمالي الذي يستخدمه مسلحو"القاعدة"وانصار صدام للوصول اليها والخروج منها فيما يجد عناصر"جيش المهدي"ممراً آمناً له في محيط بغداد الشرقي الذي تكثر فيه القرى الشيعية".