هل الهواء المكيف مضر بالصحة؟ هذا السؤال كثيراً ما يطرحه الناس، لكن الإجابة عليه لا يعرفها إلا الذين وقعوا ضحية الهواء المكيف. فعالم الهواء المكيف ليس بالصورة الوردية التي يحاول بعضهم تسويقها. التهمة الأولى التي وجهت الى الهواء المكيف حصلت بعد حادثة جرت في أحد الفنادق البريطانية إثر اجتماع عُقد في صالة مكيفة، إذ بعد موعد عقد الندوة بأيام عانى بعض الذين حضروا الاجتماع من عوارض شبيهة بتلك الناتجة من مرض الفيالق الأجنبية، فالشكاوى راوحت بين تلك التي نشاهدها في مرض الرشح والآلام في العضلات والصداع وارتفاع الحرارة والسعال الجاف المزعج، إضافة الى عوارض أخرى مزعجة. ان الاختصاصيين الذين يتابعون عن كثب موضوع الهواء المكيف، يؤكدون أن له دوراً في إثارة الكثير من الأمراض، ان لم يكن السبب الأساسي في حدوثها، ولكنهم في الوقت نفسه يحذرون من اتهام الهواء المكيف بأنه وراء كل ما يضر بصحة الإنسان. فالهواء المكيف في الأبنية أو غيرها، يسير عبر أنابيب متشعبة ومتعددة، كل جزء منها يمكن أن يكون مصدر إزعاج ومرض في حال تعرضه للتلف. وكي نفهم خطر الهواء المكيف لا بد من فهم طبيعة الجهاز الذي يصنع هذا الهواء المكيِّف، فغالبية الناس، إن لم يكن جميعهم، يظنون أن الهواء البارد يأتي من الخارج جاهزاً مبرداً، وأنه يتجدد باستمرار، لكن الحقيقة هي غير ذلك كلياً، فأجهزة التكييف لا تأتي بهواء جديد، بل ان الهواء في داخل المنزل أو المبنى هو الذي يجري تبريده، وهنا الطامة الكبرى، إذ يمكن أن يكون هذا الهواء واسطة لنقل جراثيم وفيروسات يلقي بها رواد المكان من المصابين لتجد طريقها الى الآخرين الذين يوجدون في المكان نفسه بقصد أو من غير قصد. ان فيروسات الرشح هي الأكثر انتقالاً عبر الهواء المكيف، الى درجة ان بعض الأوبئة الصغيرة قد تحصل، خصوصاً إذا كان عدد الأشخاص كبيراً في الأماكن المكيفة. فعلى موجات الهواء المكيف تسبح بعض الجراثيم بتراكيز عالية، من هنا كثرة انتكاسة الإصابة ببعض الأمراض، مثل التهابات الجيوب، أو التهابات الأذن، أو التهاب القصبات لدى بعض الأشخاص. وهناك اتهامات للهواء المكيف بأنه يقف وراء ظهور إصابات معندة بأمراض الفطور في الطرق التنفسية، لدى الأشخاص الذين يقطنون المباني المكيفة. والهواء المكيف متهم بأنه وراء الإصابة بالأمراض التحسسية، وقد حاولت الأوساط الطبية إيجاد تفسير لها، وخلاصة ما توصلت اليه تقول إن المصابين بالتحسس قد يصطدمون صدفة مع غبار الطلع الذي يتهاوى مع الهواء المبرد. إضافة الى ان طفيليات"الأكاريا"ومسببات العفونة، تشاهد بتراكيز عالية في مجاري التهوية، مسببة على المدى القريب أو البعيد، الالتهابات الأنفية، والإصابات الربوية التحسسية. أيضاً هناك مرض ينتج من التكييف يعرف باسم"مرض يوم الاثنين"، إذ يتظاهر بزوبعة من العوارض التنفسية والحمى والصداع، ويفصح عن نفسه في أول يوم عمل بعد عطلة نهاية الأسبوع، وقد تلازم عوارض المرض صاحبها لأيام ليغيب بعدها لأسابيع قليلة، لكنه قد يعاود الكرّة. ان الهواء المكيف ينشر نوعاً من الفوضى في الجسم تتظاهر عادة على شكل عوارض تتركز خصوصاً في العين والأنف والحلق والفم، فتكثر الشكاوى من جفاف في الفم، ومن حس الوخز في البلعوم، واضطرابات في الشم، ومشاكل عينية تتمثل في التدميع وجفاف العين، أيضاً فإن أوجاع الرأس وصعوبة التركيز كثيراً ما تلقي بظلالها على صاحبها. وغني عن القول ما يسببه الهواء المكيف في الحافلات والطائرات من ازعاجات تتظاهر بأشكال مختلفة ناتجة من استنشاق هواء جاف وبارد أكثر من اللازم، الأمر الذي يقود الى تورم الغشاء المخاطي المبطن للأنف فيحدث الانسداد فيه، ما يرغم الشخص على استنشاق الهواء البارد من طريق الفم الأمر الذي يؤدي الى ظواهر بلعومية حنجرية مثل البحة في الصوت والخدر والدغدغة في الحلق والبلعوم، كما يعاني المصاب من الشعور المستمر بالعطش. المعروف عن أجهزة التكييف انها تسهم في تلوث جو المنزل بغاز الرادون المنبعث منها، وهذا الغاز خطر جداً إذ لفتت دراسة حديثة الى وجود مؤشرات قوية حول علاقة قوية بين غاز الرادون والإصابة بسرطان الدم عند الأطفال. فعند مقارنة مستوى غاز الرادون في منازل مجموعة من المصابين بسرطان الدم والغدد اللمفاوية، إضافة الى مجموعة أخرى من الأطفال الأصحاء، خلص الباحثون الى نتائج تدل على وجود تراكيز عالية من غاز الرادون في منازل المرضى المصابين بالسرطان، وذلك في شكل يتجاوز المسموح به عالمياً. من هنا يوصي الباحثون بعدم الاعتماد بصورة مستمرة على المكيفات لتهوية المنازل، ويدعون الى ضرورة تهويتها بصورة دائمة ومستمرة لمنع تكوم غاز الرادون الخطر على الأطفال. ويجدر التذكير هنا بأن غاز الرادون لا يأتي فقط من أجهزة التكييف بل هو موجود في القشرة الأرضية وفي أتربة المنازل ومواد البناء، وهو يأتي عادة من تحلل مادة الراديوم المشعة المتناثرة في الطبيعة. والرادون هو غاز خامل عديم اللون والطعم والرائحة، من هنا يكمن خطره، فهو شديد السمية وإذا تكثف يتحول الى سائل شفاف. والقول عن الغاز انه خامل، يعني انه لا يتحد مع أي عنصر أو مركب في الطبيعة، وتساعد الشقوق والتصدعات الأرضية في المنزل في تراكمه وتجمعه في داخلها، خصوصاً في الغرف ذات التهوية القليلة أو المعدومة. ويؤدي التعرض لجرعات عالية من غاز الرادون الى حدوث تبدلات نسيجية تمهد لاستيطان سرطان الرئة، وإذا كان الشخص مدخناً، فإن خطر تعرضه لهذا السرطان يكون أعلى بكثير مقارنة بنظرائه من غير المدخنين. وهناك تقارير تفيد أن غاز الرادون المشع يوجد بأعلى تركيز له في الأراضي الفلسطينية بسبب النفايات النووية التي ترميها المصانع الإسرائيلية في تلك المناطق، فعلى سبيل المثال وصل تركيز الرادون في بعض المناطق الى 50 ألف بيركل وحدة قياس في حين أن المستوى المقبول للرادون لا يجب أن يتخطى 200 وحدة. وفي النهاية، نذكر أن غاز الرادون سمح للعلماء بتفسير لغز لعنة الفراعنة، الذي لا يزال"يدوخ"الباحثين حتى الآن. فكما هو معروف فإن سلسلة من الحوادث أودت بحياة عدد كبير من العمال، بعد فتح قبر توت عنخ آمون الذي كان يحمل عبارة منقوشة مفادها أن الموت سينال كل من يعكر صفو وأمن مرقد الفراعنة. وقد عزا العلماء هذه اللعنة الى الانبعاث الكثيف لغاز الرادون عند فتح نعوش الفراعنة، فاستنشاق جرعة كبيرة من هذا الغاز هو سبب الموت... في لعنة الفراعنة؟!