فوجئت شركة"شيفرون"الأميركية الأربعاء الماضي برفض هيئة غرب استراليا لحماية البيئة اقتراحها استغلال جزيرة بارو لتطوير مشروع بطاقة 10 ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال المنتج من حقل"غورغون"البحري. وعلى رغم أن قرار الهيئة ليس ملزماً للسلطات المسؤولة، يظهر بوضوح أنه سيؤجل لفترة طويلة هذا المشروع المهم الذي تشارك فيه أيضاً شركتا"أكسون"و"شل"، والذي وقعت عقود تسليم الغاز له مع الشركات اليابانية بدءاً من عام 2010. هذا النموذج من العراقيل المتمثلة بالقوانين البيئية والضريبية التي بدأت شركات النفط العالمية تواجهها من جانب حكومات الدول الصناعية الغربية، يختلف عن موجة"القومية الجديدة"في دول أميركا اللاتينية وروسيا التي بادرت الى تغيير العقود الموقعة قبل ارتفاع أسعار النفط. وهما بدورهما يختلفان عن موجة التأميم الشاملة التي مارستها الدول العربية النفطية قبل ثلاثة عقود. إلا أن العامل المشترك لكل هذه التجارب هو محاولة الدول المنتجة الحصول على أعلى عائد نفطي ممكن، إضافة إلى حماية البيئة. وواجه رئيس شركة"شيفرون"ديفيد اورايلي هذه الحالة الجديدة في اليوم نفسه الذي اتخذت فيه الهيئة الأسترالية قرارها. فقال في امستردام أثناء انعقاد مؤتمر الغاز العالمي ان"على الحكومات أن تتبنى سياسات تأخذ في الاعتبار العلاقة العضوية التي تربط أسواق الطاقة العالمية. كما على هذه الحكومات أن تعرف أن خطواتها على رغم جاذبية سياسات الطاقة القومية في عهد الأسعار المرتفعة، ستزعزع نظام الأمن العالمي". وأضاف لاحقاً:"أنا لا أبعث برسالة فقط للدول النامية، ولكن أيضاً للولايات المتحدة وبريطانيا". لقد ركزت وسائل الإعلام الغربية في الأشهر والأسابيع الماضية على العلاقات المتوترة بين فنزويلا والبيرو وروسيا من جهة، وشركات النفط العالمية من جهة أخرى. إلا أنها أهملت في الوقت نفسه القرارات التي تتخذها الدول الصناعية نفسها تجاه الشركات النفطية الدولية والتي تعرقل وتغيّر، بل تجمد الاستثمارات الجديدة لفترات طويلة. فهناك المفاوضات المضنية بين الشركات وولاية الاسكا لمشروع تصدير النفط الخام، و4 بلايين قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي عبر أنابيب ضخمة إلى وسط الولاياتالمتحدة، والذي تقدر تكاليفه بنحو 25 بليون دولار. ويمكن اعتبار البند الذي يربط ضريبة النفط لثلاثين سنة والغاز 45 سنة - دون تغيير، إحدى المشاكل المعرقلة لهذا المشروع، والذي تعتبره واشنطن ضرورياً جداً لخفض الاعتماد على الوقود المستورد. وعلى رغم الكلام عن العولمة وحرية التجارة الدولية والاستثمارات العالمية، فقد منعت واشنطن شركة"سنووك"الحكومية الصينية من شراء شركة"يونيكال"النفطية الأميركية بحجة أن الصفقة تهدد الأمن القومي للبلاد. كما أن هناك الضريبة البريطانية على أرباح النفط والغاز المستخرج من بحر الشمال والتي بدأ مفعولها منذ بداية السنة. ففرضت هذه الضريبة في وقت ينخفض فيه الإنتاج من بحر الشمال، وفي الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المواد والخدمات الهندسية، ما دفع كثيراً من الشركات الكبيرة الى بيع أصولها هناك إلى الشركات الأصغر ومحاولة العثور على مناطق إنتاج جديدة. أما في الدول النامية، فهناك محاولات الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز تغيير العقود التي وقعتها الحكومات السابقة المعروفة بتشجيعها زيادة الإنتاج إلى أقصى مستوى ممكن. من دون أن يأخذ في الاعتبار دور الشركة الوطنية أو الضرائب التي يمكن أن تجنيها الدولة، أو طريقة تحصيل حقوق فنزويلا من الضرائب المترتبة على الشركات. وبالفعل، قرر شافيز زيادة مساهمة الشركة الوطنية في الحقول الهامشية التي تديرها الشركات الأجنبية بنسبة 60 في المئة، ما رفع قيمة أصول الشركة الوطنية 3.7 بليون دولار. والصراع الجديد في كاراكاس هو محاولة الحكومة تحصيل الضرائب المترتبة على الشركات في حقول النفط الثقيلة والتي تقدر بنحو بليون دولار لكل من الشركات الأربع العاملة هناك. وفي بوليفيا، قرر الرئيس موراليس تأميم أصول شركتي بتروبراس البرازيلية وريبسول الاسبانية، لكن مع توفير المجال لهما في التفاوض حول الشروط الجديدة للاستمرار في العمل هناك. أما في روسيا، فالصراع أكبر وأهم. إذ ان الشركات الروسية، خصوصاً عملاق صناعة الغاز العالمية"غازبروم"، تحاول شراء شركات أوروبية، مثل"سنتريكا"البريطانية، ولكنها مُنعت من ذلك. ومن ثم، فإن الاستراتيجية الروسية الحالية هي إضفاء صفة"الاستراتيجية"على حقول نفطية وغازية كثيرة التي لا يحق للشركات الأجنبية الحصول على أكثر من 49 في المئة من أصولها. وهناك دعوة من أكاديمية موسكو للعلوم لتغيير بنود عقود المشاركة الحالية بحيث تحصل الشركات الروسية على نسبة 51 في المئة أو أكثر من الحصص في الاتفاقات التي وُقّعت فعلاً. يمكن اعتبار الأمثلة أعلاه جزءاً بسيطاً من التاريخ العاصف بين الدول المنتجة والشركات. وما يشجع على زيادة المواجهات في الفترة الحالية، الأرباح القياسية التي تحصل عليها الشركات نتيجة ارتفاع أسعار النفط، إلا أن طبيعة المواجهات الجديدة، وتوقيتها في فترة غياب طاقة إنتاجية فائضة، يزيدان قلق الأسواق ويؤديان إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات جديدة. ومن ثم يتوجب على الشركات النفطية العالمية التفكير جدياً في أنواع جديدة من العقود التي لا تحصر نشاطها في الاستكشاف والاستخراج فقط، بل تربط هذه العقود بتطوير منشآت ومصانع تنوع اقتصادات الدول المنتجة وتوفر فرص عمل إضافية لها.