أصدر مكتب المفتش العام في وزارة النفط العراقية تقرير الشفافية الثاني حول تهريب النفط الخام والمنتجات البترولية، كشف فيه تفاصيل الظواهر السلبية والمشكلات التي يواجهها القطاع والتي نجمت عنها خسارة بلايين الدولارات، مركزاً على ان هذه الخسائر الجسيمة تفوت على العراق فرص النهوض والبناء وتوفير المتطلبات الأساسية. تهريب النفط الخام والمنتجات يحدد التقرير ظاهرة التهريب بمحاولة إخراج نسبة من المشتقات النفطية المستوردة الى الدول المجاورة عبر الموانئ الجنوبية بطرق غير مشروعة. وتقدر الكميات المهربة ب 10 الى 20 في المئة من قيمة الواردات البالغة 4.2 بليون دولار لسنة 2005. وكذلك سرقة نفط خام وفيول أويل محلي من الأنابيب أو المستودعات وتهريبها الى الخارج. وتحويل كميات مخصصة للدوائر الحكومية والشركات للاستعمال في زوارق الصيد والمولدات والمعامل والمزارع والأفران وبيعها الى شبكات التهريب. واستيراد كميات ناقصة وتعويضها من السوق المحلية بأسعار أرخص، أو بتسجيلها على أنها كميات كاملة، او بعدم إيصالها الى المستودعات أصلاً بالتواطؤ مع موظفي الفحص والاستلام، والاستفادة من الغرامات البسيطة المفروضة على الناقلين عن نقص الكميات. وأخيراً، وليس آخراً، تحميل كميات إضافية من صادرات الفيول أويل في الموانئ العراقية بالاستفادة من ضعف الرقابة والسيطرة وطرق القياس المستخدمة. وتكمن خطورة الظاهرة في أن المنتجات المهربة تكون إما مسروقة أو مشتراة بالسعر الرسمي الذي لا يمثل 5 في المئة من الكلفة الحقيقية بسبب الدعم، أي ان الخسائر يتحملها المال العام مباشرة وليس كما يجري في دول أخرى، حيث التهريب يمثل عادةً خسارة الضرائب والرسوم فقط على المواد والمنتجات المهربة. 800 مليون دولار ربح السوق السوداء ويشير التقرير الى نوعين آخرين من الفساد والتهريب. الأول، وجود عمليات تلاعب واسعة للحصول على كميات كبيرة من المنتجات وبيعها في السوق السوداء المحلية. إذ تشير إحصاءات حديثة إلى ان ما يباع في تلك الأسواق يقدر ببليون دولار بحسب الجهاز المركزي للإحصاء وتكنلوجيا المعلومات، ويقدر ب 41 في المئة بنزين و51 في المئة نفط أبيض و 69 في المئة زيت الغاز 55 في المئة من الغاز السائل - كلفتها الحقيقية اقل من 20 في المئة. بمعنى آخر، يتحقق للمنتفعين في السوق السوداء نحو 800 مليون دولار. والثاني، عدم توافر معلومات وبيانات دقيقة عن قيمة وكميات النفط الخام والمنتجات النفطية المهربة، بسبب افتقار وزارة النفط الى قاعدة معلومات مركزية وعدم وجود نظام محكم للقياس والعد والمطابقة. فارق الأسعار مع دول الجوار وحول الفارق الكبير في أسعار المنتجات النفطية بين العراق والدول المجاورة، يفيد التقرير انه يصل، مقارنة بالعراق وتركيا وسورية والأردن، إلى اكثر من 50 ضعفا.ً كما ان نسبة دعم الحكومة للمنتجات المستوردة تبلغ حوالى 80 في المئة بعد الزيادة الأخيرة. ويتوقع ان تبلغ قيمة الدعم الحكومي اكثر من 5 بلايين دولار لسنة 2006، فيما بلغت العام الماضي 2005 حوالى 4.2بليون دولار. ويشير إلى ان الفارق الواسع وهامش الربح الكبير الذي يحققه المهربون، يشجع على إفساد كثيرين في القطاع النفطي وخارجه. كما ان رخص الأسعار يؤدي الى سعي كثير من الإطراف والأفراد وأصحاب المصالح، للحصول على اكبر كميات ممكنة ودفع أسعارها الرسمية ثم تسريبها الى السوق السوداء المحلية او تهريبها الى الخارج. وعلى رغم الزيادة المتوقع تطبيقها على أسعار المنتجات النفطية وفقاً للرسائل المتبادلة بين الحكومة العراقية وصندوق النقد الدولي، فان فارق الأسعار لا يزال يغوي المهربين. غياب السلطة ويخصص التقرير جانباً مهماً للحديث عن ضعف ضبط حركة المنتجات النفطية وتداولها. ويشمل ضعف منظومة القياس والعد والمطابقات، وضعف السيطرة على الحدود والمنافذ البرية والبحرية، والتي أهمها تهاون واشتراك اجهزة بعض الدول المجاورة مع المهربين، وضعف وفساد اجهزة ودوائر متعددة في الدولة، وكذلك وجود خلل في هيكلية وادارة القطاع التوزيعي والتجهيزي وتفشي الفساد فيه. كما يؤدي تراخي الإجراءات القانونية بحق المخالفين والمتجاوزين إلى تهريب كم هائل من المنتجات. زيادة الاعتماد على المنتوجات المستوردة ويشير التقرير إلى ان استيراد المنتوجات البترولية بدأ بعد حرب 1973 نتيجة لإنخفاض إنتاج المصافي بنسبة 40 في المئة وزيادة الاستهلاك المحلي في شكل متواصل، وبنسبة 60 في المئة عما كان عليه الاستهلاك قبل الحرب. وزاد الاستيراد في شكل كبير حتى وصل الى نحو 500 مليون دولار شهرياً. ويضيف:"ان زيادة وتيرة الاستيراد تعود لأسباب كثيرة أهمها، عمليات التخريب التي تعرض لها القطاع، والنقص في المواد الاحتياطية اللازمة لاعادة تشغيل المنشآت، وبطء عمليات الصيانة، وعدم القدرة على تصريف وتصدير النفط الاسود المصاحب لعمليات التحويل والتكرير، وانقطاعات التيار الكهربائي التي تؤدي الى وقف نشاط المصافي، وعدم اتخاذ اجرءات عاجلة لإنشاء مصافٍ جديدة وحديثة، إضافة الى عدم تخفق خطة الأعمار التي وعد بها الجانب الاميركي، وعدم تنفيذ الخطة الاستثمارية لسنتي 2004 - 2005 التي كان ممكناً ان تؤدي الى زيادة الانتاج". ويورد التقرير وجود مراسٍ غير قانونية على شط العرب تستخدم لأغراض التهريب، ونماذج لمناطق التهريب في المنطقة الجنوبية، مضيفاً ان هذه المواقع غير الشرعية تتسبب أيضاً في تلوث مياه شط العرب بسبب تسرب المنتجات منها وعدم وجود ضوابط وقيود او جهات رقابية بيئية للحد منه. الآثار السياسية والاجتماعية ويخلص التقرير الى ان للتهريب آثاراً قانونية واقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية، حيث انه يعد أحد مظاهر الفساد الاداري من جهة، وجريمة سرقة وهدر للمال العام من جهة ثانية. لذا فهو يؤدي الى انتهاك هيبة وسيادة القانون من خلال استغلال الاموال العامة النفط الخام والمنتجات البترولية لتحقيق المنفعة لحفنة من المهربين بوسائل شتى الرشوة وهدر المال العام والواسطة واستغلال المنصب والسرقة ينجم عنه كسب غير مشروع وإثراء من دون سبب، يترتب عليه التزامات قانونية بحكم القانون المدني العراقي ظهور عمليات غسل الأموال لتتخذ شكلاً قانونياً وإخفاء مصدرها غير الشرعي وغير القانوني وأضعاف سلطة القانون من خلال تفريغ القوانين والضوابط من محتوياتها وتجاوزها. كما تؤدي عمليات التهريب الى خلق طبقات مستفيدة من اللاعبين الكبار مافيا التهريب الذين يؤثرون سلباً في البيئة الاجتماعية والاقتصادية، وحتى السياسية. فالذين يمارسون عمليات التهريب ويجنون من ورائها الاموال الطائلة ويقومن بغسل هذه الأموال لإدخالها في الدورة الاقتصادية من دون الاهتمام بالجدوى الاقتصادية لاستثمار هذه الأموال، يهدفون إلى"توظيفها واعادة تدويرها بما يعارض القوانين والقواعد الاقتصادية ولو على حساب التنظيم الاقتصادي للمجتمع ككل وبما يحقق منافع فئات ضالة في المجتمع". كم ان تفشي التهريب يؤدي الى التأثير السلبي في صدقية السياسة الاقتصادية ويقوض ثقة المنظمات الاقتصادية والمالية باقتصاد البلد، كما وتبقى محاولات الإصلاح الاقتصادي عقيمة بسبب ضعف الاقتصاد الوطني وإحجام المنظمات الدولية الاقتصادية والمالية عن تقديم الدعم الكافي له. ويفيد التقرير أن انتشار التهريب بعد حرب 2003 أدى إلى تحويل العراق إلى بلد مستورد للمشتقات النفطية بعد ان كان مصدراً لها، وإلى استنزاف الأموال واضطرار الحكومة إلى استمرار توفير المنتوجات بسعر رمزي حيث تتحمل الموازنة السنوية نفقات الدعم بقيمة ستة بلايين دولار، في الوقت الذي يتزايد التهريب البري والبحري الى دول الجوار الدول التي تم الاستيراد من طريقها. وبذلك أصبح العراق سوقاً للمضاربات في اسعار هذه المشتقات تؤدي الى خسائر مزدوجة في حصة المواطن والمال العام. لقد كان من الأجدر ان توظف هذه الأموال في إعادة تأهيل وتطوير المنشأت النفطية الحالية، وبناء منشآت نفطية جدية، لا سيما المصافي في مناطق مختلفة في البلاد، وبما يقلل من حجم استيراد المشتقات النفطية. كما ان التهريب يفضي إلى تقويض الثقة بين الشعب والحكومة وإضعاف المشاركة الديموقراطية بسبب ضعف أجهزة الرقابة والمساءلة، من خلال تكرار وتنامي الازمات الوقودية التي أثبتت الاحداث انها في الغالب مفتعلة. وهذا يؤدي إلى إضعاف دور الحكومة في ردع مسببي الأزمات والمهربين واضطرارها الى الاستيراد لتغطية الحاجة المحلية، وبالتالي إضعاف الموازنة السنوية وإضعاف الحكومة اقتصادياً، وحجب الحقائق عن الشعب بما يعني تناقضاً مع مبادئ النظام الديموقراطي وبالتالي، إلى إضعاف مؤسسات الدولة ولا سيما الأجهزة الأمنية.