أمين العاصمة المقدسة يرأس الاجتماع الثالث للجنة الأعمال البلدية والبيئية لتعزيز التكامل التنموي بمكة    امير القصيم يزور محافظة رياض الخبراء    800 مليار ريال حجم الاستثمارات للمشاريع المدعومة من الصندوق الصناعي    17 مدرسة ب"تعليم الطائف" تحقق التميز على مستوى المملكة    محافظ تيماء يستقبل رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية بمحافظة تيماء    عمادة الدراسات العليا والبحوث تعقد اللقاء الأول لمنسقي برامج الدراسات العليا للعام الأكاديمي 1447ه    أمانة نجران : أكثر من 1700 جولة خلال أسبوع لمكافحة الحشرات    الرواية السعودية في كتارا..3 مسارات وكثافة إنتاج وتركيز على التحولات    محمد بن سلمان رجل السلام    وكيل وزارة التعليم يشكر مدير تعليم الطائف    أخطرنا أمريكا بفرض قيود على المعادن الأرضية النادرة قبل الإعلان عنها    المملكة تتصدى للكوارث والأزمات بالعمل الإنساني المستدام وتنفيذ مبادرات نوعية شمولية    فيروسات الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي    تحذيرات روسية لواشنطن وأوروبا: «توماهوك» قد تشعل مواجهة نووية    أكد أن الظروف الحالية تشجع على التسويات السياسية.. عون يدعو للتفاوض مع إسرائيل لحل القضايا العالقة    في ختام الملحق الآسيوي المؤهل لمونديال 2026.. قمة الحسم تجمع الأخضر وأسود الرافدين    رينارد: مواجهة المنتخب العراقي الأهم في حياتي    الهلال يحتاج إلى وقفة تقويم    زمن الاستحواذ مختلف    الخريجي ونائب رئيس «الأزمات الدولية» يستعرضان التعاون    من أوساكا إلى الرياض    أهمية الحوكمة    مشاركات سعودية مكثفة في اجتماعات البنك والصندوق الدوليين    دعا «هدف» لتطوير برامج دعم توظيف السعوديين.. «الشورى» يطالب الصندوق العقاري بمراجعة البرامج التمويلية    ضبط 29,644 قرصاً محظوراً و192 كجم قات    «الأرصاد» : حالة مطرية خلال نوفمبر بمعظم المناطق    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    المملكة تتضامن مع أسر ضحايا حادث شرم الشيخ    وثيقة سلام تاريخية تنهي حرب غزة    فحص الماموجرام    تخريج أطباء سعوديين من برنامج «القيادة المتقدمة» بأوتاوا    برعاية وزير الداخلية وبمشاركة 40 دولة ومنظمة.. مؤتمر الإنتربول يناقش مستقبل العمل الشرطي    ماجد الكدواني بطل «سنة أولى طلاق»    الكلمة الطيبة.. محفّزة    «التخصصي» يعزز ريادته في العلاجات الجينية    الإفراط في استخدام الشاشات يضعف التحصيل الدراسي للأطفال    التهاب المفاصل.. أهمية التشخيص المبكر والعلاج المناسب    المبيض متعدد الكيسات (1)    1.13 تريليون صادرات السعودية خلال 90 يوما    14% انخفاضا في مخالفات مزاولة المهن الهندسية    40 ترخيصا صناعيا جديدا    الوطن أمانة    الصقر رمز الأصالة    أمير الرياض يستقبل محافظ الدرعية وسفير الإمارات    المدينة تحتضن ملتقى علمياً لمآثر شيخ الحرم ابن صالح    منتخبنا بطموح التأهل للمونديال يواجه العراق    النصر يخسر ودية الدرعية بهدفين    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 67,869 شهيدًا    رئيس جامعة الملك سعود يدشن جائزة "جستن" للتميز    أمراض الراحة    المَجْدُ.. وَطنِي    رينارد يختار هجوم المنتخب السعودي أمام العراق    ترمب: ولي العهد السعودي يقوم بعمل رائع.. وثيقة توقف حرب غزة وتعيد الإعمار    انطلاق البرنامج التأهيلي "الأحكام الشرعية لإجراءات الجنائز" بمحافظة أحد المسارحة    انطلاق أعمال ورشة العمل الثانية لأندية السلامة المرورية بجامعات وكليات المنطقة الشرقية    "التحالف الإسلامي" يعقد ندوة فكرية حول التطرف الفكري في البيئة التعليمية في المالديف    رئيس جمعية حقوق الإنسان يستقبل وفد هيئة حقوق الإنسان    «الحياة الفطرية»: إجراءات شاملة لصون الطيور المهاجرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ من العلاقات بين الشيعة وحركات التحرر العربية
نشر في الحياة يوم 19 - 02 - 2010

يطعن البعض من حين الى آخر وعن جهل أو قصد، في الانتماء الوطني للشيعة العرب. ورغم الإيضاحات التي يبديها الشيعة بمختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم حول هذه المسألة، والتي يقتنع بها المشككون فيتراجعون عن أقوالهم، لكن المعزوفة نفسها سرعان ما تعود، من دون أية مراعاة لحقائق التاريخ والحاضر، ومن دون حرص على وحدة الموقف والمصير.
والحجة الرئيسية التي يبني عليها المشككون أفكارهم تلك هي وحدة الانتماء المذهبي بين الشيعة العرب وإيران، حيث يدين كلاهما بالإسلام طبقاً لقواعد المذهب الجعفري. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إيران كانت غالبيتها سنية طيلة ألف عام، ولم تصبح ذات غالبية شيعية إلا مع قيام الدولة الصفوية قبل خمسة قرون، وعلى يد رجال الدين العرب من منطقة جبل عامل في جنوب لبنان.
فهل من المعقول التشكيك في ولاء السنة العرب قبل هذا التاريخ، واتهامهم بالولاء لإيران لأن عدداً لا يستهان به من علمائهم كانوا من الفرس، أو لأن دولاً سنية فارسية قوية قامت في إيران؟ كما أن بعض حكام العراق الحديث هم من أصول تركية أو من خريجي المدارس العسكرية التركية، فهل يمكن القول إن ولاءهم هو لتركيا وليس للعراق؟
وإذا تركنا التاريخ البعيد جانباً وتصفحنا التاريخ القريب لوجدنا العديد من الشواهد التي تؤكد أن الشيعة طالما غلّبوا الانتماء الوطني على الانتماء المذهبي. فحينما دخلت الجيوش الانكليزية إلى العراق لاحتلاله عام 1914، وكان يرزح آنذاك تحت السيطرة العثمانية التي مارست سياسة طائفية وعنصرية متعسفة ضد شيعة العراق، أعلنت مراجع الشيعة في العراق الجهاد ضد القوات الغازية، وحرضوا القبائل وجمعوا الأموال والسلاح للقتال جنباً إلى جنب مع الدولة العثمانية التركية السنية التي اضطهدتهم طيلة قرون، مغلبين الحس الوطني العراقي والحماسة الدينية الإسلامية على الانتماء للمذهب والطائفة.
والأمر نفسه حصل في الثورة العراقية الكبرى عام 1920 التي أشعلت شرارتها أيضاً فتاوى مراجع الشيعة للجهاد ضد المحتل، والتي أفشلت المخططات البريطانية بحكم العراق عسكرياً، كما كانت الحال في الهند، واستجابت بريطانيا لمطالب الثوار بقيام الحكم الوطني. ودفع الشيعة العراقيون ثمن مواقفهم الوطنية غالياً، إذ قرر الإنكليز، وهم أصحاب القرار الفعلي في السياسة العراقية في تلك الحقبة، حرمان الشيعة من الحكم وإقصاءهم عن مواقع المسؤولية في الدولة العراقية الحديثة، على رغم أنهم يشكلون غالبية السكان في العراق.
واستمر إقصاء الشيعة أو تهميشهم خلال حقبة الحكمين الملكي والجمهوري، لكن ذلك لم يفت من عضدهم وطنياً وعروبياً. ويشهد التاريخ أن الشيخ محمد مهدي كبه، وهو من عائلة شيعية بغدادية عريقة، ومؤسس"حزب الاستقلال"يعد رائد التيار القومي العربي في العراق منذ الثلاثينات من القرن الماضي، وفي هذا الحزب نشأت صفوة الكوادر القومية العراقية التي كانت نواة للحركات القومية التي قامت في العراق خلال الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي.
ولما ظهرت الحركة الناصرية إبان الخمسينات كانت لها قاعدة شعبية عريضة في المناطق الشيعية العراقية، وحينما وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 كانت النجف أول مدينة تنتفض ضد العدوان وسقط فيها شهداء، وساندت المرجعيات الدينية الشيعية موقف مصر ودعت إلى دحر العدوان، على رغم موقف الحكومة العراقية الحاضنة لحلف بغداد المعادي للسياسة المصرية في ذلك الحين. وكانت إيران الشاه وتركيا عضوين في ذلك الحلف.
ويضيق بنا المقام لو استعرضنا مواقف الشيعة المساندة لنضال الشعوب العربية ضد الاستعمار وجهادها لنيل الاستقلال في ليبيا منذ احتلالها على يد الإيطاليين عام 1911، وفي المغرب الأقصى والجزائر وفلسطين التي كانت قضية شغلت الشيعة في مختلف بلدانهم منذ أن بدأت مطامع الصهاينة فيها تتضح بعد وعد بلفور وحتى يومنا هذا. ويكفي الشيعة فخراً أنهم، بإمكاناتهم البسيطة وتضحياتهم العظيمة، ألحقوا بإسرائيل هزيمة منكرة حين أجبروها على الانسحاب من جنوب لبنان من دون قيد أو شرط.
والغريب أن هذه الشبهات لم تكن لتثار أيام الشاه رغم علاقاته المتميزة مع الغرب وإسرائيل، ولكنها أثيرت بعد قيام الثورة الإيرانية التي هددت الغرب وحلفاءه في المنطقة. ومن يعود إلى السنوات الأولى للثورة يلاحظ أن تأثيرها لم يكن مقصوراً على الشيعة وحسب بل شمل قطاعات واسعة من المسلمين. بل شمل التأثير حتى التيارات الوطنية، وأذكر في هذا الصدد السياسي المصري البارز المرحوم فتحي رضوان، الذي يعتبر امتداداً لتيار مصطفى كامل رائد الوطنية المصرية الحديثة، فقد كان من أشد المناصرين للثورة الإيرانية وقائدها الإمام الخميني من دون أن يطعن أحد في انتمائه الوطني.
ومما يجدر ذكره أن المرجعية الشيعية في النجف في العراق - والتي يرجع إليها غالبية الشيعة في العالم العربي وإيران وبقية أنحاء العالم - لا تؤمن بمبدأ ولاية الفقيه، وهو الأساس الديني والسياسي الذي قام عليه بناء الدولة الحالية في إيران.
إن عالم الأفكار عالم واسع، وقابل للانتقال والتأثير عبر البلدان والجماعات. فلا الذين تبنوا أفكار المودودي في مصر أصبحوا باكستانيين، ولا الذين يرجعون للأزهر في إندونيسيا وماليزيا أضحوا مصريين بالولاء. فلماذا يراد للشيعة وحدهم أن يكونوا استثناء ويجري التشكيك في انتمائهم الوطني لمجرد التقائهم مع الإيرانيين على الدين والمذهب؟!
* أكاديمي وباحث عراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.