غاب رئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود عن قداس عيد الميلاد الذي ترأسه البطريرك الماروني نصر الله صفير في كنيسة السيدة في بكركي ووجه من خلال العظة التي ألقاها فيه رسائل عدة الى السياسيين في لبنان، منتقداً أسلوب تخاطبهم ومطامع البعض، ولم يوفر الإعلام من ملاحظاته. وغياب لحود عن القداس، خلافاً لما جرت عليه العادة، سببه كما تردد، انه لا يريد سماع كلام في عظة العيد يتناول الرئاسة، كما تردد ان اتصالات أجريت بين بعبدا وبكركي لعقد الخلوة التقليدية بين صفير ولحود بعد الصلاة الا ان البطريريك الماروني لم يكن متحمسا لهذه الخلوة وهو كان بعث رسالة في تشرين الثاني نوفمبر الماضي الى لحود طلب فيها منه التنحي. وكان لافتاً أمس، ان صفير عقد خلوة مع رئيس الهيئة التنفيذية لپ"القوات اللبنانية"الدكتور سمير جعجع الذي زاره معايداً مع زوجته النائب ستريدا جعجع. وتحت عنوان"لا تخافوا"ألقى صفير عظة سأل فيها:"أين نحن من تعاليم الميلاد السامية، ونرى الناس يقتتلون على شؤون الدنيا والمطمع الخسيس؟ لا بل غالباً ما نرى أن أحدهم يرتكب أبشع الجرائم، طمعاً باليسير من المال، أو إزاحة من يزاحمه على منصب، أو وجاهة، أو ما سوى ذلك". وقال صفير:"ترى لماذا لا تستقيم الأمور عندنا؟ أفليس لأن كلاً من الطامعين يريد أن يشارك في السلطة وما تجره السلطة على أصحابها من مال، وجاه، ونفوذ، ولو كانت الطريق الى ذلك تمر بشلل البلد، ومرافقه، ومصادر انتاجه؟ وغالباً ما تغلف هذه المطامع بغلاف حب خدمة الوطن والمواطنين. وهناك طرق سلمية وديموقراطية للوصول الى المبتغى". وأضاف صفير:"في كل يوم تنقل وسائل الإعلام ما يدور عندنا من فواجع، وما يعاني الشعب على أرضنا من سوء حال. وهناك تنافر، وتراشق، وتحقير، وهذه أساليب في التعاطي، بين أهل السياسة جديدة على اللبنانيين الذين ما تعودوا أن يسمعوا مثلها ويروه، ويعانوا منه شديد المعاناة. ومعلوم أننا بلد فيه ثماني عشرة طائفة لكل منها تاريخها وماضيها وثقافتها، وتقاليدها. واذا انتفت مشاعر الاحترام التي يجب أن تسود علاقاتها، فلا يعود هناك من سبيل الى التعايش في ما بينها. والتنشئة على الديموقراطية التي نفاخر بأننا نتشبث بمبادئها، تأبى مثل هذا التعامل الذي أشرنا إليه. وهي تعلّم احترام الغير، وان خالفك في الرأي والاتجاه، وتسعى الى نشر الطمأنينة والاحترام بين المواطنين، والسلام". واكد ان"للسلام شروطاً لا بد منها لتحقيقه، وهي شروط على جميع المؤسسات الرسمية والاجتماعية أن تقوم بها: منها ما يعود الى العائلة التي عليها أن تنشئ أبناءها على احترام الغير، والى الدين الذي يأمر باحترام جميع خلائق الله ولا سيما الإنسان، وان كان على غير دينك وثقافتك وتقاليدك، والى الدولة التي يجب أن ترعى جميع الناس بالمساواة وبتطبيق مبادئ العدالة، وهذه خطة ينبغي أن يطبقها كل من المؤسسات التربوية والحركات الاجتماعية والحزبية، وخصوصاً الإعلام الذي غالباً ما يشوه الحقائق، ويزيفها قصد تحقيق مكاسب غير مشروعة، وعلى حساب السلم الأهلي". ورأى صفير ان"لا سبيل الى إشاعة هذا السلم الأهلي وتوطيده، ان لم يكن هناك إغضاء عن الأذى، ومغفرة للإساءة، وتصحيح ما يجب تصحيحه من إشاعات لا أساس لها من الصحة. ومحبة نشر السلم الأهلي تقضي بالنظر الى ما عند الناس، وان خصوماً، من حسنات لا يمكن التعامي عنها، من دون الوقوف على السيئات التي يحسن التغاضي عنها حباً بالسلام الذي يتوق اليه مجتمعنا. وبعد يجب توطيد الاعتقاد بأننا جميعا، وان اختلفنا اتجاهات، سيؤدي كل منا حسابا لديه تعالى عما نطق به لسانه، وجنته يداه. وكم نحن في حاجة الى استحضار الله في حياتنا، فلا نرى ما نراه، ونسمع ما نسمعه الا في ضوء تعاليمه تعالى، ونوره الذي يجب أن يكون ساطعاً في ضمائرنا. أفلا نعلم أن ما يباعد بيننا ينعكس حتماً على أخوان لنا مواطنين سيزدادون بسببنا فقراً، وخوفاً، وكفراً بوطننا لبنان. وهو وطن قد لا نجد مثله وطناً يطيب العيش فيه، وتتوطد الصداقات". وذكر صفير بما"لاحظه البابا بنديكتوس السادس عشر لدى تلاوته التبشير الملائكي في العاشر من الجاري الذي بعدما رحب بثوابت الكنيسة المارونية، قال:"إنني أطلب من اللبنانيين والمسؤولين السياسيين من بينهم أن يوجهوا اهتمامهم الى ما فيه فقط خير البلد والانسجام بين الطوائف، موحين بالتزامهم هذه الوحدة التي هي مسؤولية الجميع وكل منهم، والتي تتطلب جهوداً صابرة مطردة، وحواراً واثقاً ومستمراً. وانني أتمنى أيضاً ان تسهم المجموعة الدولية في إيجاد حلول سلمية، متوازية، سريعة لا بد منها، للبنان والشرق الأوسط، فيما أدعو الى الصلاة في هذا الوقت العصيب". وأمل صفير بپ"ان يستجيب كل منا الى نداء البابا، وأن يعمل المسؤولون من بيننا لإخراج بلدنا من محنته، واستعادة ثقة جميع أبنائه به، وأن يعيد عليكم جميعاً أمثال هذا العيد، وقد طلقتم كل خوف، عملاً بقول الملاك للرعاة لا تخافوا، ووطننا لبنان وجميع اللبنانيين بخير وطمأنينة وسلام". واستقبل صفير المهنئين بالأعياد ومن بينهم وفد من"حركة أمل"برئاسة الشيخ حسن المصري. كما تلقى اتصالات أبرزها من رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري، ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان ومن الرئيس حسين الحسيني، والنائب السابق عصام فارس، المطران عودة وسأل متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة في عظة العيد أمس، في كنيسة مار جاورجيوس في ساحة النجمة، عن"نفع السلطة والمراكز على حساب الإنسان والوطن والمواطن"؟ وقال:"اذا زال الوطن كيف يستعاد، والمواطن في بلدي مطية وهو آخر من يفكرون به، قد يقال ان المواطنين يشاركون في التعبير، لكن هل ان المشاركين يمثلون كل اللبنانيين، وماذا عن الفئة الصامتة التي تمثل المواطن المقهور، وهل مسموح أن تغتصب فئة ما كائناً من كانت رأي الشعب كله". ودعا الذين يدعون الى الإصلاح والمحاسبة"الى محاسبة أنفسهم اذا كانوا سبباً في تقهقر الوطن وضياعه". وناشد الجميع"العودة الى ضمائرهم والعمل على هذه الأزمة التي طالت وطاول ضررها الجميع". جعجع وأكد جعجع بعد لقائه المطران عودة معايداً"أن لا حل للأزمة في لبنان من دون حوار وتفاوض، ومن أجل هذا فإن الحكومة ليست مضطرة الى القيام بأي شيء وستبقى على موقفها". وأشار الى"بداية حديث وإن شاء الله يأخذ طريقه الى التنفيذ في وقت قريب". وعن صحة استياء رئيس المجلس النيابي نبيه بري والأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصرالله من بعض أركان المعارضة الذي يريد التصعيد بعد الأعياد قال:"الأجواء التي لدي في هذا الاتجاه، وفي كل الأحوال فإن الذين يصعدون ليسوا قادرين على التصعيد". في المناطق عظات تنبذ النعرات وعمت الصلوات المناطق، وفي طرابلس ترأس راعي الأبرشية المارونية المطران جورج أبو جودة قداس الميلاد وقال:"ليت المسؤولين السياسيين عندنا، إلى أي فئة أو جماعة انتموا، يتذكرون انهم مدعوون الى خدمة الشعب وتأمين مصالحه الحيوية، وليس الى استعباده وتفقيره وإيصاله إلى شفير الهاوية، بفعل أنانيتهم وحبهم المفرط للذات وسعيهم الدؤوب لتأمين مصالحهم الشخصية، وليتهم لا يستسلمون لإرادة الشيطان المجرب ويصنعون إرادته، لأنهم في النهاية سيكتشفون عريهم ومحدوديتهم وعقم تصرفاتهم، فيوصلون البلاد إلى الهلاك". أما رئيس اساقفة بانياس ومرجعيون للروم الملكيين الكاثوليك المتروبوليت جاورجيوس حداد فقال في العظة:"ان وطننا لبنان متعطش لأن يكون في سلام دائم بعيداً من النزاعات والخلافات"، سائلاً"مولود بيت لحم ان يزرع سلامه في قلوبنا أجمعين وان يبعد عن هذا البلد الطيب ويلات الحروب". من جهته، قال مطران صور وصيدا ومرجعيون للروم الأرثوذكس الياس كفوري:"ان الميلاد يدعونا الى الوحدة لأننا أبناء وطن واحد، ولكن هذه الوحدة لن تتحقق إلا بازالة النعرات الطائفية والمناطقية والعائلية المذهبية".