عبدالعزيز بن سعود يقف على جاهزية قوات أمن الحج    عبدالعزيز بن سعود يقف على جاهزية قوات أمن الحج    وزير الداخلية يتفقد عدداً من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في مركز القيادة والتحكم التابع للدفاع المدني بمشعر منى    منصة إيجار.. الإلزامية لا تكفي ولا تغني عن الشفافية    الحويزي.. المفاوِضُ الناجح من الثانية الأولى!    مجلس الأمن يتبنى مشروع قرار أمريكي يدعو لوقف النار في غزة    الرئيس المتهم!    خط أحمر.. «يعني خط أحمر»    نيوم ينهي التعاقد مع البرازيلي رومارينهو قادما من الاتحاد    أندية المدينة.. ما هي خططك للموسم القادم ؟    "نادي نيوم" يتعاقد مع البرازيلي رومارينيو    لماذا يشعر المتبرعون بالسعادة ؟!    للمرة الأولى.. «هيئة النقل» تدشّن مركز التحكم لمتابعة مركبات النقل العام في مكة والمشاعر    وزير الإعلام يدشّن مبادرة «ملتقى إعلام الحج» في مكة المكرمة    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    البذخ يحتاج لسخافة !    الحج.. أمن ونجاح    متحدث "الصحة": الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام    وزير الخارجية يشارك في اجتماع مجموعة «بريكس».. ويلتقي نظيريه الروسي والفنزولي    الدفاع المدني يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل "لا حج بلا تصريح" بجدة    وزارة الداخلية تشارك في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى إعلام الحج    طقس غائم جزئياً على مكة وصحواً على المدينة وجدة    ارتفاع أسعار الأغنام ومسؤولية التجارة    بلينكن يشدد على أهمية وجود خطة لما بعد الحرب في غزة    غموض سياسي في فرنسا بعد حل الجمعية الوطنية    مانشيني: الصدارة تهمنا.. وكأس الخليج هدفنا    «إثراء» يفتح باب التسجيل في مبادرة «الشرقية تبدع»    غزة.. أكثر الأيام دموية    أمانة جدة تهيئ الواجهات البحرية استعدادا للإجازة    أول مولود في موسم الحج نيجيري    نائب أمير الشرقية يطلع على أنشطة «تعاونية الثروة الحيوانية»    جاهزية أسواق النفع ومسالخ جدة لموسم الحج وعيد الأضحى    ارتفاع نسب التوطين بوظائف الأنشطة السياحية بالعاصمة المقدسة 40 %    نائب أمير حائل يشهد الحفل الختامي لمسارات    أمير الرياض يستقبل سفير النرويج وأمين عام «موهبة»    «الكشافة».. عقود في خدمة ضيوف الرحمن    خادم الحرمين يأمر باستضافة 1000 حاج من ذوي الشهداء والمصابين من أهالي غزة    عرض عسكري يعزز أمن الحج    أمير الرياض يوجه باستمرار العمل في إمارة المنطقة خلال إجازة ‫عيد الأضحى‬    مركز الأمير سلطان للقلب بالقصيم يحقق شهادة الاعتماد من "سباهي"    الملك وولي العهد يهنئان رئيس البرتغال بذكرى اليوم الوطني    كاسترو يحسم موقف لابورت    القبض على مخالفين لنظام الحدود لتهريبهما 24 كيلوغرامًا من الحشيش في نجران    جامعة نورة تدفع بخريجات الدفعة الأولى للغة الصينية    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 11853 نقطة    المنتخب السعودي يحصد 5 جوائز بأولمبياد الفيزياء    السفارة بمصر للمواطنين: سجلوا بياناتكم لاستخراج إقامة    وصول 1075 من ضيوف خادم الحرمين من 75 دولة    بدء أعمال المنتدى الدولي "الإعلام والحق الفلسطيني"    شرائح «إنترنت واتصال» مجانية لضيوف خادم الحرمين    عبدالعزيز عبدالعال ل«عكاظ»: أنا مع رئيس الأهلي القادم    تدشين خدمة الربوت الذكي بجوار المسجد النبوي.. مشاهد إيمانية تسبق مغادرة الحجيج المدينة المنورة    الحج عبادة وسلوك أخلاقي وحضاري    أمير القصيم يشيد بجهود "طعامي"    أفراح آل الحسيني والشريف    استشاري:المصابون بحساسية الأنف مطالبون باستخدام الكمامة    الدكتورة عظمى ضمن أفضل 10 قيادات صحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سمير قصير معنا : "نريد وطناً لا مقبرة"
نشر في الحياة يوم 27 - 07 - 2005

لم أسمع صوت الانفجار الذي استهدف حياة الصحافي الشاب سمير قصير. مجرد خبر... تسرب الى الضفة الأخرى من المدينة.
"انفجار في الأشرفية".
كان الخبر في بداية ذيوعه يتسربل بالهدوء، ويشير الى ما لا يثير ذعر الجماعة... كان، شأن الرسالة التي تضمنها التفجير، محدداً بمكان، بمساحة صغيرة من مكان، بسيارة، بهدف، بشخص كان قلمه هو هذا الهدف.
على شاشة التلفاز رأيت سمير قصير داخل السيارة، رأيت دماً وحطاماً وأشلاء، ووجهاً كان ما زال يشي بالحياة.
هكذا اذاً، وبكل هذه البساطة، يقف القاتل في مكانٍ من هذه المدينة، من هذا الوطن... يقف في ساعات الصباح الأولى في نهار مشرق بالشمس... ينتظر رجلاً يستيقظ من نومه، يحتسي قهوته، يتهيأ للخروج، يلقي نظرة أخيرة على وجهه في المرآة، يتناول حقيبة عمله، يلقي بجاكته على كتفه، يغلق باب بيته على وعدٍ بلقاء... يخرج ولا يعود. ثمة قاتل كان ينتظر.
كنت أمام الشاشة أتصور اللحظات الأخيرة من حياة تحول صاحبها، هكذا ببساطة، وفي أقل من ثانية، الى جسد هامد. وكان الجسد أمام ناظري يضج بالسؤال: لماذا؟
هذه ال لماذا كانت مستقرة في"ذاكرتنا الحيّة، نحن الذين/ اللواتي شهدنا اغتيال زملاء مفكرين وكتّاب... زملاء من أصحاب القلم... هذه الپلماذا كانت تتوقد بالمشهد الشبيه... وكانت تضج بلوعة الفقدان...
لماذا؟ والى متى يبقى بإمكان أعداء الحرية أن يغتالوا من يمارسون حقهم فيها، حقهم الطبيعي في القول والتعبير؟
خرج مهدي عامل ذات يوم من بيته ولم يعد، في الشارع، فوق الرصيف الذي كان يسير عليه، في الساعات الأولى من نهارٍ شبيه، أردوه قتيلاً. ودخل حسين مروة بعد ظهيرة يوم شبيه الى غرفة نومه، استلقى للقيلولة على سريره... ودخل القتلة خلفه... قتلوه، ببساطة، بهدوء... وضعوا حداً لحياته ليضعوا حداً لقلمه.
ثمة آخرون من أصحاب القلم قُتلوا... تعرفون حكاية قتلهم الشبيه. لماذا؟
لماذا ما زال القاتل طليقاً ينعم بالحياة؟ لماذا ما زال بإمكانه أن يقف في وضح النهار، في مكان ما من هذا الوطن، ينتظر الضحية ليغتال حريتها، هكذا وببساطة وكأنه يضغط على زر ليطفئ لمبة في سقف منزل؟ كأنه في صحراء! وأفكر.
ما هذا الوطن الذي علينا أن نحتاط فيه من القاتل بدل أن نلقي القبض عليه!
ما هذا الوطن الذي علينا كي تكون لنا الحياة أن نردع حريتنا بدل أن نردع القاتل! ما هذا الوطن الذي يحمل مفكريه وكتابه الحريصين على حريتهم على الاختيار بين الهجرة والموت!
كأنه كان على سمير قصير أن يتخلى عن حريته، أن لا يعبر عن رأيه، أن لا يقول بصراحة ما يفكر به: موقفه، رأيه... كأن عليه أن يغادر... كي لا يُقتل. على الحرية أن تغادر... على الكتاب والمفكرين أن يحملوا حريتهم ويغادروا.
يريدون لنا أوطاناً بلا حرية...
يريدون لنا أوطاناً نعاني فيها الحرمان والفقدان: نفي وقتل، هجرة واغتيال...
حتى صرنا نعيش مع الصور، ونستعين بالاستعارة، بالذاكرة، بالخيال المرير، بالمجاز الذي لا يُشفي غليلاً...
صور داخل بيوتنا لأحياء... هاجروا.
وصور تغطي جدران المدينة لشهداء... قتلوا. صور لمنفيين، لمهاجرين، لسجناء، لضحايا... صور ودموع وشموع... وذاكرة هي الجدار الأخير الذي نسند اليه ظهورنا وقد تقوست بصوت المتفجرات، تقوست بعد حرب لم تترك سوى الخراب داخل الروح. ذاكرة هي المتكأ والعزاء... نطوقها بذراعين تهمسان بالشوق والحنين. في المشهد الأخير، الساخن: جيزال خوري تطوّق نعش سمير قصير: وتبكي...
وبكيت... بكى كثيرون. ليست قلوبنا من حجر كي نرميها... ونعود لنعيش في وطن ليس بوطن... وطن يفتقد معناه. اذ لا معنى لوطن لا حرية فيه. لا معنى لوطن لا يتمتع مفكروه وكتابه بحصانةٍ تحفظ لهم حقهم في الحياة، وحقهم في حرية التعبير.
نريد أن نعرف القاتل. القاتل التاريخي، المقنع، أو المسكوت عنه...
نريد ان نعرف هذا القاتل الذي يستبيح بكل الوسائل دماء الأبرياء...
نريد أن نعرف، كي يكون لنا وطن نضيء فيه شموع الفرح. نريد وطناً لا مقبرة. نريد وطناً عاصمته بجدران بيضاء كتلك التي راح يطرشها خليل أحمد جابر، بطل"الوجوه البيضاء".
نريد وطناً بلا بلاغة تحوّل مآسينا الى أهازيج، وتجعل من حقنا الطبيعي في حرية العيش والقول، بطولة. نريد بطولات في الخلق والابداع، في النهوض والتقدم.
نريد الحياة. والحرية من طبيعتها.
نريد الحرية. والحياة قرينتها.
من وحي سمير قصير أقول ما أقول، فهو الذي قال:"... تعلن بيروت أن حب الموت لم يعد سبيل العرب الوحيد".
وهو الذي ربط بين حب الحياة والوصول الى الحياة الحرة. نعم انه حب الحياة الحرة. وهذه مسؤوليتنا... نحن الذين/ اللواتي نحيي ذكراه ونتذكر كل المفكرين والكتّاب، زملاءه الذين اغتالهم القتلة، أعداء الحرية والفكر، عملاء القمع والاستبداد... في أكثر من مكان من هذا الوطن العربي الكبير.
باريس 16/6/2005


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.