رسمت المكتبة، عبر عقود كثيرة مضت، صورة نمطية لتلك السيدة المسنّة التي تعمل في جناح مظلم... أكل الغبار من نظارتيها وشبع. تغرق في الكتب والأوراق طوال النهار، وتجلس وراء مكتبها لا حول لها ولا قوة ولا منفذ سوى صفحات صفر قديمة، تبوّبها وتنظمها وتوثقها... جاءت التكنولوجيا، فقلبت حياتنا رأساً على عقب. كسرت صورة العجوز النمطية، ووضعت مكانها شاباً حيوياً، ومثقفاً... معلومات هائلة تضخّ يومياً عبر وسائل الإعلام المتنوعة، يتلقاها ذلك الشاب، فينظمها ويبوبها لتقدم إلى الناس في شكل مختلف وعصري وسهل وشيّق... عمل متنّوع بات حاجة ملحّة في عصر سريع يتطلب دقة وتنظيماً، ويسلّح صاحبه بشخصية ذكية ومميزة. قد يعتقد بعضهم أن عمل المتخصص في علم المكتبات، نشاط روتيني يقتصر على تصنيف الكتب وتعريبها وجمع المعلومات وتوثيقها وتبويبها. إلا أن آليات العمل تقدم لصاحبها متعة وتنوعاً عبر الإطلاع على آخر الأخبار وجمع المعلومات... قد لا تكوّن لك تلك المهنة ثقافة عامة شاملة، إلا أنّك، وعبر الإنترنت وأشرطة الفيديو وإصدارات الكتب، تقدم للمطلّع معرفة أساسية عن أبرز الاكتشافات الحديثة والمواضيع البارزة التي تعيشها مجتمعات العالم، فضلاً عن الفنون والثقافة والموسيقى والظواهر الغريبة... من هذا المنطلق، لم يعد العمل المكتبي يتطلب منه الجلوس لساعات وراء شاشة الكومبيوتر. فالمعادلة الجديدة، أفرزت 3 قطاعات، لعبت دوراً أساسياً في ايجاد جو متنوع وشيق للعمل. وهذه القطاعات هي خدمات عملية، خدمات تقنية، وأخرى إدارية. في الخدمات العملية، يشكل المكتب حاجة ملحة لكل باحث وأكاديمي، فهو المصدر الأساس الذي سيزوده بالمعلومات التي يحتاج إليها في بحثه ودراسته. كما يساعده على الانتقاء الأساسي منها، وكيفية استعمالها. في القطاع التقني، يتمحور عمل المتخصص في علم المكتبات على تصنيف المعلومات والكتب والمنشورات وتبويبها ووضعها ضمن فهارس، تسهّل على الباحث مهمة الاطلاع عليها. لكن العمل في قسم الخدمات الإدارية، يتطلب حيوية أكبر. فهمة المكتب في هذا القسم، تتطلب البحث عن مصادر المعلومات، فيوقع اتفاقات مع دور النشر التي تزود مركزه بآخر إصدارات الكتب والمجلات، وبرامج الكومبيوتر والإنترنت. هذا فضلاً عن الإشراف على حسن سير العمل والاهتمام بالعلاقات العامة وشؤون الموظفين، وإقامة النشاطات التي تعزز صورة المركز وتبرزه... أخيراً، فإن تلك التكنولوجيا التي فتكت بالموظفة العجوز، كسرت صوراً نمطية أخرى. فالمراكز التربوية والإعلامية والمكتبات في العالم العربي، باتت تحتاج إلى تلك الطاقة الحيوية التي ستغير نظام العمل وتسهل عملية تنظيم المعلومات وتقديمها في الشكل الذي يناسب متطلبات العصر... الحاجة إلى المعلومات أوجدت للمتخصص في علم المكتبات مجالات واسعة ومتنوعة: المكتبات العامة، مكتبات المدارس والجامعات والمؤسسات الأكاديمية، المراكز الإعلامية، الدوائر الرسمية التابعة لوزارة التربية والمتاحف، إضافة إلى المستشفيات والمراكز الطبية والمصارف ووكالات الإعلان والمؤسسات الدينية ومراكز الأبحاث... تتراوح فترة الدراسة الجامعية بين 3 و4 سنوات. وبين الجامعات التي تقدم هذا الاختصاص ونشير على سبيل المثال لا الحصر، إلى: جامعة البلمند www.balamand.edu.lb، والجامعة اللبنانية www.ul.edu.lb في لبنان، وجامعة الملك عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية www.kaau.edu.sa وجامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان http://www.squ.edu.om. وتجدر الإشارة إلى أن طالب علم المكتبات، وبعيداً من المواد التطبيقية التي تعنى في اختصاصه، يتمرّس في عالم الكومبيوتر والإنترنت واللغات الحية والثقافة العامة.