القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا فيضانات مدينة آسفي    وزارة الخارجية تعرب عن تعازي المملكة ومواساتها للمملكة المغربية جرّاء الفيضانات في مدينة آسفي    انطلاق (صُنع في السعودية) بمشاركة سورية..الخريف: 515 مليار ريال حجم الصادرات غير النفطية    الاستقرار الاجتماعي    أثر قرار السماح للأجانب بتملك العقار على سوق العقار    الشتاء.. فاكهة الفصول    النفط يرتفع مع تغلب اضطرابات الإمدادات الفنزويلية على مخاوف فائض المعروض    ضمن سياق طويل من الانتهاكات الإسرائيلية.. تصاعد اقتحامات المسجد الأقصى والاعتقالات بالضفة    لبنان عالق بين التفاوض واستمرار التصعيد العسكري    بذريعة «الاستخدام المزدوج».. مئات الشاحنات عالقة عند معبر رفح    حكومة نتنياهو لا تستجيب للضغوط الأميركية للانتقال للمرحلة الثانية    ناقشا الجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار.. ولي العهد والبرهان يستعرضان مستجدات الأحداث بالسودان    لتوزيع 10 جوائز للأفضل في العالم لعام 2025.. قطر تحتضن حفل «فيفا ذا بيست»    «جوارديولا».. رقم تاريخي في الدوري الإنجليزي    أمير منطقة الرياض يوجه الجهات المعنية بسرعة رفع تقارير نتائج الحالة المطرية    إغلاق موقع مخبوزات مخالف في جدة    انطلاق تمرين مواجهة الكوارث البحرية الخميس    اتهام تسعيني بقتل امرأة قبل 58 عاماً    5 أفلام تنعش دور العرض المصرية نهاية 2025    شراكات في صناعة السينما بمهرجان البحر الأحمر    اختتمت مشاركتها في المعرض بمدينة ميلانو الإيطالية.. السعودية تبهر زوار «أرتيجانو آن فييرا» بعمقها الحضاري    تجمع مكة الصحي يُفعّل مبادرة «10KSA»    تعديل السلوك    الاستجابة للفرح    دواء مناعي يعالج التهاب مفاصل الركبة    دراسة: نقص«أوميغا-3» يهدد 76% من سكان العالم    فيديوهات قصيرة تهدد نمو الأطفال    وميض ناري على مذنب    جريمة قتل حامل تهز سكان المنوفية    علامة مبكرة لتطور السكري الأول    أسعار تطعيم القطط مبالغة وفوضى بلا تنظيم    الدكتور علي مرزوق يسلّط الضوء على مفردات العمارة التقليدية بعسير في محايل    10.6% نمو بقيمة الصفقات السكنية    أمير نجران يستعرض الخطة التنفيذية للجمعية الخيرية    خالد بن سلمان يبحث مع بولس جهود إحلال السلام    تراجع الدولار وتباين لسياسات العالم النقدية    مبادرة لتأهيل قطاع التجزئة    نائب أمير الشرقية يستقبل مجلس «مبرة دار الخير»    الأردن تتغلب على السعودية وتتأهل لنهائي كأس العرب    بلدية محافظة الشماسية تنهي معالجة آثار الحالة المطرية التي شهدتها المحافظة    تألق ثلاثي دوري روشن في نصف نهائي كأس العرب    عبدالعزيز بن سعد يستقبل رئيس جامعة حائل المكلّف    حين تُستبدل القلوب بالعدسات    المرأة العاملة بين وظيفتها الأسرية والمهنية    الفريق المشترك لتقييم الحوادث ينفي استهداف معدّة مدنية في باقم    غداً .. "كبدك" تُطلق برنامج الطبيب الزائر «عيادة ترحال» ومعرضًا توعويًا شاملًا في عرعر    أمير منطقة جازان يستقبل إمام المسجد النبوي    في ندوة بمعرض جدة للكتاب 2025..الثقفي: الدبلوماسي السعودي من الأكفأ عالميًا    دور إدارة المنح في الأوقاف    وفد أعضاء مجلس الشورى يطّلع على أدوار الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة    ثلاث جولات في مختلف مناطق المملكة ، وبمشاركة أبطال السباقات الصحراوية    طلاب ابتدائية مصعب بن عمير يواصلون رحلتهم التعليمية عن بُعد بكل جدّ    انطلاق منتدى تحالف الأمم المتحدة للحضارات    «الحياة الفطرية» تطلق مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات    أمانة الرياض تطلق فعالية «بسطة» في حديقة الشهداء بحي غرناطة    الأحمدي يكتب.. وابتسمت الجماهير الوحداوية    أمير منطقة جازان يستقبل سفير إثيوبيا لدى المملكة    تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية.. دورات متخصصة لتأهيل الدعاة والأئمة ب 3 دول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصري محمد المنسي قنديل في عمل جديد "قمر على سمرقند" رواية البحث عن اجوبة مستحيلة
نشر في الحياة يوم 08 - 03 - 2005

كانت لعنة"روح الأرز"في واحدة من أجمل"قصص"محمد المنسي قنديل"بيع نفس بشرية"تمثيلاً أسطورياً لأزمة شخصيات حائرة بين الطهر والفساد, واستيعاباً جذاباً لخصائص اللقاء العفوي على أرض غريبة بين مدرس مصري وخادمة فيليبينية, وهما تمثيل واستيعاب يستكشفان مناطق نادرة الحضور في الرواية العربية, على رغم ثرائها الروحي/ الحضاري, وعلاقتها المتشابكة مع مجتمعاتنا العربية. يعود المنسي في رواية"قمر على سمرقند", الصادرة أخيراً في القاهرة عن سلسلة"روايات الهلال", إلى فضاء آسيوي آخر مستفيداَ، هذه المرة أيضاً, من جاذبية قدَر اللعنة في تشكيل مسار الأزمة وسلوك الشخصيات.
قال لطف الله معلقاً على حكاية عن النقشبندي:"يا لها من حكاية, ولكن هل حدثت فعلاً؟"، قال قادري:"كان خليقاً بها أن تحدث". ويصدق هذا القول على مواقف كثيرة في"قمر على سمرقند"مثلما يصدق على الرواية نفسها, إذ تمتزج الحقائق والرغبات والأساطير, وتنتشر الحكايات بلا دليل على صدقيتها سوى مهارة الحكي, والحاجة إليها بصفتها زاداً لرحلة كبرى تنطوي على رحلات متفرقة, إلى أماكن وتواريخ وأزمات معلقة.
الرحلة الأطول في الرواية إلى أوزبكستان, يقوم بها مصري يُدعى عليّ, ويعرف نفسه بأنه"طبيب توقف عن ممارسة الطب", لن نعرف عنه أكثر من ذلك حتى الفصول الثلاثة الأخيرة, والرواية ستة عشر فصلاً, مجرد تلميحات غامضة لذكريات بعيدة مع تحديد واضح لغايته من الرحلة, وستفقد هذه الغاية في ما بعد أهميتها, حين يتضح أنها جاءت متأخرة, وأن تجربة الطريق إليها أفادته بأكثر منها. ظن عليّ أنه سيجد في سمرقند إجابات عن أسئلة ظلت تؤرِّقه لأكثر من ربع قرن, منذ توفي والده في حادث مريب بعد إقالته من منصبه العسكري, لمجاهرته برفض معاهدة كامب ديفيد واحتفاظه بوثائق سرية تبرر هذا الرفض. وبدأت الرحلة إلى صديق الأب, الجنرال الروسي رشيدوف, من العاصمة طشقند بصحبة السائق"نور الله", أوزبكي عجيب يعرف الكثير و"يحب أن يكسر كل قواعد اللعبة".
تتراكم على مدى أيام قليلة حوادث ولقاءات تعوق الوصول إلى الغاية المعلنة, لكنها تجعل من رفيق الرحلة موضوعاً للاستكشاف, في مقابل الأب, وبديلاً مطابقاً يحقق هدفاً أعمق للتصالح مع الأب والذات معاً. قال عليّ:"لم أفك غموض موته, كما لم أفك غموض حياته, وسيبقى فقط ذكرى خاصة بي, ما زلت حتى هذه اللحظة أسأل نفسي هل كان يمكن أن أقوم بشيء يمنع موته, وهل هناك شيء يتيح لي أن أعرف قاتله, لقد قصرت معه, كرهته حين كان يجب أن أحبه, واتهمته بالجنون حين كان يجب أن أكون أول مَنْ يصدقه, تركته وحيداً فريسة للقتلة المحترفين, وتركت أدلة حياته وموته تهرب من بين أصابعي كذرات الرمل".
ولو جاءت هذه الكلمات على لسان"نور الله"لما اختلف شيء, إذ تحمّل لسنوات طويلة وطأة مشاعر وأسئلة مشابهة, نتيجة علاقته المعقدة ب"لطف الله", رفيق رحلته الشاقة من وادي فرغانة إلى بُخارى لطلب العلم, ومحور أزمته الأخلاقية التي نشأت من تورطه مع السلطة. رضي"نور الله"بأن يكون عيناً للسلطة على زملائه, وتقبل مكافآتها/ تكليفاتها حتى أصبح مفتياً للبلاد, ثم بدأ رحلة الدفاع عن سلطة لم يملكها, مثل والد عليّ, ورفض أن يمنح الشرعية للأمر باغتيال رفيقه, فنُفي إلى موسكو, وعاد بعد سنوات متسللاً, ليعيش هارباً مطارداً على هوامش المدن غالباً, في قلبها أحياناً, ويدفع الثمن في كل حين.
لم يختر عليّ"نور الله", كما لم يختر من قبل أباه, ومرت علاقته بالرجلين من نفق الخضوع إلى مصالحة الفهم واختيار القبول, مروراً بالرفض والتمرد. كان في حاجة إلى تلك الرحلة وهذا الرفيق لكي يرى نفسه بوضوح ويعرف قدراتها, وجعله غياب نور الله من المشهد موقتاً يخوض مغامرة أخرى في سمرقند, فيساعد في إعادة ابنة الجنرال المتمردة إلى بيتها, ما يعني عودته هو نفسه إلى أبيه واكتمال المصالحة.
لم يقرأ عليّ أوراق أبيه, التي أعطاها له الجنرال, ليس اتباعاً لنصيحة الرجل بقدر ما هو حدس بأن الرحلة لم تنته بعد, لم تُجب عن كل أسئلتها, وأن التغير الذي يستشعر ضرورته يجب أن يبدأ للتوّ من سمرقند, وقد صدق حدسه سريعاً, حين أنقذ"نور الله"من الشرطة في نهاية الرواية, وانطلق معه وسط ظلام حالك وسهوب مفتوحة بلا أضواء ولا خرائط للطريق.
الشخصيات في"قمر على سمرقند"جريحة تملك قدرات تفوق دورها وسمات تجهل وجودها, تتحرك في مدى دائري مطمئنة ليأسها, تحمل على الطريق لعناتها وأزماتها القديمة, فيصنعها الطريق من جديد, ويقربها من خلاص لا تنشده. والأزمات مجرد اتجاهات, منحنيات في مسار الوقت الطويل, لإبراز فردية ترقص مع مخاوفها بشهوانية, كتلك الغجرية التي تراقص الدب متوقعة في كل لحظة أن يستثار منها فيهاجمها. لقد وصف عليّ"نور الله"بأنه يأكل مثل دب, يغضب مثل دب, ويتفجر بشهوة الحياة, فكأنه كان يصف نفسه الأخرى, رغباته والمثال الذي يتمناه, ولذلك تمسك بهذه الصحبة المرهقة, ليقترب من ذلك الآخر اللغز/ نفسه. تبدو تأثيرات خبرة المنسي بكتابة السيناريو في استخدامه عوامل المصادفة والفرصة والمفاجأة, لتعزيز الحبكة المشوقة وإضافة شخصيات جديدة إلى المشهد, وقد أسهمت حقاً في تقديم الجانب السياحي/ المعلوماتي بعفوية, وفي تمييز الشخصيات الكثيرة وتبرير دورها, لكنها في المقابل صرفت الانتباه قليلاً عن تساؤلات ضرورية حول سبب الرحلة الكبرى في هذا الوقت بالتحديد: كيف مضت حياة عليّ بعد رحيل والده؟ لماذا توقف عن ممارسة الطب؟ ما الذي اختاره بديلاً لهذه المهنة؟ وما الأزمة الحالية التي استفزت ضعفه ودفعته إلى الطريق؟
الرواية بيكاريسكية إلى حد كبير, رحلة ومغامرات وأنواع من الخطر والتهديد تترصد الشخصيات, لكن البناء أبعد ما يكون عن النمطية, إذ يستخدم المنسي موضوع الرحلة على مستويات متعددة: فردية/ جماعية, حالية/ ماضية, إطاراً للسرد/ وتوازنات داخلية, لتكون الرحلة كناية عن تاريخ أعراق مختلفة في المكان, كالغجر والروس والعرب, ومعبراً لتلميحات إلى أسطورية الشخصيات المبهمة, غالباً بإبدال موضع الأسطورة كما في اختفاء لطف الله من غرفة مغلقة في مبنى محاصر, والظهور الطيفي لشخصية بيبي خاتون ثم توحدها مع شخصية طيف.
تؤدي التلميحات الأسطورية دوراً كبيراً في تأكيد المصير الإنساني التكراري, وهذه فكرة محورية في الرواية, كما أنها تؤثر بقوة في بناء الحبكة الروائية, وتجعلها أقرب إلى بناء القصص الشعبي, أما التأثير الأهم لهذه التلميحات فهو أنها تسحب الأساطير من سياقها, فتفقد معناها الأصلي وتصبح عنصراً درامياً في لعبة ثقافية مع القارئ.
لا بد من أن يتذكر قارئ محمد المنسي قنديل روايته الأولى"انكسار الروح", وبطلها عليّ, أيضاً, الذي كانت رغبته الأولى في أوراق التنسيق الجامعي: فاطمة, ثم التحق بكلية الطب, ولا فارق بينه وبين عليّ في"قمر على سمرقند"سوى أن التحولات السياسية التي يرصد الأخير تأثيراتها تقع في فترة زمنية لاحقة, وتتخذ أبعاداً عالمية شديدة التداخل. والروايتان, تؤكدان ما يرفد مشروعه الإبداعي من جدية وخبرة متميزة بمجالات متعددة.
ناقدة مصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.