ترمي شركة "بوينغ" الأميركية بكل ثقلها لاستعادة موقعها في المنطقة العربية، الذي خسرته في السنوات الأخيرة لمصلحة منافستها الأوروبية "ايرباص"، التي كانت الأسرع في اغتنام فرصة نمو قطاع الطيران في المنطقة لتحصد اكثر من 60 في المئة من السوق، فيما كان عملاق الطيران الأميركي يترنح من وطأة تداعيات أحداث أيلول سبتمبر وكساد الاقتصاد العالمي. وتراهن"بوينغ" حالياً على بعض الأسواق العربية، التي بدأت تنفتح في وجهها الواحدة تلو الأخرى، لتعويض ما فاتها. ليبيا أزيلت عنها العقوبات وباتت على وئام مع الولاياتالمتحدة، والعراق الذي لم يشتر أي طائرة منذ مطلع الثمانينات، بات ساحة مفتوحة ل "بوينغ" من دون منافس، والسلطة الفلسطينية تحتاج إلى طائرات لتشغيل مطار غزة بعدما وافقت إسرائيل على الانسحاب منها. وإذا كانت الشركة الأميركية حصلت على موافقة حكومتها بدخول السوق الليبية، وجنت صفقة بقيمة 366 مليون دولار من شركة "البراق" التابعة للخطوط الجوية الليبية، فإنها تنتظر استتباب الوضع في العراق الذي مزقته الحروب والحصار، وتتطلع إلى بدء العمل في مطار غزة، وموافقة السلطات الأميركية لها على دخول أراضي السلطة الفلسطينية. وقال نائب رئيس قسم مبيعات الطائرات التجارية في"بوينغ" لي مونسون في مقابلة ل "الحياة": "لا نستطيع عرض طائراتنا للبيع في العراق، في وقت ترفض شركات التأمين تحمل مسؤولية المخاطر التي قد تتعرض لها الطائرات". ولكنه أشار إلى ان الشركة "تراقب الأوضاع في العراق"، وأنها ستلعب دوراً فاعلاً في السوق العراقية حين تسمح لها الأوضاع الأمنية بذلك. ويعترف مسؤولو بوينغ بأن منافستهم الأوروبية سبقتهم إلى قراءة حجم النمو الذي ستشهده المنطقة، إذ قال مونسون ان "منافستنا توقعت النمو غير المسبوق في قطاع الطيران في المنطقة، وتحركت قبلنا لتحصد طلبيات كثيرة". وأضاف: "للأسف حصل هذا في وقت شهد قطاع الطيران العالمي تراجعاً كبيراً على خلفية أحداث أيلول سبتمبر وانتشار وباء "سارس" في آسيا وتراجع الاقتصاد العالمي"، فيما شهدت المنطقة "تفريخ" العشرات من شركات الطيران التجارية، وزادت حاجة الشركات القائمة إلى المزيد من الطائرات، مع رواج السياحة وزيادة الطلب على السفر". وتتحرك "بوينغ" هذه الأيام على جميع الجبهات الإعلامية والتسويقية والتقنية لاستعادة عرشها الذي تربعت عليه عقوداً من الزمن بحصة تزيد على 55 في المئة من سوق المنطقة، فعينت خلال الأشهر الأخيرة عشرات الموظفين الجدد في مكاتبها في الدول العربية، وفتحت فروعاً للتسويق في بعض الدول، وكثف المسؤولون التنفيذيون من جولاتهم المكوكية إلى الدول العربية. وتركز الشركة على الترويج لطائرات "787 دريملاينر" و "777-200 ال آر" التي تعول عليها الشركة آمالا كبيرة في زيادة مبيعاتها في الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة. ولكن السؤال هو هل جهود "بوينغ" ومبادراتها الحالية كافية لاسترداد حصتها في أسواق المنطقة من منافستها "ايرباص"؟ أجاب مونسون: "من المهم ان أشير هنا إلى ان استراتيجيتنا لا تعتمد على حصتنا في السوق، بقدر ما تركز على مسؤوليتها أمام المساهمين في الشركة في المحافظة على زيادة هامش الربح"، لافتاً إلى أنها "تسعى إلى تحقيق أرباح صحية تساعدها على زيادة الاستثمار في منتجاتها، بعكس الاستراتيجية التي تنتهجها منافستنا التي بإمكانها خفض الأسعار ما دامت تحصل على دعم من حكوماتها". وأشار إلى ان "هذا، بلا شك، كان من أهم العوامل التي رفعت حصة "ايرباص" ليس في أسواق الشرق الأوسط وحسب، وانما على صعيد العالم بأسره." ويلمح مسؤولو "ايرباص" إلى أن الاتهام بوجود مساعدة حكومية يجب أن يوجه إلى "بوينغ"، مشيرين إلى أن الإدارة الأميركية هي أيضا ترمي بكل ثقلها وراء "بوينغ"، إذ أن المنافسة ستكون صعبة ان لم تكن غير موجودة أصلاً في السوقين العراقية والليبية بسبب الحضور الأميركي الكثيف في هذين البلدين. ورأى مانسون ان التحدي الكبير أمام "بوينغ" حالياً هو زيادة الإنتاج والاستثمار في طائرات خفيفة الوزن وقليلة الاستهلاك للوقود وتتمتع بفاعلية اكبر من طائرات منافستها "ايرباص" وأقل ثمناً. ولفت الى ان شركات الطيران العربية مثل "طيران الامارات" و "القطرية" و"الاتحاد" لديها استراتجية وتعرف تماماً نوع الطائرات التي تحتاجها: "من الواضح ان هذه الشركات تحتاج الى طائرات عملاقة مثل طائرة "ايه 380"، ولكن هذه مجرد حقيقة واحدة في معادلة صعبة وهي كيف تشغل طائرة تدر عليك ارباحا؟" وأشار الى ان منطقة الشرق الاوسط "لديها خيارات لدعم استراتيجيتها، خصوصاً في اطار طائرة "777-200 ال آر ورلد لاينر" الاطول مدى في العالم و"787 ايرلاينر" الخفيفة والمصنوعة من الكربون، اللتين تستطيعان الطيران بين نقطتين بعيدتين من دون توقف وبكامل حمولتهما". ودشنت بوينغ طائرتها "777-200 ال آر" منتصف هذا الشهر، بعد أسابيع قليلة من إطلاق "ايرباص" اكبر طائرة في العالم من طراز "ايه 380"، لتعكس اختلاف آراء عملاقي صناعة الطيران في العالم لنوع الطائرات المطلوبة خلال السنوات المقبلة، إذ ترى شركة "ايرباص" الأوروبية ان الطلب سيزداد على الطائرات العملاقة، فيما تؤكد "بوينغ" ان الحاجة إلى الطائرات المتوسطة والصغيرة ذات الممرين سيتضاعف خلال ال 20 سنة المقبلة. وتشير دراسة أعدتها "بوينغ" إلى ان حركة الملاحة الجوية ستنمو بمعدل يربو على خمسة في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة، وان العالم سيحتاج إلى نحو 25 ألف طائرة جديدة.