أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    تطوير المدينة تستعرض مواقع التاريخ الإسلامي في معرض سوق السفر 2024    مصر تحذر من التصعيد الخطير.. إسرائيل تمارس سياسة «حافة الهاوية»    استثمارات مليارية وفرص وظيفيّة كبيرة بملتقى المستثمرين الباكستاني- السعودي    تعليم القصيم يحقق إنجازًا عالميًا في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2024    الموارد البشرية تطلق خدمة "أجير الحج" لعام 1445    اهتمام عالمي بصعود القادسية إلى دوري روشن السعودي    أرامكو السعودية تعلن عن النتائج المالية للربع الأول من عام 2024    تعليم الطائف يحقق المركز الأول في دوري الفيرست ليغو 2024    المملكة توزع 6.500 سلة غذائية للمتضررين شرق خان يونس    وغاب ضي البدر وضيّ الحروف    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المصلى المتنقل خلال مهرجان الحريد    مركز التنمية الاجتماعية في حائل يُفعِّل اليوم العالمي للإبداع والابتكار 2024    مركز الحماية الأسرية وحماية الطفل في حائل يقيم مأدبة عشاء لمنسوبيه    الأرصاد: لاتزال الفرصة مهيأة لهطول الأمطار بعدد من المناطق    الهلال يحسم الكلاسيكو على حساب الأهلي    مالكوم: حققنا فوزاً ثميناً.. وجمهور الهلال "مُلهم"    "آيفون 15 برو ماكس" يحتل صدارة الأكثر مبيعاً    حظر ممارسة النقل البري الدولي بدون بطاقة التشغيل    ولي العهد يعزي رئيس الامارات بوفاة الشيخ طحنون    وصول أول رحلة للخطوط الصينية إلى الرياض    وزير الدفاع يرعى تخريج طلبة الدفاع الجوي    العُلا تنعش سوق السفر العربي بشراكات وإعلانات    لصان يسرقان مجوهرات امرأة بالتنويم المغناطيسي    فهد بن سلطان يقلّد مدير الجوازات بالمنطقة رتبته الجديدة    عقوبات مالية على منشآت بقطاع المياه    «ستاندرد آند بورز»: الاقتصاد السعودي سينمو 5 % في 2025    استقبل أمين عام مجلس جازان.. أمير تبوك: المرأة السعودية شاركت في دفع عجلة التنمية    مؤتمر لمجمع الملك سلمان في كوريا حول «العربية وآدابها»    «أحلام العصر».. في مهرجان أفلام السعودية    «الدون» في صدارة الهدافين    هل تتلاشى فعالية لقاح الحصبة ؟    اختبار يجعل اكتشاف السرطان عملية سريعة وسهلة    وزير الحرس الوطني يستقبل قائد القطاع الأوسط بالوزارة    افتتح المؤتمر الدولي للتدريب القضائي.. الصمعاني: ولي العهد يقود التطور التشريعي لترسيخ العدالة والشفافية    أبو طالب تقتحم قائمة أفضل عشر لاعبات    لاعب الهلال "الشهري" يحصل على جائزة أفضل هدف في الجولة 30    أخضر تحت 19 يقيم معسكراً إعدادياً    استمرار الإنفاق الحكومي    ريادة إنسانية    اختتام "ميدياثون الحج والعمرة" وتكريم المشروعات الفائزة والجهات الشريكة    فنون العمارة تحتفي بيوم التصميم العالمي    أبو الغيط يحذّر من «نوايا إسرائيل السيئة» تجاه قطاع غزة    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة من الهلال    الهلال يتغلب على الأهلي والاتحاد يتجاوز الابتسام    اكتشاف الرابط بين النظام الغذائي والسرطان    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم السيامي الفلبيني «أكيزا وعائشة» إلى الرياض    بكتيريا التهابات الفم تنتقل عبر الدم .. إستشاري: أمراض اللثة بوابة للإصابة بالروماتويد    الحرب على غزة.. محدودية الاحتواء واحتمالات الاتساع    أكذوبة «الزمن الجميل» و«جيل الطيبين»..!    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال21 من طلبة كلية الملك عبدالله للدفاع الجوي    جواز السفر.. المدة وعدد الصفحات !    اجتماع سعودي-بريطاني يبحث "دور الدبلوماسية الإنسانية في تقديم المساعدات"    أمير منطقة تبوك يستقبل أمين مجلس منطقة جازان ويشيد بدور المرأة في دفع عجلة التنمية    وحدة الأمن الفكري بالرئاسة العامة لهيئة "الأمر بالمعروف" تنفذ لقاءً علمياً    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوامش للكتابة - معنى "زمن الرواية"
نشر في الحياة يوم 26 - 01 - 2005

لا يتباعد معنى كلمة"زمن"- حين نقول"زمن الرواية"- عن معنى كلمة"عصر"age التي تستخدم على نحو مماثل للإشارة إلى ازدهار نوع أدبي ما، أو تصدر تيار فكري، أو هيمنة اتجاة اجتماعي، تغدو له السيادة في الزمن الذي ينتسب إليه، أو في العصر الذي يتخذ اسمه من النوع أو التيار أو الاتجاه الذي يصعد فيه. ولذلك تحدث مؤرخو الفكر الأوروبي عن"عصر الإيمان"الذي اكتسب ملمحه المهيمن من أفكار فلاسفة العصور الوسطى، و"عصر المغامرة"الذي اقترن بفلاسفة النهضة، و"عصر العقل"الذي تجسد به فكر القرن السابع عشر، و"عصر الاستنارة"في القرن الثامن عشر، و"عصر الإيديولوجيا"في القرن التاسع عشر، و"عصر التحليل"في القرن العشرين.
ولم يكن المقصود بتمييز القرن السابع عشر - مثلاً - بأنه"عصر العقل"أن العصور السابقة أو اللاحقة لم يكن فيها اهتمام بالعقل، أوالنزعة العقلية لم تكن موجودة سوى في القرن السابع عشر، وإنما صعود هذه النزعة التي هيمنت على القرن السابع عشر، وتصدرت بالقياس إلى غيرها من النزعات، فأصبحت تياراً قائداً في صعوده، وأكثر تأثيراً في مدى انتشاره. ولذلك صارت كلمة"العقل"العلامة المائزة الفارقة للقرن الذي أصبح عصراً أو زمناً بلا فارق. وكان ذلك بالمعنى الذي يوقع تسوية دلالية ما بين كلمتي عصر وزمن، خصوصاً من حيث مدلولات الصعود والتصدر والإلحاج الذي تغدو به صفة العصر نقطة البدء والانتهاء في الزمن الذي ينتسب إليها ويتحدد بها ويتجسد فيها.
وقد تتسع الحدود الزمنية للعصر لتشمل قرناً، أو تجاوز القرن إلى قرون، أو تتقلص لتشمل ما هو أقل من القرن بقليل أو كثير. وهذا هو ما حدث في الاصطلاح النقدي الذي شاع مؤخراً: زمن الرواية. وهو اصطلاح يشير إلى صعود الفن الروائي، وتصدره المشهد الإبداعي، على نحو يسقط نفسه على الزمن الذي شهد هذا الصعود وأسهم في صوغ ملامحه، كأنه المفعول والفاعل، أو الحامل والمحمول، فيغدو الزمن زمناً للرواية، سواء في تميزها الكمي على غيرها، أو في تفوقها الكيفي من حيث قدرتها على التقاط وتجسيد النغمات والملامح النوعية لعصرها. أقصد إلى التميز والتفوق اللذين أعادا تشكيل علاقات التراتب الأدبي، فهبطا بفن الشعر من عليائه بصفته فن العربية الأول، والارتفاع بفن الرواية إلى ذُراه لتغدو في مستوى فن الشعر الذي لم يعد منفرداً بالصدارة أو القمة أو الذّروة، بل أخذ يتخلى عنها لمنافسه الجديد الذي لا يكف عن الصعود والوعود، أو - على الأقل - أفسح للمنافس الجديد مكاناً بجانبه، ليصبح في المستوى نفسه - أو أكثر - من الاهتمام والتأثير والذيوع.
وكان ذلك في موازاة متغيرات إبداعية عالمية، وشروط اجتماعية وسياسية وفكرية وإبداعية، ومن ثم استجابة لمتطلبات حاسمة في جدلية الاستجابة والتلقي. أقصد إلى متطلبات وضعت فن الرواية في الصدارة من حيث هي تعبير إبداعي يوازي صعود العلم في التاريخ الإنساني، وما يقترن به من أشكال التصنيع الحديث التي تجاوزتها البشرية، عابرة عصر ما بعد الصناعة إلى عصر المعلومات. وهي التحولات التي تمثلتها الرواية، وأعادت إنتاجها إبداعياً بكل لوازمها على نحو غير مسبوق، بطرائق غير محدودة من التجسيد والتمثيل والترميز، وذلك في آليات تقنية بالغة المرونة والقدرة على استيعاب ما في الأنواع الأدبية الأخرى، وعلى رأسها الشعر، والفنون المغايرة، وعلى رأسها السينما والتلفزيون. وكانت النتيجة أنه بقدر ما اكتسبت الرواية من الشعر شعريته، فأصبحنا نتحدث عن الرواية الشعرية وشعرية الرواية، في موازاة الرواية الحوارية التي استوعبت الأداة الأساسية لفن المسرح. اكتسبت الرواية من السينما بعض الخصائص في أساليبها، وأعطت من حضورها للسينما التى بادلتها التأثر والتأثير، فأصبحت عبارة"زمن السينما والتلفزيون"دالة إلى زمن الرواية التي وجدت على شاشات السينما الكبيرة ما أوصلها إلى الملايين من الجماهير اللامتناهية، كما وجدت في شاشات التلفزيون الصغيرة ما أسهم في توسيع دوائر تلقّي السرد الروائي الذي وجد له دائرة جديدة من التلقي، بفضل أحدث التقنيات، عبر شاشات الكومبيوتر، وكان في ذلك كله ما يؤكد أننا نعيش في"زمن الصورة". وهو التعبير - الشعار الذي يلح عليه فلاسفة ما بعد الحداثة.
ومن هذا المنظور، نشر محسن الموسوي - في العراق - كتابه"عصر الرواية، مقال في النوع الأدبي"سنة 1985 منشورات مكتبة التحرير، وأصدر علي الراعي - في مصر - كتابه الموسوعي"الرواية في الوطن العربي"عن دار المستقبل القاهرية سنة 1991 معلناً حماسته لما وصلت إليه الرواية العربية من مكانة.
وكان ذلك في السياق الذي أخذ فيه الوعي الأدبي والنقدي ينتبه إلى أننا دخلنا بقوة إلى زمن الرواية، خصوصاً بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل سنة 1988، وما ظهر للعيان من انجذاب هذه الجائزة إلى كتاب الرواية، استجابة إلى زمنها النوعي الذي فرض نفسه على الجوائز العالمية، وعلى رأسها جائزة نوبل، وذلك على نحو يضع مقابل كل شاعر حصل على الجائزة - في تاريخها - كاتبين للرواية على الأقل، بل في مؤشر يتزايد تصاعد انحيازه إلى كتاب الرواية عبر الخمسين سنة الأخيرة.
وكان من نتيجة ذلك أن خصصت أكثر من عدد من مجلة"فصول"- حين كنت رئيساً لتحريرها - بعنوان"زمن الرواية"، مفتتحاً الجزء الأول بتأكيد أن أكثر من علامة تحيط بنا، تجعلنا نزداد يقيناً أننا نعيش في زمن الرواية"ابتداء من الإنجازات المتميزة بثرائها الكمي قطرياً وقومياً وعالمياً، على نحو ارتفعت فيه معدلات الإبداع الروائي على مستوى الكتّاب، ومعدلات الاستقبال على مستوى القراء. ولقد دفعتني إسهامات أعداد"فصول"عن"زمن الرواية"إلى الاقتناع الكامل بأننا نعيش زمنها النوعي، الأمر الذي دفعني إلى جمع ما كتبته في الموضوع بالعنوان في كتاب"زمن الرواية"الذي صدرت طبعته الأولى سنة 1999
ولكن ما الحدود الزمنية لما نصفه بأنه"زمن الرواية"؟ هل هي الحدود التي شهدت انفجار هذا الفن وتصاعده المتزايد الذي فرض حضوره على الجميع؟ أم هي الحدود التي تبدأ بالمقدمات التي أدّت إلى هذا الانفجار، وتشكلت فيه الأسباب الضرورية التي نتج عنها ما نصفه بأنه ازدهار الرواية؟ في الحالة الأولى، نحن إزاء تأجّج الظاهرة، وذروتها الكمية والكيفية. وفي الحالة الثانية، نحن إزاء الامتداد الذي ينطلق من شروط متعينة، تؤدي إلى ابتداء للتأسيس الذي يغدو أصلا لكل ما يترتب عليه من نتائج تتفاعل مع شروط لاحقة وعوامل مساعدة. ويتلمس علي الراعي - في مقاله، في مجلة فصول،"هذا زمان الرواية"- الأسباب التي أدت إلى ازدهار الرواية في الوطن العربي، وجعلتنا نعيش زمنها الصاعد، فيجدها - أولا - في الشرخ الكبير الذي أحدثته هزيمة 1967 في وجداننا، وتبدد حالة الزهو القوى التي ألهمت مسرحنا العربي في الخمسينات والستينات. يقصد إلى الانكسار القومي الفاجع الذي ألجأ المبدع العربي - كالوحش الجريح - إلى كهف الذات يلعق جراحه، ويعيد ترتيب مكونات نفسه وأثاث بيته. ويضيف على الراعي إلى الهزيمة العسكرية الهزيمة الإيديولوجية التي تهاوت مع السرديات الكبرى، ولم تعد فكرة شمولية واحدة تثبت للتحليل الطويل، وذلك في سياق تاريخي لم يعد فيه للفرد إلا الفرد.
ويتسع جبرا إبراهيم جبرا - بحدود زمن الرواية لتشمل نصف قرن، مؤكدا - في مقاله"هذا زمن الرواية"- أن المجتمع العربي لم يكن يوما في تاريخه الطويل أكثر انزياحا وأشد تغيرا مما كان عليه في السنين الخمسين الأخيرة، وهي سنون من التغيرات الجذرية التي ما عادت تعطي أحدا الثقة في أنه يمتلك الحقيقة، فالحقيقة نفسها تتشظى، وتتشكل معطياتها كل يوم على نحو جديد، لأنها ليست إلا عناصر مضطربة في تركيبة بشرية دائمة الحركة. وهي تركيبة تنتقل بمعنى الحقيقة من الإطلاق إلى النسبية، وتفرض حضور الرواية التي تتميز بقدرتها على التقاط الأنغام المتباعدة، المتنافرة، المركبة، متغيرة الخواص لإيقاع عصرنا، وذلك بواسطة الطبيعة البوليفونية التي ينطوي عليها النسيج الروائي الذي يؤالف بين العناصر المختلفة، والخاصية الحوارية التي تجمع بين الأضداد، وتصل بينها وصل الجدل في نسيج معقد، يتضافر فيه السرد والوصف والأحداث والشخصيات وأفعال الكلام وتراكيب الزمان والمكان، في علاقات تضع الأطراف المتجاوبة والعناصر المتنافرة في شبكة متوترة الأبعاد والمكونات: شبكة تظل متواشجة الخيوط، موصولة المكونات.
ويبدأ مصطفى الكيلاني - في تونس - كتابه"زمن الرواية العربية: كتابة التجريب"الصادر عن دار المعارف، سوسة، تونس، 2003 بافتراض أن"زمن الرواية"الذروة الدالة لصعودها، ويقرن ذلك بازدهار التجريب الذي بدأ منذ ستينات القرن العشرين التي اتخذت فيها منعرجا حاسما، أعاد النظر بحدة وعمق في سنن الكتابة السردية عامة، والرواية منها على وجه الخصوص. وهو تأكيد يجيب عن الأسئلة التي يستهل بها تصدير الكتاب:"هل انخرط الأدب العربى حقا، خلال النصف الثاني من القرن العشرين في عصر الرواية؟ هل الرواية العربية شأن مثيلاتها في الآداب المتقدمة قادرة على أن تضطلع بمهمة الريادة الأدبية فتستقطب مختلف الأساليب والفنون دفعة واحدة لتبرهن في ذات اللحظة على ماهية جنسها الأدبي من دون الانحباس داخل حدود فرضت عليها مسبقا؟... هل بدأنا ننتقل من"عصر القصيدة"إلى عصر الرواية"في مرحلة وسطية تبيح التعايش والتداخل والصراع في آن واحد، استعداد لمرحلة قادمة في الكتابة الأدبية العربية؟
ما الذي تعنيه التحديدات الزمنية المختلفة التي يقترحها بعض من أدركوا وألحوا على معنى زمن الرواية؟ إنها تعني - أولا - الوعي بالحضور الدال لهذا الزمن بلوازمه، وتعني - ثانيا - محاولة تحديد هذا الزمن باجتهادات متعددة. وهي اجتهادات أضيف إليها أن زمن الرواية ابتدأ منذ منتصف القرن التاسع عشر مع حركة النهضة العربية الحديثة، وأن الرواية واكبت الشعر فى هذا الابتداء مع المسرح، لكنها ظلت مهمشة مع المسرح الذي سبقها إلى جذب الاهتمام مع فترات اتساع هوامش الديموقراطية، إلى أن اكتملت الشروط والعوامل التي فرضت صعود الزمن الروائي فى أعقاب زلزال العام السابع والستين، وما تلاه من عوامل داخلية وخارجية، قومية وعالمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.