ارتفاع أسعار الذهب    بيئة الشرقية تقيم فعالية توعوية عن سلامة الغذاء بالشراكة مع مستشفى الولادة بالدمام    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    مونتيري المكسيكي يفوز على أوراوا الياباني برباعية ويصعد لدور ال16 بكأس العالم للأندية    إحباط محاولة تهريب أكثر 200 ألف قرص إمفيتامين    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    مجلس الشورى" يطالب "السعودية" بخفض تذاكر كبار السن والجنود المرابطين    الذكاء الاصطناعي.. نعمة عصرية أم لعنة كامنة؟    روسيا تسقط 50 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرّج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    في جولة الحسم الأخيرة بدور المجموعات لمونديال الأندية.. الهلال يسعى للتأهل أمام باتشوكا    في ربع نهائي الكأس الذهبية.. الأخضر يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره المكسيكي    النصر يفسخ عقد مدربه الإيطالي بيولي    "الغذاء " تعلق تعيين جهة تقويم مطابقة لعدم التزامها بالأنظمة    10.9 مليار ريال مشتريات أسبوع    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    بحضور مسؤولين وقناصل.. آل عيد وآل الشاعر يحتفلون بعقد قران سلمان    طقس حار و غبار على معظم مناطق المملكة    الجوازات: جاهزية تامة لاستقبال المعتمرين    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    ما يسوي بصلة… مع الاعتذار للبصل    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    مؤتمر صحفي يكشف ملامح نسخة تحدي البقاء لأيتام المملكة    سبع مراحل لصناعة كسوة الكعبة بأيادٍ سعودية محترفة    الإبداع السعودي يتجلى في «سيلفريدجز» بلندن    «الظبي الجفول».. رمز الصحراء وملهم الشعراء    الهلال يصل ناشفيل وكوليبالي يحذر باتشوكا    المملكة حضور دولي ودبلوماسية مؤثرة    بكين تحذّر من تصاعد توترات التجارة العالمية    صوت الحكمة    صيف المملكة 2025.. نهضة ثقافية في كل زاوية    الجوعى يقتلون في غزة.. 94 شهيداً    رخصة القيادة وأهميتها    مرور العام    جبر الخواطر.. عطاءٌ خفيّ وأثرٌ لا يُنسى    توقيف قائد «داعش» في لبنان    مهندس الرؤية وطموحات تعانق السماء    دورتموند يكسب أولسان ويتصدر مجموعته بمونديال الأندية    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    بنفيكا يكسب البايرن ويتأهلان لثمن نهائي مونديال الأندية    أمير الجوف يبحث تحديات المشروعات والخدمات    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الجوز.. حبة واحدة تحمي قلبك    الميتوكوندريا مفتاح علاج الورم الميلانيني    استشارية: 40% من حالات تأخر الإنجاب سببها الزوج    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تناقضات السياسة الخارجية السورية : الأصول والتجليات
نشر في الحياة يوم 16 - 01 - 2005

تتكاثر تناقضات السياسة الخارجية السورية دون ما يشير إلى أن دمشق تشعر بضرورة إعادة النظر في الأسس العقيدية لهذه السياسة، ولا في كيفية صنع القرارات المتصلة بها. حيال لبنان تتمسك سورية بصيغة للعلاقات لا يخفي انصارها بالذات شكواهم منها. وفي أحسن الحالات تتقبل دمشق احتمال معاناة العلاقة السورية اللبنانية من"سلبيات"ومن إساءة بعض اتباعها استخدام علاقتهم معها. وينسجم هذا التصور مع رفض مراجعة الأسس السياسية والجهازية للعلاقة بين البلدين، لا مع إرادة مراجعتها. لكن المردود المطرد لهذه السياسة هو انقسام اللبنانيين وإمعانهم في النفور من سورية. وحيال العراق يصدر صناع السياسة السوريون عن رؤية سياسية تمنح الأولوية لمزيد من التعثر الأميركي في البلد المحتل، مع ما يضمره ذلك من اعتبار ما يصيب العراق وأهله مهما بلغ من كارثية ومن تهديد لبقاء البلد المنكوب ذاته من جرائر الاحتلال الأميركي وحده ومن نتائجه الجانبية. وحيال الشأن الفلسطيني تمنح السياسة الدمشقية أولوية أيضا لعدم استقرار الأمر للاحتلال الإسرائيلي وترتاح للوضع الحالي دون اهتمام بحصائله على الشعب الفلسطيني.
جمود السياسة السورية غيّب عن نظرها أن أثمان إدارة لبنان والتعثر الأميركي في العراق ولا استقرار الاحتلال الإسرائيلي باهظة جدا على اللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين الذين يفترض لسياسة بصيرة أن تعنى بما يحصل لهم، حتى بصرف النظر عن اية اعتبارات"أخوية". ونتحدث عن تناقض لأن سورية لا يمكن أن تأمن على نفسها بينما البيت أو البيوت المجاورة تحترق. هذا فيما تتحالف اعتبارات العقلانية مع اعتبارات الجوار على وجوب التماس سورية أوضاعا مستقرة وآمنة حولها.
تراكم السياسة السورية التناقضات لأنها لم تتمكن من إجراء مراجعة فعلية لقيمها ومفاهيمها وأدواتها، رغم ان المنطقة وسورية بالذات لم تكف عن التغير في السنوات الأخيرة. وفي الحالات الثلاث التي أشرنا إليها، تصدر السياسة السورية عن تصور محصلة صفرية: ما يكسبه من تعتبرهم خصومها أو أعداؤها تخسره هي، ولا مجال لأن يكسب جميع الأطراف. والمشكلة أن فرص أن يكسب هؤلاء الخصوم والأعداء غدت اليوم أكبر وأكبر، ما يعني ان الثبات على المحصلة الصفرية يحصر السياسة السورية في موقع يائس أكثر وأكثر. والمشكلة أيضا أن السياسة السورية لم تُظهر حرصا واضحا على كسب ود أطراف مهمين: المعارضون اللبنانيون، الحكومة العراقية الحالية، السلطة الفلسطينية. هذا قلل من وزنها ومن وزن حلفائها معاً وفاقم من لاعقلانيتها.
تصدر تناقضات السياسة السورية عن منبعين. الأول، هو التناقض بين إمكانيات سورية الذاتية الاقتصادية والعسكرية وبين دورها الإقليمي. في الأصل كان في الدور الإقليمي السوري، وبالخصوص الهيمنة في لبنان، فائض عن قدرات البلد، وهو فائض احتاج إلى تغطية خارجية للحفاظ على التوازن: الحرب الباردة، تفاهم 1975، صفقة 1990، تفاهم نيسان ابريل 1996. لم يعد هذا ممكنا. والقرار 1559 طوى صفحة الفائض الوظيفي الخارجي نهائيا. وعدم استخلاص الدرس في الوقت المناسب يدفع السياسة الخارجية السورية إلى اتخاذ شكل سلبي، شكل استهداف تعطيل خطط الآخرين والعجز عن وضع خطط إيجابية سورية. هذا هو الحال اليوم.
المصدر الثاني لتناقض السياسة السورية هو انفصال العقيدة السياسية السورية عن الواقع وتعارضها معه. نعني بذلك أن الصيغة البعثية من الفكرة القومية العربية وما تحمله من تطلعات امبراطورية لم تعد ملائمة لرسم سياسية تتوجه سورية فيها بأمان في أوضاع تزداد تعقيدا وعسرا. هذه السياسة باتت خطرا على سورية قبل أن تكون مصدر آلام ومتاعب للعراقيين واللبنانيين والفلسطينيين و... السوريين. ونتيجتها المنهجية الدائمة هي المزيد من التعثر السوري والعجز عن بلورة سياسة منسجمة حيال متغيرات البيئة الإقليمية والدولية.
لقد أضحت هذه السياسة مصدر عدم استقرار، وتهدد بأن تجعل سورية بالذات منبعاً لعدم الاستقرار في المنطقة. وحسن السياسة والسداد يقضيان بانه حين تتكرر أعطال سياسة وأعطابها فإنه يستحسن التحول إلى سياسة جديدة بدلا من ترقيع السياسة القديمة ولوم العالم المحيط بنا.
لكن لماذا يبدو أن نخبة الحكم السورية غير قادرة على اجتراح سياسة جديدة أكثر حفولاً بالاستقرار والتفاهم ومردودها من الانسجام أكبر؟ السبب الجوهري هو مقتضيات السلطة والشرعية الداخلية للحكم السوري. فهو حكم يقوم على شرعية"المشروع القومي"لا الشرعية المستمدة من صناديق الاقتراع ورضا المحكومين.
إن مسعى مراجعة السياسة الخارجية السورية يجازف بأن يصطدم بنمط الشرعية الداخلية إن لم يجر في سياق إعادة بناء هذه الشرعية بالذات. بهذه الصورة تترابط السياسة الخارجية والداخلية في سورية، بحيث أن فرصة إصلاح سياساتنا الخارجية من دون إصلاح الدولة والشرعية في الداخل سيكون سطحياً وعابرا، او سيهدد تماسك نخبة الحكم التي انثلمت شرعيتها"القومية"إن كان إصلاحا حقيقياً.
بدوره، يراكم نظام السلطة / الشرعية الداخلية تناقضات تزداد تعذرا على الحل، أهمها أن تقويض اي شكل من اشكال الحياة الاجتماعية المستقلة طوال عقود الحكم البعثي قد تسبب في شلل اجتماعي منتشر وعجز شامل عن المبادرة. وهو ما يزيد من الأعباء الاقتصادية للدولة التي باتت تدرك الحاجة إلى مجتمع أكثر حيوية ونشاطا إلى درجة ان بعض المسؤولين الرسميين الأكثر إدراكا لحقائق الوضع الاقتصادي هم اكثر من يتحدث عن المجتمع المدني اليوم. وبعض السر في التردد في التوجه نحو اقتصاد السوق ان احتكار المبادرة الاجتماعية المديد ترك قطاعات واسعة من السوريين معتمدة على الدولة ولا تملك أية مؤهلات للحياة خارج رعاية الدولة الأبوية. لمن سيُترك هؤلاء الناس بعد تحرير الاقتصاد؟ هذا انتقام الجتمع من فرط تدويله المديد. يتظاهر هذا التناقض في مجالات الحاية العامة جميعا: السيطرة على الجامعات طوال عقود تركتها اليوم غير مؤهلة للتفاعل مع سوق عمل تزداد انفتاحا، تدمير الأحزاب السياسية المستقلة والمعارضة، الذي كان"عقلانياً"من وجهة نظر معايير السلطة في البقاء المؤبد، ترك المجتمع دون أية حلول أو مخارج لتجاوز انقساماته الأهلية الموروثة... وهكذا.
لقد بلغ نظام السلطة والسياسة في سورية طورا بات إنتاجه من المشكلات والتناقضات يتجاوز قدرته على إنتاج الحلول والتفاهمات. هذا الشرط غير العقلاني والمقوّض لعقلانية الدولة مؤذن بأن النظام هو ذاته أضحى مشكلة تحتاج إلى حل.
ليس هناك مخرج يعيد توطين سورية بثبات في محيطها ويعيد تأسيس دورها في المنطقة دون إعادة النظر في نظام السلطة والشرعية الداخلية. هذا يحتاج إلى المزج بين مقاربة عملية تعتمد حذف المشكلات وتبسيط الأوضاع الإقليمية المحيطة بالبلاد مع مقاربة سياسية إصلاحية تستهدف تغيير بيئة التجاذبات الإقليمية. بداية الانسحاب من لبنان دون القبول بأي ثمن للبقاء، حتى لو عرضه أحد ما، ومساعدة اللبنانيين على التفاهم والتعاون في ما بينهم"والتعاون مع العراقيين للحفاظ على بلدهم موحدا دون تصريحات استفزازية لأي من مجموعاتهم ودون سياسة مزدوجة، و"القبول بما يقبل به الفلسطينيون لأنفسهم"من دون وصاية ودون ازدواجية ايضاً.
لكن الأساسي هو وضع هذه الإجراءت في أفق بناء تعاقد سوري جديد والانتقال نحو الديموقراطية. هنا الصعوبة أكبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.