راجت أعمال الفنان اللبناني زياد الرحباني في العالم العربي، وجعله الشبان مرجعاً للاختلاف والتغيير والسخرية. لكن المفاجأة ان تلقى أعماله اهتماماً من الصحافة الاسرائيلية. ومناسبة الكلام مقال نشرته صحيفة "يديعوت احرنوت" أمس في موقعها على الانترنت بعنوان "كونسيرت أعمال الفنان زياد الرحباني في حيفا". لا يفاجأ قارئ المقالة بأن يكون المهتمون بموسيقى زياد الرحباني عرباً فلسطينيين من الأراضي المحتلّة العام 1984، بل المفاجأة ان تفرد الصحيفة حيزاً لزياد وللحفلة التي أحياها فنانون فلسطينيون في حيفا، قدّموا خلالها بعض أشهر أعماله. ويتمنّى كاتب المقالة اسامة مصري لو أن الحفلة بدأت بأغنية "جاي مع الشعب المسكين"، ولو أن الفرقة قدّمت أغنية "خلّصوا الأغاني هنّي ويغنوا عَالجنوب". ما يدلّ على إلمام تفصيلي بانتاج الفنّان اللبناني بمختلف مراحله. وقد أثارت الحفلة "حركة مثيرة كانت على مدخل قاعة "كريغر" في حيفا التي تتسع لخمسمئة شخص"، بحسب مقالة مصري الذي يضيف: "أشخاص جاؤوا من قرى بعيدة، والكل يسأل عن التذاكر، والمسؤولون يؤكدون نفادها. هذا أول ما لاحظته قبل مشاهدتي كونسيرت أعمال الفنان زياد الرحباني، وهو ما أكد لي أن وضع الثقافة ما زال بخير!". ويشير الى ان "معظم الجمهور كان من محبي زياد الرحباني، وبينهم الذين يتابعون كل ما يبدعه زياد ويحفظونه عن ظهر قلب". وأشار الى "ان فرقة "يُعاد" كانت لها اليد الطولى في الترويج لزياد الرحباني، حتى إنك كنت تعتقد بأن له أصولاً راميّة نسبة إلى الرامة" التي جاء جمهور غفير منها إلى حيفا لمشاهدة العرض". ويتابع مصري: "لقد حاولت الفرقة أن تكون أمينة بقدر الإمكان لموسيقى زياد وكلماته، ولن أخوض في مدى نجاح هذه المحاولة، فقد سمعت الكثير من النقد، وما يهمني أنني انسجمت كثيراً مع الأغاني، وغنيت مع المغنين، كما فعل الكثير من محبي زياد الرحباني الحاضرين بكثرة بين الجمهور. ومن لم يعرف زياد سابقاً، فها هي الفرقة تعرفنا عليه". وتشير المقالة إلى أن الممثلين ايمن نحاس وصالح بكري قدما خلال الحفلة سكتشات مأخوذة من البرامج الإذاعية التي كان يقدمها زياد الرحباني خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة بعنوان "بعدنا طيّبين... قول الله". و"قد أضفت الاسكتشات جواً جميلاً على العرض، إلى درجة أن بعض الحاضرين راح ينتظرها بين الأغنية والأخرى". وتجدر الاشارة الى أن فرقة "يُعاد" تضم الفنان سالم درويش وثلاثة من أبنائه، كما تضم الفنان ألبير مرعب وابنته و"فناناً آخر من المراعبة". ويختتم: "إذا محّصنا جيداً، وجدنا أن بقية أعضاء الفرقة من الأقارب، ولو من بعيد. باختصار، وإن لم تكن كل الفرقة من الرامة، فهي عائلة زياد الرحباني". والمعروف ان زياد لعب دوراً في تطوير الموسيقى العربية، مستوحياً مصادر متنوّعة، ومازجاً الموسيقى النخبوبية مع التوجهات الشعبية. وزياد هو ابن الفنان الكبير عاصي الرحباني، وبين الرحبانيين الأب والابن كانت السيدة فيروز، ولم تزل، توصل المنجز من المشروعين الى الجمهور العريض بصوت نفدت في وصفه الأوصاف. لكنّ الرحباني الابن صاحب مشروع مختلف، يكمّل المدرسة الرحبانيّة أحياناً، ويتجاوزها أحياناً كثيرة أخرى... وكانت أغنيات زياد "الشعبيّة" بالمعنى الحقيقي للكلمة، والمجددة في العمق، وصلت الى دائرة كبيرة من المستمعين العرب من خلال صوت رفيق التجربة الراحل جوزف صقر بلغت ذروتها مع "بما إنّو"، وسواه من الذين رافقوا زياداً في مسرحيات وبرامج اذاعية وصولاً الى اسطوانته مع سلمى المصفي "مونودوز". وصار زياد مدرسة على حدة في الموسيقى العربية، عوالمه مطعّمة بعوالم الجاز، ولغته يوميّة تعبّر عن حساسيّة جيل يبحث عن أبعاد جديدة لانتمائه.